تواجه تونس اختبارًا ماليًا حاسمًا في النصف الثاني من العام الجاري، حيث يتوجب عليها سداد ديون تبلغ قيمتها حوالي 4 مليارات دولار. يأتي هذا في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات اقتصادية متراكمة، مما يضع الحكومة تحت ضغوط شديدة لاتخاذ تدابير عاجلة لإنقاذ الاقتصاد الوطني. في هذا المقال، سنستعرض أبعاد الأزمة، والتحديات التي تواجهها تونس، والسبل الممكنة للخروج من هذا المأزق.
منذ الثورة التونسية في 2011، تعاني البلاد من تراجع اقتصادي مستمر. على الرغم من الجهود الحكومية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، فإن الأوضاع لم تتحسن بالشكل المطلوب. تسببت عوامل متعددة، منها التوترات الإقليمية والاضطرابات الاجتماعية، في زيادة الضغوط على الاقتصاد التونسي.
يبلغ إجمالي ديون تونس الخارجية حوالي 40 مليار دولار، مما يعادل أكثر من 90% من الناتج المحلي الإجمالي. ومن بين هذه الديون، يتوجب على تونس سداد حوالي 4 مليارات دولار في النصف الثاني من هذا العام، موزعة بين دفعات مستحقة للبنوك الدولية والمؤسسات المالية، بالإضافة إلى ديون ثنائية مع دول أخرى.
وحول تفاصيل الديون المتبقية على تونس خلال النصف الثاني من العام الجاري، نجد أن تونس مطالبة بتسديد ديون لصندوق النقد الدولي بحوالي 1.2 مليار دولار. هذه الديون هي جزء من برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم الاتفاق عليه مع الصندوق لدعم الاقتصاد التونسي، كذلك هناك ديون مستحقة للبنك الدولي بحوالي 800 مليون دولار. هذه الديون تمثل تمويلات لمشاريع تنموية في مجالات البنية التحتية، والتعليم، والصحة.
إضافة الى ذلك، هناك ديون مستحقة للبنك الإفريقي للتنمية بحوالي 500 مليون دولار. هذه الديون هي جزء من برامج تمويلية لدعم مشاريع التنمية المستدامة في تونس.
ديون ثنائية
وعلى غرار ديون المؤسسات الدولية، تبلغ الديون المستحقة لفرنسا لهذه السنة حوالي 600 مليون دولار. هذه الديون تشمل قروضا ميسرة تم تقديمها لدعم الاقتصاد التونسي ومشاريع التنمية. كما هناك ديون مستحقة لألمانيا، تبلغ بحوالي 400 مليون دولار. هذه الديون تتعلق بتمويلات لمشاريع البنية التحتية والطاقة المتجددة.
وبالإضافة الى ديون أوروبا، تبلغ الديون المستحقة لدول الخليج (بالأخص السعودية والإمارات) حوالي 300 مليون دولار. هذه الديون تأتي في إطار الدعم المالي الذي تم تقديمه لتونس خلال السنوات الأخيرة. كما هناك ديون مستحقة للمؤسسات المالية الخاصة بحوالي 200 مليون دولار. هذه الديون تأتي من قروض تم الحصول عليها من البنوك الاستثمارية الخاصة لدعم مشاريع البنية التحتية والتنمية، بالإضافة الى الديون المستحقة لسندات اليورو حوالي 200 مليون دولار. هذه السندات تم إصدارها في الأسواق المالية الدولية لجذب استثمارات لدعم الاقتصاد التونسي.
ضغوط على الاحتياطيات النقدية
سداد هذه الديون سيؤدي إلى انخفاض الاحتياطيات النقدية في البنك المركزي التونسي، مما يزيد من الضغط على العملة المحلية، وقد يؤدي إلى انخفاض قيمتها. ومن المرتقب أن يزداد عجز الميزانية حيث أن الحكومة التونسية ستحتاج إلى تخصيص جزء كبير من الإيرادات لسداد الديون، مما يزيد من عجز الميزانية ويقلل من الأموال المتاحة للاستثمار في القطاعات الحيوية.
وقد تضطر الحكومة إلى تقليص الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية، والبنية \التحتية بسبب الالتزامات الكبيرة لسداد الديون، مما يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية.
وحسب ما كشف عنه بعض خبراء الاقتصاد لـ"الصباح"، فإنه يمكن للحكومة التونسية الدخول في مفاوضات مع الدائنين لإعادة جدولة الديون المستحقة، مما يمنحها وقتًا إضافيًا لتحسين الأوضاع الاقتصادية، بالإضافة الى التوجه إلى المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي للحصول على قروض جديدة بشروط ميسرة، ويمكن أن يساعد ذلك على توفير السيولة اللازمة لسداد الديون المستحقة.
