بأجندة غلب فيها الاقتصادي على السياسي، وبتركيز كبير على الداخل الأمريكي قبل الخارج، تمكن المرشح الجمهوري للرئاسية الأمريكية من "التتويج" رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية للمرة الثانية، ليعود العالم ويتساءل حول استراتيجياته المستقبلية عند دخوله من جديد إلى المكتب البيضاوي، وينطلق في انجاز وعوده الانتخابية والتي تطرح شعارين أساسيين تشبث بهما منذ ولايته الأولى وهما "لنجعل أمريكا عظيمة مجددا" و"أمريكا أولا".
شعاران يختزلان مقاربة ترامب في ما يخص العلاقات الدولية، وفي تكتيك إدارته المستقبلية في بناء العلاقات الدولية، منهجها اقتصادي وتجاري بالأساس وترتكز على اتجاهين وهما تقليل "تكلفة قيادة أمريكا للعالم" وهو اتجاه له محاوره المتعددة وانعكاساته على العلاقات الدولية، و"تخفيض الضرائب على الداخل الأمريكي" وهو ما ستكون له تداعياته على الاقتصاد العالمي.
وإن كان الاتجاه الثاني يصب –بالضرورة- في صالح الاتجاه الأول، فإن نتائج هذه السياسة تعني أن ترامب، يسعى إلى محاولة خلق حالة من الصدمة في الاقتصاد الأمريكي من خلال تخفيض الإنفاق الحكومي وهو ما يعني بالضرورة زيادة الدين العام الأمريكي، وما يطرحه ذلك من سياسات لزيادة نسبة الفائدة الأمريكية وهو ما يعني زيادة قيمة الديون في السوق العالمية وهذا ما تكتوي به دول العالم الثالث، خصوصا وأن هذا التوجه سيقود الإدارة الأمريكية الجديدة لحرب "احتواء" تجارية تُفرض على الصين، وذلك لتعويض خسائر التخفيض الضريبي على المؤسسات والأفراد في الميزانية الأمريكية بمبالغ الضرائب الجمركية وخصوصا على منتوجات بيكين التي تغزو الداخل الأمريكي.
إن ترجمة هذا التوجه، بلغة سياسية، قد تعني أن ترامب لن يحيد عن "إستراتيجية الاحتواء" الأمريكية ضد الصين، وبعدها روسيا ومن خلفهما دول تكتل البريكس، بل سيغير التكتيك بالاعتماد على الاحتواء التجاري بدلا من الاحتواء السياسي والعسكري الذي يكلف دافع الضرائب الأمريكي كثيرا من الأموال، ويحمل واشنطن تكاليف قيادة العالم، وهي تكاليف غير مهمة بالنسبة لترامب، الساعي عكس عقارب بوصلة ضخ الأموال في الحروب والصراعات، نحو إيقافها وتوجيه تلك الأموال إلى الاقتصاد الأمريكي الداخلي، والدخول في تقشف كبير، وهو ما يفسر إلى حد بعيد المقاربة "الإنعزالية" في صيغتها "الترامبية" والتي تبقى بعيدة عن تلك التي تم طرحها عند استقلال الولايات المتحدة الأمريكية، عززها الرئيس الأمريكي جيمس مونرو في سنة 1823، والتي تركز على ضرورة الابتعاد عن التدخل في الحروب في أوروبا، والتركيز على البناء الاقتصادي الأمريكي.
ولكن بالنسبة لترامب فأي تدخل أمريكي، عسكري أو سياسي، فيجب أن تكون له "فاتورة اقتصادية"، أو مردود تجاري على الداخل الأمريكي، بمنطلق براغماتي بحت، تلغى فيه التكاليف التي تدفعها واشنطن لريادتها في العالم و"قطبيتها الوحيدة" في النظام الدولي، إلى مقاربة أخرى تقوم على مبدأ وحيد "ادفع لنحميك"، وهذا ما سيشكل أولوية السياسة الخارجية الأمريكية في المرحلة القادمة، وهو بذلك يرى أنه يجب إنهاء الصراع في أوكرانيا سريعا، والتركيز على إيجاد صفقات متعددة الأطراف بين المتدخلين في الصراع في الشرق الأوسط، وإعادة الطريق التجارية الدولية (التي تمر عبر مضيق باب المندب وقناة السويس والبحر المتوسط) بما يمنح سلاسة في حركة رأس المال وخصوصا في حركة نقل الطاقة، ولكن بمعادلة تمنح كيان الاحتلال العلوية في المنطقة وتزيد من التحامه به، بما يشكل ضمانة للهيمنة الأمريكية، والانطلاق في طريق احتواء أي خطر على تحالف أو قوى تضعف الهيمنة الأمريكية على العالم، وهو هدف الإستراتيجية الأمريكية العامة.
