يحصل أن تعثر على قصتك الصحفية في بيتك.. يحصل وأنت تبحث عن قصص الآخرين أن تجد قصتك على مرمى حجر منك.. قصة أهلك وذويك..
كنت ابحث عن قصة لشبان يستعدون لرحلة الموت فوجدتها في قصة ابن من أبناء عمومتي، ذلك الطفل الصغير ابن عمي أصبح هو القصة التي ابحث عنها بين ثنايا جزيرة أصبحت منطلقا ومنصة لرحلات الموت عبر مراكب الهجرة غير النظامية.. زارنا يومها مرفوقا بأمه، وعمه، ركبوا الباخرة نحو جزيرة قرقنة قادمين من صفاقس، انهم على موعد مع "الحراق"..
حين تكون من جزيرة قرقنة يكون "الحارق" (كلمة تشير الى المهاجر غير النظامي) و"الحراق" (كلمة تطلق على الشخص الذي يؤمن رحلة هجرة غير نظامية) يكونان منك واليك.. فانت بينهما، قريب اليهما تشاهد وتطلع على حيثيات ظاهرة أصبحت تتمدد بين ثنايا كافة جهات الجمهورية.
في بيتنا "حارق" في عمر طفل..
بدت عليه راحة محارب وابتسامة المنتصر.. طفل الرابعة عشر من العمر يرسل لوالديه صورته بعد ان بلغ سواحل ايطاليا بعد ليلة من ركوب الموت. كنت اعلم كافة تفاصيل الحكاية حين التقيته في بيتنا يجهز نفسه لركوب البحر هو الذي لا يتقن السباحة.
كنت بصدد البحث عن قصص شبان يريدون مغادرة البلاد في هجرة سرية ففي مثل هذا الوقت من العام تنتعش في جزيرتي الصغيرة، قرقنة، تجارة من نوع آخر، الاتجار بالبشر تجارة "الحرقة". هجرة غير نظامية تعرف ذروتها خلال أشهر الصيف لان الطقس كثيرا ما يكون مناسبا لقطع البحر نحو السواحل الأوروبية.
عدت الى جزيرة قرقنة، نقطة الانطلاق لقوارب الهجرة السرية، رحلات يشرف عليها بحارة الجهة في اغلب الأحيان، يؤمنون بها للكثير من الشباب رحلات ليلية قد تنتهي بالنجاح في عبور البحر نحو إيطاليا، وقد تنتهي بإيقافات من قبل خفر السواحل وقد تخلف، أحيانا، مأساة بغرق المركب بمن فيه من شباب تونسيين وافارقة من جنوب الصحراء، يأتون من كافة مناطق الجمهورية يبحثون عن حل وراء البحار، هناك في الالدورادو الايطالي ومنه نحو بلدان أوروبية اخرى..
كان يومها في بيتنا، جاء يبحث عن طريق نحو ايطاليا. طفل في الرابعة عشر من العمر. فرض على امه ان تمده بثمن رحلة بحرية نحو ايطاليا. اشترط ان يشق البحر او ان ينتحر.. هكذا حدثتني امه (قريبتي): «ماذا تريديني ان افعل؟! لقد حاولت ان أشده الى الدرس، ان يتم تعليمه، ان ينزع من ذهنه فكرة الرحيل، اليوم انا عاجزة، اخوه نجح منذ عام في اجتياز البحر نحو ايطاليا، انه اليوم في فرنسا، وهذا ابني الثاني يريد اللحاق بشقيقه هناك.. لم يبق لدي سوى أخيهم الأصغر.."
لقريبتي هذه ثلاثة ابناء، ثانيهما سيلتحق اليوم بأخيه في هجرة سرية نحو ايطاليا، تتكلف الرحلة ثلاثة الاف دينار وبعض من ساعات بين جزيرة قرقنة ولامبدوزا الايطالية.
كانت ليلتها ليلة ما أصبح يعرف بالتغيير السياسي، في مركز الجزيرة، جزيرة قرقنة، في منطقة الرملة، كانت النيران تشتعل تنذر بتغير المشهد السياسي، كل سكان الجزيرة كانوا يشعلون شماريخ الاحتفالات بتجميد البرلمان واقالة رئيس الحكومة، ليلتها نجح الكثيرون في الوصول الى السواحل الايطالية في مراكب استغل اصحابها انشغال جهات الجمهورية بمتابعة الوضع السياسي فيما نظموا هم رحلات هجرة غير نظامية كان من بينهم قريبي الطفل الذي نجح في الوصول الى هناك.
قبل ان يشد الرحال طرحت عليه سؤالا عن مدى علمه بما ينتظره هناك من مصير بدا واثقا انه سيصل و قال لي:"انا طفل و هناك سيتم الاعتناء بي لصغر سني،لا اريد البقاء هنا،اريد ان اخوض التجربة"
عادا عظاما في صندوق. شقيقان تكسر بهما الحلم في زورق للموت..
وسط مقهى في مدينة منزل بورقيبة من ولاية بنزرت كانت جليلة تجلس الى ابناء الحي من اصدقاء طفليها.
جليلة ام لشابين، هادي ومهدي، شابان يرقدان اليوم تحت الثرى منذ حوالي سنة.
كانت جليلة والى جانبها زوجها يناقشان مع محمد علي مسالة الهجرة السرية. يصر الشاب، المختص في الاعلامية على ان هذه البلاد لا امل فيها لاي عمل كريم ووضع مريح وتصر جليلة وزوجها انه لا مجال لان نجادل الشباب أكثر في حلم الهروب، لقد فقد الاثنان ابنيهما مهدي وهادي في رحلة هجرة غير نظامية.
تقول جليلة مستسلمة لحجج محمد علي الذي حاول ان يحرق مرة:" لا مجال لان تجادل هؤلاء الشباب، ماذا كان بوسعي ان اقول لابني مهدي او هادي، كانا قد بلغا عمرا وسط انسداد افق التشغيل، لم أفلح في اقناعهما بالبقاء اذ يصعب على شاب الاربعة وعشرين عاما ان يحتمل البطالة فيكون عبئا على امه او ابيه.. لقد اختارا ان يركبا قاربهما الصغير مع اثنين من الاصدقاء وشقيقين اخرين في نوفمبر 2019 قررا ان يسلكا البحر … لكن لم تسعفها الحياة، عدت بهما في صندوقين بعد عام من انقطاع اخبارهما.."
تفيد الحيثيات ان هادي ومهدي توفيا في هجرة غير نظامية. حملت الأمواج جثة كل واحد منهما في اتجاه سواحل مدينتين ايطاليتين تبعد الأولى عن الثانية 130 كلم. توفي أيضا من كان بمركبهما في تلك الليلة وظلت جثث اثنين منهما مفقودة الى اليوم، لا تعرف العائلات ان كانا على قيد الحياة ام لا.
وسط بعض من الثياب في خزانة لم تفتحها منذ عامين تبحث جليلة عن بعض من السلوان، بدأت تعرض علي شهائد ابنيها الفقيدين الذين استوفيا تكوينا في التكوين المهني،أراد الشابان ان يتخذا من محلات والدهما مقرا لإقامة مشروع يبدآن به حياة مهنية كريمة.
لم يتحملا المطالب الإدارية المجحفة، ولم يتوفر لهما مبلغ مالي لبدء الاستثمار فيما تعلماه في التكوين المهني. حاولا ان يستثمرا في مجال الصيد، حجز أعوان البلدية مركبهما الصغير ودراجة نارية.. فعملية الحصول على رخصة صيد في منطقتهما الساحلية معقدة أيضا.
بمثل هذه المعوقات لخصت جليلة طعم الله رحلة شقاء ابنيها الذين انسدت في وجهما طريق العيش الكريم،قررا بعد حجز المركب ان يركبا البحر، رحلة كانت مؤمنة بشكل كاف، لكنها انتهت بمأساة فقدان كل من فيها من شباب كان عددهم ستة..
سالت دموعها وهي تفتح خزانة طفليها الفقيدين، لم يبق منهما سوى سيجارة وجدتها مخبأة وسط احد جيوب السراويل، سيجارة كان ولداها يتسولان ثمنها من ام و اب عجزا عن اقناع مهدي وهادي بالبقاء...
رافقت جليلة طعمله وزوجها عادل الخنيسي الى مقبرة الحي في منطقة منزل بورقيبة من ولاية بنزرت. دفع الزوجان قرابة 17 ألف دينار لجلب جثة الشابين هادي ومهدي من المقابر الإيطالية. ساعدهما في ذلك جمعيات مجتمع مدني في أوروبا. ل
جليلة طعمله و زوجها في مقبرة منزل بورقيبة يارحمان على ابنهما الذين توفيا في هجرة غير نظامية/ صور مبروكة خذير
لكن العائلة تعيب على وزارة الخارجية عدم التكفل بجلب جثث الشباب الذين يموتون في رحلات الهجرة غير النظامية. بل ان هناك عائلات تكفلت الدولة بإرجاع رفات ذويها فيما حرم آخرون من ذلك وهو ما يثير غضب والد الشابين هادي ومهدي الذي يرى ان الدولة التي "تطرد أبناءها تعجز عن مجرد تكريمهم بالدفن في أرضهم، في بلادهم"
مبروكة خذير
يحصل أن تعثر على قصتك الصحفية في بيتك.. يحصل وأنت تبحث عن قصص الآخرين أن تجد قصتك على مرمى حجر منك.. قصة أهلك وذويك..
كنت ابحث عن قصة لشبان يستعدون لرحلة الموت فوجدتها في قصة ابن من أبناء عمومتي، ذلك الطفل الصغير ابن عمي أصبح هو القصة التي ابحث عنها بين ثنايا جزيرة أصبحت منطلقا ومنصة لرحلات الموت عبر مراكب الهجرة غير النظامية.. زارنا يومها مرفوقا بأمه، وعمه، ركبوا الباخرة نحو جزيرة قرقنة قادمين من صفاقس، انهم على موعد مع "الحراق"..
حين تكون من جزيرة قرقنة يكون "الحارق" (كلمة تشير الى المهاجر غير النظامي) و"الحراق" (كلمة تطلق على الشخص الذي يؤمن رحلة هجرة غير نظامية) يكونان منك واليك.. فانت بينهما، قريب اليهما تشاهد وتطلع على حيثيات ظاهرة أصبحت تتمدد بين ثنايا كافة جهات الجمهورية.
في بيتنا "حارق" في عمر طفل..
بدت عليه راحة محارب وابتسامة المنتصر.. طفل الرابعة عشر من العمر يرسل لوالديه صورته بعد ان بلغ سواحل ايطاليا بعد ليلة من ركوب الموت. كنت اعلم كافة تفاصيل الحكاية حين التقيته في بيتنا يجهز نفسه لركوب البحر هو الذي لا يتقن السباحة.
كنت بصدد البحث عن قصص شبان يريدون مغادرة البلاد في هجرة سرية ففي مثل هذا الوقت من العام تنتعش في جزيرتي الصغيرة، قرقنة، تجارة من نوع آخر، الاتجار بالبشر تجارة "الحرقة". هجرة غير نظامية تعرف ذروتها خلال أشهر الصيف لان الطقس كثيرا ما يكون مناسبا لقطع البحر نحو السواحل الأوروبية.
عدت الى جزيرة قرقنة، نقطة الانطلاق لقوارب الهجرة السرية، رحلات يشرف عليها بحارة الجهة في اغلب الأحيان، يؤمنون بها للكثير من الشباب رحلات ليلية قد تنتهي بالنجاح في عبور البحر نحو إيطاليا، وقد تنتهي بإيقافات من قبل خفر السواحل وقد تخلف، أحيانا، مأساة بغرق المركب بمن فيه من شباب تونسيين وافارقة من جنوب الصحراء، يأتون من كافة مناطق الجمهورية يبحثون عن حل وراء البحار، هناك في الالدورادو الايطالي ومنه نحو بلدان أوروبية اخرى..
كان يومها في بيتنا، جاء يبحث عن طريق نحو ايطاليا. طفل في الرابعة عشر من العمر. فرض على امه ان تمده بثمن رحلة بحرية نحو ايطاليا. اشترط ان يشق البحر او ان ينتحر.. هكذا حدثتني امه (قريبتي): «ماذا تريديني ان افعل؟! لقد حاولت ان أشده الى الدرس، ان يتم تعليمه، ان ينزع من ذهنه فكرة الرحيل، اليوم انا عاجزة، اخوه نجح منذ عام في اجتياز البحر نحو ايطاليا، انه اليوم في فرنسا، وهذا ابني الثاني يريد اللحاق بشقيقه هناك.. لم يبق لدي سوى أخيهم الأصغر.."
لقريبتي هذه ثلاثة ابناء، ثانيهما سيلتحق اليوم بأخيه في هجرة سرية نحو ايطاليا، تتكلف الرحلة ثلاثة الاف دينار وبعض من ساعات بين جزيرة قرقنة ولامبدوزا الايطالية.
كانت ليلتها ليلة ما أصبح يعرف بالتغيير السياسي، في مركز الجزيرة، جزيرة قرقنة، في منطقة الرملة، كانت النيران تشتعل تنذر بتغير المشهد السياسي، كل سكان الجزيرة كانوا يشعلون شماريخ الاحتفالات بتجميد البرلمان واقالة رئيس الحكومة، ليلتها نجح الكثيرون في الوصول الى السواحل الايطالية في مراكب استغل اصحابها انشغال جهات الجمهورية بمتابعة الوضع السياسي فيما نظموا هم رحلات هجرة غير نظامية كان من بينهم قريبي الطفل الذي نجح في الوصول الى هناك.
قبل ان يشد الرحال طرحت عليه سؤالا عن مدى علمه بما ينتظره هناك من مصير بدا واثقا انه سيصل و قال لي:"انا طفل و هناك سيتم الاعتناء بي لصغر سني،لا اريد البقاء هنا،اريد ان اخوض التجربة"
عادا عظاما في صندوق. شقيقان تكسر بهما الحلم في زورق للموت..
وسط مقهى في مدينة منزل بورقيبة من ولاية بنزرت كانت جليلة تجلس الى ابناء الحي من اصدقاء طفليها.
جليلة ام لشابين، هادي ومهدي، شابان يرقدان اليوم تحت الثرى منذ حوالي سنة.
كانت جليلة والى جانبها زوجها يناقشان مع محمد علي مسالة الهجرة السرية. يصر الشاب، المختص في الاعلامية على ان هذه البلاد لا امل فيها لاي عمل كريم ووضع مريح وتصر جليلة وزوجها انه لا مجال لان نجادل الشباب أكثر في حلم الهروب، لقد فقد الاثنان ابنيهما مهدي وهادي في رحلة هجرة غير نظامية.
تقول جليلة مستسلمة لحجج محمد علي الذي حاول ان يحرق مرة:" لا مجال لان تجادل هؤلاء الشباب، ماذا كان بوسعي ان اقول لابني مهدي او هادي، كانا قد بلغا عمرا وسط انسداد افق التشغيل، لم أفلح في اقناعهما بالبقاء اذ يصعب على شاب الاربعة وعشرين عاما ان يحتمل البطالة فيكون عبئا على امه او ابيه.. لقد اختارا ان يركبا قاربهما الصغير مع اثنين من الاصدقاء وشقيقين اخرين في نوفمبر 2019 قررا ان يسلكا البحر … لكن لم تسعفها الحياة، عدت بهما في صندوقين بعد عام من انقطاع اخبارهما.."
تفيد الحيثيات ان هادي ومهدي توفيا في هجرة غير نظامية. حملت الأمواج جثة كل واحد منهما في اتجاه سواحل مدينتين ايطاليتين تبعد الأولى عن الثانية 130 كلم. توفي أيضا من كان بمركبهما في تلك الليلة وظلت جثث اثنين منهما مفقودة الى اليوم، لا تعرف العائلات ان كانا على قيد الحياة ام لا.
وسط بعض من الثياب في خزانة لم تفتحها منذ عامين تبحث جليلة عن بعض من السلوان، بدأت تعرض علي شهائد ابنيها الفقيدين الذين استوفيا تكوينا في التكوين المهني،أراد الشابان ان يتخذا من محلات والدهما مقرا لإقامة مشروع يبدآن به حياة مهنية كريمة.
لم يتحملا المطالب الإدارية المجحفة، ولم يتوفر لهما مبلغ مالي لبدء الاستثمار فيما تعلماه في التكوين المهني. حاولا ان يستثمرا في مجال الصيد، حجز أعوان البلدية مركبهما الصغير ودراجة نارية.. فعملية الحصول على رخصة صيد في منطقتهما الساحلية معقدة أيضا.
بمثل هذه المعوقات لخصت جليلة طعم الله رحلة شقاء ابنيها الذين انسدت في وجهما طريق العيش الكريم،قررا بعد حجز المركب ان يركبا البحر، رحلة كانت مؤمنة بشكل كاف، لكنها انتهت بمأساة فقدان كل من فيها من شباب كان عددهم ستة..
سالت دموعها وهي تفتح خزانة طفليها الفقيدين، لم يبق منهما سوى سيجارة وجدتها مخبأة وسط احد جيوب السراويل، سيجارة كان ولداها يتسولان ثمنها من ام و اب عجزا عن اقناع مهدي وهادي بالبقاء...
رافقت جليلة طعمله وزوجها عادل الخنيسي الى مقبرة الحي في منطقة منزل بورقيبة من ولاية بنزرت. دفع الزوجان قرابة 17 ألف دينار لجلب جثة الشابين هادي ومهدي من المقابر الإيطالية. ساعدهما في ذلك جمعيات مجتمع مدني في أوروبا. ل
جليلة طعمله و زوجها في مقبرة منزل بورقيبة يارحمان على ابنهما الذين توفيا في هجرة غير نظامية/ صور مبروكة خذير
لكن العائلة تعيب على وزارة الخارجية عدم التكفل بجلب جثث الشباب الذين يموتون في رحلات الهجرة غير النظامية. بل ان هناك عائلات تكفلت الدولة بإرجاع رفات ذويها فيما حرم آخرون من ذلك وهو ما يثير غضب والد الشابين هادي ومهدي الذي يرى ان الدولة التي "تطرد أبناءها تعجز عن مجرد تكريمهم بالدفن في أرضهم، في بلادهم"