إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

مقال رأي .. كيف نجعل من الديمقراطية أكثر ديمقراطية ؟

 

 

لئن كانت الديمقراطية جملة من القيم السامية و المنشودة التي يطمح الانسان لتحقيقها و الوصول إليها في إطار بحثه عن رابط إنساني دياليكتيكي بينه وبين الآخر من جهة و بينه بين الدولة ككيان ذو أجهزة و مؤسسات من جهة أخرى فإن الديمقراطية على عكس ما يعتقده البعض ليست قالبا يتقولب فيه المجتمع و عليه هي مطالبة بتصحيح اتجاهها لتتأقلم مع عالم متغير بمعطيات مختلفة و أيضا ليست طبيعة نظام حكم بل هي سمة للحكم أن يكون ديمقراطيا ميالا للإنسانية تتبوأ فيه المسألة الديمقراطية بمرتكزاتها الأساسية، الانتخابات وحقوق الإنسان والمواطنة والعدالة الاجتماعية، مركز الصدارة في سلم اهتمامات الشعوب ورجال الفكر والسياسة خاصة طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ..

 

.

 

و على عكس ما شهدناه طوال العقود الماضية لم تكن المسألة الديمقراطية محل نقاش في الدول الغربية نفسها من منطلق أنها مهد الديمقراطية وواحة الحرية وحقوق الإنسان، وما كان يعزز هذه الصورة للغرب حالة الازدهار الاقتصادي المتسارع في النصف الثاني من القرن العشرين. إلا أن تحولات عميقة ومتسارعة في المجتمعات الغربية وضعت الديمقراطيات الغربية على المحك وأهمها:

 

صعود اليمين المتطرف والنيوليبرالية المتوحشة وما أدت إليه من تزايد الفجوة بين الطبقات وعودة الاستعمار المباشر وغير المباشر وتفشي العنصرية والطائفية.

 

الثورة المعلوماتية وما أدت إليه من وضع حد لمرحلة كانت العملية السياسية الرسمية محاطة بالغموض والتكتم وتجري داخل صندوق أسود، فهذه الثورة المعلوماتية وخصوصاً وسائط التواصل الاجتماعي أدت لانكشاف وإماطة اللثام عن أغلب التفاعلات التي تجري في مركز اتخاذ القرار السياسي وفي المجتمع بشكل عام، وسرعة توصيل المعلومة والخبر، وكأداة فعالة للتحريض في حالة أي انتهاك لحقوق الإنسان أو خلل في أداء النظام السياسي.

 

فقدان الانتخابات العامة لبريقها وتراجع المراهنة عليها كمؤشر على وجود الديمقراطية، حيث أصبحت الماكينة الانتخابية والرأي العام وجمهور الناخبين يخضع للمال السياسي وتأثير وسائل الإعلام.

 

الازمة الاقتصادية الجديدة الناتجة عن الاختلالات المتراكمة للنظام الاقتصادي العالمي وخصوص اقتصاديات الدول الغربية، وهي اختلالات فاقمها صعود الاقتصاد الصيني واقتصاديات دول أسيوية أخرى أيضا تداعيات وباء كورونا

 

الإستشعار بخطورة تحول الديمقراطية لأداة بيد الأمبريالية الأمريكية لبسط نفوذها السياسي و الإقتصادي على العالم في إطار تصديرها لديمقراطية ليبرالية مشوهة خادمة لمصالح السلع الأمريكية الغير خاضعة للجمركة و المتجاوزة للحدود الجغرافية في إطار خلق سوق إستهلاكي أمريكي موحد ومهيمن

 

علاوة على ذلك جعل الديمقراطية وسيلة التحكم في سياسات الشعوب عبر تصدير منظومة ديمقراطية عرجاء على غرار ديمقراطية النظام البرلماني متصارع الصلاحيات .

 

كل ذلك أدى لاستحضار مسألة الديمقراطية مجدداً وما إن كان العالم سيشهد موجة خامسة من الديمقراطية، ولكن هذه المرة لبست موجة أفقية تضيف مجتمعات جديدة إلى الفضاء الديمقراطي كما جرى مع الموجات السابقة، بل موجة من داخل الديمقراطيات الغربية نفسها هدفها دمقرطة الديمقراطية ونفض الخمول عنها ومواجهة الفاشية والعنصرية والشعبوية واليمين المتطرف وكلها ايديولوجيات تتعارض من مفهوم المواطنة وحقوق الإنسان، أيضاً إسقاط هالة القداسة التي تم إضفاؤها على الديمقراطيات الغربية.

 

اليوم و أمام إنسداد الأفق الإنساني أعتقد أنه على العقل البشري اليوم أن يقف وقفة مصارحة و مصالحة تاريخية مع نفسه و أن ينقد ميكانيزمات أستعمال و التوظيف السلبي للديمقراطية و تعميق الهوة الإنسانية و تعميق الأزمة التواصلية و الوجودية مع الآخر بالتالي هي لحظة نقد الماضي و بناء المستقبل في خضم واقع متغير و عالم متحرك و لا يكون ذلك ألا بالعودة لنقطة البداية نقطة التصور الديمقراطي الأثيني الإنساني الذي يراعي إنسانية الإنسان و يقطع مع الليبرالية و الإستعمارية و يؤسس لجوهر العملية التواصلية كلحظة تاريخية تعيد دمقرطة الديمقراطية

 

الأستاذ صهيب المزريقي

 

 

 

 

 

 

 

 مقال رأي .. كيف نجعل من الديمقراطية أكثر ديمقراطية ؟

 

 

لئن كانت الديمقراطية جملة من القيم السامية و المنشودة التي يطمح الانسان لتحقيقها و الوصول إليها في إطار بحثه عن رابط إنساني دياليكتيكي بينه وبين الآخر من جهة و بينه بين الدولة ككيان ذو أجهزة و مؤسسات من جهة أخرى فإن الديمقراطية على عكس ما يعتقده البعض ليست قالبا يتقولب فيه المجتمع و عليه هي مطالبة بتصحيح اتجاهها لتتأقلم مع عالم متغير بمعطيات مختلفة و أيضا ليست طبيعة نظام حكم بل هي سمة للحكم أن يكون ديمقراطيا ميالا للإنسانية تتبوأ فيه المسألة الديمقراطية بمرتكزاتها الأساسية، الانتخابات وحقوق الإنسان والمواطنة والعدالة الاجتماعية، مركز الصدارة في سلم اهتمامات الشعوب ورجال الفكر والسياسة خاصة طوال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ..

 

.

 

و على عكس ما شهدناه طوال العقود الماضية لم تكن المسألة الديمقراطية محل نقاش في الدول الغربية نفسها من منطلق أنها مهد الديمقراطية وواحة الحرية وحقوق الإنسان، وما كان يعزز هذه الصورة للغرب حالة الازدهار الاقتصادي المتسارع في النصف الثاني من القرن العشرين. إلا أن تحولات عميقة ومتسارعة في المجتمعات الغربية وضعت الديمقراطيات الغربية على المحك وأهمها:

 

صعود اليمين المتطرف والنيوليبرالية المتوحشة وما أدت إليه من تزايد الفجوة بين الطبقات وعودة الاستعمار المباشر وغير المباشر وتفشي العنصرية والطائفية.

 

الثورة المعلوماتية وما أدت إليه من وضع حد لمرحلة كانت العملية السياسية الرسمية محاطة بالغموض والتكتم وتجري داخل صندوق أسود، فهذه الثورة المعلوماتية وخصوصاً وسائط التواصل الاجتماعي أدت لانكشاف وإماطة اللثام عن أغلب التفاعلات التي تجري في مركز اتخاذ القرار السياسي وفي المجتمع بشكل عام، وسرعة توصيل المعلومة والخبر، وكأداة فعالة للتحريض في حالة أي انتهاك لحقوق الإنسان أو خلل في أداء النظام السياسي.

 

فقدان الانتخابات العامة لبريقها وتراجع المراهنة عليها كمؤشر على وجود الديمقراطية، حيث أصبحت الماكينة الانتخابية والرأي العام وجمهور الناخبين يخضع للمال السياسي وتأثير وسائل الإعلام.

 

الازمة الاقتصادية الجديدة الناتجة عن الاختلالات المتراكمة للنظام الاقتصادي العالمي وخصوص اقتصاديات الدول الغربية، وهي اختلالات فاقمها صعود الاقتصاد الصيني واقتصاديات دول أسيوية أخرى أيضا تداعيات وباء كورونا

 

الإستشعار بخطورة تحول الديمقراطية لأداة بيد الأمبريالية الأمريكية لبسط نفوذها السياسي و الإقتصادي على العالم في إطار تصديرها لديمقراطية ليبرالية مشوهة خادمة لمصالح السلع الأمريكية الغير خاضعة للجمركة و المتجاوزة للحدود الجغرافية في إطار خلق سوق إستهلاكي أمريكي موحد ومهيمن

 

علاوة على ذلك جعل الديمقراطية وسيلة التحكم في سياسات الشعوب عبر تصدير منظومة ديمقراطية عرجاء على غرار ديمقراطية النظام البرلماني متصارع الصلاحيات .

 

كل ذلك أدى لاستحضار مسألة الديمقراطية مجدداً وما إن كان العالم سيشهد موجة خامسة من الديمقراطية، ولكن هذه المرة لبست موجة أفقية تضيف مجتمعات جديدة إلى الفضاء الديمقراطي كما جرى مع الموجات السابقة، بل موجة من داخل الديمقراطيات الغربية نفسها هدفها دمقرطة الديمقراطية ونفض الخمول عنها ومواجهة الفاشية والعنصرية والشعبوية واليمين المتطرف وكلها ايديولوجيات تتعارض من مفهوم المواطنة وحقوق الإنسان، أيضاً إسقاط هالة القداسة التي تم إضفاؤها على الديمقراطيات الغربية.

 

اليوم و أمام إنسداد الأفق الإنساني أعتقد أنه على العقل البشري اليوم أن يقف وقفة مصارحة و مصالحة تاريخية مع نفسه و أن ينقد ميكانيزمات أستعمال و التوظيف السلبي للديمقراطية و تعميق الهوة الإنسانية و تعميق الأزمة التواصلية و الوجودية مع الآخر بالتالي هي لحظة نقد الماضي و بناء المستقبل في خضم واقع متغير و عالم متحرك و لا يكون ذلك ألا بالعودة لنقطة البداية نقطة التصور الديمقراطي الأثيني الإنساني الذي يراعي إنسانية الإنسان و يقطع مع الليبرالية و الإستعمارية و يؤسس لجوهر العملية التواصلية كلحظة تاريخية تعيد دمقرطة الديمقراطية

 

الأستاذ صهيب المزريقي

 

 

 

 

 

 

 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews