رفع قانون المالية لسنة 2025 التجميد عن ملف الانتداب في الوظيفة العمومية والقطاع العام، حيث رصد اعتمادات مالية لانتدابات مرتقبة تحتاجها الإدارة في قطاعات ووزارات مختلفة، وهذه الانتدابات الجديدة حتّمتها الحاجة الملحة لسدّ شغورات مهنية مهمة في مختلف الإدارات والمصالح الوظيفية!.
وفي أواخر العشرية الماضية شكّلت كتلة الأجور المتضخّمة في الوظيفة العمومية أزمة كبيرة بالنسبة لكل الحكومات المتعاقبة لتأثيرها المباشر على الموازنات المالية للدولة خاصة بعد الارتفاع الكبير في نسبة الانتدابات غير المدروسة في السنوات الأولى للثورة والتي أغرقت الوظيفة العمومية وضغطت بشكل كبير على النفقات العمومية دون أن تحسّن مردود الإدارة، حيث لم تكن تلك الانتدابات منسجمة مع الحاجيات بقدر ما كانت وسيلة لتهدئة الأوضاع الاجتماعية وامتصاص غضب العاطلين عن العمل..
وهذا أفرز وضعا مختلاّ وكتلة أجور هي من بين كتل الأجور الأكبر في المنطقة مع «جيش من الموظفين» يتجاوز عدده الـ 600 ألف موظف مع كتلة أجور في 2024 في حدود 22.5 مليار دينار وستبلغ هذه السنة حدود 24.4 مليار دينار بسبب الانتدابات الجديدة المزمع القيام بها والقطع مع قرار إيقاف الانتدابات بالوظيفة العمومية الذي تم اتخاذه سنة 2017 مع حكومة يوسف الشاهد وحرصت كل الحكومات المتعاقبة على اعتماد هذا القرار بهدف الضغط على الأجور والتحكم في الموازنات العامة.
اليوم وأمام تدهور الوضع الاجتماعي والطلبات الملحّة تعود حكومة المدّوري لتفتح باب الانتدابات من جديد وتقرّ ذلك في قانون المالية لسنة 2025..
أقرّ قانون المالية الجديد عددا من الانتدابات في مختلف القطاعات في حدود 21.376 ألف وظيفة جديدة في مختلف الوزارات مع نصيب الأسد لوزارة التربية في حدود 9207 خطة ويُفسّر ذلك بتفعيل اتفاق انتداب المعلمين والأساتذة النواب ممن تأخّر انتدابهم، في حين ستكون انتدابات وزارة الصحة في حدود 3500 خطة والدفاع 2778 خطة والداخلية 1529 خطة والعدل 1080 خطة والمالية 836 خطة والشباب والرياضة 700 خطة وتتوزّع بقية الانتدابات والتي هي في حدود 1719 خطة على بقية القطاعات والوزارات.
كما تشتغل الحكومة اليوم على مراجعة مجلة الشغل بالإضافة إلى تمسّك رئيس الجمهورية قيس سعيد بضرورة إلغاء العمل بالمناولة وبعقود التشغيل الهش ودعم مشاريع بعث الشركات الأهلية من قبل أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل في سعي من السلطة التنفيذية اليوم لإيجاد حلول لشفط نسبة البطالة المرتفعة والتي بلغت 16 بالمائة في السنة المنقضية، فيما بلغت نسبة البطالة لدى حاملي الشهادات العليا نسبة 23.4 بالمائة وذلك وفق الإحصائيات التي قدّمها المعهد الوطني للإحصاء.
وكان رئيس الجمهورية في لقائه الأربعاء الماضي مع رئيس الحكومة كمال المدّوري قد شدّد على ضرورة إيجاد سبل لتمويل الصناديق الاجتماعية وفتح باب الانتدابات في المرافق العمومية وفق ما ورد في بلاغ صفحة رئاسة الجمهورية وكان رئيس الدولة قد انتقد ما وصفة بـ«إثقال ميزانية الدولة بعدد من الانتدابات دون وجه حق»، مؤكدا أن هذه السياسية أدت إلى «إفراغ عديد المرافق الحيوية من الإطارات والأعوان ولم تعد قادرة على إسداء الخدمات المطلوبة للمواطنين».
وإذا كان التشغيل حقا دستوريا إلا أن الانتدابات في الوظيفة العمومية على مدى كل السنوات الماضية لم تكن مدروسة بما خلق وضعا مختلاّ من جهة العدد المرتفع، ومن جهة أخرى لم ينعكس ذلك على أداء الإدارة ولا جودة الخدمات المقدمة إلى المواطنين، وهو ما جعل كل الحكومات تواجه صعوبات في تسديد أجور الموظفين ولم يعد بإمكانها فتح باب الانتدابات في الوظيفة العمومية في السنوات الماضية بالنظر إلى تداعيات هذه الخطوة على الموازنات المالية للدولة.
ورغم أن الأوضاع الاقتصادية لم تتحسّن كثيرا عن الفترات السابقة إلا أن حكومة المدّوري أعادت فتح باب الانتدابات تحت ضغط طلبات اجتماعية ملحّة وشغورات لا يمكن تجاهلها اليوم في مواقع إدارية مختلفة رغم أن عددا من المختصين يرون أن كل انتداب جديد في إطار الوضع الراهن يجب أن يكون مبنيا على دراسات معمقة لاحتياجات المرفق العمومي من الرصيد البشري والأخذ بعين الاعتبار النقص الحاد في عدد الموظفين ببعض الإدارات مقابل إثقال كاهل إدارات أخرى بموظفين يتقاضون أجورا دون القيام بأي عمل صلبها. كما يرى البعض الآخر أن السياسة التي يجب أن تعتمدها الحكومة تكرّس إرساء منظومة جديدة للتصرف في الموارد البشرية وتمكّن من تقييم الأداء داخل الإدارة وتدعم التكوين المستمر فضلا عن سد الاحتياجات حسب النقائص.
منية العرفاوي
رفع قانون المالية لسنة 2025 التجميد عن ملف الانتداب في الوظيفة العمومية والقطاع العام، حيث رصد اعتمادات مالية لانتدابات مرتقبة تحتاجها الإدارة في قطاعات ووزارات مختلفة، وهذه الانتدابات الجديدة حتّمتها الحاجة الملحة لسدّ شغورات مهنية مهمة في مختلف الإدارات والمصالح الوظيفية!.
وفي أواخر العشرية الماضية شكّلت كتلة الأجور المتضخّمة في الوظيفة العمومية أزمة كبيرة بالنسبة لكل الحكومات المتعاقبة لتأثيرها المباشر على الموازنات المالية للدولة خاصة بعد الارتفاع الكبير في نسبة الانتدابات غير المدروسة في السنوات الأولى للثورة والتي أغرقت الوظيفة العمومية وضغطت بشكل كبير على النفقات العمومية دون أن تحسّن مردود الإدارة، حيث لم تكن تلك الانتدابات منسجمة مع الحاجيات بقدر ما كانت وسيلة لتهدئة الأوضاع الاجتماعية وامتصاص غضب العاطلين عن العمل..
وهذا أفرز وضعا مختلاّ وكتلة أجور هي من بين كتل الأجور الأكبر في المنطقة مع «جيش من الموظفين» يتجاوز عدده الـ 600 ألف موظف مع كتلة أجور في 2024 في حدود 22.5 مليار دينار وستبلغ هذه السنة حدود 24.4 مليار دينار بسبب الانتدابات الجديدة المزمع القيام بها والقطع مع قرار إيقاف الانتدابات بالوظيفة العمومية الذي تم اتخاذه سنة 2017 مع حكومة يوسف الشاهد وحرصت كل الحكومات المتعاقبة على اعتماد هذا القرار بهدف الضغط على الأجور والتحكم في الموازنات العامة.
اليوم وأمام تدهور الوضع الاجتماعي والطلبات الملحّة تعود حكومة المدّوري لتفتح باب الانتدابات من جديد وتقرّ ذلك في قانون المالية لسنة 2025..
أقرّ قانون المالية الجديد عددا من الانتدابات في مختلف القطاعات في حدود 21.376 ألف وظيفة جديدة في مختلف الوزارات مع نصيب الأسد لوزارة التربية في حدود 9207 خطة ويُفسّر ذلك بتفعيل اتفاق انتداب المعلمين والأساتذة النواب ممن تأخّر انتدابهم، في حين ستكون انتدابات وزارة الصحة في حدود 3500 خطة والدفاع 2778 خطة والداخلية 1529 خطة والعدل 1080 خطة والمالية 836 خطة والشباب والرياضة 700 خطة وتتوزّع بقية الانتدابات والتي هي في حدود 1719 خطة على بقية القطاعات والوزارات.
كما تشتغل الحكومة اليوم على مراجعة مجلة الشغل بالإضافة إلى تمسّك رئيس الجمهورية قيس سعيد بضرورة إلغاء العمل بالمناولة وبعقود التشغيل الهش ودعم مشاريع بعث الشركات الأهلية من قبل أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل في سعي من السلطة التنفيذية اليوم لإيجاد حلول لشفط نسبة البطالة المرتفعة والتي بلغت 16 بالمائة في السنة المنقضية، فيما بلغت نسبة البطالة لدى حاملي الشهادات العليا نسبة 23.4 بالمائة وذلك وفق الإحصائيات التي قدّمها المعهد الوطني للإحصاء.
وكان رئيس الجمهورية في لقائه الأربعاء الماضي مع رئيس الحكومة كمال المدّوري قد شدّد على ضرورة إيجاد سبل لتمويل الصناديق الاجتماعية وفتح باب الانتدابات في المرافق العمومية وفق ما ورد في بلاغ صفحة رئاسة الجمهورية وكان رئيس الدولة قد انتقد ما وصفة بـ«إثقال ميزانية الدولة بعدد من الانتدابات دون وجه حق»، مؤكدا أن هذه السياسية أدت إلى «إفراغ عديد المرافق الحيوية من الإطارات والأعوان ولم تعد قادرة على إسداء الخدمات المطلوبة للمواطنين».
وإذا كان التشغيل حقا دستوريا إلا أن الانتدابات في الوظيفة العمومية على مدى كل السنوات الماضية لم تكن مدروسة بما خلق وضعا مختلاّ من جهة العدد المرتفع، ومن جهة أخرى لم ينعكس ذلك على أداء الإدارة ولا جودة الخدمات المقدمة إلى المواطنين، وهو ما جعل كل الحكومات تواجه صعوبات في تسديد أجور الموظفين ولم يعد بإمكانها فتح باب الانتدابات في الوظيفة العمومية في السنوات الماضية بالنظر إلى تداعيات هذه الخطوة على الموازنات المالية للدولة.
ورغم أن الأوضاع الاقتصادية لم تتحسّن كثيرا عن الفترات السابقة إلا أن حكومة المدّوري أعادت فتح باب الانتدابات تحت ضغط طلبات اجتماعية ملحّة وشغورات لا يمكن تجاهلها اليوم في مواقع إدارية مختلفة رغم أن عددا من المختصين يرون أن كل انتداب جديد في إطار الوضع الراهن يجب أن يكون مبنيا على دراسات معمقة لاحتياجات المرفق العمومي من الرصيد البشري والأخذ بعين الاعتبار النقص الحاد في عدد الموظفين ببعض الإدارات مقابل إثقال كاهل إدارات أخرى بموظفين يتقاضون أجورا دون القيام بأي عمل صلبها. كما يرى البعض الآخر أن السياسة التي يجب أن تعتمدها الحكومة تكرّس إرساء منظومة جديدة للتصرف في الموارد البشرية وتمكّن من تقييم الأداء داخل الإدارة وتدعم التكوين المستمر فضلا عن سد الاحتياجات حسب النقائص.