*دعوة الاتحاد للخيار الثالث ليست معارضة لمسار 25 جويلية ولكن من أجل إنجاحه
*حل الأزمة ببرلمان منتخب ونظام رئاسي معدل لا بالنظام المجالسي
*مراجعة الدستور ليست عملية تقنية فحسب بل فيها جانب سياسي تصنعه الأحزاب
*طريقة التعامل مع قانون 38 كانت سيئة جدا ..
* لا يمكن لأحد مهما كانت قدرته أن يشتغل بمفرده ويهمش دور الأحزاب والمنظمات..
تونس- الصباح
أجرت الحوار : منية العرفاوي
واصل أمين عام حركة تونس إلى الأمام عبيد البريكي وحزبه دعم مسار 25 جويلية رغم كل ما طاله من انتقادات وظل على موقفه الداعم للتوجهات الكبرى لرئيس الجمهورية قيس سعيد، رغم تأكيده كل مرة أن مساندته للمسار السياسي الجديد بتدابيره الاستثنائية وبالأمر الرئاسي 117 هو مساندة نقدية وأنه لم ولن يتوان في انتقاد كل ما يراه قد يهدد مسار 25 جويلية حتى ولو كان هذا التهديد من داخل المسار ذاته .
في هذا الحوار المطول لجريدة "الصباح" تحدث عبيد البريكي عن موقفه من خطاب رئيس الجمهورية الأخير ومن مسألة التسقيف الزمني للمرحلة الاستثنائية وكذلك مسألتي وضع دستور جديد وتعديل القانون الانتخابي.. كما قيّم البريكي أداء الحكومة وانتقد تعامل الدولة مع القانون 38 وقال انه كان يجدر بالحكومة ألا تتخلى عن قانون 38 باعتباره من الالتزامات السابقة للدولة ولكنها تتحاور وتتفاوض بشأن تطبيقه مع الأطراف الاجتماعية باعتبار الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد. كما أشار أيضا البريكي إلى أن المسألة الاجتماعية ما زالت تثير القلق اليوم، مذكرا بملف عمال الحضائر الذي قال عنه انه رغم التزام الحكومة به إلا انه والى اليوم لم يتم تنزيله حيز التنفيذ، وأكد البريكي أن الإجراءات الاجتماعية حتى ولو كانت لها كلفة على ميزانية الدولة إلا أنها تضمن الحد الأدنى من الاستقرار الاجتماعي وتبعث برسائل طمأنة مهمة. كما اقترح عبيد البريكي مسألة مناقشة صندوق بطالة على سبيل المثال، مشيرا إلى ان ذلك معمول به في الكثير من الدولة ومنسجم مع مواثيق العمل الدولية.. كل ذلك بالإضافة إلى مواقف وتقييمات أخرى للمشهد السياسي من طرف عبيد البريكي في الحوار التالي..
* في البداية لننطلق من الإجراءات الجديدة التي أعلنها رئيس الجمهورية في خطاب 13 ديسمبر ..كيف تعلّق عليها؟
هذه الإجراءات كنّا في حركة تونس إلى الأمام قد دعونا إليها في بيان صادر في 12 سبتمبر الماضي.. تقييمنا لهذه الإجراءات إذا أطلقنا حكما عاما قبل التفصيل فإنها في جزء منها تستجيب لطبيعة المرحلة، أولا لأنها قامت بتحديد سقف زمني لإنهاء هذه الإجراءات الاستثنائية وهو ما يعتبر إجراء هاما، يدفع نحو العودة إلى الشرعية بصرف النظر عن الحيز الزمني الذي اختلفت بشأنه الأحكام بين من يعتبرها فترة غير كافية ومن يعتبرها فترة مطولة ولكن المهم في كل ذلك أن المسار اتضح ..
*وأنتم كحزب تعتبرونها فترة كافية أم مطوّلة؟
نحن لن نحكم عليها.. حيث أننا على استعداد للتفاعل مع هذه المراحل "خارطة الطريق" بشكل إيجابي .
*هل أن حركة تونس إلى الأمام جاهزة للانتخابات التشريعية في الموعد الذي أعلنه رئيس الجمهورية؟
حتى ولو لم تكن جاهزة فلا بدّ أن نسرع في عملية الإعداد لهذا المسار.. لكن يجب أن نشير إلى أن الأمر الثاني المهم هو التنصيص على ضرورة البتّ قضائيا في الجرائم المرتكبة في حق الشعب والدولة ولكن كان من الأفضل تحديد طبيعة هذه الجرائم التي وردت بصيغة عامة.. ما هي اليوم هذه الجرائم التي يجب أن يتم الحسم فيها لتقنية المناخ الانتخابي؟
أولا يجب أن يكون من هذه الجرائم، المال الفاسد وتأثيراته، ثانيا الفساد الإداري وانعكاساته على الوظيفة العمومية وعلى بقية القطاعات، ثالثا وهذا الأهم حل الملفات ذات العلاقة بالجهاز الأمني مثل الاغتيالات السياسية والجهاز السرّي والتسفير إلى بؤر التوتّر لأن مسألة الفساد والإرهاب وإذا أضفنا إليهما عنصر التهريب، فان ذلك هو الذي شكّل مثلث الرعب الذي خرّب تونس طوال العشر سنوات.
والمسألة الثالثة المهمة في خطاب الرئيس هي الإعلان عن حل البرلمان رغم أن ذلك لم يكن بشكل صريح ولكن ربط التجميد بالانتخابات المقبلة هو في النهاية حلّ، وقد نتساءل هنا لماذا لم يعلن على الحل بالنص الصريح؟ ..لأنه لو فرضنا فعل لوجد نفسه مجبر على تطبيق القانون الذي يقول انه يجب إجراء انتخابات مبكرة حال حلّ البرلمان وبالنسبة إلينا إجراء انتخابات مبكرة بنفس القانون الانتخابي الحالي وبنفس الدستور لن يفرز إلا المشهد نفسه.. لكن هنا يجب أن نسوق ملاحظة على غاية من الأهمية وهي ضرورة فضّ مشكلة النواب بالبرلمان الذين يعيشون اليوم صعوبات بلا دخل مالي وذلك بتمكينهم من حقهم في العودة إلى عملهم والبقية حقهم في التقاعد، هذه حقوق مشروعة ولا يجب المساس بها.
*كيف تعلق اليوم على مسألة تنقيح الدستور؟
نعتقد أن مسألة تنقيح الدستور مسألة إيجابية بالإضافة إلى مراجعة القانون الانتخابي، لأن دستور 2014 منذ تم تنزيله حيز التنفيذ لم يُولّد غير الأزمات ومن الأزمات التي كانت مدمرة لتونس هو عدم الاستقرار السياسي والتحالفات المشبوهة والميركاتو البرلماني وكل ذلك من تبعات الدستور أما عن القانون الانتخابي فحدّث ولا حرج.. مال فاسد ولا يُقاضى أحد.. تحيّل ولا يُقاضى أحد ..شراء الذمم وبيع الأوهام ولا يُقاضى أحد.
*ما رأيك في مسألة أن لجنة من الخبراء هي التي ستقوم بتنقيح الدستور؟
قبل ذلك أريد أن أشير إلى مسألة هامة، وهي أن الرئيس أعلن على شكلين من أشكال التشريك، الأول المنصة الالكترونية والثانية اللقاءات المباشرة مع الشعب والتي ستشرف عليها المعتمديات، الإشكال المطروح هنا أن المنصة الالكترونية لا تنسجم وطبيعة المجتمع التونسي رغم أننا لسنا ضد الأمر ولكن هناك أسئلة ينبغي أن تطرح حول كيف ستتم هذه المشاركة وهل أن الشعب بكهوله وشيوخه مؤهلون تقنيا للتعامل مع هذه المنصات الرقمية.. أعتقد أن الدخول إليها سيكون مدمرا وبخلفية من البعض ونحن في حركة تونس إلى الأمام لا نعتقد أنها ستعكس الرأي العام.. بالنسبة لمسألة تشريك الشعب مباشرة فانا لا افهم كيف سيكون ذلك بمعنى عندما تدعو مجموعة ما إلى هذا اللقاء أو النقاش حول ما سيقدم لهم.. اعتقد أن المخاطر ستكون كبيرة وسيختلط الحابل بالنابل وستتحول هذه اللقاءات إلى مناوشات ومشاحنات سياسية ولن تنجح في إرساء نقاش .