نزار مقني
بأجندة غلب فيها الاقتصادي على السياسي، وبتركيز كبير على الداخل الأمريكي قبل الخارج، تمكن المرشح الجمهوري للرئاسية الأمريكية من "التتويج" رئيسا للولايات المتحدة الأمريكية للمرة الثانية، ليعود العالم ويتساءل حول استراتيجياته المستقبلية عند دخوله من جديد إلى المكتب البيضاوي، وينطلق في انجاز وعوده الانتخابية والتي تطرح شعارين أساسيين تشبث بهما منذ ولايته الأولى وهما "لنجعل أمريكا عظيمة مجددا" و"أمريكا أولا".
شعاران يختزلان مقاربة ترامب في ما يخص العلاقات الدولية، وفي تكتيك إدارته المستقبلية في بناء العلاقات الدولية، منهجها اقتصادي وتجاري بالأساس وترتكز على اتجاهين وهما تقليل "تكلفة قيادة أمريكا للعالم" وهو اتجاه له محاوره المتعددة وانعكاساته على العلاقات الدولية، و"تخفيض الضرائب على الداخل الأمريكي" وهو ما ستكون له تداعياته على الاقتصاد العالمي.
وإن كان الاتجاه الثاني يصب –بالضرورة- في صالح الاتجاه الأول، فإن نتائج هذه السياسة تعني أن ترامب، يسعى إلى محاولة خلق حالة من الصدمة في الاقتصاد الأمريكي من خلال تخفيض الإنفاق الحكومي وهو ما يعني بالضرورة زيادة الدين العام الأمريكي، وما يطرحه ذلك من سياسات لزيادة نسبة الفائدة الأمريكية وهو ما يعني زيادة قيمة الديون في السوق العالمية وهذا ما تكتوي به دول العالم الثالث، خصوصا وأن هذا التوجه سيقود الإدارة الأمريكية الجديدة لحرب "احتواء" تجارية تُفرض على الصين، وذلك لتعويض خسائر التخفيض الضريبي على المؤسسات والأفراد في الميزانية الأمريكية بمبالغ الضرائب الجمركية وخصوصا على منتوجات بيكين التي تغزو الداخل الأمريكي.
إن ترجمة هذا التوجه، بلغة سياسية، قد تعني أن ترامب لن يحيد عن "إستراتيجية الاحتواء" الأمريكية ضد الصين، وبعدها روسيا ومن خلفهما دول تكتل البريكس، بل سيغير التكتيك بالاعتماد على الاحتواء التجاري بدلا من الاحتواء السياسي والعسكري الذي يكلف دافع الضرائب الأمريكي كثيرا من الأموال، ويحمل واشنطن تكاليف قيادة العالم، وهي تكاليف غير مهمة بالنسبة لترامب، الساعي عكس عقارب بوصلة ضخ الأموال في الحروب والصراعات، نحو إيقافها وتوجيه تلك الأموال إلى الاقتصاد الأمريكي الداخلي، والدخول في تقشف كبير، وهو ما يفسر إلى حد بعيد المقاربة "الإنعزالية" في صيغتها "الترامبية" والتي تبقى بعيدة عن تلك التي تم طرحها عند استقلال الولايات المتحدة الأمريكية، عززها الرئيس الأمريكي جيمس مونرو في سنة 1823، والتي تركز على ضرورة الابتعاد عن التدخل في الحروب في أوروبا، والتركيز على البناء الاقتصادي الأمريكي.
ولكن بالنسبة لترامب فأي تدخل أمريكي، عسكري أو سياسي، فيجب أن تكون له "فاتورة اقتصادية"، أو مردود تجاري على الداخل الأمريكي، بمنطلق براغماتي بحت، تلغى فيه التكاليف التي تدفعها واشنطن لريادتها في العالم و"قطبيتها الوحيدة" في النظام الدولي، إلى مقاربة أخرى تقوم على مبدأ وحيد "ادفع لنحميك"، وهذا ما سيشكل أولوية السياسة الخارجية الأمريكية في المرحلة القادمة، وهو بذلك يرى أنه يجب إنهاء الصراع في أوكرانيا سريعا، والتركيز على إيجاد صفقات متعددة الأطراف بين المتدخلين في الصراع في الشرق الأوسط، وإعادة الطريق التجارية الدولية (التي تمر عبر مضيق باب المندب وقناة السويس والبحر المتوسط) بما يمنح سلاسة في حركة رأس المال وخصوصا في حركة نقل الطاقة، ولكن بمعادلة تمنح كيان الاحتلال العلوية في المنطقة وتزيد من التحامه به، بما يشكل ضمانة للهيمنة الأمريكية، والانطلاق في طريق احتواء أي خطر على تحالف أو قوى تضعف الهيمنة الأمريكية على العالم، وهو هدف الإستراتيجية الأمريكية العامة.