*مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح": جيل يعاني حالة من الانفجار في الآمال والتطلعات والأحلام.. وثقافة الموت أصبحت تخيم على مجتمعنا
تونس-الصباح
قرروا إنهاء حياتهم في لحظة غضب أو كردة فعل عن موقف ما ليرحلوا في صمت غاضبين ساخطين عن حياة ربما لم تكن منصفة لهم وعاندهم قدرهم وسارت كما لم تشته سفنهم فقرروا مغادرتها إلى عالم آخر غير هذا العالم تاركين خلفهم كل ما نغص عليهم مشوار حياتهم وتاركين أيضا قلوبا تحترق لفراقهم..
510 عملية انتحار نتجت عنها 156 حالة وفاة فيما تم إسعاف 354 شخصا، نجوا من موت محقق.. رقم صادم وحصري تحصلت عليه "الصباح" يكشف عدد حالات الانتحار ومحاولات الانتحار في سنة 2021 وفق ما أفادنا به العميد بالحماية المدنية معز تريعة وأوضح أن اكبر عدد للمنتحرين تم تسجيله في ولاية تونس في 2020 مقارنة ببقية الولايات.
ارتفاع صادم..
كانت آلية الانتحار شنقا الأبرز في 2021 حيث أكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن الانتحار شنقا كان الآلية الأبرز خلال السداسي الأول من سنة 2021، بنسبة 46.2 بالمائة تليها آلية الانتحار حرقا بـ26.9 بالمائة.
ورصدت نشرية السداسي الأول من سنة 2021 للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول الاحتجاجات الاجتماعية والانتحار والعنف 78 حالة انتحار ومحاولة انتحار من بينها 54 من جنس الذكور و24 من جنس الإناث.
وكانت الفئة العمرية ما بين 26 و35 سنة من أكثر الفئات المحاولة للانتحار والمنفذة له حيث أبرزت النشرية وجود 23 حالة انتحار ومحاولة انتحار في هذه الشريحة العمرية، تليها الفئة العمرية ما بين 16 و25 سنة بـ14 ثم الفئة العمرية ما بين 36 و45 سنة بـ13.
ورصد المنتدى 9 حالات انتحار ومحاولة انتحار خلال شهر جوان 2121 من بينهم 5 من جنس الذكور و4 من جنس الإناث، سجل أغلبها في ولاية تونس التي شهدت 3 حالات انتحار ومحاولة انتحار خلال نفس الشهر.
حالات انتحار..
في لحظة يأس لم تفكر امرأة في العقد الرابع من عمرها بجهة قفصة في مصير أطفالها الأربعة وانتحرت شنقا تاركة عائلتها في حيرة وألم على فراقها بطريقة مأساوية كما أقدم كهل يبلغ من العمر 45 سنة مؤخرا على الانتحار شنقا داخل دورة مياه بأحد المقاهي الواقعة بمنطقة ساقية الزيت من ولاية صفاقس.
كما شهدت مؤخرا منطقة الرابطة التابعة لمعتمدية قبلي الشمالية حالة انتحار تمثلت في إقدام تلميذ يبلغ من العمر 13 سنة على الانتحار شنقا بجانب منزل عائلته ورغم محاولة إنقاذه لفظ الطفل أنفاسه بالمستشفى الجهوي بقبلي.
كما أقدم شاب عاطل عن العمل ويعاني من اضطرابات نفسية على الانتحار بحي الكرمة بالقصرين وأقدم طفل في الرابعة عشرة من عمره على الانتحار شنقا بمنزل عائلته بمنطقة الزاوية بجهة بازينة من ولاية بنزرت وقد قرر الطفل وضع حد لحياته بسبب خلافات تعيشها عائلته ما اثر على وضعه النفسي ودفع به إلى الانتحار.. وهذه الحالات ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.
"ثقافة" الانتحار..