وما أريد الإشارة إليه وتأكيده وانه مهما كانت الآليات التي اختارها الرئيس فان تونس فيها السياسي والمدني والاجتماعي ولا يمكن لأحد مهما كانت قدراته ان يشتغل بشكل فردي ويهمش دور الأحزاب والمنظمات والجمعيات التي تؤمن بأن 25 جويلية انطلاقة لمسار تصحيحي، يجب أن نعود إلى التاريخ ولا نكون منبتين لان ذلك سيؤثر وبشكل سلبي على مسارات التشاورات.. والدستور مراجعته ليست تقنية فقط ولكن فيها جانب سياسي والجانب السياسي تصنعه الأحزاب السياسية.. وللاتحاد دور مهم في مناقشة الآفاق لأن كل من همّش الاتحاد في تاريخ تونس ودخل في مواجهة مع الاتحاد لم ينجح في مساره .
*هل ترى أن هناك اليوم جانبا مغيبا في خطط الرئيس؟
الجانب المغيب هو الجانب الاقتصادي والاجتماعي ..فمن خلال سبر الآراء، عبر 3 بالمائة من التونسيين عن اهتمامهم بالجانب السياسي ونحن نعتقد جازما أن الجانب السياسي مهم، ولكن محدد الثورات في العالم هو الجوع، الفقر، الحاجة كلها هذه عوامل محددة.. ولم نلمس في خطاب الرئيس باستثناء مبادرته للصلح الجزائي أي إشارة إلى هذا الجانب الاقتصادي والاجتماعي وما يؤكد حاجتنا إلى برنامج اقتصادي واجتماعي هو الفشل الذريع في العشرية السوداء كان في إخراج تونس من وضعية الانهيار الاقتصادي والاجتماعي التي استفحلت اليوم وذلك ليس نتيجة 25 جويلية بل نتيجة دمار شامل في العشر سنوات الماضية ولكن رغم كل ذلك لا بد من إبداء ملامح عامة على الأقل لبرنامج إنقاذ حيني ومستقبلي.. وما يعمّق الخطورة اليوم أننا في شهر سبتمبر وفي شهر جانفي ونحن نعرف أن هذين الشهرين يؤثران كثيرا على التحركات الاجتماعية وفق ما يخبرنا التاريخ ..بالإضافة إلى أن طريقة التعامل مع القانون 38 الذي يهم المعطلين عن العمل كانت سيئة جدا.. الفرد لا يصنع التاريخ وحده ..الفرد زعيم ولكن التاريخ تغييره الشعوب والوسائط الحزبية والمدنية والاجتماعية وهذا ما على الرئيس إلا أن يدركه .
*أنت مع أو ضد الخيار الثالث الذي دعا له الاتحاد والذي بدا واضحا أن الرئيس تفاعل معه باستخفاف؟
الآن المجتمع التونسي انقسم وبشكل واضح إلى قطبين وباختلافات داخل هذين القطبين.. اقسم إلى كل من رفضوا التعامل إيجابا مع انطلاقة 25 جويلية بطرق مختلفة.. فبينهم من يدعو إلى العودة إلى ما قبل 25 جويلية بالنص الصريح وبالتهديد الصادر عن أناس عرفوا بعنفهم وهم حركة النهضة حيث يقول رئيس الحركة اليوم إن البرلمان سيعود أحب من أحب وكره من كره.. وهو ما يعني هنا أنه حتى لو قال الشعب لا فانه يريد عودة البرلمان وهم متمسكون بالسير ضد إرادة الشعب والآخر يقول إن تونس ستشتعل وحرب أهلية واحدهم أيضا يتوعد بسجن الرئيس.. كل هذه التهديدات الصريحة تعكس هذه العقلية العنيفة في التعامل مع الاختلاف وهي ليست عقلية ديمقراطية.. وداخل هذه المجموعة ذاتها هناك من يدعو إلى انتخابات مبكرة وهذا أيضا ليس انسجاما مع 25 جويلية الذي قام مع محاربة الفساد المالي والإداري والسياسي ومراجعة القانون الانتخابي ومراجعة الدستور وهدفهم هو تشكل المشهد السياسي بنفس طريقة ما قبل 25 جويلية.
