إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

في انتظار بلورته وإحداثه.. هل يكون صندوق "الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات" نهاية "المعاناة"؟

 

في ظل ما تواجهه العاملات الفلاحيات من صعوبات ومخاطر يومية عمقت معاناتهن وحولت حياتهن الى "كابوس مُزعج"، مثّل قرار رئيس الجمهورية إحداث صندوق للحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات جرعة أمل في انتظار بعثه وتبلور صيغ تدخلاته، لاسيما أن هذا الصندوق الجديد سيضمن لهن التغطية الصحية وتأمينهن ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية، مع جراية تقاعد لهن، وهو ما قد يخفف متاعبهن.

هن نساء خاصة في الأوساط الريفية دفعتهن الحياة إلى التوجه للعمل الفلاحي بحثا عن قوتهن وقوة عائلاتهن بأجور زهيدة وتحت أشعة الشمس والأمطار.. يتنقلن في "صندوق شاحنات" لا تستجيب لأدنى الشروط منذ الساعات الأولى من فجر كل يوم.. يخرجن من منازلهن في الظلام ولا علم لهن إن كن سيعدن إلى أبنائهن أم لا..

العربات أو "شاحنات الموت" تنقل "النساء الكادحات" لضيعات فلاحية بالعشرات بالرغم من وجود قانون يحظر النقل العشوائي ويجرمه، لكنه لا يطبق على أرض الواقع، وفي وقت يحمل الكثير مسؤولية الكوارث التي يتعرضن لها للسماسرة الذين ينقلن العاملات الفلاحيات خاصة أن الأوساط الأمنية والمحلية بالجهات الريفية تعلم مختلف المعطيات والأطراف المتداخلة..

 قانون جديد لكن..

وللإشارة فقد صدر سنة 2019 القانون عدد 51 الذي ينص على ضرورة إحداث نوع جديد من النقل مُخصص للعاملات في القطاع الفلاحي، لكن يبدو أن الفجوة عميقة بين التشريعات والتطبيق فبعد 5 سنوات لم يتم تطبيقه ما ساهم في تزايد عدد الضحايا في صفوف العاملات الفلاحيات جراء النقل العشوائي الذي كان يستوجب منذ سنوات اتخاذ قرارات حاسمة وتدخلات عاجلة..

وليس النقل لوحده من زاد معاناة هذه الفئة التي "تئن" وتعاني وسط استغلال لجهودهن وأجر زهيد والذي وفقا لما يتم تداوله لا يتجاوز الـ20 دينارا في اليوم الواحد ويكون أقل بكثير من الأجر اليومي للعامل الفلاحي.. لتنضاف بذلك معاناة على معاناة رغم "عطائهن المتواصل" الممزوج بـ"طعم الشقاء" وبفضلهن تدار حلقة "الأمن الغذائي".. ودونهن لن نجد المنتوجات الفلاحية...

تغطية صحية وجراية تقاعد

ولأهمية دور هذه الفئة يجب على الدولة أن تتحرك بـ"السرعة المطلوبة" لإنقاذهن وتشجيعهن حتى يتمكن من مواصلة البذل...

ولعل من بين قرارات الدولة ما أذن به رئيس الجمهورية قيس سعيد، الاثنين الماضي، بالشروع في إعداد نص يتعلق بإحداث صندوق للحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات يضمن لهن التغطية الصحية وتأمينهن ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية، مع جراية تقاعد لهن.

كما أنّ رئيس الحكومة كمال المدوري في لقاء جمعه بأعضاء الحكومة، يوم الاثنين الماضي، أكّد على أنّ أولويات العمل الحكومي تتمثّل أساسا في تعزيز مقومات الدولة الاجتماعية من خلال توسيع نطاق الحماية الاجتماعية، وتحسين الخدمات الصحية..

قرارات نأمل أن ترى النور وألا تبقى حبرا على ورق كغيرها من القرارات والقوانين .

وللإشارة فقد تم إرساء منظومة "احميني" للتغطية الاجتماعية للنساء العاملات في القطاع الفلاحي التي كانت من بين القرارات التي تمت المصادقة عليها في مجلس وزاري خاص بالمرأة في 8 مارس 2019 بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة. وترمي هذه المنظومة إلى إدماج 500 ألف امرأة من المناطق الريفية بما في ذلك جامعات المحار في منظومة التغطية الاجتماعية عبر نظام يراعي خصوصية نشاطهن بما يسمح بتمتيعهن بتغطية صحية لهن ولأطفالهن وبجراية الشيخوخة إلى جانب حمايتهن من حوادث الشغل والطرقات..

