إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

ريبورتاج / "الصباح" تفتح صفحاتهم المؤلمة وحكاياتهم الموجة.. مسنّون غدر بهم الأبناء وألقى بهم الزمان بدار المسنين

 

تونس-الصباح

غدر بهم الزّمان والأبناء ورمت بهم ظروف الحياة القاسية العنيدة الى دور المسنّين ليكملوا فيها ما تبقّى من أياّمهم وهم في أرذل العمر..

 

العم سعيد (69 عاما) واحد من بين ما يزيد عن ثمانين مسنا يقيم بدار المسنين بمنوبة لم يتوقع يوما أن يجد نفسه وحيدا في غرفة يتشاركها مع مسنين آخرين يسودها الصمت بعيدا عن أبنائه الذين أفنى حياته في تربيتهم ليصلوا الى أعلى المراتب فمنهم الصحفية ومنهم الأمني ومنهم المحامية ولكن اليوم هو وحيد بلا منزل.. بلا عائلة.. بلا أبناء.. هو فقط ينعش ذاكرته بأصواتهم التي كانت تملأ أرجاء المنزل ضجيجا وصخبا لما كانوا أطفالا واليوم لا شيء يملأ حياته غير الترقب.. عيناه تترقب باستمرار أن يطرق أحدهم باب غرفته ليحمل معه بعضا من رائحة الأبناء الجاحدين.. ورغم النكران والجحود فإن أمل عم سعيد في أن ترق له قلوبهم يوما، ورغم محاولاته كبت إحساسه بالخيبة ولكن دمعة نزلت  من عينيه لتحكي كل خيباته والفقد الذي عاشه والأمل في أن يلتقي من "ربّاهم وكبّرهم" يوما ما قبل "منام عينه".

في جناح النساء وليس بعيدا عن العم سعيد كانت الحاجة دليلة (96 عاما) جالسة على أريكة واضعة غطاء صوفيا على ركبتيها.. فبالرغم من أنها واحدة من المعمرين ولكن السنين التي سرقت منها صحتها وشبابها لم تفلح في سرقة ابتسامتها ونظرتها الدافئة ووقارها ولا ذاكرتها.. فالحاجة دليلة مازلت تتذكر أيامها السعيدة التي قضتها مع "المرحوم."

ولكن بعد وفاة شريكها وجدت نفسها وحيدة لا سيما وأنها لم ترزق بأبناء فاتخذت قرارا بالانضمام الى دار المسنين لتقضي فيها ما تبقى من حياتها.

وفي نفس الجناح تعيش الحاجّة نعيمة (84 عاما) وعلى الرغم من أنها تنحدر من عائلة ميسورة الحالة إلا أنها قرّرت العيش بدار المسنين..

 

لم يكن القرار سهلا عليها ولكن الظّروف أجبرتها فبعد وفاة والديها بقيت تتقاسم مع شقيقها "فيلا" ورثاها عن والدهما الى أن تزوّج شقيقها الذي كان يعمل عميدا لإحدى الكليات ومرت الأيام وأنجب ثلاثة أبناء وفي الأثناء كان العرسان يتقدمون لطلب يد "الشابة" نعيمة الى أن تعرفت الى شخص وتمت الخطبة بينهما لتتفطن قبل أسبوع تقريبا من الزواج الى أنه كان يخونها فكانت صدمتها كبيرة وكان قرارها حاسما في البقاء دون ارتباط والقضاء ما تبقى من حياتها وحيدة.

نعيمة ربّت أبناء شقيقها وكأنّهم أبناؤها كرّست كل وقتها لرعايتهم بحكم عمل والديهما.. ومرت الأيام متسارعة وكبر الأبناء وتقلّدوا أعلى المراتب وكبرت نعيمة وأصبحت امرأة مسنّة.. وفي 2017 فارق شقيقها الحياة  لتجد نفسها تواجه جحود من ربّتهم ومن أعطتهم سنين عمرها وكثرت الخلافات فاتخذت القرار بالرّحيل وترك كل شيء خلفها..

تركت نعيمة منزل والديها والتحقت بدار المسنين وهي اليوم تعيش في سلام رغم الشعور بالمرارة التي تنتابها من حين لآخر.

أما "صالحة" البالغة من العمر 67 سنة (مقعدة) مقيمة بدار المسنين منذ عام تقريبا بعد أن كانت تقيم بدار المسنين بقرمبالية مدة خمس سنوات فانتقلت للعيش بدار المسنين بمنوبة استجابة لطلب معارفها المقيمين في تونس حتى يتمكنوا من زيارتها.

قبل مجيئها للدار كانت صالحة تعيش رفقة شقيقتها التي تعاني من مرض هشاشة العظام وشقيقها الذي يعاني بدوره من بعض الأمراض المزمنة، تقول "إن صحتها تدهورت وأصبحت عاجزة عن المشي لذلك قررت العيش بدار المسنين، ورغم أنها لم تتزوج الا أنها لم تندم على ذلك إذ تقول هناك العديد من المسنين المقيمين بدار المسنين بمنوبة تزوجوا وأنجبوا الأبناء ولكن تخلصوا منهم بدم بارد وتركوهم في الدار فماذا جنوا حسب قولها من هذا الزّواج سوى نكران الجميل.

مناضل في دار المسنين..

عندما كان يبلغ من العمر 22 سنة شارك في معركة الجلاء ببنزرت وكان شاهدا على سقوط الكثير من  الشهداء وإصابة العديد من الجرحى وكان "مستشفى الفرنسيين"  شارل نيكول حاليا شاهدا على تلك الحقبة.. انه العم علي البالغ من العمر 80 سنة التقيناه بالدار التي يقيم فيها منذ خمس سنوات، فلا الوحدة ولا الظروف الاجتماعية الصعبة هما اللذان دفعاه إلى القدوم إلى دار المسنين بمنوبة ولكن حبه لزوجته وفق ما يقول هو الذي جعله يضحّي بالدفء العائلي ويختار العيش بعيدا عن  "عشيرته" زوجته رغم أنه ميسور الحال ويملك منزلا فاخرا..

العم علي متزوج منذ أربعين سنة ويحب زوجته كثيرا  ولديه ولدان، الابن دكتور في إحدى الجامعات الأجنبية متزوج ولديه أبناء والبنت متزوجة ومقيمة في تونس، كانت حياته العائلية مستقرة ثم انقلبت رأسا على عقب بعد وفاة ابنه البالغ من العمر 12 سنة غرقا في البحر فأصيبت زوجته بأزمة نفسية حادة وأصبحت  تتلقى العلاج بمستشفى الأمراض النفسية، وقد أثرت حالتها النفسية على علاقتهما وكثرت الخلافات والشجارات بينهما وأصبحت الخبز اليومي وتحولت حياته إلى جحيم  لا يطاق. وخوفا من أن تؤثر تلك الخلافات على صحّة زوجته سيما وأنها تعاني من ارتفاع ضغط الدم قرر أن يترك المنزل ويقيم بدار المسنين.

ورغم أن الدار قدّمت له وإلى بقية المسنين الرعاية الا انه ظل يفتقد دفء العائلة ويشتاق إلى زوجته.. العم علي ترك منزله ولكنه لم يترك أبناءه وهما لم يتركانه فالعلاقة بينه وبينهما ظلت متينة ويزورانه كلما سمحت لهما الظروف بذلك.

ويأمل في أن يتم تكثيف دور المسنين ببلادنا خاصة وأن هناك العديد منهم ليس لديهم مأوى أو سندا عائليا وهناك من تخلى عنهم أبناؤهم، واستحضر حادثة كيف شاهد سيارة فاخرة توقفت أمام الدار ونزل منها شاب في مقتبل العمر كان جلب معه والده المتقاعد الذي يتقاضي جراية قدرها ألفي دينار إلى الدار للإقامة ولكنه تراجع في آخر لحظة وعاد أدراجه رفقته.

مرارة التخلي..

"لا المال ولا الأبناء ولا حتى الزوجة يمكن أن يعوضوا الصحة، كل شيء يمكن تعويضه في هذه الحياة إلا صحة الإنسان عندما تخونه لا شيء يمكن أن يعوضها" هكذا بدأ محمد الحبيب البالغ من العمر 69 سنة حديثه إلينا.

يقول إنه كان يقيم بالجزائر صحبة زوجته وابنته البالغة من العمر اليوم أكثر من 27 سنة، لمدة ست سنوات ثم عاد الى تونس خلال 2011  وعمل نجارا بإحدى الشركات الكائنة بمنطقة مقرين ثم بعد ذلك قرر فتح محل بمفرده، الى هنا كل شيء يسير عاديا في حياته الى حد تاريخ  21 جوان 2011، هذا التاريخ الذي لا يمكنه أن يمحى من ذاكرته، يوم تعرض فيه الى حادث مرور وأصبح  شبه عاجز عن المشي فتخلت عنه زوجته وانفصلت عنه بالطلاق وعادت الى بلدها صحبة ابنته للعيش هناك فانتقل بعد ذلك للعيش مع شقيقته المتزوجة، لم يكن مرتاحا نفسيا فقرر  بعد مرور عدة أشهر اللجوء إلى دار المسنين بمنوبة أين وجد الرعاية وتقاسم همومه مع هموم غيره من المسنين.

ويأمل أن تخصص له إدارة الدار محلا يستغله في العمل في النجارة ويشرّك معه العديد من المسنين الآخرين.

غدر الأشقاء..

العم صالح يبلغ من العمر 76 سنة لم يتزوج قال إنه بعد وفاة والده تكفل برعاية أشقائه السبعة وعمل في عدة مجالات، بعد زواج شقيقاته الستة وشقيقه كان يقيم بمحل على وجه الكراء وسط العاصمة ولما نفدت الأموال التي بحوزته قرر الانتقال للعيش في دار المسنين بمنوبة أفضل من الإقامة مع أشقائه فهو "عزيز النفس" لا يريد أن يكون عالة على احد.

* مدير مركز رعاية المسنين بمنوبة لـ"الصباح":طاقة استيعاب الدار لا تتجاوز 120 مقيما ولكن الجائحة أجبرتنا على تخفيض العدد

 

"الصباح" كان لها لقاء مع مدير دار المسنين بمنوبة  خميسالسّبوعي الذي بين لنا أن دار المسنين هي جمعية خيرية مستقلة تأسست سنة 1974 وتحصلت على التأشيرة القانونية في ماي 1976 تخضع لقانون الجمعيات المؤرخ في 7 نوفمبر 1957 تحت إشراف الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي وتسهر عليها هيئة مديرة منتخبة تحرص على تنمية شعور التضامن بين المواطنين وضعاف الحال.

ويمسح مركز رعاية المسنين بمنوبة هكتارين بينها 4350 مترا مربعا مساحة مغطاة توجد بها 10 وحدات سكنية منها 6 وحدات للرجال و4 للنساء وتأوي كل وحدة 3 مقيمين نظرا للظروف الصحية وتوقيا من تفشي الوباء كما تحتوي كل وحدة على 4 غرف، غرفة نوم، غرفة استقبال، مطبخ وغرفة استحمام .

يضيف لـ"الصباح" أن طاقة استيعاب الدار 120 مقيما ولكن يوجد بها حاليا 83 فقط بينهم 36 امرأة و47 رجلا مبينا أن العدد غير مستقر لعدة أسباب منها الوفاة أو انتقال مسن إلى دار رعاية أخرى كما أنه وخوفا من تفشي الوباء بصفوف المسنين لا يمكن قبول عدد كبير منهم.

وتضم دار المسنين بمنوبة 73 عونا وعاملا يؤمّنون خدمات على مدار 24 ساعة بالتداول بينهم 13 إطارا إداريا، طبيبتان، 7 إطارات شبه طبية، مختصين اثنين في العلاج الوظيفي، مختص في العلاج الطبيعي، 52 عاملا وعملة قارين و13 عاملا عرضيا.

وجاء تركيز دار المسنين بمنوبة وبقية دور المسنين الـ12 التابعة للدولة تجسيدا لتوجهاتها في مجال رعاية المسنين والعمل على الاعتناء بهذه الفئة من ذوي الدخل المحدود وفاقدي السّند.

وعن كيفية قبول المسنين أوضح المتحدّث أن هناك لجنة القبول تنظر في مطالب الإيواء وفق مقاييس تتمثل اولا في ان يكون المقيم بلغ  سن الـ60 سنة فما فوق، أن يكون فاقدا السند المادي والمعنوي، وأن يكون كذلك  سليما من الأمراض المعدية والعقلية وان تكون لديه رغبة  في الإيواء.

وتسهر الجمعيّة على تقديم جملة من الخدمات عبر برنامجي عمل يستهدف الأول الرّعاية والإحاطة بالمسنين من خلال مركز الإيواء والثاني يتمثّل في المتابعة والتدخل لفائدة المسنين داخل وسطهم الطبيعي عبر وحدة "نجدة المسن" حيث أن هناك فريقا يتنقل إليهم ويسدي لهم خدمات صحية واجتماعية مشيرا أن هناك 130 مسنا بكل من ولايتي منوبة وأريانة ينتفعون بهذه الخدمات المتمثلة في مساعدتهم بكميات من المواد الغذائية بمناسبة الأعياد الوطنية والدينية وكذلك ملابس وأغطية وتوفير كذلك بعض الكراسي المتحركة أو نظارات طبية لمن يحتاجونها.

وأشار مدير دار المسنين بمنوبة أن هناك أشغال تهيئة ستقع بالدار وستشمل وحدات العيش كذلك الممرات بين الوحدات والمسالك الصحية الخاصة بالمسنين المقعدين  بكلفةجملية تناهز 3 مليارات.

وأكد في سياق متّصل أنه منذ بداية ظهور الجائحة لم يتم تسجيل إصابات بالفيروس وكانت حملة تلقيح المسنين بكامل تراب الجمهورية انطلقت يوم 30 أفريل 2021 من دار المسنين بمنوبة.

وقال إن الدولة متمثلة في وزارة المرأة والاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي هي التي تمول دار المسنين بمنوبة وبقية دور المسنين التابعة للدولة بالإضافة إلى بعض الهبات والتبرعات المالية التي تتلقاها الدار سواء من رجال أعمال او من مواطنين عاديين كل وطريقة مساعدته، مشيرا أن هناك عون أمن رفقة 3 من زملائه يقدمون شهريا مساعدات غذائية كما كانت مصالح رئاسة الجمهورية ساعدت الجمعية بكميات من المواد الغذائية على غرار "حوت موريتانيا"  كذلك وزير سابق بعد وفاته  تبرع ابنه بملابسه للدار. وحتى البعض من "الزواولة" يقدمون مساعدات إلى دار المسنين بمنوبة.

صباح الشابّي

ريبورتاج /  "الصباح" تفتح صفحاتهم المؤلمة وحكاياتهم الموجة.. مسنّون غدر بهم الأبناء وألقى بهم الزمان بدار المسنين

 

تونس-الصباح

غدر بهم الزّمان والأبناء ورمت بهم ظروف الحياة القاسية العنيدة الى دور المسنّين ليكملوا فيها ما تبقّى من أياّمهم وهم في أرذل العمر..

 

العم سعيد (69 عاما) واحد من بين ما يزيد عن ثمانين مسنا يقيم بدار المسنين بمنوبة لم يتوقع يوما أن يجد نفسه وحيدا في غرفة يتشاركها مع مسنين آخرين يسودها الصمت بعيدا عن أبنائه الذين أفنى حياته في تربيتهم ليصلوا الى أعلى المراتب فمنهم الصحفية ومنهم الأمني ومنهم المحامية ولكن اليوم هو وحيد بلا منزل.. بلا عائلة.. بلا أبناء.. هو فقط ينعش ذاكرته بأصواتهم التي كانت تملأ أرجاء المنزل ضجيجا وصخبا لما كانوا أطفالا واليوم لا شيء يملأ حياته غير الترقب.. عيناه تترقب باستمرار أن يطرق أحدهم باب غرفته ليحمل معه بعضا من رائحة الأبناء الجاحدين.. ورغم النكران والجحود فإن أمل عم سعيد في أن ترق له قلوبهم يوما، ورغم محاولاته كبت إحساسه بالخيبة ولكن دمعة نزلت  من عينيه لتحكي كل خيباته والفقد الذي عاشه والأمل في أن يلتقي من "ربّاهم وكبّرهم" يوما ما قبل "منام عينه".

في جناح النساء وليس بعيدا عن العم سعيد كانت الحاجة دليلة (96 عاما) جالسة على أريكة واضعة غطاء صوفيا على ركبتيها.. فبالرغم من أنها واحدة من المعمرين ولكن السنين التي سرقت منها صحتها وشبابها لم تفلح في سرقة ابتسامتها ونظرتها الدافئة ووقارها ولا ذاكرتها.. فالحاجة دليلة مازلت تتذكر أيامها السعيدة التي قضتها مع "المرحوم."

ولكن بعد وفاة شريكها وجدت نفسها وحيدة لا سيما وأنها لم ترزق بأبناء فاتخذت قرارا بالانضمام الى دار المسنين لتقضي فيها ما تبقى من حياتها.

وفي نفس الجناح تعيش الحاجّة نعيمة (84 عاما) وعلى الرغم من أنها تنحدر من عائلة ميسورة الحالة إلا أنها قرّرت العيش بدار المسنين..

 

لم يكن القرار سهلا عليها ولكن الظّروف أجبرتها فبعد وفاة والديها بقيت تتقاسم مع شقيقها "فيلا" ورثاها عن والدهما الى أن تزوّج شقيقها الذي كان يعمل عميدا لإحدى الكليات ومرت الأيام وأنجب ثلاثة أبناء وفي الأثناء كان العرسان يتقدمون لطلب يد "الشابة" نعيمة الى أن تعرفت الى شخص وتمت الخطبة بينهما لتتفطن قبل أسبوع تقريبا من الزواج الى أنه كان يخونها فكانت صدمتها كبيرة وكان قرارها حاسما في البقاء دون ارتباط والقضاء ما تبقى من حياتها وحيدة.

نعيمة ربّت أبناء شقيقها وكأنّهم أبناؤها كرّست كل وقتها لرعايتهم بحكم عمل والديهما.. ومرت الأيام متسارعة وكبر الأبناء وتقلّدوا أعلى المراتب وكبرت نعيمة وأصبحت امرأة مسنّة.. وفي 2017 فارق شقيقها الحياة  لتجد نفسها تواجه جحود من ربّتهم ومن أعطتهم سنين عمرها وكثرت الخلافات فاتخذت القرار بالرّحيل وترك كل شيء خلفها..

تركت نعيمة منزل والديها والتحقت بدار المسنين وهي اليوم تعيش في سلام رغم الشعور بالمرارة التي تنتابها من حين لآخر.

أما "صالحة" البالغة من العمر 67 سنة (مقعدة) مقيمة بدار المسنين منذ عام تقريبا بعد أن كانت تقيم بدار المسنين بقرمبالية مدة خمس سنوات فانتقلت للعيش بدار المسنين بمنوبة استجابة لطلب معارفها المقيمين في تونس حتى يتمكنوا من زيارتها.

قبل مجيئها للدار كانت صالحة تعيش رفقة شقيقتها التي تعاني من مرض هشاشة العظام وشقيقها الذي يعاني بدوره من بعض الأمراض المزمنة، تقول "إن صحتها تدهورت وأصبحت عاجزة عن المشي لذلك قررت العيش بدار المسنين، ورغم أنها لم تتزوج الا أنها لم تندم على ذلك إذ تقول هناك العديد من المسنين المقيمين بدار المسنين بمنوبة تزوجوا وأنجبوا الأبناء ولكن تخلصوا منهم بدم بارد وتركوهم في الدار فماذا جنوا حسب قولها من هذا الزّواج سوى نكران الجميل.

مناضل في دار المسنين..

عندما كان يبلغ من العمر 22 سنة شارك في معركة الجلاء ببنزرت وكان شاهدا على سقوط الكثير من  الشهداء وإصابة العديد من الجرحى وكان "مستشفى الفرنسيين"  شارل نيكول حاليا شاهدا على تلك الحقبة.. انه العم علي البالغ من العمر 80 سنة التقيناه بالدار التي يقيم فيها منذ خمس سنوات، فلا الوحدة ولا الظروف الاجتماعية الصعبة هما اللذان دفعاه إلى القدوم إلى دار المسنين بمنوبة ولكن حبه لزوجته وفق ما يقول هو الذي جعله يضحّي بالدفء العائلي ويختار العيش بعيدا عن  "عشيرته" زوجته رغم أنه ميسور الحال ويملك منزلا فاخرا..

العم علي متزوج منذ أربعين سنة ويحب زوجته كثيرا  ولديه ولدان، الابن دكتور في إحدى الجامعات الأجنبية متزوج ولديه أبناء والبنت متزوجة ومقيمة في تونس، كانت حياته العائلية مستقرة ثم انقلبت رأسا على عقب بعد وفاة ابنه البالغ من العمر 12 سنة غرقا في البحر فأصيبت زوجته بأزمة نفسية حادة وأصبحت  تتلقى العلاج بمستشفى الأمراض النفسية، وقد أثرت حالتها النفسية على علاقتهما وكثرت الخلافات والشجارات بينهما وأصبحت الخبز اليومي وتحولت حياته إلى جحيم  لا يطاق. وخوفا من أن تؤثر تلك الخلافات على صحّة زوجته سيما وأنها تعاني من ارتفاع ضغط الدم قرر أن يترك المنزل ويقيم بدار المسنين.

ورغم أن الدار قدّمت له وإلى بقية المسنين الرعاية الا انه ظل يفتقد دفء العائلة ويشتاق إلى زوجته.. العم علي ترك منزله ولكنه لم يترك أبناءه وهما لم يتركانه فالعلاقة بينه وبينهما ظلت متينة ويزورانه كلما سمحت لهما الظروف بذلك.

ويأمل في أن يتم تكثيف دور المسنين ببلادنا خاصة وأن هناك العديد منهم ليس لديهم مأوى أو سندا عائليا وهناك من تخلى عنهم أبناؤهم، واستحضر حادثة كيف شاهد سيارة فاخرة توقفت أمام الدار ونزل منها شاب في مقتبل العمر كان جلب معه والده المتقاعد الذي يتقاضي جراية قدرها ألفي دينار إلى الدار للإقامة ولكنه تراجع في آخر لحظة وعاد أدراجه رفقته.

مرارة التخلي..

"لا المال ولا الأبناء ولا حتى الزوجة يمكن أن يعوضوا الصحة، كل شيء يمكن تعويضه في هذه الحياة إلا صحة الإنسان عندما تخونه لا شيء يمكن أن يعوضها" هكذا بدأ محمد الحبيب البالغ من العمر 69 سنة حديثه إلينا.

يقول إنه كان يقيم بالجزائر صحبة زوجته وابنته البالغة من العمر اليوم أكثر من 27 سنة، لمدة ست سنوات ثم عاد الى تونس خلال 2011  وعمل نجارا بإحدى الشركات الكائنة بمنطقة مقرين ثم بعد ذلك قرر فتح محل بمفرده، الى هنا كل شيء يسير عاديا في حياته الى حد تاريخ  21 جوان 2011، هذا التاريخ الذي لا يمكنه أن يمحى من ذاكرته، يوم تعرض فيه الى حادث مرور وأصبح  شبه عاجز عن المشي فتخلت عنه زوجته وانفصلت عنه بالطلاق وعادت الى بلدها صحبة ابنته للعيش هناك فانتقل بعد ذلك للعيش مع شقيقته المتزوجة، لم يكن مرتاحا نفسيا فقرر  بعد مرور عدة أشهر اللجوء إلى دار المسنين بمنوبة أين وجد الرعاية وتقاسم همومه مع هموم غيره من المسنين.

ويأمل أن تخصص له إدارة الدار محلا يستغله في العمل في النجارة ويشرّك معه العديد من المسنين الآخرين.

غدر الأشقاء..

العم صالح يبلغ من العمر 76 سنة لم يتزوج قال إنه بعد وفاة والده تكفل برعاية أشقائه السبعة وعمل في عدة مجالات، بعد زواج شقيقاته الستة وشقيقه كان يقيم بمحل على وجه الكراء وسط العاصمة ولما نفدت الأموال التي بحوزته قرر الانتقال للعيش في دار المسنين بمنوبة أفضل من الإقامة مع أشقائه فهو "عزيز النفس" لا يريد أن يكون عالة على احد.

* مدير مركز رعاية المسنين بمنوبة لـ"الصباح":طاقة استيعاب الدار لا تتجاوز 120 مقيما ولكن الجائحة أجبرتنا على تخفيض العدد

 

"الصباح" كان لها لقاء مع مدير دار المسنين بمنوبة  خميسالسّبوعي الذي بين لنا أن دار المسنين هي جمعية خيرية مستقلة تأسست سنة 1974 وتحصلت على التأشيرة القانونية في ماي 1976 تخضع لقانون الجمعيات المؤرخ في 7 نوفمبر 1957 تحت إشراف الاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي وتسهر عليها هيئة مديرة منتخبة تحرص على تنمية شعور التضامن بين المواطنين وضعاف الحال.

ويمسح مركز رعاية المسنين بمنوبة هكتارين بينها 4350 مترا مربعا مساحة مغطاة توجد بها 10 وحدات سكنية منها 6 وحدات للرجال و4 للنساء وتأوي كل وحدة 3 مقيمين نظرا للظروف الصحية وتوقيا من تفشي الوباء كما تحتوي كل وحدة على 4 غرف، غرفة نوم، غرفة استقبال، مطبخ وغرفة استحمام .

يضيف لـ"الصباح" أن طاقة استيعاب الدار 120 مقيما ولكن يوجد بها حاليا 83 فقط بينهم 36 امرأة و47 رجلا مبينا أن العدد غير مستقر لعدة أسباب منها الوفاة أو انتقال مسن إلى دار رعاية أخرى كما أنه وخوفا من تفشي الوباء بصفوف المسنين لا يمكن قبول عدد كبير منهم.

وتضم دار المسنين بمنوبة 73 عونا وعاملا يؤمّنون خدمات على مدار 24 ساعة بالتداول بينهم 13 إطارا إداريا، طبيبتان، 7 إطارات شبه طبية، مختصين اثنين في العلاج الوظيفي، مختص في العلاج الطبيعي، 52 عاملا وعملة قارين و13 عاملا عرضيا.

وجاء تركيز دار المسنين بمنوبة وبقية دور المسنين الـ12 التابعة للدولة تجسيدا لتوجهاتها في مجال رعاية المسنين والعمل على الاعتناء بهذه الفئة من ذوي الدخل المحدود وفاقدي السّند.

وعن كيفية قبول المسنين أوضح المتحدّث أن هناك لجنة القبول تنظر في مطالب الإيواء وفق مقاييس تتمثل اولا في ان يكون المقيم بلغ  سن الـ60 سنة فما فوق، أن يكون فاقدا السند المادي والمعنوي، وأن يكون كذلك  سليما من الأمراض المعدية والعقلية وان تكون لديه رغبة  في الإيواء.

وتسهر الجمعيّة على تقديم جملة من الخدمات عبر برنامجي عمل يستهدف الأول الرّعاية والإحاطة بالمسنين من خلال مركز الإيواء والثاني يتمثّل في المتابعة والتدخل لفائدة المسنين داخل وسطهم الطبيعي عبر وحدة "نجدة المسن" حيث أن هناك فريقا يتنقل إليهم ويسدي لهم خدمات صحية واجتماعية مشيرا أن هناك 130 مسنا بكل من ولايتي منوبة وأريانة ينتفعون بهذه الخدمات المتمثلة في مساعدتهم بكميات من المواد الغذائية بمناسبة الأعياد الوطنية والدينية وكذلك ملابس وأغطية وتوفير كذلك بعض الكراسي المتحركة أو نظارات طبية لمن يحتاجونها.

وأشار مدير دار المسنين بمنوبة أن هناك أشغال تهيئة ستقع بالدار وستشمل وحدات العيش كذلك الممرات بين الوحدات والمسالك الصحية الخاصة بالمسنين المقعدين  بكلفةجملية تناهز 3 مليارات.

وأكد في سياق متّصل أنه منذ بداية ظهور الجائحة لم يتم تسجيل إصابات بالفيروس وكانت حملة تلقيح المسنين بكامل تراب الجمهورية انطلقت يوم 30 أفريل 2021 من دار المسنين بمنوبة.

وقال إن الدولة متمثلة في وزارة المرأة والاتحاد التونسي للتضامن الاجتماعي هي التي تمول دار المسنين بمنوبة وبقية دور المسنين التابعة للدولة بالإضافة إلى بعض الهبات والتبرعات المالية التي تتلقاها الدار سواء من رجال أعمال او من مواطنين عاديين كل وطريقة مساعدته، مشيرا أن هناك عون أمن رفقة 3 من زملائه يقدمون شهريا مساعدات غذائية كما كانت مصالح رئاسة الجمهورية ساعدت الجمعية بكميات من المواد الغذائية على غرار "حوت موريتانيا"  كذلك وزير سابق بعد وفاته  تبرع ابنه بملابسه للدار. وحتى البعض من "الزواولة" يقدمون مساعدات إلى دار المسنين بمنوبة.

صباح الشابّي

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews