«25 جويلية كانت فرصة أضاعها قيس سعيد وفشل في مكافحة منظومة الخراب»، بهذه الجملة علقت النائبة بالبرلمان المجمد والقيادية في حزب التيار الديمقراطي سامية عبو، عن حالة الركود والجمود في المشهد السياسي بعد أن فعّل رئيس الجمهورية قيس سعيد الفصل 80 من الدستور وأعلن عن التدابير الاستثنائية دون أن نتقدم خطوة الى الأمام في المسار الدستوري والسياسي بعد حوالي شهرين منذ قرار تجميد البرلمان وإقالة رئيس الحكومة.. رغم أن الرئيس في خطابه أول البارحة أعلن على أنه ستكون هناك أحكام انتقالية مع تواصل مرحلة التدابير الاستثنائية وأنه سيتم وضع قانون انتخابي جديد.
وفي هذا الحوار لـ«الصباح» علقت سامية عبو عما ورد في الخطاب الأخير لرئيس الجمهورية، كما تطرقت إلى عدة مسائل لها علاقة بأداء قيس سعيد بعد إعلانه لإجراءات 25 جويلية، وتواصل مرحلة التدابير الاستثنائية وذهاب البلاد إلى مرحلة الأحكام الانتقالية.. بالإضافة إلى ملف مكافحة الفساد وكيف عالجه رئيس الجمهورية، كما اعتبرت سامية عبو أن رئيس الجمهورية وعند حديثه عن الثورة في خطابه الأخير أحدث قطيعة بين 17 ديسمبر و14 جانفي الذي وصفه بيوم الانقلاب على الثورة، قائلة: «من الواضح أن قيس سعيد يمضي في خطاب هدفه تقسيم الشعب، حيث أنه ليس صحيحا أن يوم 14 جانفي هو انقلاب على الثورة بل هو مواصلة للثورة ولشرارتها الأولى يوم 17 ديسمبر يومها خرج الشباب وقوى سياسية وهتفوا بنفس العبارات التي تطالب بإسقاط النظام وتواصلت الاحتجاجات حتى بعد هروب نظام بن علي»، وتضيف عبو: »هو يريد وضع الطبقة السياسية والنخبة كلها بإعلامها وقضاتها في خانة من التهميش والتجاهل في حين لا ينفك على مدح المؤسسة الأمنية التي يحتاجها.. ولكن من ليس معه، فهو يتهجم عليه وفي الحقيقة هذا لا يليق برئيس توسمنا فيه الصدق بالرغم انه لا يملك لا الخبرة السياسية ولا الخبرة الاقتصادية ولا خبرة في تسيير الدولة وكانت لديه فرصة لإنقاذ الدولة التي تعاني منذ سنوات وكان يملك كل إمكانيات ذلك من ملفات وتقارير وأجهزة رسمية ولكنه لم يقم بأي خطوة للتطهير والإصلاح».
في البداية كيف تعلقين على الخطاب الأخير لرئيس الجمهورية والذي طال انتظاره؟
-بعد حوالي شهرين من إجراءات 25 جويلية، أكد خطاب رئيس الجمهورية، عجزه عن مكافحة الفساد السياسي الذي في الدولة وفشل عن مقاومة منظومة الفساد وأساسا الفساد السياسي وخاصة الموجود في البرلمان،نحن سمعنا عن فساد بآلاف المليارات ولكن دون تقديم المورطين فيه الى القضاء او دون محاكمتهم..، نحن نعاين مدى تغلغل اللوبيات في الدولة وعاينا شراء الذمم وتفشي الفساد السياسي ولكن أي من هذه الملفات الكبرى والخطيرة لم تتم معالجته.
يوم 25 جويلية نريد التذكير أن الشعب الذي ثار، قام باستهداف مقرات حزب حركة النهضة وهذه مسألة على غاية من الرمزية، بمعنى أن من انتفض يعتبر حركة النهضة هي اخطبوط الفساد الذي نسج حوله كل خيوط الفساد.. وهنا نتساءل أين محاسبة الفاسدين على فسادهم الذي نخر الدولة والمؤسسات العمومية وتسبب في نهب المال العام.. بالنسبة لي أنا خطاب رئيس الجمهورية هو إعلان عن فشل 25 جويلية.
معنى ذلك انك تعتبرين 25 جويلية فرصة ضائعة؟
-بالفعل هي فرصة ضاعت ويتحمل رئيس الجمهورية المسؤولية في ذلك وسيندم يوما عن هذه الفرصة لأن الأجيال القادمة بما في ذلك أبنائه، سيعشون في مناخ من الفساد والاستبداد وعدم المساواة وغياب العدالة الاجتماعية وطغيان اللوبيات..، بعد 25 جويلية كان لدى رئيس الجمهورية تقارير جاهزة، لضرب العابثين والفاسدين بيد من حديد..، كان لديه تقرير تفقدية وزارة العدل الذي أدان حوالي 14 قاضيا بشبهات فساد وقدم كل الأدلة والبراهين والقرائن..، كان لديه أيضا تقرير محكمة المحاسبات وهنا لا نتحدث فقط على إسقاط القائمات ولكن أيضا عن تبييض الأموال وكذلك كان لديه تقرير «الهايكا» الذي أكد على وجود اذاعات وتلفزات غير قانونية مثل قناة الزيتونة حيث قال رئيس «الهايكا» أن هناك شهريا 300 ألف دينار يجهلون مصدرها وبالتالي تعد هذه العملية عملية تبييض أموال..، لديه كل ذلك ولم يفعل شيئا..
أنا بصراحة اعتقد ان 25 جويلية كانت فرصة تاريخية أعادت لنا الأمل وضاعت ولكن لا أعتقد أن هذا الامل ضاع نهائيا على البلاد لأنني متأكدة أن تونس لا يمكن أن تبقى في هذا الوحل مهما كان الثمن..، ولكن التاريخ سيذكر أن الرئيس قيس سعيد ضيّع على التونسيين فرصة للعيش بكرامة..، لأنه انشغل بمشروعه السياسي على حساب تطلعات الشعب..، كان الأجدر به أن يقوم بعملية تطهير وإصلاح شاملة وبعد ذلك يمكن أن نناقش مشروعه السياسي.
أين تكمن الأخطاء التي أدت الى هذا الفشل الذي تحدثت عنه؟
-رئيس الجمهورية لا يملك شيئا ولم يقدم لنا الى اليوم أي رؤية ولم يتخذ أي إجراءات لمعالجة خراب ما قبل 25 جويلية..، وكأنه وقف في ذلك التاريخ ولا يريد أن يتقدم خطوة..،أعتقد أنه سقط في 25 جويلية وهو من أسقط نفسه..، حيث نجح الشعب يومها في أن يضع حدا للعبث بالدولة..،عندما أطلق تلك الصرخة يوم عيد الجمهورية وقد كان ذلك اليوم تاريخيا واستهدف من اعتبرهم مجرمين وهم كذلك بالفعل، فحركة النهضة هي حركة أجرمت في حق تونس..، ولكن لا يعني قولنا أن الرئيس فشل أننا نتحسّر على فترة ما قبل 25 جويلية..، لأن سمة تلك الفترة كانت القذارة والرداءة بكل معانيها..، ففي النهاية نحن يمكن أن نختلف ونتصارع مع قيس سعيد ولا نختلف ولا نتصارع سياسيا مع منظومة قبل 25 جويلية والتي كانت عنوانا للبؤس السياسي والسقوط الأخلاقي..، حيث كنّا في خراب حقيقي..، وقد كانت لقيس سعيد في 25 جويلية فرصة حقيقية لإصلاح كل ذلك الخراب ولكن يبدو أن الفساد كان أقوى من رئيس الجمهورية وأكبر من الفصل 80 من الدستور.
باعتبار أن الشباب الذي احتج في 25 جويلية واستهدف مقرات حركة النهضة ماذا كان يتعين على رئيس الجمهورية أن يفعل في تقديرك؟
-بالنسبة لي ومنذ الأسبوع الأول أن المقرات التي استهدفها جزء من الشباب الغاضب يوم 25 جويلية ومنها مقر حركة النهضة بمونبليزير كان يفترض ان يغلق ليلتها ويُفتش وكذلك الصفحات المأجورة التي تديرها الحركة لسحل خصومها كان يُفترض كشفها واغلاقها وكان يمكن لهذه الخطوات ان تكشف لنا أسرار وخفايا ما كان يحدث..
ولذلك اعتقد أن قيس سعيد ضيّع فرصته منذ الأسبوع الأول الذي تلى إجراءات 25 جويلية عندما كان الجميع يشعر بالخوف والارتباك..، ولكن اليوم وللأسف ضاعت الفرصة وأبان عن عجزه، وأنا أتساءل لماذا كان عاجزا بتلك الطريقة وهو الذي كان تحت أمرته أجهزة الدولة من استعلامات وفرق فنية ومختصة ومؤسسة عسكرية وكان يترأس النيابة العمومية ولكن مع ذلك عجز عن إيقاف رموز الفساد واكتفى بوضع البعض مثل شوقي طبيب وأنور معروف تحت الإقامة الجبرية..، لماذا مثلا لم يضع راشد الغنوشي او نورالدين البحيري تحت الإقامة الجبرية ولم يحل ملف أي قيادي في حركة النهضة على القضاء.. ،لماذا لم يضع مروان مبروك تحت الإقامة الجبرية رغم أن ملفه وصل إلى القصر..، لماذا لم يضع كبار المهربين وبارونات الفساد تحت الإقامة الجبرية؟..،كل هذه أسئلة تطرح باستغراب شديد حول عجزه وفشله في القطع مع منظومة الفساد.
اعلان رئيس الجمهورية في خطابه الأخير انه ستكون هناك أحكام انتقالية وقانون انتخابي جديد كيف تعلقين عليه؟
- 25 جويلية منحت رئيس الجمهورية نظاما سياسيا ليس موجودا في أي دولة..، كان أشبه بنظام ما قبل الدولة الذي يمكنه من خلاله أن يعيد تشكيل المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي وفق رؤية جديدة أكثر عدلا وإنصافا للتونسيين..، لكنه لم يفعل شيئا.
نأتي الآن الى مسألة تعليق العمل بالدستور، أولا هو لم يقل أنه سيعلق العمل بالدستور هو سيعلق العمل بجزء من الدستور، وأساسا تعليق العمل بباب السلطة التشريعية والتنفيذية مع الإبقاء على باب الحقوق والحريات وهذه حيلة حتى يدعي أنه لم يخرج عن الدستور..، لكن هنا نشير إلى أن الميزة الوحيدة لدى قيس سعيد هي الصدق، ولكن المفارقة أن رئيس الجمهورية الذي أقسم على الدستور يعلق العمل به في باب السلطة التشريعية والتنفيذية ويذهب الى الأحكام الانتقالية والتي هي في نهاية الأمر دستور صغير ينظم علاقة السلطات ببعضها البعض وباب الحقوق والحريات ينظم علاقة المحكوم بالحاكم..، ولكن نريد أن نقول له أن الفصل 80 من الدستور موجود في باب السلطة التنفيذية وهنا نتساءل كيف له ان يواصل العمل بالتدابير الاستثنائية وهو سيعلق العمل بالفصل 80 والذي هو في باب السلطة التنفيذية..، وتعليق العمل بهذا الفصل يعني إنهاء العمل به..، يعني دستوريا وقانونيا تعليق الدستور في باب السلطة التنفيذية والفصل 80 من الدستور يجعل رئيس الجمهورية رئيسا دون شرعية أو خارج هذه الشرعية.
ثم أن رئيس الجمهورية سلطة مؤسسة تخضع لأحكام الدستور وليس سلطة مؤسسة خارج أحكام الدستور، وتعليق أحكام الدستور تعدم وجوده لأنه الدستور أوجده ولكن هو لا يستطيع أن يوجد الدستور ولا يستطيع أن يكون سلطة تأسيسية.
بالنسبة للتدابير الاستثنائية واعلانه عن تواصلها كيف تعلقين على ذلك؟
-الاشكال ليس في التدابير الاستثنائية التي يمكن أن تتواصل الى بضعة أشهر أو حتى سنة ولكن على شرط أن تستغل هذه التدابير في مكافحة منظومة الخراب من أحزاب ومسؤولين وقضاة واعلاميين ممن تورطوا في هذه المنظومة والتي يعود تشكيلها الى ما قبل حتى الثورة واستغلتها حركة النهضة لتحقيق تموقعها وجنت منها المكاسب..، هذه المنظومة تشبه الاخطبوط الذي تمدد في كل المجالات والقطاعات، والذي يتأقلم مع كل منظومة حكم جديد يجب القضاء عليه فهو اليوم وصل حتى قصر الرئاسة.
كيف وصل إلى القصر.. هل تعنين أن محيط الرئيس مخترق؟
-أنا لا أتصور ولكن أنا أعرف قدرة هذا الاخطبوط على الاختراق وخاصة حركة النهضة لها قدرة على الاختراق بطريقة لا يستطيع حتى قيس سعيد توقعها.
لماذا كل هذا التأخير في الإعلان عن تشكيل الحكومة في تقديرك؟
-في الحقيقة رئيس الجمهورية أجاب في خطابه الأخير، إجابة مثيرة للجدل وقد تتطلب نقاشات واسعة أيضا..، حيث قال رئيس الجمهورية أنه بقي ينتظر حتى يرى الصادق..، ويعني الرئيس قام بتفعيل الفصل 80 حتى يرى من الصادق ومن معه..،في النهاية ليس مهما أن يكون أحدهم معه، المهم أن يكون مع الدولة ومع الإصلاح..، يعني هدف الرئيس اليوم ليس اختيار من يكون مع الدولة ومع الإصلاح وضد الفساد ولكن هدفه من سيكون مع قيس سعيد على المعني النوفمبري »الله وحد الله وحد وقيس سعيد ما كيفو حد»، وهنا أريد أن أقول أن التيار الديمقراطي ليس من هذه المدرسة الملوثة، نحن نصدح بكلمة الحق مهما كانت كلفة ذلك ونحن مع مصلحة الشعب أينما كانت ونتذكر جميعا أن يوسف الشاهد عندما أعلن حربه على الفساد دعمه التيار الديمقراطي ولكنه عندما خذلنا هاجمناه ثم بعد ذلك أصبح يتعامل مع اخطبوط الفساد وقد قلنا له ذلك مباشرة كذلك الباجي قايد السبسي..، نحن لا نمشي وراء أشخاص بل نسعى دائما لمصلحة البلاد والشعب..، ونحن ننتقد اليوم قيس سعيد لأنه انحرف على أهداف 25 جويلية.
حسب تصور التيار الديمقراطي بماذا كان مطالبا قيس سعيد؟
-كان مطالبا بإجراءات تعيد الثقة في المناخ السياسي والاقتصادي قبل أن يطرح مشروعه السياسي..، وذلك حتى لا نفهم أنه قام بإجراءات 25 جويلية ليس من أجل تحقيق طموحات الشعب ولكن من أجل تحقيق طموحه الشخصي في تغيير النظام السياسي وهذا ما يجعل حتى ميزته كرجل صادق تهتز..، فمن كانوا قبله قاموا بتوظيف الدولة لأنفسهم ولخدمة مصالحهم وهو اليوم يريد توظيف إجراءات 25 جويلية لنفسه..، وهنا يجب أن لا تغره الهتافات من حوله فحتى راشد الغنوشي كان يهتفون له لأن نفس الشعب عندما يكتشف الانهيار الاقتصادي والاجتماعي لن يهتفوا اليه بل سينقلبون عليه.
حاورتها منية العرفاوي
«25 جويلية كانت فرصة أضاعها قيس سعيد وفشل في مكافحة منظومة الخراب»، بهذه الجملة علقت النائبة بالبرلمان المجمد والقيادية في حزب التيار الديمقراطي سامية عبو، عن حالة الركود والجمود في المشهد السياسي بعد أن فعّل رئيس الجمهورية قيس سعيد الفصل 80 من الدستور وأعلن عن التدابير الاستثنائية دون أن نتقدم خطوة الى الأمام في المسار الدستوري والسياسي بعد حوالي شهرين منذ قرار تجميد البرلمان وإقالة رئيس الحكومة.. رغم أن الرئيس في خطابه أول البارحة أعلن على أنه ستكون هناك أحكام انتقالية مع تواصل مرحلة التدابير الاستثنائية وأنه سيتم وضع قانون انتخابي جديد.
وفي هذا الحوار لـ«الصباح» علقت سامية عبو عما ورد في الخطاب الأخير لرئيس الجمهورية، كما تطرقت إلى عدة مسائل لها علاقة بأداء قيس سعيد بعد إعلانه لإجراءات 25 جويلية، وتواصل مرحلة التدابير الاستثنائية وذهاب البلاد إلى مرحلة الأحكام الانتقالية.. بالإضافة إلى ملف مكافحة الفساد وكيف عالجه رئيس الجمهورية، كما اعتبرت سامية عبو أن رئيس الجمهورية وعند حديثه عن الثورة في خطابه الأخير أحدث قطيعة بين 17 ديسمبر و14 جانفي الذي وصفه بيوم الانقلاب على الثورة، قائلة: «من الواضح أن قيس سعيد يمضي في خطاب هدفه تقسيم الشعب، حيث أنه ليس صحيحا أن يوم 14 جانفي هو انقلاب على الثورة بل هو مواصلة للثورة ولشرارتها الأولى يوم 17 ديسمبر يومها خرج الشباب وقوى سياسية وهتفوا بنفس العبارات التي تطالب بإسقاط النظام وتواصلت الاحتجاجات حتى بعد هروب نظام بن علي»، وتضيف عبو: »هو يريد وضع الطبقة السياسية والنخبة كلها بإعلامها وقضاتها في خانة من التهميش والتجاهل في حين لا ينفك على مدح المؤسسة الأمنية التي يحتاجها.. ولكن من ليس معه، فهو يتهجم عليه وفي الحقيقة هذا لا يليق برئيس توسمنا فيه الصدق بالرغم انه لا يملك لا الخبرة السياسية ولا الخبرة الاقتصادية ولا خبرة في تسيير الدولة وكانت لديه فرصة لإنقاذ الدولة التي تعاني منذ سنوات وكان يملك كل إمكانيات ذلك من ملفات وتقارير وأجهزة رسمية ولكنه لم يقم بأي خطوة للتطهير والإصلاح».
في البداية كيف تعلقين على الخطاب الأخير لرئيس الجمهورية والذي طال انتظاره؟
-بعد حوالي شهرين من إجراءات 25 جويلية، أكد خطاب رئيس الجمهورية، عجزه عن مكافحة الفساد السياسي الذي في الدولة وفشل عن مقاومة منظومة الفساد وأساسا الفساد السياسي وخاصة الموجود في البرلمان،نحن سمعنا عن فساد بآلاف المليارات ولكن دون تقديم المورطين فيه الى القضاء او دون محاكمتهم..، نحن نعاين مدى تغلغل اللوبيات في الدولة وعاينا شراء الذمم وتفشي الفساد السياسي ولكن أي من هذه الملفات الكبرى والخطيرة لم تتم معالجته.
يوم 25 جويلية نريد التذكير أن الشعب الذي ثار، قام باستهداف مقرات حزب حركة النهضة وهذه مسألة على غاية من الرمزية، بمعنى أن من انتفض يعتبر حركة النهضة هي اخطبوط الفساد الذي نسج حوله كل خيوط الفساد.. وهنا نتساءل أين محاسبة الفاسدين على فسادهم الذي نخر الدولة والمؤسسات العمومية وتسبب في نهب المال العام.. بالنسبة لي أنا خطاب رئيس الجمهورية هو إعلان عن فشل 25 جويلية.
معنى ذلك انك تعتبرين 25 جويلية فرصة ضائعة؟
-بالفعل هي فرصة ضاعت ويتحمل رئيس الجمهورية المسؤولية في ذلك وسيندم يوما عن هذه الفرصة لأن الأجيال القادمة بما في ذلك أبنائه، سيعشون في مناخ من الفساد والاستبداد وعدم المساواة وغياب العدالة الاجتماعية وطغيان اللوبيات..، بعد 25 جويلية كان لدى رئيس الجمهورية تقارير جاهزة، لضرب العابثين والفاسدين بيد من حديد..، كان لديه تقرير تفقدية وزارة العدل الذي أدان حوالي 14 قاضيا بشبهات فساد وقدم كل الأدلة والبراهين والقرائن..، كان لديه أيضا تقرير محكمة المحاسبات وهنا لا نتحدث فقط على إسقاط القائمات ولكن أيضا عن تبييض الأموال وكذلك كان لديه تقرير «الهايكا» الذي أكد على وجود اذاعات وتلفزات غير قانونية مثل قناة الزيتونة حيث قال رئيس «الهايكا» أن هناك شهريا 300 ألف دينار يجهلون مصدرها وبالتالي تعد هذه العملية عملية تبييض أموال..، لديه كل ذلك ولم يفعل شيئا..
أنا بصراحة اعتقد ان 25 جويلية كانت فرصة تاريخية أعادت لنا الأمل وضاعت ولكن لا أعتقد أن هذا الامل ضاع نهائيا على البلاد لأنني متأكدة أن تونس لا يمكن أن تبقى في هذا الوحل مهما كان الثمن..، ولكن التاريخ سيذكر أن الرئيس قيس سعيد ضيّع على التونسيين فرصة للعيش بكرامة..، لأنه انشغل بمشروعه السياسي على حساب تطلعات الشعب..، كان الأجدر به أن يقوم بعملية تطهير وإصلاح شاملة وبعد ذلك يمكن أن نناقش مشروعه السياسي.
أين تكمن الأخطاء التي أدت الى هذا الفشل الذي تحدثت عنه؟
-رئيس الجمهورية لا يملك شيئا ولم يقدم لنا الى اليوم أي رؤية ولم يتخذ أي إجراءات لمعالجة خراب ما قبل 25 جويلية..، وكأنه وقف في ذلك التاريخ ولا يريد أن يتقدم خطوة..،أعتقد أنه سقط في 25 جويلية وهو من أسقط نفسه..، حيث نجح الشعب يومها في أن يضع حدا للعبث بالدولة..،عندما أطلق تلك الصرخة يوم عيد الجمهورية وقد كان ذلك اليوم تاريخيا واستهدف من اعتبرهم مجرمين وهم كذلك بالفعل، فحركة النهضة هي حركة أجرمت في حق تونس..، ولكن لا يعني قولنا أن الرئيس فشل أننا نتحسّر على فترة ما قبل 25 جويلية..، لأن سمة تلك الفترة كانت القذارة والرداءة بكل معانيها..، ففي النهاية نحن يمكن أن نختلف ونتصارع مع قيس سعيد ولا نختلف ولا نتصارع سياسيا مع منظومة قبل 25 جويلية والتي كانت عنوانا للبؤس السياسي والسقوط الأخلاقي..، حيث كنّا في خراب حقيقي..، وقد كانت لقيس سعيد في 25 جويلية فرصة حقيقية لإصلاح كل ذلك الخراب ولكن يبدو أن الفساد كان أقوى من رئيس الجمهورية وأكبر من الفصل 80 من الدستور.
باعتبار أن الشباب الذي احتج في 25 جويلية واستهدف مقرات حركة النهضة ماذا كان يتعين على رئيس الجمهورية أن يفعل في تقديرك؟
-بالنسبة لي ومنذ الأسبوع الأول أن المقرات التي استهدفها جزء من الشباب الغاضب يوم 25 جويلية ومنها مقر حركة النهضة بمونبليزير كان يفترض ان يغلق ليلتها ويُفتش وكذلك الصفحات المأجورة التي تديرها الحركة لسحل خصومها كان يُفترض كشفها واغلاقها وكان يمكن لهذه الخطوات ان تكشف لنا أسرار وخفايا ما كان يحدث..
ولذلك اعتقد أن قيس سعيد ضيّع فرصته منذ الأسبوع الأول الذي تلى إجراءات 25 جويلية عندما كان الجميع يشعر بالخوف والارتباك..، ولكن اليوم وللأسف ضاعت الفرصة وأبان عن عجزه، وأنا أتساءل لماذا كان عاجزا بتلك الطريقة وهو الذي كان تحت أمرته أجهزة الدولة من استعلامات وفرق فنية ومختصة ومؤسسة عسكرية وكان يترأس النيابة العمومية ولكن مع ذلك عجز عن إيقاف رموز الفساد واكتفى بوضع البعض مثل شوقي طبيب وأنور معروف تحت الإقامة الجبرية..، لماذا مثلا لم يضع راشد الغنوشي او نورالدين البحيري تحت الإقامة الجبرية ولم يحل ملف أي قيادي في حركة النهضة على القضاء.. ،لماذا لم يضع مروان مبروك تحت الإقامة الجبرية رغم أن ملفه وصل إلى القصر..، لماذا لم يضع كبار المهربين وبارونات الفساد تحت الإقامة الجبرية؟..،كل هذه أسئلة تطرح باستغراب شديد حول عجزه وفشله في القطع مع منظومة الفساد.
اعلان رئيس الجمهورية في خطابه الأخير انه ستكون هناك أحكام انتقالية وقانون انتخابي جديد كيف تعلقين عليه؟
- 25 جويلية منحت رئيس الجمهورية نظاما سياسيا ليس موجودا في أي دولة..، كان أشبه بنظام ما قبل الدولة الذي يمكنه من خلاله أن يعيد تشكيل المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي وفق رؤية جديدة أكثر عدلا وإنصافا للتونسيين..، لكنه لم يفعل شيئا.
نأتي الآن الى مسألة تعليق العمل بالدستور، أولا هو لم يقل أنه سيعلق العمل بالدستور هو سيعلق العمل بجزء من الدستور، وأساسا تعليق العمل بباب السلطة التشريعية والتنفيذية مع الإبقاء على باب الحقوق والحريات وهذه حيلة حتى يدعي أنه لم يخرج عن الدستور..، لكن هنا نشير إلى أن الميزة الوحيدة لدى قيس سعيد هي الصدق، ولكن المفارقة أن رئيس الجمهورية الذي أقسم على الدستور يعلق العمل به في باب السلطة التشريعية والتنفيذية ويذهب الى الأحكام الانتقالية والتي هي في نهاية الأمر دستور صغير ينظم علاقة السلطات ببعضها البعض وباب الحقوق والحريات ينظم علاقة المحكوم بالحاكم..، ولكن نريد أن نقول له أن الفصل 80 من الدستور موجود في باب السلطة التنفيذية وهنا نتساءل كيف له ان يواصل العمل بالتدابير الاستثنائية وهو سيعلق العمل بالفصل 80 والذي هو في باب السلطة التنفيذية..، وتعليق العمل بهذا الفصل يعني إنهاء العمل به..، يعني دستوريا وقانونيا تعليق الدستور في باب السلطة التنفيذية والفصل 80 من الدستور يجعل رئيس الجمهورية رئيسا دون شرعية أو خارج هذه الشرعية.
ثم أن رئيس الجمهورية سلطة مؤسسة تخضع لأحكام الدستور وليس سلطة مؤسسة خارج أحكام الدستور، وتعليق أحكام الدستور تعدم وجوده لأنه الدستور أوجده ولكن هو لا يستطيع أن يوجد الدستور ولا يستطيع أن يكون سلطة تأسيسية.
بالنسبة للتدابير الاستثنائية واعلانه عن تواصلها كيف تعلقين على ذلك؟
-الاشكال ليس في التدابير الاستثنائية التي يمكن أن تتواصل الى بضعة أشهر أو حتى سنة ولكن على شرط أن تستغل هذه التدابير في مكافحة منظومة الخراب من أحزاب ومسؤولين وقضاة واعلاميين ممن تورطوا في هذه المنظومة والتي يعود تشكيلها الى ما قبل حتى الثورة واستغلتها حركة النهضة لتحقيق تموقعها وجنت منها المكاسب..، هذه المنظومة تشبه الاخطبوط الذي تمدد في كل المجالات والقطاعات، والذي يتأقلم مع كل منظومة حكم جديد يجب القضاء عليه فهو اليوم وصل حتى قصر الرئاسة.
كيف وصل إلى القصر.. هل تعنين أن محيط الرئيس مخترق؟
-أنا لا أتصور ولكن أنا أعرف قدرة هذا الاخطبوط على الاختراق وخاصة حركة النهضة لها قدرة على الاختراق بطريقة لا يستطيع حتى قيس سعيد توقعها.
لماذا كل هذا التأخير في الإعلان عن تشكيل الحكومة في تقديرك؟
-في الحقيقة رئيس الجمهورية أجاب في خطابه الأخير، إجابة مثيرة للجدل وقد تتطلب نقاشات واسعة أيضا..، حيث قال رئيس الجمهورية أنه بقي ينتظر حتى يرى الصادق..، ويعني الرئيس قام بتفعيل الفصل 80 حتى يرى من الصادق ومن معه..،في النهاية ليس مهما أن يكون أحدهم معه، المهم أن يكون مع الدولة ومع الإصلاح..، يعني هدف الرئيس اليوم ليس اختيار من يكون مع الدولة ومع الإصلاح وضد الفساد ولكن هدفه من سيكون مع قيس سعيد على المعني النوفمبري »الله وحد الله وحد وقيس سعيد ما كيفو حد»، وهنا أريد أن أقول أن التيار الديمقراطي ليس من هذه المدرسة الملوثة، نحن نصدح بكلمة الحق مهما كانت كلفة ذلك ونحن مع مصلحة الشعب أينما كانت ونتذكر جميعا أن يوسف الشاهد عندما أعلن حربه على الفساد دعمه التيار الديمقراطي ولكنه عندما خذلنا هاجمناه ثم بعد ذلك أصبح يتعامل مع اخطبوط الفساد وقد قلنا له ذلك مباشرة كذلك الباجي قايد السبسي..، نحن لا نمشي وراء أشخاص بل نسعى دائما لمصلحة البلاد والشعب..، ونحن ننتقد اليوم قيس سعيد لأنه انحرف على أهداف 25 جويلية.
حسب تصور التيار الديمقراطي بماذا كان مطالبا قيس سعيد؟
-كان مطالبا بإجراءات تعيد الثقة في المناخ السياسي والاقتصادي قبل أن يطرح مشروعه السياسي..، وذلك حتى لا نفهم أنه قام بإجراءات 25 جويلية ليس من أجل تحقيق طموحات الشعب ولكن من أجل تحقيق طموحه الشخصي في تغيير النظام السياسي وهذا ما يجعل حتى ميزته كرجل صادق تهتز..، فمن كانوا قبله قاموا بتوظيف الدولة لأنفسهم ولخدمة مصالحهم وهو اليوم يريد توظيف إجراءات 25 جويلية لنفسه..، وهنا يجب أن لا تغره الهتافات من حوله فحتى راشد الغنوشي كان يهتفون له لأن نفس الشعب عندما يكتشف الانهيار الاقتصادي والاجتماعي لن يهتفوا اليه بل سينقلبون عليه.