تنظيم أنشطة نقل العمال الفلاحيين

وبدوره يشير الأمر الحكومي رقم 724 المؤرخ 31 أوت 2020 إلى عدة معايير تتعلق بشروط تنظيم أنشطة نقل العمال الفلاحيين وشروط استخدام هذه الخدمة، كالإطارات المطاطية الاحتياطية والأدوات اللازمة في حالة العطب البسيط ووجود مطفأة حريق ذات سعة كافية وبحالة جيدة وعلبة صيدلية تحتوي على أدوات  الإسعافات الأولية وملحقاتها ومثلثي خطر ومصباح محمول في مكان مرئي وواضح في السيارة.

وحرصًا على السلامة، يجب أن تستوفي العربة المعدة لنقل العاملات في قطاع الفلاحة، حسب القانون المذكور، سلسلة من المعايير منها  أن تحتوي كل مركبة على عدد محدد مسبقًا من الأماكن وفقًا لطرازها، وأن تحتوي المقطورات على مقاعد حتى لا تضطر العاملات إلى الوقوف، وان يكون كل مقعد مزودًا بحزام أمان.. وأن تكون المركبة مزودة بسلم (ثابت أو متحرك) لتسهيل ركوبها، وأن يتمّ تغطية مقطورة العربة لحماية الراكبين/ات  من العوامل الطبيعية الخارجية مثل الشمس والرياح والأمطار ، وان تكون العربة جاهزة للرحلات على الطرق الوعرة (إطارات الطرق الوعرة)...

كلها وكغيرها من النصوص والقوانين التي بعثت لتُنصف المرأة العاملة في القطاع الفلاحي إلا أنه عند تطبيقها إما تصطدم بواقع يتميز بـ"العراقيل" أو "الشروط المُجحفة" أو بركنها.. فحتى الأرقام الرسمية مُغيبة في علاقة بالحلقة الأضعف في القطاع الفلاحي رغم ما يُقدمن من "مجهودات جبّارة".

"شاحنات الموت"

بداية حديثنا كانت مع منيرة بن صالح منسقة العاملات الفلاحيات بجبنيانة من ولاية صفاقس، التي أكدت في تصريح لـ"الصباح" أن منطقتها كانت أول جهة أثارت ملف العاملات الفلاحيات ونُظمت بها وقفة احتجاجية سنة 2020 شاركت فيها 400 عاملة تلتها سلسلة تحركات تُوّجت سنة 2021 بتأسيس نقابة العاملات وبعد ذلك تأسست نقابات أخرى في سليانة والقصرين والقيروان وسيدي بوزيد..

واعتبرت بن صالح أنّ مشكل النقل يمثل معاناة كبيرة تعيشها العاملات الفلاحيات إذ أنّ ظروف نقلهن إلى الحقول أقل ما يقال عنها "مُهينة وغير آمنة"، حسب تعبيرها، مُوضحة أنّ "السمسار ينقلهن بطريقة لا تليق بهن ويسكب الماء في صناديق الشاحنات حتى لا يجلسن ويتم نقلهن إلى أماكن العمل مقابل 5 دنانير عن كل عاملة يتم اقتطاعها مباشرة من أجرة يوم عمل".

كما أفادت أنّ كلّ عاملة تتذمر من ظروف النقل ينتهي الأمر بإيقافها عن العمل إضافة إلى أنّ معظم العاملات الفلاحيات ليس لهنّ تغطية اجتماعية.

طبيعة العمل أيضا من بين "المعاناة" اليومية للعاملات إذ تكلفن، وفق قولها، بأشغال شاقة في المجال الفلاحي ما قد يترتب عنه أمراض عدة كأمراض جلدية وتنفسية ونفسانية .

رسالة طمأنة

وبخصوص قرار رئيس الجمهورية، أكدت محدثتنا "أن هنالك عشرات الآلاف من العاملات الفلاحيات وهنالك تداخل للوزارات المعنية بالموضوع ولم تحدّد لا ملامح هذا الصندوق ولا كيفية عمله".. وقالت: "يمكن أنها رسالة طمأنة.. فالقوانين عندما تصدر في تونس في علاقة بملف العاملات الفلاحيات لا تطبق مباشرة.. واليوم أهم ملف هو ملف العاملات الفلاحيات وسيأتي يوم ما ونوقف عملنا ولو ليومين لنبحث عمن سيتولى جمع الخضر والغلال.. فالحقوق تفتك ولا تهدى".