لا تكاد تفتح وسيلة إعلامية إلا وتعترضك يوميا مفردة الانتحار: الانتحار شنقا، الانتحار حرقا، الانتحار غرقا، الانتحار الجماعي.. وكأننا نعيش في محرقة وليس في دولة أو مجتمع وهذا ليس بغريب على ثورة انطلقت بعملية انتحار ثم تتالت بعدها عمليات الانتحار وأشكاله لتشمل الأطفال والشباب والكهول والنساء والرجال والعزاب والمتزوجين كما توزعت عموما بـ"عدالة" بين جميع جهات البلاد عوض أن تتوزع مفردات الأمل والتنمية والكرامة، هذا ما عبر عنه الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد مبينا أن الانتحار هو نوع من العنف الاجتماعي أو رد عليه، لكنه عنف في أدنى درجاته، لأنه ليس موجهاً للآخر، بل موجه نحو الذات ولإيصال رسالة للآخر وللمجتمع وبالتالي تصبح حالات الانتحار عبارة عن الوجه الآخر للهجرة السرية، أو ما يعرف عند شباب تونس والمغرب العربي "بالحرقان".
ومع الوقت تدعمت مفردة الانتحار في قاموسنا وسلوكنا اليومي بفعل "النحر" وهو فعل موجه لنحر الآخر وقتله وشطبه من الحياة والوجود لأنه مختلف معنا في الموقف والرؤية.. وحين تجتمع هذه الظاهرة (الانتحار) وهذا الفعل (النحر) فإننا نجد أنفسنا في صميم ثقافة الموت التي بدأت تخيم على مجتمعنا وثقافتنا ومزاجنا ولغتنا وهو أمر خطير يمكن الاستمرار فيه إلى ما لانهاية.
حالة انفجار..
نحن اليوم إزاء جيل يعاني حالة من الانفجار في الآمال والتطلعات والأحلام بحيث تبدو له العائلة عاجزة أو مقصرة في تحقيق هذه الآمال وحيث تعجز المدرسة عن تزويده بالمعارف والمهارات اللازمة لمواجهة الحياة ويقع فريسة للإدمان وشبكات الجريمة المنظمة مما يجعل الأطفال فريسة سهلة للسقوط في هاوية الانتحار، فحين يلاحقنا ويلاحق هذا الطفل اليافع الماضي بالتضحيات الجسيمة التي قدمتها الأجيال التي سبقته أملاً في العيش الكريم دون جدوى، وحين يقهره الحاضر عبر الإحساس بالعجز وقلة الحيلة بشكل يفقده احترامه لذاته واحترام الآخرين له، وحين يكون المستقبل مظلماً في عيونه نظراً لعدم وجود بوادر انفراج للوضع القائم، فهل تبقى له من خيارات كبرى لانجازها في الحياة خصوصا مع هشاشته النفسية والفكرية والعاطفية؟
من المسؤول؟
تتراوح المسؤولية المجتمعية وفق قراءة الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد بين الدولة والإعلام والمجتمع المدني والأسرة فعلى الدولة سن القوانين اللازمة لتنظيم القطاعات التابعة لها بحيث تكون حامية للطفولة عبر توفير الخدمات النفسية والاجتماعية اللازمة للإحاطة بالطفولة في هذه الحالات بحيث تصبح هذه الخدمات قارة ومتوفرة لمستحقيها، كما يلعب الإعلام دورا أساسيا سواء باحترام أخلاقيات المهنة التي تخص الطفولة بإجراءات وشعارات وإعلانات معينة متعارف عليها عالميا، أو عبر تقديم المعارف والثقافة السيكولوجية اللازمة التي تنمي مهارات التعامل مع الأطفال في مثل هذه الوضعيات والتي تقدم إلى كل المشرفين على الفضاءات التي يؤمها الطفل ينتفع بها الأولياء والمنشطون والمربون.. كما أن للمجتمع المدني دورا مهما في هذه العملية يتراوح بين رقابة الدولة والإعلام وتحفيزهم على أداء دورهم وكذلك تأطير الأطفال ورعايتهم وتربيتهم على ثقافة المواطنة والمشاركة وتحمل المسؤولية بما يعزز حصانتهم النفسية.
ولكن ما يعيق هذه المقاربة الشمولية هو تشتت مجهودات المتدخلين في هذا المجال نظرا لغياب ثقافة التعاون والتشارك والعمل ضمن فريق بحسن أو بسوء نية.
فنحن إذن في حاجة إلى جعل هذه القضايا قضايا رأي عام وقضية مجتمع، ونحن مدعوون إلى توحيد جهودنا من أجل رسم إستراتيجية وطنية بعيدة المدى للتصدي لهذه الظواهر وإخراجها من دائرة الصمت الفردي والاجتماعي ومرافقة ضحاياها المحتملين وحمايتهم من أنفسهم ومجتمعهم ونشر ثقافة الحياة لديهم.
انتحار الأطفال..
وأوضح محدثنا أن ظاهرة انتحار الأطفال ظاهرة صادمة للوجدان الفردي والجماعي فهي ظاهرة تمثل نتاجا لتراكم ظروف مهددة لعالم الطفولة وحرمته ومصادرة لحقهم في العيش في مناخ سليم يساعدهم على النمو النفسي والبدني الطبيعي والعادي كما أنها تعكس أزمة دولة وأزمة مجتمع: دولة غير قادرة على حماية مواطنيها الذين يعانون من هشاشة فكرية ونفسية واجتماعية ومجتمع غير قادر على تامين الاستقرار النفسي والاجتماعي لأطفاله وغير قادر عن توفير الحلم بغد أفضل ونشر ثقافة الحياة.
مواجهات فردية..
جيل برمته يتكون اليوم من أطفال وشباب يجد نفسه ضحية ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية هشة وخارج منظومات الحماية والرعاية والمرافقة والتأطير، جيل يواجه وحيدا الحياة بصعوباتها وتعقيداتها ويواجه المجتمع بكل قسوته وأمراضه، فليس من الغريب إذن أن يجد نفسه إما ضحية إحدى وضعيات التهديد أو أحد المتسببين فيها.
وأكد بالحاج محمد على أن الانتحار ظاهرة كغيرها من الظواهر التي ما فتئت تتسع يوما بعد آخر مثل التحرش الجنسي والاغتصاب وزنا المحارم والدعارة والإدمان.. لتتوج في النهاية بانتحار أطفال لم يتجاوزوا بعد مرحلة اللعب ولم يكتشفوا بعد كنه الحياة..
وقد ظلت ظاهرة يلفها الصمت والإنكار والنسيان واللامبالاة وكأنها تحدث في كوكب آخر في حين أنها تحدث أمامنا وتهدد جيلا برمته وهو جيل الأطفال والشباب حيث يمثل الأطفال حوالي عشر الذين انتحروا أو حاولوا الانتحار.
مفيدة القيزاني
*مختص في علم الاجتماع لـ"الصباح": جيل يعاني حالة من الانفجار في الآمال والتطلعات والأحلام.. وثقافة الموت أصبحت تخيم على مجتمعنا
تونس-الصباح
قرروا إنهاء حياتهم في لحظة غضب أو كردة فعل عن موقف ما ليرحلوا في صمت غاضبين ساخطين عن حياة ربما لم تكن منصفة لهم وعاندهم قدرهم وسارت كما لم تشته سفنهم فقرروا مغادرتها إلى عالم آخر غير هذا العالم تاركين خلفهم كل ما نغص عليهم مشوار حياتهم وتاركين أيضا قلوبا تحترق لفراقهم..
510 عملية انتحار نتجت عنها 156 حالة وفاة فيما تم إسعاف 354 شخصا، نجوا من موت محقق.. رقم صادم وحصري تحصلت عليه "الصباح" يكشف عدد حالات الانتحار ومحاولات الانتحار في سنة 2021 وفق ما أفادنا به العميد بالحماية المدنية معز تريعة وأوضح أن اكبر عدد للمنتحرين تم تسجيله في ولاية تونس في 2020 مقارنة ببقية الولايات.
ارتفاع صادم..
كانت آلية الانتحار شنقا الأبرز في 2021 حيث أكد المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية أن الانتحار شنقا كان الآلية الأبرز خلال السداسي الأول من سنة 2021، بنسبة 46.2 بالمائة تليها آلية الانتحار حرقا بـ26.9 بالمائة.
ورصدت نشرية السداسي الأول من سنة 2021 للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية حول الاحتجاجات الاجتماعية والانتحار والعنف 78 حالة انتحار ومحاولة انتحار من بينها 54 من جنس الذكور و24 من جنس الإناث.
وكانت الفئة العمرية ما بين 26 و35 سنة من أكثر الفئات المحاولة للانتحار والمنفذة له حيث أبرزت النشرية وجود 23 حالة انتحار ومحاولة انتحار في هذه الشريحة العمرية، تليها الفئة العمرية ما بين 16 و25 سنة بـ14 ثم الفئة العمرية ما بين 36 و45 سنة بـ13.
ورصد المنتدى 9 حالات انتحار ومحاولة انتحار خلال شهر جوان 2121 من بينهم 5 من جنس الذكور و4 من جنس الإناث، سجل أغلبها في ولاية تونس التي شهدت 3 حالات انتحار ومحاولة انتحار خلال نفس الشهر.
حالات انتحار..
في لحظة يأس لم تفكر امرأة في العقد الرابع من عمرها بجهة قفصة في مصير أطفالها الأربعة وانتحرت شنقا تاركة عائلتها في حيرة وألم على فراقها بطريقة مأساوية كما أقدم كهل يبلغ من العمر 45 سنة مؤخرا على الانتحار شنقا داخل دورة مياه بأحد المقاهي الواقعة بمنطقة ساقية الزيت من ولاية صفاقس.
كما شهدت مؤخرا منطقة الرابطة التابعة لمعتمدية قبلي الشمالية حالة انتحار تمثلت في إقدام تلميذ يبلغ من العمر 13 سنة على الانتحار شنقا بجانب منزل عائلته ورغم محاولة إنقاذه لفظ الطفل أنفاسه بالمستشفى الجهوي بقبلي.
كما أقدم شاب عاطل عن العمل ويعاني من اضطرابات نفسية على الانتحار بحي الكرمة بالقصرين وأقدم طفل في الرابعة عشرة من عمره على الانتحار شنقا بمنزل عائلته بمنطقة الزاوية بجهة بازينة من ولاية بنزرت وقد قرر الطفل وضع حد لحياته بسبب خلافات تعيشها عائلته ما اثر على وضعه النفسي ودفع به إلى الانتحار.. وهذه الحالات ليست الأولى ولن تكون الأخيرة.
"ثقافة" الانتحار..
لا تكاد تفتح وسيلة إعلامية إلا وتعترضك يوميا مفردة الانتحار: الانتحار شنقا، الانتحار حرقا، الانتحار غرقا، الانتحار الجماعي.. وكأننا نعيش في محرقة وليس في دولة أو مجتمع وهذا ليس بغريب على ثورة انطلقت بعملية انتحار ثم تتالت بعدها عمليات الانتحار وأشكاله لتشمل الأطفال والشباب والكهول والنساء والرجال والعزاب والمتزوجين كما توزعت عموما بـ"عدالة" بين جميع جهات البلاد عوض أن تتوزع مفردات الأمل والتنمية والكرامة، هذا ما عبر عنه الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد مبينا أن الانتحار هو نوع من العنف الاجتماعي أو رد عليه، لكنه عنف في أدنى درجاته، لأنه ليس موجهاً للآخر، بل موجه نحو الذات ولإيصال رسالة للآخر وللمجتمع وبالتالي تصبح حالات الانتحار عبارة عن الوجه الآخر للهجرة السرية، أو ما يعرف عند شباب تونس والمغرب العربي "بالحرقان".
ومع الوقت تدعمت مفردة الانتحار في قاموسنا وسلوكنا اليومي بفعل "النحر" وهو فعل موجه لنحر الآخر وقتله وشطبه من الحياة والوجود لأنه مختلف معنا في الموقف والرؤية.. وحين تجتمع هذه الظاهرة (الانتحار) وهذا الفعل (النحر) فإننا نجد أنفسنا في صميم ثقافة الموت التي بدأت تخيم على مجتمعنا وثقافتنا ومزاجنا ولغتنا وهو أمر خطير يمكن الاستمرار فيه إلى ما لانهاية.
حالة انفجار..
نحن اليوم إزاء جيل يعاني حالة من الانفجار في الآمال والتطلعات والأحلام بحيث تبدو له العائلة عاجزة أو مقصرة في تحقيق هذه الآمال وحيث تعجز المدرسة عن تزويده بالمعارف والمهارات اللازمة لمواجهة الحياة ويقع فريسة للإدمان وشبكات الجريمة المنظمة مما يجعل الأطفال فريسة سهلة للسقوط في هاوية الانتحار، فحين يلاحقنا ويلاحق هذا الطفل اليافع الماضي بالتضحيات الجسيمة التي قدمتها الأجيال التي سبقته أملاً في العيش الكريم دون جدوى، وحين يقهره الحاضر عبر الإحساس بالعجز وقلة الحيلة بشكل يفقده احترامه لذاته واحترام الآخرين له، وحين يكون المستقبل مظلماً في عيونه نظراً لعدم وجود بوادر انفراج للوضع القائم، فهل تبقى له من خيارات كبرى لانجازها في الحياة خصوصا مع هشاشته النفسية والفكرية والعاطفية؟
من المسؤول؟
تتراوح المسؤولية المجتمعية وفق قراءة الباحث في علم الاجتماع طارق بالحاج محمد بين الدولة والإعلام والمجتمع المدني والأسرة فعلى الدولة سن القوانين اللازمة لتنظيم القطاعات التابعة لها بحيث تكون حامية للطفولة عبر توفير الخدمات النفسية والاجتماعية اللازمة للإحاطة بالطفولة في هذه الحالات بحيث تصبح هذه الخدمات قارة ومتوفرة لمستحقيها، كما يلعب الإعلام دورا أساسيا سواء باحترام أخلاقيات المهنة التي تخص الطفولة بإجراءات وشعارات وإعلانات معينة متعارف عليها عالميا، أو عبر تقديم المعارف والثقافة السيكولوجية اللازمة التي تنمي مهارات التعامل مع الأطفال في مثل هذه الوضعيات والتي تقدم إلى كل المشرفين على الفضاءات التي يؤمها الطفل ينتفع بها الأولياء والمنشطون والمربون.. كما أن للمجتمع المدني دورا مهما في هذه العملية يتراوح بين رقابة الدولة والإعلام وتحفيزهم على أداء دورهم وكذلك تأطير الأطفال ورعايتهم وتربيتهم على ثقافة المواطنة والمشاركة وتحمل المسؤولية بما يعزز حصانتهم النفسية.
ولكن ما يعيق هذه المقاربة الشمولية هو تشتت مجهودات المتدخلين في هذا المجال نظرا لغياب ثقافة التعاون والتشارك والعمل ضمن فريق بحسن أو بسوء نية.
فنحن إذن في حاجة إلى جعل هذه القضايا قضايا رأي عام وقضية مجتمع، ونحن مدعوون إلى توحيد جهودنا من أجل رسم إستراتيجية وطنية بعيدة المدى للتصدي لهذه الظواهر وإخراجها من دائرة الصمت الفردي والاجتماعي ومرافقة ضحاياها المحتملين وحمايتهم من أنفسهم ومجتمعهم ونشر ثقافة الحياة لديهم.
انتحار الأطفال..
وأوضح محدثنا أن ظاهرة انتحار الأطفال ظاهرة صادمة للوجدان الفردي والجماعي فهي ظاهرة تمثل نتاجا لتراكم ظروف مهددة لعالم الطفولة وحرمته ومصادرة لحقهم في العيش في مناخ سليم يساعدهم على النمو النفسي والبدني الطبيعي والعادي كما أنها تعكس أزمة دولة وأزمة مجتمع: دولة غير قادرة على حماية مواطنيها الذين يعانون من هشاشة فكرية ونفسية واجتماعية ومجتمع غير قادر على تامين الاستقرار النفسي والاجتماعي لأطفاله وغير قادر عن توفير الحلم بغد أفضل ونشر ثقافة الحياة.
مواجهات فردية..
جيل برمته يتكون اليوم من أطفال وشباب يجد نفسه ضحية ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية هشة وخارج منظومات الحماية والرعاية والمرافقة والتأطير، جيل يواجه وحيدا الحياة بصعوباتها وتعقيداتها ويواجه المجتمع بكل قسوته وأمراضه، فليس من الغريب إذن أن يجد نفسه إما ضحية إحدى وضعيات التهديد أو أحد المتسببين فيها.
وأكد بالحاج محمد على أن الانتحار ظاهرة كغيرها من الظواهر التي ما فتئت تتسع يوما بعد آخر مثل التحرش الجنسي والاغتصاب وزنا المحارم والدعارة والإدمان.. لتتوج في النهاية بانتحار أطفال لم يتجاوزوا بعد مرحلة اللعب ولم يكتشفوا بعد كنه الحياة..
وقد ظلت ظاهرة يلفها الصمت والإنكار والنسيان واللامبالاة وكأنها تحدث في كوكب آخر في حين أنها تحدث أمامنا وتهدد جيلا برمته وهو جيل الأطفال والشباب حيث يمثل الأطفال حوالي عشر الذين انتحروا أو حاولوا الانتحار.