تعزيز الإيرادات الحكومية
ومن خلال تحسين كفاءة التحصيل الضريبي ومكافحة التهرب الضريبي، يمكن للحكومة زيادة الإيرادات المتاحة لسداد الديون دون اللجوء إلى المزيد من القروض. كما يمكن تنفيذ سياسات اقتصادية تشجع على الاستثمار وزيادة الإنتاج، حيث يساعد ذلك في تحسين النمو الاقتصادي وزيادة الإيرادات الحكومية.
ومن الضروري خلال المرحلة الحالية وفي ظل الصعوبات العالمية، طلب الدعم المالي والفني من الدول الصديقة والشركاء الدوليين، حيث يمكن أن يساعد في تخفيف الضغوط المالية على الحكومة التونسية وتوفير السيولة اللازمة لسداد الديون.
ويشكل تراجع النمو الاقتصادي في تونس إلى مستويات منخفضة تحديا جديدا تزامنا مع ارتفاع الديون المستحقة لسنة 2024، إذ لم يتجاوز النمو السنوي 2% في السنوات الأخيرة. هذا النمو البطيء لا يكفي لتوليد إيرادات كافية تمكن الحكومة من سداد ديونها أو تحسين مستوى المعيشة للمواطنين. وتعد البطالة من أكبر التحديات التي تواجهها تونس، حيث تتجاوز نسبة البطالة 15%، وتصل بين الشباب إلى أكثر من 30%. هذه النسب المرتفعة تضغط على النسيج الاجتماعي وتقلل من فرص الحكومة في تحصيل الضرائب.
كما تشهد تونس عودة لمعدلات التضخم المرتفعة، والتي بلغت وفق آخر تقرير رسمي، أول أمس، 7.3%، مما يؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين وزيادة تكلفة المعيشة. هذا الوضع يزيد من الصعوبات الاقتصادية ويقلل من الاستقرار المالي.
جدير بالذكر، أن وزيرة المالية سهام بوغديري نمصية، كانت قد أعلنت مؤخرا، أن الجمهورية التونسية سددت خلال النصف الأول من عام 2023 قروضا خارجية مستحقة بقيمة 11.6 مليار دينار (3.7 مليارات دولار). وجاء ذلك في تصريحات لها خلال جلسة للبرلمان للتصديق على اتفاقية تمويل بقيمة 156 مليون يورو (173 مليون دولار) تم إبرامها بين تونس ومجموعة من البنوك المحلية لتمويل ميزانية الدولة.
سفيان المهداوي
تونس- الصباح
تواجه تونس اختبارًا ماليًا حاسمًا في النصف الثاني من العام الجاري، حيث يتوجب عليها سداد ديون تبلغ قيمتها حوالي 4 مليارات دولار. يأتي هذا في وقت تعاني فيه البلاد من أزمات اقتصادية متراكمة، مما يضع الحكومة تحت ضغوط شديدة لاتخاذ تدابير عاجلة لإنقاذ الاقتصاد الوطني. في هذا المقال، سنستعرض أبعاد الأزمة، والتحديات التي تواجهها تونس، والسبل الممكنة للخروج من هذا المأزق.
منذ الثورة التونسية في 2011، تعاني البلاد من تراجع اقتصادي مستمر. على الرغم من الجهود الحكومية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، فإن الأوضاع لم تتحسن بالشكل المطلوب. تسببت عوامل متعددة، منها التوترات الإقليمية والاضطرابات الاجتماعية، في زيادة الضغوط على الاقتصاد التونسي.
يبلغ إجمالي ديون تونس الخارجية حوالي 40 مليار دولار، مما يعادل أكثر من 90% من الناتج المحلي الإجمالي. ومن بين هذه الديون، يتوجب على تونس سداد حوالي 4 مليارات دولار في النصف الثاني من هذا العام، موزعة بين دفعات مستحقة للبنوك الدولية والمؤسسات المالية، بالإضافة إلى ديون ثنائية مع دول أخرى.
وحول تفاصيل الديون المتبقية على تونس خلال النصف الثاني من العام الجاري، نجد أن تونس مطالبة بتسديد ديون لصندوق النقد الدولي بحوالي 1.2 مليار دولار. هذه الديون هي جزء من برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تم الاتفاق عليه مع الصندوق لدعم الاقتصاد التونسي، كذلك هناك ديون مستحقة للبنك الدولي بحوالي 800 مليون دولار. هذه الديون تمثل تمويلات لمشاريع تنموية في مجالات البنية التحتية، والتعليم، والصحة.
إضافة الى ذلك، هناك ديون مستحقة للبنك الإفريقي للتنمية بحوالي 500 مليون دولار. هذه الديون هي جزء من برامج تمويلية لدعم مشاريع التنمية المستدامة في تونس.
ديون ثنائية
وعلى غرار ديون المؤسسات الدولية، تبلغ الديون المستحقة لفرنسا لهذه السنة حوالي 600 مليون دولار. هذه الديون تشمل قروضا ميسرة تم تقديمها لدعم الاقتصاد التونسي ومشاريع التنمية. كما هناك ديون مستحقة لألمانيا، تبلغ بحوالي 400 مليون دولار. هذه الديون تتعلق بتمويلات لمشاريع البنية التحتية والطاقة المتجددة.