وفي ختام حديثها تساءلت عن أسباب عدم تطبيق الوحدات الأمنية للقانون ضدّ "السماسرة" الذين يتولون نقل العاملات في "شاحنات الموت"، حسب وصفها.

ظروف "قاسية"

من جانبها أكدت نادية حسني عاملة فلاحية، لـ"الصباح" أن العمل يتم في ظروف "قاسية جدا لأبعد الحدود"، قائلة: "نعمل دون رحمة تحت أشعة الشمس وفي الشهيلي وتحت الأمطار.. وبأجر زهيد لا يقابل ما نعيشه".

وفي سياق آخر، عبّرت عن أملها في أن يتم تطبيق القرار الرئاسي الأخير على أرض الواقع وأن يتم إنصافهنّ وهنّ اللواتي يوفرن "لقمة العيش" للشعب التونسي.. وأضافت: "كل مرة نأمل تطورا باتخاذ قرارات لكن للأسف لا تطبّق على أرض الواقع.. صحيح القرار ايجابي وأفرحنا لكن الى حين أن يقع تطبيقه ستتواصل مُعاناتنا".

عراقيل وصعوبات

أما ماهر الخليفي صاحب مشروع "أحميني" فأكّد في تصريح لـ"الصباح" أنه رغم تنقيح قانون الحماية الاجتماعية عدد 32 لسنة 2002 سنة 2019 إلا أنّه "لم يكن حلا" و"اصطدم بعدة عراقيل ترتبت عنها عدم انخراط للعاملات الفلاحيات في منظومة الحماية الاجتماعية باعتبار أنه لا يلبي حاجيات العاملات الكادحات كما لا يتماشى وما يتقاضونه.

كما أفاد أن "مشروع احميني اليوم وضع تطبيقة للتأمين المجزأ أو الصغير لفائدة العاملات الفلاحيات تحت عنوان "حماية مُستدامة" توفر تأمينا شخصيا للعاملات في القطاع الفلاحي، حيث انطلق العمل بهذه التطبيقة منذ أسبوعين وبها حاليا 20 عاملة تحصلن على بطاقة التأمين و680 سجلن في هذه التطبيقة" .

 وفي سياق آخر، قال انه منذ بداية سنة 2024 سجلت 6 حوادث نقل للعاملات في القطاع الفلاحي، مما أسفر عن مقتل 4 عاملات وإصابة أكثر من 78 عاملة.

وبخصوص عدد العاملات الفلاحيات، قال إنّ عددهن يقارب الـ236 ألف تمثلن 86 بالمائة من مجموع العاملين بالقطاع الفلاحي.

وأشار الخليفي إلى وجود ارقام تتحدث عن انخراط 32 بالمائة من العاملات في القطاع الفلاحي بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لكنه استدرك بالقول: "هذا الرقم غير مؤكد  وحسب التقديرات لا يتجاوز 13 بالمائة".

صندوق العاملات الفلاحيات قرار هام

وفي سياق آخر، وعن قرار رئيس الجمهورية قيس سعيد الإذن بإحداث صندوق للحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات، ردّ بالقول: "صراحة أفضل قرار اتخذ لفائدة العاملات في القطاع الفلاحي بإنشاء صندوق خاص".

وأوضح الخليفي: "أولا سيكون قانون خاص جديد ولا وجود لقوانين أخرى قد تعطله.. كما يمكن أن يكون هنالك تمويلات هامة وانخراط لمنظمات دولية تقف إلى جانب الدولة التونسية في هذا الإطار لطبيعة المعنيين بهذا الصندوق.. وقد تكون هنالك امتيازات تكاد تكون مهمة تلبي حاجيات هذه الفئة المُهمشة.. كما يمكن تفعيل قانون النقل الفلاحي وإسناد رخص خاصة وأن هذا القانون مُعطل في مستوى وزارة النقل في انتظار أن يتم تغييره.. كما ستكون هنالك إدارة عامة خاصة بالصندوق الجديد مما يضمن رؤية جدية لهؤلاء العاملات في إطار الإدماج المالي والاقتصادي.. وهو ما سيجعلنا نذهب الى بعيد ونلبي حاجيات المرأة العاملة في القطاع الفلاحي".

