لازال الوضع السياسي في تونس يلفه الغموض رغم المؤشرات الطفيفة وبروز بعض الضوء في نفق العلاقات بين الرؤساء الثلاثة بعد الحديث عن وساطة القيادي السابق لطفي زيتون والحديث عن ترتيبات لقاء محتمل بين قيس سعيد وراشد الغنوشي ومحاولة اعادة الود بين رئيس الدولة والاتحاد العام التونسي للشغل.
وعلى اهمية التوسط في الحد من منسوب الأجواء المشحونة بعد تأكيد لطفي زيتون عن احتمال لقاء بين راشد الغنوشي وقيس سعيد بطلب من "هذا الاخير" فان موضوع اللقاء من شانه ان يفتح ابواب الاستقرار وعودة الود بين قرطاج وباردو اثر خلافات حادة عصفت بمقدرات التمشي الديمقراطي في تونس.
واذا كان حديث الاستقرار هو الطاغي بين النقاشات فان ذلك لم يمنع بعضهم من الحديث عن مدى جدية رئيس الدولة في تثبيت الاستقرار، سؤال يجد ما يبرره بعد ان تعود قيس سعيد خلق الأزمات السياسية تارة بحجة محاربة الفساد كما حصل مع حكومة هشام مشيشي أو مع مبادرة الحوار الوطني وتارة اخرى مع تعطيله لميلاد المحكمة الدستورية وتخوفاته من امكانية استعمالها لعزله من الرئاسة.
وقد تركت تخوفاته بصمتها في تعاطيه مع الشأن العام ليدخل على اثرها في سلسلة من الاخطاء اخرها عزمه العودة الى دستور 1959 وهو ما شكل عاصفة من الانتقادات لدعوة الرئيس واتهماه بالسعي إلى الفردانية في الحكم، مما خلق طوقا من العزلة حول خاصرة ساكن قرطاج.
هكذا عزلة فرضت على الرئيس ان يفكر من خارج صندوق افكاره المتداولة بعد ان رفع الاتحاد في وجهه انذاره الاول ورفض حزامه البرلماني للتمشي الرئاسي المعلن بضرب دستور الثورة وهو ما مس من صورة سعيد الديمقراطية في عيون حزبي التيار وحركة الشعب اللذين سارعا لرفض أي تداول لأفكار من شانها أن تعيد البلاد لفترة ما قبل 17 ديسمبر 14جانفي .
من الأخ زيتون…إلى الرفيق لنين
رغم استعانته بعدد من العاطلين السياسيين فقد كان لقاء قيس سعيد بالقيادي السابق في حركة النهضة لطفي زيتون منعرجا مهما في تحريك السواكن.
وخلق لقاء الرجلين ديناميكية انتهت بحديث عن لقاء محتمل بين سعيد ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بداية، ولقاء ثان بين زيتون والامين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي.
ورغم ان زيتون لا يحظى بثقة واسعة داخل انصار النهضة وبعض من قياداتها، فقد استطاع إقناع رئيس الحركة بضرورة استعادة المبادرة السياسية في علاقتها برئيس الدولة، هذا الرئيس الذي أغلق بابه في وجه مخالفيه وعمل على ترذيلهم لغة واصطلاحا، وجد ترحيبا عند الداخل النهضاوي الذي سارع لإزاحة الحواجز بينه وبين قيس سعيد لتعلن الحركة في بلاغ اعلامي على الصفحة الرسمية للغنوشي عن ترحيب الحزب بمقترح اللقاء بل وسعيه لإنجاحه.
بيد أن تمسك النهضة بإنجاح اللقاء ودعم الاستقرار وتغيير الواقع، قابله موقف غريب من رئيس الجمهورية الذي بدا متمسكا خلال لقائه بالناشط السياسي رضا شهاب بمجموع أفكاره التي يبنى عليها سعيد توجهه السياسي.
واستقبل رئيس الجمهورية قيس سعيد، مساء أمس الثلاثاء بقصر قرطاج، رضا شهاب المكي.
وتناول اللقاء مسائل متعلقة بالشأن العام في تونس، وكذلك التصورات التي تم تداولها منذ أكثر من 10 سنوات والتي أثبتت الأحداث المتلاحقة على المستويين السياسي والاقتصادي ملاءمتها للوضع لا في تونس فحسب بل في العالم بأسره.
وتشمل التصورات المشار اليها تلك المتعلقة بالديمقراطية المباشرة وهي ذات الخيارات التي نظّر لها المكي في كتاباته.
كما تطرق اللقاء حسب بلاغ رئاسة الجمهورية إلى قضايا أخرى خاصة منها تلك المتعلقة "بالنظام السياسي ونظام الاقتراع اللذين لم يحققا الآمال التي سعى إليها الشعب التونسي."
ويشترك سعيد والمكي في مواقفهما المناهضة للتصويت على القائمات ودعوتهما المتكررة بالتصويت على الأفراد، كما يشتركان في قراءتهما للنظام السياسي وترويجهما للنظام الرئاسي كبديل للنظام البرلماني وهو ما يعمل عليه سعيد في قراءة مخالفة للدستور ومناهضة لتوجهات راشد الغنوشي وحركة النهضة عموما.
تسويات.. فتنازلات
واذا كان الحديث عن لقاء محتمل بين الرجلين فانه سيخلص بالضرورة إلى تفاهمات لإذابة الجليد أولا والبحث عن تسويات لإنهاء حالة الاشتباك بين قرطاج وباردو ثانيا.
ولعل الثابت ان الإشارة إلى التسويات تتطلب تنازلات من الجميع وهو ما أعلنت عنه حركة النهضة في أكثر من تصريح، ليبقى السؤال ماهي التنازلات المحتملة؟ بمعنى ماذا ستقدم النهضة وماذا يمكن أن يقدم الرئيس في المقابل؟
لا يبدو الرهان على الإطاحة بحكومة هشام مشيشي الرهان الأسلم لحركة النهضة، على اعتبار أن الرئيس فشل ديمقراطيا في كل الاختبارات فما الذي يمنعه من التراجع عن اتفاقيته.
وتدرك قيادات النهضة ان قيس سعيد عمل جاهدا على المسك بكل خيوط اللعبة السياسية في البداية بتعيينه لمشيشي والياس الفخفاخ وتوظيفه للكتلة الديمقراطية للإطاحة برئيس البرلمان راشد الغنوشي، وبحثه الدائم للسيطرة عن الداخلية بتقديم مدير حملته بسوسة في خطة وزير للداخلية، إضافة إلى قراءته الأحادية للدستور وتوظيفه للتأويل الدستوري وفق مصالح الرئيس، وهي كلها عوامل قد تدفع بالحركة لألا تضع كل بيضها في سلة قيس سعيد.
كما ان مزاجية الرئيس وتراجعه عن تعهداته والتزاماته مع الاتحاد العام التونسي للشغل قد يكون عاملا اساسيا للمحافظة على مسافة الأمان بين النهضة وسعيد.
ومن خلال ما تقدم فان الحديث عن التضحية بهشام مشيشي قد لا يكون الخطة الرئيسية لحركة النهضة التي عبرت عن رغبتها الثابتة في حكومة سياسية يقودها مشيشي الذي يبدو انه لا بديل عنه الى حد الان.
ورغم اقرارها بالتمسك بمشيشي فان بعض القراءات الأخرى لامست احتمالات ضعيفة مفادها ان يتوافق الغنوشي وسعيد على استبعاد رئيس الحكومة عبر الية سحب الثقة منه مع تعهد الرئيس بعدم قبول استقالة مشيشي في حال خير إعادة "الأمانة إلى أصحابها" وهي في الواقع خطوة تمثل كابوسا سياسيا لحركة النهضة لأنها ستعيد الجميع الى النقطة الصفر وتكون احتمالا كبيرا لحل البرلمان لاحقا.
مشيشي.. مقابل المحكمة الدستورية
لا احد قادر على انكار السعي المتكرر لقيس سعيد للإطاحة بهشام مشيشي كلفه ذلك ما كلفه، واعتبارا للتقارب المحتمل بين الرئيس والنهضة فقد سعت قراءات للحديث عن امكانية تقارب وبحث كلا الطرفين عن مصلحة مشتركة، حيث تضحى النهضة بمشيشي مقابل امضاء الرئيس على بعث المحكمة الدستورية.
وفي هذا السياق أكد رئيس كتلة حركة النهضة بالبرلمان عماد الخميري أن لرئيس البرلمان راشد الغنوشي مبادرة للحل لم يطرحها بعد، مؤكدا أن مقترح "حكومة سياسية بقيادة مشيشي" يمكن أن تكون من بين بنودها.
وبيّن الخميري أنّ النهضة مازالت داعمة لهشام مشيشي وحكومته، ولا تريد المغامرة بالبلاد والدفع بها نحو خيارات الفراغ الحكومي، مؤكدا أنّ حزبه مستعد في المقابل لتقديم تنازلات خلال مجريات الحوار الوطني المرتقب.
فهل يفهم قيس سعيد الدرس هذه المرة؟ وهل يشكل موقف النهضة موقفا متينا ام انه مجرد طرح لترفيع سقف مطالبها مع الرئيس؟
خليل الحناشي
تونس-الصباح
لازال الوضع السياسي في تونس يلفه الغموض رغم المؤشرات الطفيفة وبروز بعض الضوء في نفق العلاقات بين الرؤساء الثلاثة بعد الحديث عن وساطة القيادي السابق لطفي زيتون والحديث عن ترتيبات لقاء محتمل بين قيس سعيد وراشد الغنوشي ومحاولة اعادة الود بين رئيس الدولة والاتحاد العام التونسي للشغل.
وعلى اهمية التوسط في الحد من منسوب الأجواء المشحونة بعد تأكيد لطفي زيتون عن احتمال لقاء بين راشد الغنوشي وقيس سعيد بطلب من "هذا الاخير" فان موضوع اللقاء من شانه ان يفتح ابواب الاستقرار وعودة الود بين قرطاج وباردو اثر خلافات حادة عصفت بمقدرات التمشي الديمقراطي في تونس.
واذا كان حديث الاستقرار هو الطاغي بين النقاشات فان ذلك لم يمنع بعضهم من الحديث عن مدى جدية رئيس الدولة في تثبيت الاستقرار، سؤال يجد ما يبرره بعد ان تعود قيس سعيد خلق الأزمات السياسية تارة بحجة محاربة الفساد كما حصل مع حكومة هشام مشيشي أو مع مبادرة الحوار الوطني وتارة اخرى مع تعطيله لميلاد المحكمة الدستورية وتخوفاته من امكانية استعمالها لعزله من الرئاسة.
وقد تركت تخوفاته بصمتها في تعاطيه مع الشأن العام ليدخل على اثرها في سلسلة من الاخطاء اخرها عزمه العودة الى دستور 1959 وهو ما شكل عاصفة من الانتقادات لدعوة الرئيس واتهماه بالسعي إلى الفردانية في الحكم، مما خلق طوقا من العزلة حول خاصرة ساكن قرطاج.
هكذا عزلة فرضت على الرئيس ان يفكر من خارج صندوق افكاره المتداولة بعد ان رفع الاتحاد في وجهه انذاره الاول ورفض حزامه البرلماني للتمشي الرئاسي المعلن بضرب دستور الثورة وهو ما مس من صورة سعيد الديمقراطية في عيون حزبي التيار وحركة الشعب اللذين سارعا لرفض أي تداول لأفكار من شانها أن تعيد البلاد لفترة ما قبل 17 ديسمبر 14جانفي .
من الأخ زيتون…إلى الرفيق لنين
رغم استعانته بعدد من العاطلين السياسيين فقد كان لقاء قيس سعيد بالقيادي السابق في حركة النهضة لطفي زيتون منعرجا مهما في تحريك السواكن.
وخلق لقاء الرجلين ديناميكية انتهت بحديث عن لقاء محتمل بين سعيد ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي بداية، ولقاء ثان بين زيتون والامين العام لاتحاد الشغل نورالدين الطبوبي.
ورغم ان زيتون لا يحظى بثقة واسعة داخل انصار النهضة وبعض من قياداتها، فقد استطاع إقناع رئيس الحركة بضرورة استعادة المبادرة السياسية في علاقتها برئيس الدولة، هذا الرئيس الذي أغلق بابه في وجه مخالفيه وعمل على ترذيلهم لغة واصطلاحا، وجد ترحيبا عند الداخل النهضاوي الذي سارع لإزاحة الحواجز بينه وبين قيس سعيد لتعلن الحركة في بلاغ اعلامي على الصفحة الرسمية للغنوشي عن ترحيب الحزب بمقترح اللقاء بل وسعيه لإنجاحه.
بيد أن تمسك النهضة بإنجاح اللقاء ودعم الاستقرار وتغيير الواقع، قابله موقف غريب من رئيس الجمهورية الذي بدا متمسكا خلال لقائه بالناشط السياسي رضا شهاب بمجموع أفكاره التي يبنى عليها سعيد توجهه السياسي.
واستقبل رئيس الجمهورية قيس سعيد، مساء أمس الثلاثاء بقصر قرطاج، رضا شهاب المكي.
وتناول اللقاء مسائل متعلقة بالشأن العام في تونس، وكذلك التصورات التي تم تداولها منذ أكثر من 10 سنوات والتي أثبتت الأحداث المتلاحقة على المستويين السياسي والاقتصادي ملاءمتها للوضع لا في تونس فحسب بل في العالم بأسره.
وتشمل التصورات المشار اليها تلك المتعلقة بالديمقراطية المباشرة وهي ذات الخيارات التي نظّر لها المكي في كتاباته.
كما تطرق اللقاء حسب بلاغ رئاسة الجمهورية إلى قضايا أخرى خاصة منها تلك المتعلقة "بالنظام السياسي ونظام الاقتراع اللذين لم يحققا الآمال التي سعى إليها الشعب التونسي."
ويشترك سعيد والمكي في مواقفهما المناهضة للتصويت على القائمات ودعوتهما المتكررة بالتصويت على الأفراد، كما يشتركان في قراءتهما للنظام السياسي وترويجهما للنظام الرئاسي كبديل للنظام البرلماني وهو ما يعمل عليه سعيد في قراءة مخالفة للدستور ومناهضة لتوجهات راشد الغنوشي وحركة النهضة عموما.
تسويات.. فتنازلات
واذا كان الحديث عن لقاء محتمل بين الرجلين فانه سيخلص بالضرورة إلى تفاهمات لإذابة الجليد أولا والبحث عن تسويات لإنهاء حالة الاشتباك بين قرطاج وباردو ثانيا.
ولعل الثابت ان الإشارة إلى التسويات تتطلب تنازلات من الجميع وهو ما أعلنت عنه حركة النهضة في أكثر من تصريح، ليبقى السؤال ماهي التنازلات المحتملة؟ بمعنى ماذا ستقدم النهضة وماذا يمكن أن يقدم الرئيس في المقابل؟
لا يبدو الرهان على الإطاحة بحكومة هشام مشيشي الرهان الأسلم لحركة النهضة، على اعتبار أن الرئيس فشل ديمقراطيا في كل الاختبارات فما الذي يمنعه من التراجع عن اتفاقيته.
وتدرك قيادات النهضة ان قيس سعيد عمل جاهدا على المسك بكل خيوط اللعبة السياسية في البداية بتعيينه لمشيشي والياس الفخفاخ وتوظيفه للكتلة الديمقراطية للإطاحة برئيس البرلمان راشد الغنوشي، وبحثه الدائم للسيطرة عن الداخلية بتقديم مدير حملته بسوسة في خطة وزير للداخلية، إضافة إلى قراءته الأحادية للدستور وتوظيفه للتأويل الدستوري وفق مصالح الرئيس، وهي كلها عوامل قد تدفع بالحركة لألا تضع كل بيضها في سلة قيس سعيد.
كما ان مزاجية الرئيس وتراجعه عن تعهداته والتزاماته مع الاتحاد العام التونسي للشغل قد يكون عاملا اساسيا للمحافظة على مسافة الأمان بين النهضة وسعيد.
ومن خلال ما تقدم فان الحديث عن التضحية بهشام مشيشي قد لا يكون الخطة الرئيسية لحركة النهضة التي عبرت عن رغبتها الثابتة في حكومة سياسية يقودها مشيشي الذي يبدو انه لا بديل عنه الى حد الان.
ورغم اقرارها بالتمسك بمشيشي فان بعض القراءات الأخرى لامست احتمالات ضعيفة مفادها ان يتوافق الغنوشي وسعيد على استبعاد رئيس الحكومة عبر الية سحب الثقة منه مع تعهد الرئيس بعدم قبول استقالة مشيشي في حال خير إعادة "الأمانة إلى أصحابها" وهي في الواقع خطوة تمثل كابوسا سياسيا لحركة النهضة لأنها ستعيد الجميع الى النقطة الصفر وتكون احتمالا كبيرا لحل البرلمان لاحقا.
مشيشي.. مقابل المحكمة الدستورية
لا احد قادر على انكار السعي المتكرر لقيس سعيد للإطاحة بهشام مشيشي كلفه ذلك ما كلفه، واعتبارا للتقارب المحتمل بين الرئيس والنهضة فقد سعت قراءات للحديث عن امكانية تقارب وبحث كلا الطرفين عن مصلحة مشتركة، حيث تضحى النهضة بمشيشي مقابل امضاء الرئيس على بعث المحكمة الدستورية.
وفي هذا السياق أكد رئيس كتلة حركة النهضة بالبرلمان عماد الخميري أن لرئيس البرلمان راشد الغنوشي مبادرة للحل لم يطرحها بعد، مؤكدا أن مقترح "حكومة سياسية بقيادة مشيشي" يمكن أن تكون من بين بنودها.
وبيّن الخميري أنّ النهضة مازالت داعمة لهشام مشيشي وحكومته، ولا تريد المغامرة بالبلاد والدفع بها نحو خيارات الفراغ الحكومي، مؤكدا أنّ حزبه مستعد في المقابل لتقديم تنازلات خلال مجريات الحوار الوطني المرتقب.
فهل يفهم قيس سعيد الدرس هذه المرة؟ وهل يشكل موقف النهضة موقفا متينا ام انه مجرد طرح لترفيع سقف مطالبها مع الرئيس؟