وبالإضافة الى ديون أوروبا، تبلغ الديون المستحقة لدول الخليج (بالأخص السعودية والإمارات) حوالي 300 مليون دولار. هذه الديون تأتي في إطار الدعم المالي الذي تم تقديمه لتونس خلال السنوات الأخيرة. كما هناك ديون مستحقة للمؤسسات المالية الخاصة بحوالي 200 مليون دولار. هذه الديون تأتي من قروض تم الحصول عليها من البنوك الاستثمارية الخاصة لدعم مشاريع البنية التحتية والتنمية، بالإضافة الى الديون المستحقة لسندات اليورو حوالي 200 مليون دولار. هذه السندات تم إصدارها في الأسواق المالية الدولية لجذب استثمارات لدعم الاقتصاد التونسي.
ضغوط على الاحتياطيات النقدية
سداد هذه الديون سيؤدي إلى انخفاض الاحتياطيات النقدية في البنك المركزي التونسي، مما يزيد من الضغط على العملة المحلية، وقد يؤدي إلى انخفاض قيمتها. ومن المرتقب أن يزداد عجز الميزانية حيث أن الحكومة التونسية ستحتاج إلى تخصيص جزء كبير من الإيرادات لسداد الديون، مما يزيد من عجز الميزانية ويقلل من الأموال المتاحة للاستثمار في القطاعات الحيوية.
وقد تضطر الحكومة إلى تقليص الإنفاق العام على الخدمات الاجتماعية، والبنية \التحتية بسبب الالتزامات الكبيرة لسداد الديون، مما يؤثر سلبًا على النمو الاقتصادي والرفاهية الاجتماعية.
وحسب ما كشف عنه بعض خبراء الاقتصاد لـ"الصباح"، فإنه يمكن للحكومة التونسية الدخول في مفاوضات مع الدائنين لإعادة جدولة الديون المستحقة، مما يمنحها وقتًا إضافيًا لتحسين الأوضاع الاقتصادية، بالإضافة الى التوجه إلى المؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي للحصول على قروض جديدة بشروط ميسرة، ويمكن أن يساعد ذلك على توفير السيولة اللازمة لسداد الديون المستحقة.
تعزيز الإيرادات الحكومية
ومن خلال تحسين كفاءة التحصيل الضريبي ومكافحة التهرب الضريبي، يمكن للحكومة زيادة الإيرادات المتاحة لسداد الديون دون اللجوء إلى المزيد من القروض. كما يمكن تنفيذ سياسات اقتصادية تشجع على الاستثمار وزيادة الإنتاج، حيث يساعد ذلك في تحسين النمو الاقتصادي وزيادة الإيرادات الحكومية.
ومن الضروري خلال المرحلة الحالية وفي ظل الصعوبات العالمية، طلب الدعم المالي والفني من الدول الصديقة والشركاء الدوليين، حيث يمكن أن يساعد في تخفيف الضغوط المالية على الحكومة التونسية وتوفير السيولة اللازمة لسداد الديون.
ويشكل تراجع النمو الاقتصادي في تونس إلى مستويات منخفضة تحديا جديدا تزامنا مع ارتفاع الديون المستحقة لسنة 2024، إذ لم يتجاوز النمو السنوي 2% في السنوات الأخيرة. هذا النمو البطيء لا يكفي لتوليد إيرادات كافية تمكن الحكومة من سداد ديونها أو تحسين مستوى المعيشة للمواطنين. وتعد البطالة من أكبر التحديات التي تواجهها تونس، حيث تتجاوز نسبة البطالة 15%، وتصل بين الشباب إلى أكثر من 30%. هذه النسب المرتفعة تضغط على النسيج الاجتماعي وتقلل من فرص الحكومة في تحصيل الضرائب.
كما تشهد تونس عودة لمعدلات التضخم المرتفعة، والتي بلغت وفق آخر تقرير رسمي، أول أمس، 7.3%، مما يؤدي إلى تآكل القدرة الشرائية للمواطنين وزيادة تكلفة المعيشة. هذا الوضع يزيد من الصعوبات الاقتصادية ويقلل من الاستقرار المالي.
جدير بالذكر، أن وزيرة المالية سهام بوغديري نمصية، كانت قد أعلنت مؤخرا، أن الجمهورية التونسية سددت خلال النصف الأول من عام 2023 قروضا خارجية مستحقة بقيمة 11.6 مليار دينار (3.7 مليارات دولار). وجاء ذلك في تصريحات لها خلال جلسة للبرلمان للتصديق على اتفاقية تمويل بقيمة 156 مليون يورو (173 مليون دولار) تم إبرامها بين تونس ومجموعة من البنوك المحلية لتمويل ميزانية الدولة.