سماسرة وابتزاز..

أمّا ياسر سويلمي مدير "مشروع حلول" الذي يعنى بالسياسات العمومية، فأكّد لـ"الصباح" "وجود إشكال كبير بين القوانين وصياغتها وتطبيقها على أرض الواقع والأمثلة مُتعددة، من ذلك وجود إحالات (أوامر ترتيبية) صلب القوانين الأساسية من ذلك القانون الاقتصادي والاجتماعي والذي أصدر في سنة 2019 وكذلك ما حدث في قانون رقم 52 المتعلق بالنقل الفلاحي الصادر في سنة 2019 والذي يخصص أساسا للعملة والعاملات الفلاحيات وتم وضع إحالة لأمر ترتيبي غير أنّ هذا الأمر به شروط تعجيزية حالت دون العمل بالقانون المنظم للنقل الفلاحي وكأنه اجهض القانون قبل ولادته"، وفق تعبيره.

ولم يخف سويلمي ما تبديه العاملات الفلاحيات من تخوفات من قطع مصدر عيشهن، حيث أصبح النقل آخر اهتمامهن وتوفر الشغل على رأس قائمة مشاغلهن، مُوضحا: "من يُؤمّن اليوم نقل العملة هم السماسرة الذين يوفرون العمل، وهو ما أكدت عدة استجوابات لمشروع حلول إذ أنه يتم إقصاء العاملات اللواتي يشتكين من ظروف النقل.. وكأنه نوع من الابتزاز".

وفي ذات الإطار، قال: "اقترحنا أن الحل يتمثل في أن يكون هنالك تفرقة بين دور السمسار ومن ينقل النساء وذلك بإيجاد فرص العمل من قبل إحدى المؤسسات العمومية أو إحداث شركات أهلية تعنى بتوفير العمل على امتداد السنة على أن تبقى مسألة نقل مُحدّدة بالقانون المحدث في الغرض والذي ننتظر تطبيقه على أرض الواقع".

وواصل بالقول انه "تمت توصية وزارة النقل لصياغة إطار تشريعي استثنائي للنقل الفلاحي يسمح بإجراء تعديلات على العربات المخصصة للنقل الفلاحي من أجل الحصول على شهادة الفحص الفني ووضع كراس شروط يوضح معايير تعديل عربات النقل الفلاحي وترخيص نشاط التعديل غير أنّ هذا المطلب لاقى رفضا مباشرا وصريحا"، حسب تأكيده.

ومن جهة أخرى، ذكّر بتوجيه مشروع "حلول" الدعوة للحكومة أيضًا القيام بإصلاح شامل لنظام الضمان الاجتماعي بحيث تتم ملاءمته مع العاملات الفلاحيات باتجاه تعميمه وضمان تغطية اجتماعية عادلة سهلة  الوصول مما سيؤدي الى انخراط العمال الفلاحيين في مكاتب التشغيل لدى خلايا الإرشاد الفلاحي إلى إنشاء قاعدة بيانات يمكن للحكومة أن تعتمد عليها في إصلاحاتها (عدد المنتمين، الحالة الاجتماعية، الوضعية المادية.. مما سيساهم في حماية العمال والعاملات من مخاطر التنقل من خلال اعتماد نظام الحيطة الاجتماعية المطبق على جميع العمال والعاملات المسجلين.ات في سجل تحتفظ به سلطة جهوية أو اللجنة الجهوية للفلاحة، وفقًا للقانون رقم 2019-51."

أمّا بخصوص الخطوة التي أعلن عنها رئيس الجمهورية قيس سعيد، فقال إنها تتطلب نصوصا قانونية تُحدث في الغرض ويجب أن تأخذ بعين الاعتبار وضعية العاملات وهل أنهن يقبلن بأن يتم الاقتطاع من أجورهن الزهيدة، هذا في صورة إن كان الصندوق شبيها بطبيعة عمل الصناديق الاجتماعية الأخرى، على أن يتم العمل بالتشارك مع المعنيين بهذا القانون. كما أشار إلى أنّ إحداث الصندوق يتطلب وقتا للتنفيذ، متسائلا عن "أسباب عدم تطوير المنظومة الموجودة عوض البناء من الصفر"، حسب تعبيره.

عبير الطرابلسي

في انتظار بلورته وإحداثه..   هل يكون صندوق "الحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات" نهاية "المعاناة"؟

 

في ظل ما تواجهه العاملات الفلاحيات من صعوبات ومخاطر يومية عمقت معاناتهن وحولت حياتهن الى "كابوس مُزعج"، مثّل قرار رئيس الجمهورية إحداث صندوق للحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات جرعة أمل في انتظار بعثه وتبلور صيغ تدخلاته، لاسيما أن هذا الصندوق الجديد سيضمن لهن التغطية الصحية وتأمينهن ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية، مع جراية تقاعد لهن، وهو ما قد يخفف متاعبهن.

هن نساء خاصة في الأوساط الريفية دفعتهن الحياة إلى التوجه للعمل الفلاحي بحثا عن قوتهن وقوة عائلاتهن بأجور زهيدة وتحت أشعة الشمس والأمطار.. يتنقلن في "صندوق شاحنات" لا تستجيب لأدنى الشروط منذ الساعات الأولى من فجر كل يوم.. يخرجن من منازلهن في الظلام ولا علم لهن إن كن سيعدن إلى أبنائهن أم لا..

العربات أو "شاحنات الموت" تنقل "النساء الكادحات" لضيعات فلاحية بالعشرات بالرغم من وجود قانون يحظر النقل العشوائي ويجرمه، لكنه لا يطبق على أرض الواقع، وفي وقت يحمل الكثير مسؤولية الكوارث التي يتعرضن لها للسماسرة الذين ينقلن العاملات الفلاحيات خاصة أن الأوساط الأمنية والمحلية بالجهات الريفية تعلم مختلف المعطيات والأطراف المتداخلة..

 قانون جديد لكن..

وللإشارة فقد صدر سنة 2019 القانون عدد 51 الذي ينص على ضرورة إحداث نوع جديد من النقل مُخصص للعاملات في القطاع الفلاحي، لكن يبدو أن الفجوة عميقة بين التشريعات والتطبيق فبعد 5 سنوات لم يتم تطبيقه ما ساهم في تزايد عدد الضحايا في صفوف العاملات الفلاحيات جراء النقل العشوائي الذي كان يستوجب منذ سنوات اتخاذ قرارات حاسمة وتدخلات عاجلة..

وليس النقل لوحده من زاد معاناة هذه الفئة التي "تئن" وتعاني وسط استغلال لجهودهن وأجر زهيد والذي وفقا لما يتم تداوله لا يتجاوز الـ20 دينارا في اليوم الواحد ويكون أقل بكثير من الأجر اليومي للعامل الفلاحي.. لتنضاف بذلك معاناة على معاناة رغم "عطائهن المتواصل" الممزوج بـ"طعم الشقاء" وبفضلهن تدار حلقة "الأمن الغذائي".. ودونهن لن نجد المنتوجات الفلاحية...

تغطية صحية وجراية تقاعد

ولأهمية دور هذه الفئة يجب على الدولة أن تتحرك بـ"السرعة المطلوبة" لإنقاذهن وتشجيعهن حتى يتمكن من مواصلة البذل...

ولعل من بين قرارات الدولة ما أذن به رئيس الجمهورية قيس سعيد، الاثنين الماضي، بالشروع في إعداد نص يتعلق بإحداث صندوق للحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات يضمن لهن التغطية الصحية وتأمينهن ضد حوادث الشغل والأمراض المهنية، مع جراية تقاعد لهن.

كما أنّ رئيس الحكومة كمال المدوري في لقاء جمعه بأعضاء الحكومة، يوم الاثنين الماضي، أكّد على أنّ أولويات العمل الحكومي تتمثّل أساسا في تعزيز مقومات الدولة الاجتماعية من خلال توسيع نطاق الحماية الاجتماعية، وتحسين الخدمات الصحية..

قرارات نأمل أن ترى النور وألا تبقى حبرا على ورق كغيرها من القرارات والقوانين .

وللإشارة فقد تم إرساء منظومة "احميني" للتغطية الاجتماعية للنساء العاملات في القطاع الفلاحي التي كانت من بين القرارات التي تمت المصادقة عليها في مجلس وزاري خاص بالمرأة في 8 مارس 2019 بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للمرأة. وترمي هذه المنظومة إلى إدماج 500 ألف امرأة من المناطق الريفية بما في ذلك جامعات المحار في منظومة التغطية الاجتماعية عبر نظام يراعي خصوصية نشاطهن بما يسمح بتمتيعهن بتغطية صحية لهن ولأطفالهن وبجراية الشيخوخة إلى جانب حمايتهن من حوادث الشغل والطرقات..