*وماذا عن القطب الثاني الذي أشرت إليه؟
القطب الثاني فيه مجموعة ما يربط بينها الحسم في ما قبل 25 جويلية ويؤكدون أن الإجراءات الاستثنائية كانت ضرورية ومع الأمر 117 .. ولكن هم أيضا داخلهم خلافات، حيث بينهم من يقول انه مع الرئيس مهما فعل وأنا اعتقد وبكل موضوعية أن هذا الموقف فيه ضرر كثير لمسار 25 جويلية لان الفرد قد يخطئ ودور المجموعة المتبنية لنفس الطرح الإصلاح والتنبيه إلى الانحرافات.. ثم كذلك هناك بينهم من يدعو إلى نظام مجالسي وقاعدي وهذه نقطة خلاف، رغم أني أشير أن طبيعة تونس في المرحلة الحالية لا يمكن أن يكون الحل فيها النظام المجالسي.. حل تونس في مجلس نيابي منتخب ونظام رئاسي معدّل وفي برنامج اقتصادي واجتماعي ناجع وناجز .
بالنسبة لمسألة الخط الثالث فهي تقول نحن مع مسار 25 جويلية ولكن نتعامل نقديا من أجل أن لا ينحرف هذا التمشي والعودة بنا إلى الوراء، وذلك بالانطلاق في نقاش تكون من ضمنه الأحزاب ويُبنى أن على مقياسي النقاش هو من يتبنى جويلية 25 ويعتبر 17 ديسمبر ثورة..
وأنا اعتقد أن نقاشا معمقا بين هؤلاء يمكن أن يكون أرضية انطلاق.. والاتحاد عندما دعا إلى الخط الثالث ليس في إطار معارضة لـ25 جويلية ولكن من أجل إنجاح المسار والدفع به إلى الأمام ودخلنا نحن في مشاورات مع أحزاب سياسية ومع جمعيات وأيضا بصدد التشاور مع الاتحاد من اجل تدقيق هذا المصطلح وتوجهاته .
*اليوم وبعد أشهر من انطلاقها في مهامها كيف تقيم أداء حكومة نجلاء بودن؟
أعتقد انه يجب أن نرى برنامج الحكومة لنحكم عليها إلى الآن ليس هناك شيء واضح وظاهر للحكم عليه.. ربما الأمر الوحيد الواضح هو أن من يقول أن هذه الحكومة غير شرعية لأنها لم تمر عبر البرلمان عليه أن يتوقف على ذلك.. الحكومة تشتغل تُفاوض مع الاتحاد ومع الأطراف الدولية.. وبالتالي هي اليوم أصبحت واقعا وهي اليوم أعدت مشروع قانون مالية وهو بصدد النقاش.. لكن عندما تكون هناك أزمات كبرى اعتقد أن عمل الحكومة يجب أن ينبني على طريقتين وهو انه في الأزمات يجب اتخاذ إجراءات مرئية مهما كان حجمها.
*كيف تقرأ اليوم تغيير المواقف الدولية بعد 13 ديسمبر؟
هو حتى قبل ذلك وبعد 25 جويلية لم تصدر عن أي دولة في العالم مواقف تعتبر أن ما حدث في تونس انقلابا وأتحدى أي كان في ذلك.. وأنا هنا أشير إلى أن تلك القوى الدولية التي لهثت بعض الأطراف وراءها للظفر بموقف يصنّف المسار الجديد على انه انقلاب، أقسم شرفا أنهم يحتقرون هؤلاء.. لأننا تعلمنا أن ننقذ أنفسنا بأنفسنا والاستقواء بالأجنبي اعتبره خيانة.. ثم إن رئيس الدولة هو رئيس لكل التونسيين صحيح ولكن عمليا لا يمكنه التعبير عن مواقف كل التونسيين وهو يجب أن ينحاز إلى موقف أغلبية الشعب الرافض العودة إلى القديم والاستقواء بالأجنبي.. وبعد خطاب 13 ديسمبر سقط القناع واختم بهذه الجملة لو أن الرئيس يوضح بعد ما ورد في خطابه ويدفع إلى تأسيس جبهة تحصّن مسار 25 جويلية في الاتحاد والأحزاب والجمعيات اعتقد أن الامر سيكون أفضل بكثير .
*دعوة الاتحاد للخيار الثالث ليست معارضة لمسار 25 جويلية ولكن من أجل إنجاحه
*حل الأزمة ببرلمان منتخب ونظام رئاسي معدل لا بالنظام المجالسي
*مراجعة الدستور ليست عملية تقنية فحسب بل فيها جانب سياسي تصنعه الأحزاب
*طريقة التعامل مع قانون 38 كانت سيئة جدا ..
* لا يمكن لأحد مهما كانت قدرته أن يشتغل بمفرده ويهمش دور الأحزاب والمنظمات..
تونس- الصباح
أجرت الحوار : منية العرفاوي
واصل أمين عام حركة تونس إلى الأمام عبيد البريكي وحزبه دعم مسار 25 جويلية رغم كل ما طاله من انتقادات وظل على موقفه الداعم للتوجهات الكبرى لرئيس الجمهورية قيس سعيد، رغم تأكيده كل مرة أن مساندته للمسار السياسي الجديد بتدابيره الاستثنائية وبالأمر الرئاسي 117 هو مساندة نقدية وأنه لم ولن يتوان في انتقاد كل ما يراه قد يهدد مسار 25 جويلية حتى ولو كان هذا التهديد من داخل المسار ذاته .
في هذا الحوار المطول لجريدة "الصباح" تحدث عبيد البريكي عن موقفه من خطاب رئيس الجمهورية الأخير ومن مسألة التسقيف الزمني للمرحلة الاستثنائية وكذلك مسألتي وضع دستور جديد وتعديل القانون الانتخابي.. كما قيّم البريكي أداء الحكومة وانتقد تعامل الدولة مع القانون 38 وقال انه كان يجدر بالحكومة ألا تتخلى عن قانون 38 باعتباره من الالتزامات السابقة للدولة ولكنها تتحاور وتتفاوض بشأن تطبيقه مع الأطراف الاجتماعية باعتبار الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد. كما أشار أيضا البريكي إلى أن المسألة الاجتماعية ما زالت تثير القلق اليوم، مذكرا بملف عمال الحضائر الذي قال عنه انه رغم التزام الحكومة به إلا انه والى اليوم لم يتم تنزيله حيز التنفيذ، وأكد البريكي أن الإجراءات الاجتماعية حتى ولو كانت لها كلفة على ميزانية الدولة إلا أنها تضمن الحد الأدنى من الاستقرار الاجتماعي وتبعث برسائل طمأنة مهمة. كما اقترح عبيد البريكي مسألة مناقشة صندوق بطالة على سبيل المثال، مشيرا إلى ان ذلك معمول به في الكثير من الدولة ومنسجم مع مواثيق العمل الدولية.. كل ذلك بالإضافة إلى مواقف وتقييمات أخرى للمشهد السياسي من طرف عبيد البريكي في الحوار التالي..
* في البداية لننطلق من الإجراءات الجديدة التي أعلنها رئيس الجمهورية في خطاب 13 ديسمبر ..كيف تعلّق عليها؟
هذه الإجراءات كنّا في حركة تونس إلى الأمام قد دعونا إليها في بيان صادر في 12 سبتمبر الماضي.. تقييمنا لهذه الإجراءات إذا أطلقنا حكما عاما قبل التفصيل فإنها في جزء منها تستجيب لطبيعة المرحلة، أولا لأنها قامت بتحديد سقف زمني لإنهاء هذه الإجراءات الاستثنائية وهو ما يعتبر إجراء هاما، يدفع نحو العودة إلى الشرعية بصرف النظر عن الحيز الزمني الذي اختلفت بشأنه الأحكام بين من يعتبرها فترة غير كافية ومن يعتبرها فترة مطولة ولكن المهم في كل ذلك أن المسار اتضح ..
*وأنتم كحزب تعتبرونها فترة كافية أم مطوّلة؟
نحن لن نحكم عليها.. حيث أننا على استعداد للتفاعل مع هذه المراحل "خارطة الطريق" بشكل إيجابي .
*هل أن حركة تونس إلى الأمام جاهزة للانتخابات التشريعية في الموعد الذي أعلنه رئيس الجمهورية؟
حتى ولو لم تكن جاهزة فلا بدّ أن نسرع في عملية الإعداد لهذا المسار.. لكن يجب أن نشير إلى أن الأمر الثاني المهم هو التنصيص على ضرورة البتّ قضائيا في الجرائم المرتكبة في حق الشعب والدولة ولكن كان من الأفضل تحديد طبيعة هذه الجرائم التي وردت بصيغة عامة.. ما هي اليوم هذه الجرائم التي يجب أن يتم الحسم فيها لتقنية المناخ الانتخابي؟
أولا يجب أن يكون من هذه الجرائم، المال الفاسد وتأثيراته، ثانيا الفساد الإداري وانعكاساته على الوظيفة العمومية وعلى بقية القطاعات، ثالثا وهذا الأهم حل الملفات ذات العلاقة بالجهاز الأمني مثل الاغتيالات السياسية والجهاز السرّي والتسفير إلى بؤر التوتّر لأن مسألة الفساد والإرهاب وإذا أضفنا إليهما عنصر التهريب، فان ذلك هو الذي شكّل مثلث الرعب الذي خرّب تونس طوال العشر سنوات.
والمسألة الثالثة المهمة في خطاب الرئيس هي الإعلان عن حل البرلمان رغم أن ذلك لم يكن بشكل صريح ولكن ربط التجميد بالانتخابات المقبلة هو في النهاية حلّ، وقد نتساءل هنا لماذا لم يعلن على الحل بالنص الصريح؟ ..لأنه لو فرضنا فعل لوجد نفسه مجبر على تطبيق القانون الذي يقول انه يجب إجراء انتخابات مبكرة حال حلّ البرلمان وبالنسبة إلينا إجراء انتخابات مبكرة بنفس القانون الانتخابي الحالي وبنفس الدستور لن يفرز إلا المشهد نفسه.. لكن هنا يجب أن نسوق ملاحظة على غاية من الأهمية وهي ضرورة فضّ مشكلة النواب بالبرلمان الذين يعيشون اليوم صعوبات بلا دخل مالي وذلك بتمكينهم من حقهم في العودة إلى عملهم والبقية حقهم في التقاعد، هذه حقوق مشروعة ولا يجب المساس بها.
*كيف تعلق اليوم على مسألة تنقيح الدستور؟
نعتقد أن مسألة تنقيح الدستور مسألة إيجابية بالإضافة إلى مراجعة القانون الانتخابي، لأن دستور 2014 منذ تم تنزيله حيز التنفيذ لم يُولّد غير الأزمات ومن الأزمات التي كانت مدمرة لتونس هو عدم الاستقرار السياسي والتحالفات المشبوهة والميركاتو البرلماني وكل ذلك من تبعات الدستور أما عن القانون الانتخابي فحدّث ولا حرج.. مال فاسد ولا يُقاضى أحد.. تحيّل ولا يُقاضى أحد ..شراء الذمم وبيع الأوهام ولا يُقاضى أحد.
*ما رأيك في مسألة أن لجنة من الخبراء هي التي ستقوم بتنقيح الدستور؟
قبل ذلك أريد أن أشير إلى مسألة هامة، وهي أن الرئيس أعلن على شكلين من أشكال التشريك، الأول المنصة الالكترونية والثانية اللقاءات المباشرة مع الشعب والتي ستشرف عليها المعتمديات، الإشكال المطروح هنا أن المنصة الالكترونية لا تنسجم وطبيعة المجتمع التونسي رغم أننا لسنا ضد الأمر ولكن هناك أسئلة ينبغي أن تطرح حول كيف ستتم هذه المشاركة وهل أن الشعب بكهوله وشيوخه مؤهلون تقنيا للتعامل مع هذه المنصات الرقمية.. أعتقد أن الدخول إليها سيكون مدمرا وبخلفية من البعض ونحن في حركة تونس إلى الأمام لا نعتقد أنها ستعكس الرأي العام.. بالنسبة لمسألة تشريك الشعب مباشرة فانا لا افهم كيف سيكون ذلك بمعنى عندما تدعو مجموعة ما إلى هذا اللقاء أو النقاش حول ما سيقدم لهم.. اعتقد أن المخاطر ستكون كبيرة وسيختلط الحابل بالنابل وستتحول هذه اللقاءات إلى مناوشات ومشاحنات سياسية ولن تنجح في إرساء نقاش .
وما أريد الإشارة إليه وتأكيده وانه مهما كانت الآليات التي اختارها الرئيس فان تونس فيها السياسي والمدني والاجتماعي ولا يمكن لأحد مهما كانت قدراته ان يشتغل بشكل فردي ويهمش دور الأحزاب والمنظمات والجمعيات التي تؤمن بأن 25 جويلية انطلاقة لمسار تصحيحي، يجب أن نعود إلى التاريخ ولا نكون منبتين لان ذلك سيؤثر وبشكل سلبي على مسارات التشاورات.. والدستور مراجعته ليست تقنية فقط ولكن فيها جانب سياسي والجانب السياسي تصنعه الأحزاب السياسية.. وللاتحاد دور مهم في مناقشة الآفاق لأن كل من همّش الاتحاد في تاريخ تونس ودخل في مواجهة مع الاتحاد لم ينجح في مساره .
*هل ترى أن هناك اليوم جانبا مغيبا في خطط الرئيس؟
الجانب المغيب هو الجانب الاقتصادي والاجتماعي ..فمن خلال سبر الآراء، عبر 3 بالمائة من التونسيين عن اهتمامهم بالجانب السياسي ونحن نعتقد جازما أن الجانب السياسي مهم، ولكن محدد الثورات في العالم هو الجوع، الفقر، الحاجة كلها هذه عوامل محددة.. ولم نلمس في خطاب الرئيس باستثناء مبادرته للصلح الجزائي أي إشارة إلى هذا الجانب الاقتصادي والاجتماعي وما يؤكد حاجتنا إلى برنامج اقتصادي واجتماعي هو الفشل الذريع في العشرية السوداء كان في إخراج تونس من وضعية الانهيار الاقتصادي والاجتماعي التي استفحلت اليوم وذلك ليس نتيجة 25 جويلية بل نتيجة دمار شامل في العشر سنوات الماضية ولكن رغم كل ذلك لا بد من إبداء ملامح عامة على الأقل لبرنامج إنقاذ حيني ومستقبلي.. وما يعمّق الخطورة اليوم أننا في شهر سبتمبر وفي شهر جانفي ونحن نعرف أن هذين الشهرين يؤثران كثيرا على التحركات الاجتماعية وفق ما يخبرنا التاريخ ..بالإضافة إلى أن طريقة التعامل مع القانون 38 الذي يهم المعطلين عن العمل كانت سيئة جدا.. الفرد لا يصنع التاريخ وحده ..الفرد زعيم ولكن التاريخ تغييره الشعوب والوسائط الحزبية والمدنية والاجتماعية وهذا ما على الرئيس إلا أن يدركه .
*أنت مع أو ضد الخيار الثالث الذي دعا له الاتحاد والذي بدا واضحا أن الرئيس تفاعل معه باستخفاف؟
الآن المجتمع التونسي انقسم وبشكل واضح إلى قطبين وباختلافات داخل هذين القطبين.. اقسم إلى كل من رفضوا التعامل إيجابا مع انطلاقة 25 جويلية بطرق مختلفة.. فبينهم من يدعو إلى العودة إلى ما قبل 25 جويلية بالنص الصريح وبالتهديد الصادر عن أناس عرفوا بعنفهم وهم حركة النهضة حيث يقول رئيس الحركة اليوم إن البرلمان سيعود أحب من أحب وكره من كره.. وهو ما يعني هنا أنه حتى لو قال الشعب لا فانه يريد عودة البرلمان وهم متمسكون بالسير ضد إرادة الشعب والآخر يقول إن تونس ستشتعل وحرب أهلية واحدهم أيضا يتوعد بسجن الرئيس.. كل هذه التهديدات الصريحة تعكس هذه العقلية العنيفة في التعامل مع الاختلاف وهي ليست عقلية ديمقراطية.. وداخل هذه المجموعة ذاتها هناك من يدعو إلى انتخابات مبكرة وهذا أيضا ليس انسجاما مع 25 جويلية الذي قام مع محاربة الفساد المالي والإداري والسياسي ومراجعة القانون الانتخابي ومراجعة الدستور وهدفهم هو تشكل المشهد السياسي بنفس طريقة ما قبل 25 جويلية.
*وماذا عن القطب الثاني الذي أشرت إليه؟
القطب الثاني فيه مجموعة ما يربط بينها الحسم في ما قبل 25 جويلية ويؤكدون أن الإجراءات الاستثنائية كانت ضرورية ومع الأمر 117 .. ولكن هم أيضا داخلهم خلافات، حيث بينهم من يقول انه مع الرئيس مهما فعل وأنا اعتقد وبكل موضوعية أن هذا الموقف فيه ضرر كثير لمسار 25 جويلية لان الفرد قد يخطئ ودور المجموعة المتبنية لنفس الطرح الإصلاح والتنبيه إلى الانحرافات.. ثم كذلك هناك بينهم من يدعو إلى نظام مجالسي وقاعدي وهذه نقطة خلاف، رغم أني أشير أن طبيعة تونس في المرحلة الحالية لا يمكن أن يكون الحل فيها النظام المجالسي.. حل تونس في مجلس نيابي منتخب ونظام رئاسي معدّل وفي برنامج اقتصادي واجتماعي ناجع وناجز .
بالنسبة لمسألة الخط الثالث فهي تقول نحن مع مسار 25 جويلية ولكن نتعامل نقديا من أجل أن لا ينحرف هذا التمشي والعودة بنا إلى الوراء، وذلك بالانطلاق في نقاش تكون من ضمنه الأحزاب ويُبنى أن على مقياسي النقاش هو من يتبنى جويلية 25 ويعتبر 17 ديسمبر ثورة..
وأنا اعتقد أن نقاشا معمقا بين هؤلاء يمكن أن يكون أرضية انطلاق.. والاتحاد عندما دعا إلى الخط الثالث ليس في إطار معارضة لـ25 جويلية ولكن من أجل إنجاح المسار والدفع به إلى الأمام ودخلنا نحن في مشاورات مع أحزاب سياسية ومع جمعيات وأيضا بصدد التشاور مع الاتحاد من اجل تدقيق هذا المصطلح وتوجهاته .
*اليوم وبعد أشهر من انطلاقها في مهامها كيف تقيم أداء حكومة نجلاء بودن؟
أعتقد انه يجب أن نرى برنامج الحكومة لنحكم عليها إلى الآن ليس هناك شيء واضح وظاهر للحكم عليه.. ربما الأمر الوحيد الواضح هو أن من يقول أن هذه الحكومة غير شرعية لأنها لم تمر عبر البرلمان عليه أن يتوقف على ذلك.. الحكومة تشتغل تُفاوض مع الاتحاد ومع الأطراف الدولية.. وبالتالي هي اليوم أصبحت واقعا وهي اليوم أعدت مشروع قانون مالية وهو بصدد النقاش.. لكن عندما تكون هناك أزمات كبرى اعتقد أن عمل الحكومة يجب أن ينبني على طريقتين وهو انه في الأزمات يجب اتخاذ إجراءات مرئية مهما كان حجمها.
*كيف تقرأ اليوم تغيير المواقف الدولية بعد 13 ديسمبر؟
هو حتى قبل ذلك وبعد 25 جويلية لم تصدر عن أي دولة في العالم مواقف تعتبر أن ما حدث في تونس انقلابا وأتحدى أي كان في ذلك.. وأنا هنا أشير إلى أن تلك القوى الدولية التي لهثت بعض الأطراف وراءها للظفر بموقف يصنّف المسار الجديد على انه انقلاب، أقسم شرفا أنهم يحتقرون هؤلاء.. لأننا تعلمنا أن ننقذ أنفسنا بأنفسنا والاستقواء بالأجنبي اعتبره خيانة.. ثم إن رئيس الدولة هو رئيس لكل التونسيين صحيح ولكن عمليا لا يمكنه التعبير عن مواقف كل التونسيين وهو يجب أن ينحاز إلى موقف أغلبية الشعب الرافض العودة إلى القديم والاستقواء بالأجنبي.. وبعد خطاب 13 ديسمبر سقط القناع واختم بهذه الجملة لو أن الرئيس يوضح بعد ما ورد في خطابه ويدفع إلى تأسيس جبهة تحصّن مسار 25 جويلية في الاتحاد والأحزاب والجمعيات اعتقد أن الامر سيكون أفضل بكثير .