- النهضة فقدت روحها والجسد يمكن أن يستمر لتأدية بعض الوظائف
-لم أفهم ماذا يقصد الغنوشي ..هل يريد" الرحيل" من النهضة أو البقاء.. ؟
اعتبر عبد الحميد الجلاصي الناشط السياسي والقيادي السابق في حركة النهضة في حوار لـ"الصباح نيوز"، أنه وعلى أهمية ما حققته المعارضة السياسية والمدنية والقطاعية من حماية مربع الحريات أمام ما اعتبر أنه "نهم سعيد" الا أنها لم تستطع ان تتحول الى بديل، ولا يمكن لها ذلك نظرا لانها انشغلت بسعيد بدل التركيز على اسئلة اكثر عمقا، مُشيرا إلى أن الغالب على الشعب فهو النفور من النخبة، بمعناها الواسع، مُشدّدا على أن المسألة ليست هل سيحصل انفجار اجتماعي ..وإنما متى سيقع ذلك ..؟
وأضاف الجلاصي بالقول "سعيد يخاتل الناس بخطاب سيادوي و بأطروحات تذكر بتجارب التسيير الذاتي والطريق الثالث في ستينات القرن الماضي بنسخة كاريكاتورية اكثر رداءة ولكنه في حقيقة الأمر سيخضع الى املاءات دوائر النفوذ المالي المهيمنة منفردا ودون ظهير".
وأبرز أن التحدي الأكبر الذي يواجه الدولة اليوم هو الانهيارقائلا
"ومن هرب بها له جهاز بث وليس له جهاز استقبال" ، مُبينا أن مدخل العلاج، سياسي، وأنه حري بكل المشهد السياسي و المدني أن يوازن بين النضال اليومي وبين وقفات التأمل، مُعتبرا أن النهضة فقدت روحها، والجسد يمكن ان يستمر لتأدية بعض الوظائف، لافتا إلى أن تصريح راشد الغنوشي حول اعتزامه التخلي عن رئاسة الحركة في المؤتمر القادم، بدا مراوحة تقول الرأي ونقيضه، مستدركا بأن ما حصل لحركة النهضة خلال العشرية هو فشل في المنهج، وأنه لا يرى التحالف بين النهضة والدستوري ممكنا، ولا ناجعا.
وهذا نص الحوار:
ماهي رؤيتك للوضع السياسي الراهن؟
نحن صلب أزمة سياسية عميقة وغير مسبوقة في تاريخ دولة الاستقلال .
بين رئيس انتخب بنسبة عالية جدا في سياقات شديدة الالتباس ، فشل في القيام بأدواره التي يخولها له الدستور و الموقع الاعتباري ،و ساهم في تعفين الأوضاع و استثمر في ذلك حتى أوصلها الى لحظة انقلب فيها على تعهداته وعلى الدستور وانطلق في مشروع فردي قوامه تفكيك مجمل البناء المؤسساتي لاحداث الفراغ وملئه بمشروع هلامي ولا تاريخي .
سعيد هو "شخص دون رؤية" يمكن ان تتحول الى برنامج وسياسات واجراءات و دون اي علاقة بالقضايا الجوهرية التي تشغل التونسيين وخاصة مسائل الاقتصاد و التنمية ،وغير قابل ولا قادر على الاستعانة بالكفاءات و تفويض السلطات و تقاسم الادوار ،وغير قادر ولا قابل للحوار سوى مع نفسه.
وفي مواجهته منتظم سياسي ومدني أظهرت لحظة 25 جويلية 2021 مجمل أمراضه :الهشاشة ،وضعف القدرة على قراءة المشهد وحركة الفاعلين، والعجز على حسن ترتيب الاولويات ،و الارتهان للماضي بايديولوجياته وصراعاته و طرائق تفكيره ومناكفات زعاماته ،اضافة الى مرضه القاتل المتمثل في ضعف التزامه بالديموقراطية .وهو ما فسح المجال للانقلاب حتى يتمدد ويدمر كل المكاسب .
وعلى اهمية ما حققته المعارضة السياسية والمدنية و القطاعية من حماية مربع الحريات من نهم سعيد الا انها لم تستطع ان تتحول الى بديل ،ولا يمكن لها ذلك نظرا لانها انشغلت بسعيد بدل التركيز على اسئلة اكثر عمقا من نوع :لماذا وصل سعيد الى السلطة ،و ما الذي يغري الناس فيه لحد اليوم رغم الغلاء المعيشي الذي تعانيه كل الفئات، ونظرًا لانها لم تقدم على الحد الادنى من النقد الذاتي و من تغيير الوجوه التي تتحمل ،لدى الراي العام ،مسؤولية الازمة اما الغالب على الشعب فهو النفور من النخبة ، بمعناها الواسع ،التي سيرت العشرية ،وهو ما دفعه الى المراهنة على سعيد ،لا اقتناعا ببرنامجه ،الذي لا يملكه ،وانما نكاية في السابق و مراهنة على القشة التي يتمسك بها الغريق .لحد الان امهل الراي العام سعيد و تظاهر بالاقتناع بحجته في انه صادق وسيصلح رغم المتآمرين الذين يعرقلونه ،وحاولت كل فئة ابداع استراتيجيتها الخاصة للتأقلم مع صعوبات الحياة ،و لكن الاوضاع قد لا تستمر على هذه الحال .
هل هناك مخاوف من انفجار اجتماعي؟
بالتأكيد ، المسألة ليست هل سيحصل انفجار اجتماعي ، وانما متى؟
سعيد يخاتل الناس بخطاب سيادوي و بأطروحات تذكر بتجارب التسيير الذاتي والطريق الثالث في ستينات القرن الماضي بنسخة كاريكاتورية أكثر رداءة ، ولكنه في حقيقة الأمر سيخضع الى املاءات دوائر النفوذ المالي المهيمنة منفردا ودون ظهير، لانه دمر الجبهة الداخلية، ودوائر النفوذ هذه لها تجارب كثيرة في استدامة تبعية الدول الهشة لها و تدرك ضعف موقع سعيد و ستقايضه في صفقة مقتضاها استمراره في السلطة مقابل الاستجابة لشروطها، وستحقنه بالجرعات التي تضمن استمراره ،فما يهمها في النهاية هو الاستقرار .
فقط و لكن هذه الصفقة ،الصريحة او المضمرة ،بين سعيد ودوائر النفوذ ستكون لها انعكاساتها على عامة المواطنين و خاصة الشباب و ما تبقى من الطبقة الوسطى و الفئات الدنيا .لكم من الوقت ستتحمل هذه الفئات التجريب وتدمير مقومات حياتها .العلوم الاجتماعية لا تسعفنا بإجابة دقيقة .فالتفقير الممنهج يمكن ان ينفجر بسرعة و يمكن ان يحصل بعد فشل ما نسميه الاستراتيجيات الفئوية و القطاعية للتأقلم
أي مقترحات وحلول لديك للأزمة الاقتصادية والاجتماعية؟
تقديم المقترحات ليس تمرينا ذهنيا في غير علاقة بالوقائع التحدي الأكبر الذي يواجه الدولة اليوم هو الانهيار ،ومن هرب بها لها جهاز بث وليس له جهاز استقبال ،لا يسمع أحدا ،وحكومته ليست حكومة بمعنى الكفاءة و الصلاحيات .ورغم عمق الازمة الاقتصادية و المالية والاجتماعية فان مدخل العلاج ،للاسف مرة اخرى ،هو سياسي، يمكن ان نعبر عنه بصيغ مختلفة :كيف نخرج من الاستثناء ؟ او كيف نسقط الانقلاب؟او كيف نستأنف المسار التشاركي ؟الان التأثير سيكون من خلال الصراع بين قوى العمل و الفاعلين الاقتصاديين و الادارة الحكومة .اما المقاربات الصادرة عن شخصيات وأحزاب سياسية فستظل حبرا على ورق طالما لم يتم التعرض الى السؤال المركزي الذي اشرنا اليه أعلاه .
ومع ذلك فلعل المنهجية الافضل للاشتغال هو المسار المتوازي في السياسي و الاقتصادي الاجتماعي .وهو اشتغال يجب ان يتجاوز الاخلالات المنهجية التي حصلت في العشرية فيعمق القراءة ويعطي مضمونا ملموسا لما سمي بالمنوال التنموي ،ويضع الاصبع على مواطن الانسداد ،ويتجاوز الرؤية التقنية الاقتصادي ويربط بينه و بين الاشتغال لا فقط على المنظومة القانونية و انما ايضا على الذهنيات و التكوين .ومنطلق ذلك إنجاز تقييم علمي للعشرية و خلق ديناميكية تفكير تنطلق من دوائر المجتمع المدني و الفضاءات الاكاديمية الجادة و ينخرط فيها فاعلون سياسيون وخاصة من الشباب لخلق حالة وعي تستنهض الهمم وتطلق الطاقات و تحدد الرؤية لبلد كبلته البيروقراطية و الكسل و الارتباط المجحف بالدوائر الخارجية .
ألن تنظم إلى أي حزب سياسي أو جبهة في الوقت الحاضر.. ولماذا؟
أبادر إلى القول أولا انني أؤمن بدور الاحزاب السياسية مخابر افكار ومدارس تضخ الدولة و المجتمع بإطارات عالية الكفاءة و متشبعة باخلاق التسامح و التعايش وبقدسية التعاقدات داخل أحزابها ومع المواطنين ، ومن منطلق ديموقراطي فاني احترم كل التجارب القديمة والحديثة .ولكني شخصيا ارى انه حري بكل المشهد السياسي و المدني ان يوازن بين النضال اليومي و بين وقفات التأمل .
في أواخر الستينات انهارت تجربة التعاضد ودخل الحزب الحاكم في وقفة تأمل ،كانت مهمة في خلاصاتها بقطع النظر عن مدى الالتزام بمخرجاتها بعد ذلك.
قناعتي أن المشهد الذي ناضل ضد الاستبداد فوت ،بمجمله ،في فرصة الاستجابة لمنحة الثورة .
كما اني اعتبر ان فكرة التحزب تلقت ضربة قاصمة من قيس سعيد وبالتالي فليس الاكثر استعجالا بالنسبة للتونسيين اليوم هو تقديم عروض جديدة .
انا ملتزم سياسيا ،و منحاز لمجموعة من القيم ،ومنخرط في حراك مقاومة الانقلاب ،وعلى علاقة جيدة بكثير من الفاعلين ،و لكني خيرت اتخاذ مسافة تسمح بتوسيع العلاقات و بحرية ابداء المواقف و خاصة بحرية النقد .احدى فضائل 25 جويلية انها اتاحت فرصة لنقد راديكالي ،اعرف انها لن تاتي من الاحزاب و المنظمات و الجمعيات ، التي هي في الاخير مجموعة "سيستامات "تبقى محافظة مهما تعالت جرعة الجراة داخلها .واخترت مع عدد من الاصدقاء ،اغلبهم من الشباب النوعي الملتزم ،المساهمة الوطنية من خلال التفكير المرتبط بالسياسة في اطار منتدانا"أفاق جديدة "،في اطار ديناميكية مفتوحة لا تغلق الباب امام اي خيار،فردي او جماعي ،في المستقبل .و سنتفاعل في عملنا مع كل الديموقراطيين الذين يؤمنون بدور الافكار و الاخلاق في السياسة .
هل توافق طرح أن حركة النهضة قد انتهت؟
في كتابي الاخير "من الجماعة الى الحزب السياسي:إدارة التغيير في سياق انتقالي "الصادر في جانفي 2021 خصصت فصلا كاملا للحديث عن المشهد الحزبي التونسي و أمراضه ،وتطرقت الى تجربة حركة النهضة و ميزت بين الفكرة و الروح و الجسد ،ورأيت ان الفكرة اوسع من كل التنظيمات ،و ان النهضة فقدت روحها ،و ان الجسد يمكن ان يستمر لتأدية بعض الوظائف .بالطبع حدث 25 جويلية كان رسالة موجهة للجميع و خاصة لحركة النهضة .هل كانت التقييمات التي عبرت عنها صحيحة ام لا ؟ لا ادري .ولكني اكرر حكما أصدرته في ربيع 2021 مقتضاه اننا نشاهد نهاية مرحلة سواء في ذلك مقولتها القائدة، الانتقال الديموقراطي، التي فقدت ،بالمضمون الذي أعطيناه لها و بالطريقة التي مارسناها بها ،جاذبيتها وقدرتها التعبوية ،او محركاتها و أحزابها التي فرطت فرصة تجديد رسالتها و مناهجها وثقافتها و أخلاقها .للاسف الموضوع يتجاوز بكثير حركة النهضة ،وحصره فيها يساهم في تأبيد الازمة .
ماهو رأيك بخصوص اعلان راشد الغنوشي اعتزامه على التخلي عن رئاسة الحركة في المؤتمر القادم وعدم تجديد ترشحه؟
وهل ترى أن الوقت تأخر قد تأخر على مغادرته؟
قرأت حوار الغنوشي في الجزيرة نت، وفي الحقيقة لم افهم بالضبط ما أراد قوله في الإجابة عن السؤالين المتعلقين بالمؤتمر . بدت لي الاجابة مراوحة تقول الراي و تقول نقيضه. ولكن ليس هذا المهم .الاكثر اهمية في تقديري ان المنظومة الحزبية القائمة هي برمتها أمام تحدي وجودي .
وفي هذه الخارطة العامة فان التحديات امام حركة النهضة أكثر تعقيدا نظرا لموقعها في كامل مرحلة ما بعد الثورة . هل يعطي المؤتمر القادم نفسا جديدا لحركة النهضة ؟الفرصة موجودة و لكن الرواق ضيق ،و في كل الحالات لا يتعلق الامر بمجرد مغادرة الغنوشي، ان تم في النهاية، تقديري ان ما حصل لحركة النهضة خلال العشرية هو فشل في المنهج .
مثل كل الاحزاب التي كتب عليها ادارة مرحلة ما بعد انتقال ثوري كان على حركة النهضة ان تدخل في عملية تطبيع مع دوائر النفوذ القديمة .وهو ما حصل .ولكن هل كانت هذه العملية محكومة بحد ادنى من سياسات التغيير ؟هذا هو الإشكال .هل يمكن ان يقر الغنوشي بفشل منهجه كما فهمه وكما اداره ؟هل تقدر نخبة النهضة على فرض هذه النتائج ان اقتنعت بها ؟هل تقدر على إجراء تغييرات عميقة في "الكاستينغ "بناء على هذه الخلاصات مع ما يفترضه كل ذلك من جرأة و من تجرد ؟هذه في تقديري هي الاسئلة الحقيقية المطروحة على النهضة ان أرادت نفسا جديدا .
و على بقية الاحزاب والمنظمات اسئلة مشابهة .غير هذا مجرد تفاصيل .
هل يمكن أن نرى تحالفا بين الإسلاميين والدساترة رغم الخلافات بينهما ضد سعيد؟
لا اعتبر حزب الدستوري الحر معبرا عن الدساترة ان كان المقصود في السؤال الدساترة بعد أكثر من عشر سنوات هم طيف واسع من الاجتهادات و المقاربات،تصالح اغلبها مع فكرة الديمقراطية و تحرر من معارك الماضي و يتعامل دون عقد مع الوقائع الجديدة بما فيها مكتسبات الثورة .
اما عن التحالف بين النهضة والدستوري الحر فلا اراه ممكنا، وربما أيضا لا أراه ناجعا في مقاومة الانقلاب مقاومة الانقلاب يجب ان تخرج من مربع التسويات بين النخبة و من الانتظارية للموقف الدولي الذي لن يأتي الا في لحظة انفجار اجتماعي ،و حينها سيبادر كالعادة الى انقاذ ما يمكنه انقاذه بتشجيع كل الخيارات التي يمكن ان تحقق ذلك .
درصاف اللموشي
- النهضة فقدت روحها والجسد يمكن أن يستمر لتأدية بعض الوظائف
-لم أفهم ماذا يقصد الغنوشي ..هل يريد" الرحيل" من النهضة أو البقاء.. ؟
اعتبر عبد الحميد الجلاصي الناشط السياسي والقيادي السابق في حركة النهضة في حوار لـ"الصباح نيوز"، أنه وعلى أهمية ما حققته المعارضة السياسية والمدنية والقطاعية من حماية مربع الحريات أمام ما اعتبر أنه "نهم سعيد" الا أنها لم تستطع ان تتحول الى بديل، ولا يمكن لها ذلك نظرا لانها انشغلت بسعيد بدل التركيز على اسئلة اكثر عمقا، مُشيرا إلى أن الغالب على الشعب فهو النفور من النخبة، بمعناها الواسع، مُشدّدا على أن المسألة ليست هل سيحصل انفجار اجتماعي ..وإنما متى سيقع ذلك ..؟
وأضاف الجلاصي بالقول "سعيد يخاتل الناس بخطاب سيادوي و بأطروحات تذكر بتجارب التسيير الذاتي والطريق الثالث في ستينات القرن الماضي بنسخة كاريكاتورية اكثر رداءة ولكنه في حقيقة الأمر سيخضع الى املاءات دوائر النفوذ المالي المهيمنة منفردا ودون ظهير".
وأبرز أن التحدي الأكبر الذي يواجه الدولة اليوم هو الانهيارقائلا
"ومن هرب بها له جهاز بث وليس له جهاز استقبال" ، مُبينا أن مدخل العلاج، سياسي، وأنه حري بكل المشهد السياسي و المدني أن يوازن بين النضال اليومي وبين وقفات التأمل، مُعتبرا أن النهضة فقدت روحها، والجسد يمكن ان يستمر لتأدية بعض الوظائف، لافتا إلى أن تصريح راشد الغنوشي حول اعتزامه التخلي عن رئاسة الحركة في المؤتمر القادم، بدا مراوحة تقول الرأي ونقيضه، مستدركا بأن ما حصل لحركة النهضة خلال العشرية هو فشل في المنهج، وأنه لا يرى التحالف بين النهضة والدستوري ممكنا، ولا ناجعا.
وهذا نص الحوار:
ماهي رؤيتك للوضع السياسي الراهن؟
نحن صلب أزمة سياسية عميقة وغير مسبوقة في تاريخ دولة الاستقلال .
بين رئيس انتخب بنسبة عالية جدا في سياقات شديدة الالتباس ، فشل في القيام بأدواره التي يخولها له الدستور و الموقع الاعتباري ،و ساهم في تعفين الأوضاع و استثمر في ذلك حتى أوصلها الى لحظة انقلب فيها على تعهداته وعلى الدستور وانطلق في مشروع فردي قوامه تفكيك مجمل البناء المؤسساتي لاحداث الفراغ وملئه بمشروع هلامي ولا تاريخي .
سعيد هو "شخص دون رؤية" يمكن ان تتحول الى برنامج وسياسات واجراءات و دون اي علاقة بالقضايا الجوهرية التي تشغل التونسيين وخاصة مسائل الاقتصاد و التنمية ،وغير قابل ولا قادر على الاستعانة بالكفاءات و تفويض السلطات و تقاسم الادوار ،وغير قادر ولا قابل للحوار سوى مع نفسه.
وفي مواجهته منتظم سياسي ومدني أظهرت لحظة 25 جويلية 2021 مجمل أمراضه :الهشاشة ،وضعف القدرة على قراءة المشهد وحركة الفاعلين، والعجز على حسن ترتيب الاولويات ،و الارتهان للماضي بايديولوجياته وصراعاته و طرائق تفكيره ومناكفات زعاماته ،اضافة الى مرضه القاتل المتمثل في ضعف التزامه بالديموقراطية .وهو ما فسح المجال للانقلاب حتى يتمدد ويدمر كل المكاسب .
وعلى اهمية ما حققته المعارضة السياسية والمدنية و القطاعية من حماية مربع الحريات من نهم سعيد الا انها لم تستطع ان تتحول الى بديل ،ولا يمكن لها ذلك نظرا لانها انشغلت بسعيد بدل التركيز على اسئلة اكثر عمقا من نوع :لماذا وصل سعيد الى السلطة ،و ما الذي يغري الناس فيه لحد اليوم رغم الغلاء المعيشي الذي تعانيه كل الفئات، ونظرًا لانها لم تقدم على الحد الادنى من النقد الذاتي و من تغيير الوجوه التي تتحمل ،لدى الراي العام ،مسؤولية الازمة اما الغالب على الشعب فهو النفور من النخبة ، بمعناها الواسع ،التي سيرت العشرية ،وهو ما دفعه الى المراهنة على سعيد ،لا اقتناعا ببرنامجه ،الذي لا يملكه ،وانما نكاية في السابق و مراهنة على القشة التي يتمسك بها الغريق .لحد الان امهل الراي العام سعيد و تظاهر بالاقتناع بحجته في انه صادق وسيصلح رغم المتآمرين الذين يعرقلونه ،وحاولت كل فئة ابداع استراتيجيتها الخاصة للتأقلم مع صعوبات الحياة ،و لكن الاوضاع قد لا تستمر على هذه الحال .
هل هناك مخاوف من انفجار اجتماعي؟
بالتأكيد ، المسألة ليست هل سيحصل انفجار اجتماعي ، وانما متى؟
سعيد يخاتل الناس بخطاب سيادوي و بأطروحات تذكر بتجارب التسيير الذاتي والطريق الثالث في ستينات القرن الماضي بنسخة كاريكاتورية أكثر رداءة ، ولكنه في حقيقة الأمر سيخضع الى املاءات دوائر النفوذ المالي المهيمنة منفردا ودون ظهير، لانه دمر الجبهة الداخلية، ودوائر النفوذ هذه لها تجارب كثيرة في استدامة تبعية الدول الهشة لها و تدرك ضعف موقع سعيد و ستقايضه في صفقة مقتضاها استمراره في السلطة مقابل الاستجابة لشروطها، وستحقنه بالجرعات التي تضمن استمراره ،فما يهمها في النهاية هو الاستقرار .
فقط و لكن هذه الصفقة ،الصريحة او المضمرة ،بين سعيد ودوائر النفوذ ستكون لها انعكاساتها على عامة المواطنين و خاصة الشباب و ما تبقى من الطبقة الوسطى و الفئات الدنيا .لكم من الوقت ستتحمل هذه الفئات التجريب وتدمير مقومات حياتها .العلوم الاجتماعية لا تسعفنا بإجابة دقيقة .فالتفقير الممنهج يمكن ان ينفجر بسرعة و يمكن ان يحصل بعد فشل ما نسميه الاستراتيجيات الفئوية و القطاعية للتأقلم
أي مقترحات وحلول لديك للأزمة الاقتصادية والاجتماعية؟
تقديم المقترحات ليس تمرينا ذهنيا في غير علاقة بالوقائع التحدي الأكبر الذي يواجه الدولة اليوم هو الانهيار ،ومن هرب بها لها جهاز بث وليس له جهاز استقبال ،لا يسمع أحدا ،وحكومته ليست حكومة بمعنى الكفاءة و الصلاحيات .ورغم عمق الازمة الاقتصادية و المالية والاجتماعية فان مدخل العلاج ،للاسف مرة اخرى ،هو سياسي، يمكن ان نعبر عنه بصيغ مختلفة :كيف نخرج من الاستثناء ؟ او كيف نسقط الانقلاب؟او كيف نستأنف المسار التشاركي ؟الان التأثير سيكون من خلال الصراع بين قوى العمل و الفاعلين الاقتصاديين و الادارة الحكومة .اما المقاربات الصادرة عن شخصيات وأحزاب سياسية فستظل حبرا على ورق طالما لم يتم التعرض الى السؤال المركزي الذي اشرنا اليه أعلاه .
ومع ذلك فلعل المنهجية الافضل للاشتغال هو المسار المتوازي في السياسي و الاقتصادي الاجتماعي .وهو اشتغال يجب ان يتجاوز الاخلالات المنهجية التي حصلت في العشرية فيعمق القراءة ويعطي مضمونا ملموسا لما سمي بالمنوال التنموي ،ويضع الاصبع على مواطن الانسداد ،ويتجاوز الرؤية التقنية الاقتصادي ويربط بينه و بين الاشتغال لا فقط على المنظومة القانونية و انما ايضا على الذهنيات و التكوين .ومنطلق ذلك إنجاز تقييم علمي للعشرية و خلق ديناميكية تفكير تنطلق من دوائر المجتمع المدني و الفضاءات الاكاديمية الجادة و ينخرط فيها فاعلون سياسيون وخاصة من الشباب لخلق حالة وعي تستنهض الهمم وتطلق الطاقات و تحدد الرؤية لبلد كبلته البيروقراطية و الكسل و الارتباط المجحف بالدوائر الخارجية .
ألن تنظم إلى أي حزب سياسي أو جبهة في الوقت الحاضر.. ولماذا؟
أبادر إلى القول أولا انني أؤمن بدور الاحزاب السياسية مخابر افكار ومدارس تضخ الدولة و المجتمع بإطارات عالية الكفاءة و متشبعة باخلاق التسامح و التعايش وبقدسية التعاقدات داخل أحزابها ومع المواطنين ، ومن منطلق ديموقراطي فاني احترم كل التجارب القديمة والحديثة .ولكني شخصيا ارى انه حري بكل المشهد السياسي و المدني ان يوازن بين النضال اليومي و بين وقفات التأمل .
في أواخر الستينات انهارت تجربة التعاضد ودخل الحزب الحاكم في وقفة تأمل ،كانت مهمة في خلاصاتها بقطع النظر عن مدى الالتزام بمخرجاتها بعد ذلك.
قناعتي أن المشهد الذي ناضل ضد الاستبداد فوت ،بمجمله ،في فرصة الاستجابة لمنحة الثورة .
كما اني اعتبر ان فكرة التحزب تلقت ضربة قاصمة من قيس سعيد وبالتالي فليس الاكثر استعجالا بالنسبة للتونسيين اليوم هو تقديم عروض جديدة .
انا ملتزم سياسيا ،و منحاز لمجموعة من القيم ،ومنخرط في حراك مقاومة الانقلاب ،وعلى علاقة جيدة بكثير من الفاعلين ،و لكني خيرت اتخاذ مسافة تسمح بتوسيع العلاقات و بحرية ابداء المواقف و خاصة بحرية النقد .احدى فضائل 25 جويلية انها اتاحت فرصة لنقد راديكالي ،اعرف انها لن تاتي من الاحزاب و المنظمات و الجمعيات ، التي هي في الاخير مجموعة "سيستامات "تبقى محافظة مهما تعالت جرعة الجراة داخلها .واخترت مع عدد من الاصدقاء ،اغلبهم من الشباب النوعي الملتزم ،المساهمة الوطنية من خلال التفكير المرتبط بالسياسة في اطار منتدانا"أفاق جديدة "،في اطار ديناميكية مفتوحة لا تغلق الباب امام اي خيار،فردي او جماعي ،في المستقبل .و سنتفاعل في عملنا مع كل الديموقراطيين الذين يؤمنون بدور الافكار و الاخلاق في السياسة .
هل توافق طرح أن حركة النهضة قد انتهت؟
في كتابي الاخير "من الجماعة الى الحزب السياسي:إدارة التغيير في سياق انتقالي "الصادر في جانفي 2021 خصصت فصلا كاملا للحديث عن المشهد الحزبي التونسي و أمراضه ،وتطرقت الى تجربة حركة النهضة و ميزت بين الفكرة و الروح و الجسد ،ورأيت ان الفكرة اوسع من كل التنظيمات ،و ان النهضة فقدت روحها ،و ان الجسد يمكن ان يستمر لتأدية بعض الوظائف .بالطبع حدث 25 جويلية كان رسالة موجهة للجميع و خاصة لحركة النهضة .هل كانت التقييمات التي عبرت عنها صحيحة ام لا ؟ لا ادري .ولكني اكرر حكما أصدرته في ربيع 2021 مقتضاه اننا نشاهد نهاية مرحلة سواء في ذلك مقولتها القائدة، الانتقال الديموقراطي، التي فقدت ،بالمضمون الذي أعطيناه لها و بالطريقة التي مارسناها بها ،جاذبيتها وقدرتها التعبوية ،او محركاتها و أحزابها التي فرطت فرصة تجديد رسالتها و مناهجها وثقافتها و أخلاقها .للاسف الموضوع يتجاوز بكثير حركة النهضة ،وحصره فيها يساهم في تأبيد الازمة .
ماهو رأيك بخصوص اعلان راشد الغنوشي اعتزامه على التخلي عن رئاسة الحركة في المؤتمر القادم وعدم تجديد ترشحه؟
وهل ترى أن الوقت تأخر قد تأخر على مغادرته؟
قرأت حوار الغنوشي في الجزيرة نت، وفي الحقيقة لم افهم بالضبط ما أراد قوله في الإجابة عن السؤالين المتعلقين بالمؤتمر . بدت لي الاجابة مراوحة تقول الراي و تقول نقيضه. ولكن ليس هذا المهم .الاكثر اهمية في تقديري ان المنظومة الحزبية القائمة هي برمتها أمام تحدي وجودي .
وفي هذه الخارطة العامة فان التحديات امام حركة النهضة أكثر تعقيدا نظرا لموقعها في كامل مرحلة ما بعد الثورة . هل يعطي المؤتمر القادم نفسا جديدا لحركة النهضة ؟الفرصة موجودة و لكن الرواق ضيق ،و في كل الحالات لا يتعلق الامر بمجرد مغادرة الغنوشي، ان تم في النهاية، تقديري ان ما حصل لحركة النهضة خلال العشرية هو فشل في المنهج .
مثل كل الاحزاب التي كتب عليها ادارة مرحلة ما بعد انتقال ثوري كان على حركة النهضة ان تدخل في عملية تطبيع مع دوائر النفوذ القديمة .وهو ما حصل .ولكن هل كانت هذه العملية محكومة بحد ادنى من سياسات التغيير ؟هذا هو الإشكال .هل يمكن ان يقر الغنوشي بفشل منهجه كما فهمه وكما اداره ؟هل تقدر نخبة النهضة على فرض هذه النتائج ان اقتنعت بها ؟هل تقدر على إجراء تغييرات عميقة في "الكاستينغ "بناء على هذه الخلاصات مع ما يفترضه كل ذلك من جرأة و من تجرد ؟هذه في تقديري هي الاسئلة الحقيقية المطروحة على النهضة ان أرادت نفسا جديدا .
و على بقية الاحزاب والمنظمات اسئلة مشابهة .غير هذا مجرد تفاصيل .
هل يمكن أن نرى تحالفا بين الإسلاميين والدساترة رغم الخلافات بينهما ضد سعيد؟
لا اعتبر حزب الدستوري الحر معبرا عن الدساترة ان كان المقصود في السؤال الدساترة بعد أكثر من عشر سنوات هم طيف واسع من الاجتهادات و المقاربات،تصالح اغلبها مع فكرة الديمقراطية و تحرر من معارك الماضي و يتعامل دون عقد مع الوقائع الجديدة بما فيها مكتسبات الثورة .
اما عن التحالف بين النهضة والدستوري الحر فلا اراه ممكنا، وربما أيضا لا أراه ناجعا في مقاومة الانقلاب مقاومة الانقلاب يجب ان تخرج من مربع التسويات بين النخبة و من الانتظارية للموقف الدولي الذي لن يأتي الا في لحظة انفجار اجتماعي ،و حينها سيبادر كالعادة الى انقاذ ما يمكنه انقاذه بتشجيع كل الخيارات التي يمكن ان تحقق ذلك .