تنظيم أنشطة نقل العمال الفلاحيين

وبدوره يشير الأمر الحكومي رقم 724 المؤرخ 31 أوت 2020 إلى عدة معايير تتعلق بشروط تنظيم أنشطة نقل العمال الفلاحيين وشروط استخدام هذه الخدمة، كالإطارات المطاطية الاحتياطية والأدوات اللازمة في حالة العطب البسيط ووجود مطفأة حريق ذات سعة كافية وبحالة جيدة وعلبة صيدلية تحتوي على أدوات  الإسعافات الأولية وملحقاتها ومثلثي خطر ومصباح محمول في مكان مرئي وواضح في السيارة.

وحرصًا على السلامة، يجب أن تستوفي العربة المعدة لنقل العاملات في قطاع الفلاحة، حسب القانون المذكور، سلسلة من المعايير منها  أن تحتوي كل مركبة على عدد محدد مسبقًا من الأماكن وفقًا لطرازها، وأن تحتوي المقطورات على مقاعد حتى لا تضطر العاملات إلى الوقوف، وان يكون كل مقعد مزودًا بحزام أمان.. وأن تكون المركبة مزودة بسلم (ثابت أو متحرك) لتسهيل ركوبها، وأن يتمّ تغطية مقطورة العربة لحماية الراكبين/ات  من العوامل الطبيعية الخارجية مثل الشمس والرياح والأمطار ، وان تكون العربة جاهزة للرحلات على الطرق الوعرة (إطارات الطرق الوعرة)...

كلها وكغيرها من النصوص والقوانين التي بعثت لتُنصف المرأة العاملة في القطاع الفلاحي إلا أنه عند تطبيقها إما تصطدم بواقع يتميز بـ"العراقيل" أو "الشروط المُجحفة" أو بركنها.. فحتى الأرقام الرسمية مُغيبة في علاقة بالحلقة الأضعف في القطاع الفلاحي رغم ما يُقدمن من "مجهودات جبّارة".

"شاحنات الموت"

بداية حديثنا كانت مع منيرة بن صالح منسقة العاملات الفلاحيات بجبنيانة من ولاية صفاقس، التي أكدت في تصريح لـ"الصباح" أن منطقتها كانت أول جهة أثارت ملف العاملات الفلاحيات ونُظمت بها وقفة احتجاجية سنة 2020 شاركت فيها 400 عاملة تلتها سلسلة تحركات تُوّجت سنة 2021 بتأسيس نقابة العاملات وبعد ذلك تأسست نقابات أخرى في سليانة والقصرين والقيروان وسيدي بوزيد..

واعتبرت بن صالح أنّ مشكل النقل يمثل معاناة كبيرة تعيشها العاملات الفلاحيات إذ أنّ ظروف نقلهن إلى الحقول أقل ما يقال عنها "مُهينة وغير آمنة"، حسب تعبيرها، مُوضحة أنّ "السمسار ينقلهن بطريقة لا تليق بهن ويسكب الماء في صناديق الشاحنات حتى لا يجلسن ويتم نقلهن إلى أماكن العمل مقابل 5 دنانير عن كل عاملة يتم اقتطاعها مباشرة من أجرة يوم عمل".

كما أفادت أنّ كلّ عاملة تتذمر من ظروف النقل ينتهي الأمر بإيقافها عن العمل إضافة إلى أنّ معظم العاملات الفلاحيات ليس لهنّ تغطية اجتماعية.

طبيعة العمل أيضا من بين "المعاناة" اليومية للعاملات إذ تكلفن، وفق قولها، بأشغال شاقة في المجال الفلاحي ما قد يترتب عنه أمراض عدة كأمراض جلدية وتنفسية ونفسانية .

رسالة طمأنة

وبخصوص قرار رئيس الجمهورية، أكدت محدثتنا "أن هنالك عشرات الآلاف من العاملات الفلاحيات وهنالك تداخل للوزارات المعنية بالموضوع ولم تحدّد لا ملامح هذا الصندوق ولا كيفية عمله".. وقالت: "يمكن أنها رسالة طمأنة.. فالقوانين عندما تصدر في تونس في علاقة بملف العاملات الفلاحيات لا تطبق مباشرة.. واليوم أهم ملف هو ملف العاملات الفلاحيات وسيأتي يوم ما ونوقف عملنا ولو ليومين لنبحث عمن سيتولى جمع الخضر والغلال.. فالحقوق تفتك ولا تهدى".

وفي ختام حديثها تساءلت عن أسباب عدم تطبيق الوحدات الأمنية للقانون ضدّ "السماسرة" الذين يتولون نقل العاملات في "شاحنات الموت"، حسب وصفها.

ظروف "قاسية"

من جانبها أكدت نادية حسني عاملة فلاحية، لـ"الصباح" أن العمل يتم في ظروف "قاسية جدا لأبعد الحدود"، قائلة: "نعمل دون رحمة تحت أشعة الشمس وفي الشهيلي وتحت الأمطار.. وبأجر زهيد لا يقابل ما نعيشه".

وفي سياق آخر، عبّرت عن أملها في أن يتم تطبيق القرار الرئاسي الأخير على أرض الواقع وأن يتم إنصافهنّ وهنّ اللواتي يوفرن "لقمة العيش" للشعب التونسي.. وأضافت: "كل مرة نأمل تطورا باتخاذ قرارات لكن للأسف لا تطبّق على أرض الواقع.. صحيح القرار ايجابي وأفرحنا لكن الى حين أن يقع تطبيقه ستتواصل مُعاناتنا".

عراقيل وصعوبات

أما ماهر الخليفي صاحب مشروع "أحميني" فأكّد في تصريح لـ"الصباح" أنه رغم تنقيح قانون الحماية الاجتماعية عدد 32 لسنة 2002 سنة 2019 إلا أنّه "لم يكن حلا" و"اصطدم بعدة عراقيل ترتبت عنها عدم انخراط للعاملات الفلاحيات في منظومة الحماية الاجتماعية باعتبار أنه لا يلبي حاجيات العاملات الكادحات كما لا يتماشى وما يتقاضونه.

كما أفاد أن "مشروع احميني اليوم وضع تطبيقة للتأمين المجزأ أو الصغير لفائدة العاملات الفلاحيات تحت عنوان "حماية مُستدامة" توفر تأمينا شخصيا للعاملات في القطاع الفلاحي، حيث انطلق العمل بهذه التطبيقة منذ أسبوعين وبها حاليا 20 عاملة تحصلن على بطاقة التأمين و680 سجلن في هذه التطبيقة" .

 وفي سياق آخر، قال انه منذ بداية سنة 2024 سجلت 6 حوادث نقل للعاملات في القطاع الفلاحي، مما أسفر عن مقتل 4 عاملات وإصابة أكثر من 78 عاملة.

وبخصوص عدد العاملات الفلاحيات، قال إنّ عددهن يقارب الـ236 ألف تمثلن 86 بالمائة من مجموع العاملين بالقطاع الفلاحي.

وأشار الخليفي إلى وجود ارقام تتحدث عن انخراط 32 بالمائة من العاملات في القطاع الفلاحي بالصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، لكنه استدرك بالقول: "هذا الرقم غير مؤكد  وحسب التقديرات لا يتجاوز 13 بالمائة".

صندوق العاملات الفلاحيات قرار هام

وفي سياق آخر، وعن قرار رئيس الجمهورية قيس سعيد الإذن بإحداث صندوق للحماية الاجتماعية للعاملات الفلاحيات، ردّ بالقول: "صراحة أفضل قرار اتخذ لفائدة العاملات في القطاع الفلاحي بإنشاء صندوق خاص".

وأوضح الخليفي: "أولا سيكون قانون خاص جديد ولا وجود لقوانين أخرى قد تعطله.. كما يمكن أن يكون هنالك تمويلات هامة وانخراط لمنظمات دولية تقف إلى جانب الدولة التونسية في هذا الإطار لطبيعة المعنيين بهذا الصندوق.. وقد تكون هنالك امتيازات تكاد تكون مهمة تلبي حاجيات هذه الفئة المُهمشة.. كما يمكن تفعيل قانون النقل الفلاحي وإسناد رخص خاصة وأن هذا القانون مُعطل في مستوى وزارة النقل في انتظار أن يتم تغييره.. كما ستكون هنالك إدارة عامة خاصة بالصندوق الجديد مما يضمن رؤية جدية لهؤلاء العاملات في إطار الإدماج المالي والاقتصادي.. وهو ما سيجعلنا نذهب الى بعيد ونلبي حاجيات المرأة العاملة في القطاع الفلاحي".

سماسرة وابتزاز..

أمّا ياسر سويلمي مدير "مشروع حلول" الذي يعنى بالسياسات العمومية، فأكّد لـ"الصباح" "وجود إشكال كبير بين القوانين وصياغتها وتطبيقها على أرض الواقع والأمثلة مُتعددة، من ذلك وجود إحالات (أوامر ترتيبية) صلب القوانين الأساسية من ذلك القانون الاقتصادي والاجتماعي والذي أصدر في سنة 2019 وكذلك ما حدث في قانون رقم 52 المتعلق بالنقل الفلاحي الصادر في سنة 2019 والذي يخصص أساسا للعملة والعاملات الفلاحيات وتم وضع إحالة لأمر ترتيبي غير أنّ هذا الأمر به شروط تعجيزية حالت دون العمل بالقانون المنظم للنقل الفلاحي وكأنه اجهض القانون قبل ولادته"، وفق تعبيره.

ولم يخف سويلمي ما تبديه العاملات الفلاحيات من تخوفات من قطع مصدر عيشهن، حيث أصبح النقل آخر اهتمامهن وتوفر الشغل على رأس قائمة مشاغلهن، مُوضحا: "من يُؤمّن اليوم نقل العملة هم السماسرة الذين يوفرون العمل، وهو ما أكدت عدة استجوابات لمشروع حلول إذ أنه يتم إقصاء العاملات اللواتي يشتكين من ظروف النقل.. وكأنه نوع من الابتزاز".

وفي ذات الإطار، قال: "اقترحنا أن الحل يتمثل في أن يكون هنالك تفرقة بين دور السمسار ومن ينقل النساء وذلك بإيجاد فرص العمل من قبل إحدى المؤسسات العمومية أو إحداث شركات أهلية تعنى بتوفير العمل على امتداد السنة على أن تبقى مسألة نقل مُحدّدة بالقانون المحدث في الغرض والذي ننتظر تطبيقه على أرض الواقع".

وواصل بالقول انه "تمت توصية وزارة النقل لصياغة إطار تشريعي استثنائي للنقل الفلاحي يسمح بإجراء تعديلات على العربات المخصصة للنقل الفلاحي من أجل الحصول على شهادة الفحص الفني ووضع كراس شروط يوضح معايير تعديل عربات النقل الفلاحي وترخيص نشاط التعديل غير أنّ هذا المطلب لاقى رفضا مباشرا وصريحا"، حسب تأكيده.

ومن جهة أخرى، ذكّر بتوجيه مشروع "حلول" الدعوة للحكومة أيضًا القيام بإصلاح شامل لنظام الضمان الاجتماعي بحيث تتم ملاءمته مع العاملات الفلاحيات باتجاه تعميمه وضمان تغطية اجتماعية عادلة سهلة  الوصول مما سيؤدي الى انخراط العمال الفلاحيين في مكاتب التشغيل لدى خلايا الإرشاد الفلاحي إلى إنشاء قاعدة بيانات يمكن للحكومة أن تعتمد عليها في إصلاحاتها (عدد المنتمين، الحالة الاجتماعية، الوضعية المادية.. مما سيساهم في حماية العمال والعاملات من مخاطر التنقل من خلال اعتماد نظام الحيطة الاجتماعية المطبق على جميع العمال والعاملات المسجلين.ات في سجل تحتفظ به سلطة جهوية أو اللجنة الجهوية للفلاحة، وفقًا للقانون رقم 2019-51."

أمّا بخصوص الخطوة التي أعلن عنها رئيس الجمهورية قيس سعيد، فقال إنها تتطلب نصوصا قانونية تُحدث في الغرض ويجب أن تأخذ بعين الاعتبار وضعية العاملات وهل أنهن يقبلن بأن يتم الاقتطاع من أجورهن الزهيدة، هذا في صورة إن كان الصندوق شبيها بطبيعة عمل الصناديق الاجتماعية الأخرى، على أن يتم العمل بالتشارك مع المعنيين بهذا القانون. كما أشار إلى أنّ إحداث الصندوق يتطلب وقتا للتنفيذ، متسائلا عن "أسباب عدم تطوير المنظومة الموجودة عوض البناء من الصفر"، حسب تعبيره.

عبير الطرابلسي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews