إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

رأي/ دبلوماسية الواقع أم دبلوماسية الهروب إلى الأمام؟  

تلقت "الصباح نيوز" مقال رأي بقلم الدبلوماسي ونقيب السلك الدبلوماسي السابق فيصل النقازي.

واعتبر النقازي أنه "لا يجب أن تسمح الدبلوماسية بإعادة تكرار أخطاء الماضي حينما تم توظيفها واستخدامها من طرف السلطة السياسية لأجل تزيين نظام حكم سلطوي لا يعير أدنى أهمية للحريات الأساسية وللبناء الديمقراطي".

وقال النقازي إن "الجهاز الدبلوماسي باعتباره أحد أعضد الدولة ورافد أساسي للمشروع الوطني منذ فجر الاستقلال،  لا يًمكن أن يبقى على الربوة يشاهد الانهيار التدريجي وينقلب شاهد زور وآلة دعاية لصالح "السيستام" الذي تحرّكه عديد الاعتبارات السياسية والحزبية والمصلحية، حسب تعبيره.

وفي التالي فحوى المقال:

 لعلّنا لا نختلف إذا اعتبرنا أن أحد أهمّ عوامل استفحال الأزمة العميقة ومتعدّدة الجوانب التي تعيش على وقعها بلادنا طيلة هذه السنوات يتمثل في انعدام المكاشفة والمصارحة بحقيقة الأوضاع وتحميل المسؤوليات لأصحابها ومهادنة الناخب لغايات سياسية وتأخير الإصلاحات والقرارات الضرورية، المؤلمة أحيانا، مخافة استثارة غضب جماهير المُوالين وردود أفعال الكارتالات واللوبيات المتنفذة في مفاصل الدولة، فتخسر بذلك السلطة القائمة قاعدة الحكم وتمهّد الطريق لمناوئيها الذين يسلكون لاحقا نفس المَسلك كما بيّنته التجربة.

وهكذا أصبحنا، شيئا فشيئا، رهائن في متاهة الهروب إلى الأمام وتأجيل الحلول نستلذّ بالسّكون واللاّحركة وبتأبيد الأزمة التي نكتوي بنارها يوميا. لكن، إذا ما كان هذا هو الخيار والتكتيك الذي يحلُو لأطياف من المنظومة السياسية انتهاجه لاستدامة النفوذ والمصالح ولكسب رضا المؤيدين ودعمهم، مع القليل أو الكثير، بين الحين والآخر، من جرعات الشعبوية حسب الطلب والظروف، فإن مؤسسات الدولة والقائمين عليها لا يجب أن تساير أو تنصاع إلى هذا العبث واللهث وراء السراب وسياسة المسكنات وبيع الأوهام وذلك من منطلق إئتمانها على مناعة وعزة الوطن وإدراكها العميق بأنه لا يمكن الاستمرار في تجاهل ما آلت إليه الأوضاع بدعوى الحيادية المزعومة التي تغطي على الاستقالة والحسابات الضيقة.

والجهاز الدبلوماسي باعتباره أحد أعضد الدولة ورافد أساسي للمشروع الوطني منذ فجر الاستقلال،  لا يًمكن أن يبقى على الربوة يشاهد الانهيار التدريجي وينقلب شاهد زور وآلة دعاية لصالح "السيستام" الذي تحرّكه عديد الاعتبارات السياسية والحزبية والمصلحية. حيث لا يجب أن تسمح الدبلوماسية بإعادة تكرار أخطاء الماضي حينما تم توظيفها واستخدامها من طرف السلطة السياسية لأجل تزيين نظام حكم سلطوي لا يعير أدنى أهمية للحريات الأساسية وللبناء الديمقراطي. وإذا بنا نشهد اليوم أصواتا تتعالى من أجل أن تعتمد الدبلوماسية خطابا ممجُوجا باهتا مستهلكا مُمعنا في المغالطة وتجاهل الواقع، في قراءة خاطئة لدور الدبلوماسية ولجرّها من جديد لمربّع الدعاية، كلّ ذلك لأجل  توفير غطاء، ولو وقتي، لعملية الهروب إلى الأمام وإن كان على حساب رصيد الثقة والجدية الذي يَلزم على أي جهاز دبلوماسي أن يستثمر فيه ويحافظ عليه وينمّيه. في العلاقات الدولية لا يمكنك الهروب إلى الأمام إلى ما لانهاية، وغير مسموح لك أن تستنقص من قيمة محاوريك ومن مقدار ذكائهم كما يجب أن تراعي، في كل خطوة تخطوها، التوازن في ثنائية الدفاع عن مصالح بلادك من جهة وقدر الاحترام والجدية في المواقف والإيفاء بالتعهدات والالتزامات من جهة أخرى. إذ لا يفترض أن يتحوّل العمل الدبلوماسي أو ينقلب أداء المسؤولين إلى نوع من "الفهلوة" و"التحذلق"  المفضوح الذي يُفقد كل مصداقية وقيمة لصاحبه.

في العلاقات الدولية، أيضا، ليس هنالك مكان للصدفة أو المهادنة المجانية أو الدعم اللاّمحدود واللاّمشروط، كل شيء بحسبان خاصة إذا كنت في موقع لا تحسد عليه. ومن المعلوم أن من بين المهام الأساسية للممثليات الدبلوماسية نقل وتحليل الواقع بتفاصيله واستقراء الحاضر والمستقبل، والحالة التونسية لا تحيد عن هذه القاعدة. لذا على كل مسؤول أو ممثل للدولة أن يَعي جيّدا أن الطرف المقابل مسلّح بكمّ هائل من المعطيات والجزئيات والقراءات عن الواقع التونسي وينتظر من محاوره أن لا يتعمّد المغالطة ويعتمد المُكاشفة والجديّة في  التعامل، حيث أن أول خطوة نحو نيل ثقة ودعم المجموعة الدولية وكبار المانحين والرأي العام الدولي ما هي إلا المُصارحة والخطاب الواقعي والمتوازن الذي يعكس إرادة حقيقية وثابتة في التغيير.

وخلافا لما يعتقده البعض في الدبلوماسية، يظل الحديث دون مساحيق  أو تزييف للواقع هو أسلك طريق نحو جعل المخاطب يتفهم مدى حرصك وصدق نواياك في الإصلاح فتكسبه شريكا للعملية ككلّ وداعما لسياساتك. 

بالمحصلة يجدر بنا أن نتساءل ماذا يترقّب منا اليوم شركاؤنا والمجموعة الدولية والمؤسسات  المانحة ؟ من المؤكد المضي قدما في تعزيز بناء التجربة الديمقراطية في بلادنا التي لازالت تعتبر فتية مقارنة بالتجارب المقارنة التي تطلبت عقودا من الزمن لكي تنضج وتستقر ويقتنع بها الجميع، لكن ذلك لا يجب أن يكون على حساب ما  يجب علينا بالتوازي فعله في مختلف الميادين من أجل إنجاح هذه التجربة والمحافظة عليها أو يحجب عنا ضرورة الإيفاء بتعهداتنا والمضي بدون تأخير أو تردّد في الإصلاحات اللازمة وعملية الإنقاذ التي يفرضها الوضع الداخلي والمصلحة الوطنية قبل أن يطالب بها الغير بهدف ضمان استمرار الدعم الدولي وما يقتضيه من دبلوماسية في مواجهة الواقع لا دبلوماسية الهروب إلى الأمام. 

رأي/ دبلوماسية الواقع أم دبلوماسية الهروب إلى الأمام؟   

تلقت "الصباح نيوز" مقال رأي بقلم الدبلوماسي ونقيب السلك الدبلوماسي السابق فيصل النقازي.

واعتبر النقازي أنه "لا يجب أن تسمح الدبلوماسية بإعادة تكرار أخطاء الماضي حينما تم توظيفها واستخدامها من طرف السلطة السياسية لأجل تزيين نظام حكم سلطوي لا يعير أدنى أهمية للحريات الأساسية وللبناء الديمقراطي".

وقال النقازي إن "الجهاز الدبلوماسي باعتباره أحد أعضد الدولة ورافد أساسي للمشروع الوطني منذ فجر الاستقلال،  لا يًمكن أن يبقى على الربوة يشاهد الانهيار التدريجي وينقلب شاهد زور وآلة دعاية لصالح "السيستام" الذي تحرّكه عديد الاعتبارات السياسية والحزبية والمصلحية، حسب تعبيره.

وفي التالي فحوى المقال:

 لعلّنا لا نختلف إذا اعتبرنا أن أحد أهمّ عوامل استفحال الأزمة العميقة ومتعدّدة الجوانب التي تعيش على وقعها بلادنا طيلة هذه السنوات يتمثل في انعدام المكاشفة والمصارحة بحقيقة الأوضاع وتحميل المسؤوليات لأصحابها ومهادنة الناخب لغايات سياسية وتأخير الإصلاحات والقرارات الضرورية، المؤلمة أحيانا، مخافة استثارة غضب جماهير المُوالين وردود أفعال الكارتالات واللوبيات المتنفذة في مفاصل الدولة، فتخسر بذلك السلطة القائمة قاعدة الحكم وتمهّد الطريق لمناوئيها الذين يسلكون لاحقا نفس المَسلك كما بيّنته التجربة.

وهكذا أصبحنا، شيئا فشيئا، رهائن في متاهة الهروب إلى الأمام وتأجيل الحلول نستلذّ بالسّكون واللاّحركة وبتأبيد الأزمة التي نكتوي بنارها يوميا. لكن، إذا ما كان هذا هو الخيار والتكتيك الذي يحلُو لأطياف من المنظومة السياسية انتهاجه لاستدامة النفوذ والمصالح ولكسب رضا المؤيدين ودعمهم، مع القليل أو الكثير، بين الحين والآخر، من جرعات الشعبوية حسب الطلب والظروف، فإن مؤسسات الدولة والقائمين عليها لا يجب أن تساير أو تنصاع إلى هذا العبث واللهث وراء السراب وسياسة المسكنات وبيع الأوهام وذلك من منطلق إئتمانها على مناعة وعزة الوطن وإدراكها العميق بأنه لا يمكن الاستمرار في تجاهل ما آلت إليه الأوضاع بدعوى الحيادية المزعومة التي تغطي على الاستقالة والحسابات الضيقة.

والجهاز الدبلوماسي باعتباره أحد أعضد الدولة ورافد أساسي للمشروع الوطني منذ فجر الاستقلال،  لا يًمكن أن يبقى على الربوة يشاهد الانهيار التدريجي وينقلب شاهد زور وآلة دعاية لصالح "السيستام" الذي تحرّكه عديد الاعتبارات السياسية والحزبية والمصلحية. حيث لا يجب أن تسمح الدبلوماسية بإعادة تكرار أخطاء الماضي حينما تم توظيفها واستخدامها من طرف السلطة السياسية لأجل تزيين نظام حكم سلطوي لا يعير أدنى أهمية للحريات الأساسية وللبناء الديمقراطي. وإذا بنا نشهد اليوم أصواتا تتعالى من أجل أن تعتمد الدبلوماسية خطابا ممجُوجا باهتا مستهلكا مُمعنا في المغالطة وتجاهل الواقع، في قراءة خاطئة لدور الدبلوماسية ولجرّها من جديد لمربّع الدعاية، كلّ ذلك لأجل  توفير غطاء، ولو وقتي، لعملية الهروب إلى الأمام وإن كان على حساب رصيد الثقة والجدية الذي يَلزم على أي جهاز دبلوماسي أن يستثمر فيه ويحافظ عليه وينمّيه. في العلاقات الدولية لا يمكنك الهروب إلى الأمام إلى ما لانهاية، وغير مسموح لك أن تستنقص من قيمة محاوريك ومن مقدار ذكائهم كما يجب أن تراعي، في كل خطوة تخطوها، التوازن في ثنائية الدفاع عن مصالح بلادك من جهة وقدر الاحترام والجدية في المواقف والإيفاء بالتعهدات والالتزامات من جهة أخرى. إذ لا يفترض أن يتحوّل العمل الدبلوماسي أو ينقلب أداء المسؤولين إلى نوع من "الفهلوة" و"التحذلق"  المفضوح الذي يُفقد كل مصداقية وقيمة لصاحبه.

في العلاقات الدولية، أيضا، ليس هنالك مكان للصدفة أو المهادنة المجانية أو الدعم اللاّمحدود واللاّمشروط، كل شيء بحسبان خاصة إذا كنت في موقع لا تحسد عليه. ومن المعلوم أن من بين المهام الأساسية للممثليات الدبلوماسية نقل وتحليل الواقع بتفاصيله واستقراء الحاضر والمستقبل، والحالة التونسية لا تحيد عن هذه القاعدة. لذا على كل مسؤول أو ممثل للدولة أن يَعي جيّدا أن الطرف المقابل مسلّح بكمّ هائل من المعطيات والجزئيات والقراءات عن الواقع التونسي وينتظر من محاوره أن لا يتعمّد المغالطة ويعتمد المُكاشفة والجديّة في  التعامل، حيث أن أول خطوة نحو نيل ثقة ودعم المجموعة الدولية وكبار المانحين والرأي العام الدولي ما هي إلا المُصارحة والخطاب الواقعي والمتوازن الذي يعكس إرادة حقيقية وثابتة في التغيير.

وخلافا لما يعتقده البعض في الدبلوماسية، يظل الحديث دون مساحيق  أو تزييف للواقع هو أسلك طريق نحو جعل المخاطب يتفهم مدى حرصك وصدق نواياك في الإصلاح فتكسبه شريكا للعملية ككلّ وداعما لسياساتك. 

بالمحصلة يجدر بنا أن نتساءل ماذا يترقّب منا اليوم شركاؤنا والمجموعة الدولية والمؤسسات  المانحة ؟ من المؤكد المضي قدما في تعزيز بناء التجربة الديمقراطية في بلادنا التي لازالت تعتبر فتية مقارنة بالتجارب المقارنة التي تطلبت عقودا من الزمن لكي تنضج وتستقر ويقتنع بها الجميع، لكن ذلك لا يجب أن يكون على حساب ما  يجب علينا بالتوازي فعله في مختلف الميادين من أجل إنجاح هذه التجربة والمحافظة عليها أو يحجب عنا ضرورة الإيفاء بتعهداتنا والمضي بدون تأخير أو تردّد في الإصلاحات اللازمة وعملية الإنقاذ التي يفرضها الوضع الداخلي والمصلحة الوطنية قبل أن يطالب بها الغير بهدف ضمان استمرار الدعم الدولي وما يقتضيه من دبلوماسية في مواجهة الواقع لا دبلوماسية الهروب إلى الأمام. 

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews