يحتفي مكتب التعاون الأكاديمي بمؤسسة روزا لوكسمبورغ على امتداد هذه السنة بذكرى 100 عام على انبعاث الحركة الشيوعية في تونس في عام 1921. حدث تاريخي خصصت له المؤسسة مجموعة من الأنشطة البحثية والفكرية والثقافية التي لاقت استحسان العديد من المهتمين بتاريخ اليسار التونسي وبالذاكرة الوطنية من منظور علمي بعيدا عن التوظيف السياسي أو الأيديولوجي .
في هذا الحوار الذي أجرته "الصباح نيوز" تحدثنا مديرة مكتب التعاون الاكاديمي بمؤسسة روزا لوكسمبرغ بتونس نادية الورغمي عن مشروع مائوية اليسار التونسي وأهم أهدافه وأبرز الأنشطة العلمية المبرمجة خلال الفترة القادمة.
انطلقتم منذ فترة في مشروع يعنى بمسألة إحياء مئوية الحركة الشيوعية في تونس. كيف تقدمون أهداف هذا المشروع الأكاديمي وأبرز ملامحه وأنشطته؟
هذه الفكرة انطلقت منذ صائفة السنة الفارطة. بدأت الفكرة كندوة. نحن كمكتب تعاون أكاديمي نعمل منذ مدة طويلة مع الأستاذ الحبيب كزدغلي ومع مخبر التراث ومع كلية الآداب بجامعة منوبة. وكنا منذ البداية مهتمين بالتاريخ والذاكرة وقمنا بأنشطة مختلفة. طبعا سنة 2021 كان من الواضح أننا سنهتم بمائة سنة من الحركة الشيوعية وهو ما يمثل مائة سنة من اليسار في تونس.
في البداية الفكرة كانت ترتكز على ندوة وبعض المنشورات. ثم لاحظنا أن هناك اهتماما كبيرا بالموضوع وأن هناك نقصا في التوثيق. هناك عدة أشياء كنا نعتقد أنها موجودة ولكن اكتشفنا أنها منقوصة وأننا كمكتب تعاون أكاديمي يمكن أن نقوم بتجميعها أو خلقها.
المشروع بدأ يتطور شيئا فشيئا. قمنا بتشريك عديد الأطراف الأخرى الجمعياتيةمثل "برسبكتيف" الذين قاموا بلمّ الشمل معنا. كان هناك اهتمام كبير بهذا الموضوع.
هل تقصدون منظمات وجمعيات تعنى بالتراث اليساري؟
نعم وحتى بعض الجامعيين. هذا المشروع فيه مجلس علمي يضم أبرز المؤرخين المهتمين باليسار وبتاريخه بصفة عامة. بدأنا بفكرة الشهادات والتي لاقت نجاحا كبيرا.
لماذا قمتم بالتركيز على الشهادات الشفوية ؟
الشهادات بالنسبة لي ليست مسألة أكاديمية فقط . فهي مسألة ذاتية بطبيعتها ولكنها تظهر اختلاف اليسار التونسي من خلال اختلاف مسارات الأشخاص وتجاربهم. وقد لاحظنا أن هذه المسألة هي ما ينقص.
طبعا يمكن كتابة نص تاريخي لكن هذا الأمر مختلف عما تسمعه من أشخاص عاشوا تلك الفترات وساهموا فيها بدرجات مختلفة، البعض منهم منخرط في حزب منذ عقود أو جمعية كما يوجد أشخاص كان لهم تجارب والآن ابتعدوا عنها نسبيا. وهذه أيضا مسألة مهمة إذ لا يمكن أن نختلف حول وجود أزمة في اليسار التونسي. ويجب أن نفهم أيضا لما كان هناك أشخاص قضوا فترة من حياتهم يدافعون عن مبادئ وأفكار معينة والآن ابتعدوا نسبيا عن هذا المجال. هذا لا يعني أنهم تخلوا عن هذه المبادئ.
يجب أيضا أن ننتقد هذه التجارب وأن نوثقها ونفهمها. يجب أن نفهم كل هذه المسارات والتجارب لكي نفهم لماذا يوجد اليسار في المكان الذي هو فيه اليوم.
لاحظنا أنكم قمتم باختيار شخصيات في معظمها ليست من قيادات الصف الأول، لماذا لم يكن هذا المشروع البحثي كلاسيكيا في هذه الشهادات؟
هناك أشخاص لديهم الفرصة أكثر من غيرهم للحديث ويتم الاستماع إليهم خاصة أولئك الذين لا يزالون قيادات أو مسؤولين في أحزاب معينة. نحن أردنا الابتعاد عن ذلك ومنح الفرصة لأشخاص لم يقع الاستماع إليهم سابقا ولم يتحدثوا سابقا.
حاولنا أيضا تمثيل تجارب مختلفة سواء من أحزاب أو حركات اجتماعية أو نقابية أو من تجارب اليسارالثقافي والبيئي والأكاديمي . أردنا أن ننوع وأن نظهر ثراء اليسار الموجود.
أحيانا نشعر أن ذلك نقطة ضعف نظرا لوجود عدة خلافات ولكن يمكن أن يمثل أيضا نقطة ثراء. أن تستمع إلى كل الأصوات التي لم نتعود الاستماع إليها يوميا. الأشخاص التي لم تكتب كثيرا عن تجربتها. الأشخاص الذين لم نكن نعرفهم سابقا ولكنهم ساهموا وكانت لهم تجربة ثرية، ذلك سيجعلنا نطلع على جانب آخر مغيب.
هل هو جانب مغيّب أو مفقود ذلك الذي وجدتموه في المبحث الأكاديمي في علاقة باليسار والشيوعية؟ ماذا اكتشفتهم من خلال هذا المشروع؟ وما هي الاستخلاصات التي توصلتم إليها خاصة في علاقة بالشهادات؟
مازلنا نستخلص. أعتقد أن ما لاحظناه أو بالنسبة لي شخصيا النقاط التي التقى فيها أصحاب وصاحبات تجارب مختلفة لأننا أحيانا اليوم عندما ننظر إلى مشهد اليسار نرى الخلافات لكن عندما تعود إلى التاريخ وتنظر إلى تجربة فتحي بلحاج يحيى أو الهاشمي بن فرج مثلا يتحدث عن كيفية تعرفه على الحزب الشيوعي حينها تنظر إلى تلك اللقاءات التي وقعت في التاريخ وكيف أثرت وكيف لم تؤثر وماذا حصل بالضبط، ذلك يثري فهم ما يحدث الآن.
لماذا قيادات من الصف الثاني أو شخصيات لا تظهر إعلاميا بشكل بارز مثل غيرها ولا يمكنهم إيصال خطابهم مثل غيرهم ولكن في الوقت ذاته لاحظنا أننا نريد إعطاء فرصة لممثلي هذه الأحزاب ولذلك قمنا بعقد المائدة المستديرة لأن إرث اليسار، وفي هذه الحالة خصوصا الأحزاب اليسارية، أردنا إعطاؤهم الفرصة بطريقة أخرى من خلال إلقاء نظرة معا على تجربة 100 سنة من اليسار وأين نحن اليوم وماذا يعني ذلك لنا.
بالإضافة إلى الشهادات الشفوية التي اشتغلتم عليها، ما هي أهم الأنشطة التي تعملون على إنجازها والتي تعتزمون تنظيمها في الفترة المقبلة؟
هناك المعرض الذي تم عقده في مدينة الثقافة خلال الندوة في شهر مارس الفارط. الندوة ككل بالنسبة إلينا كانت ناجحة جدا خاصة بالنظر إلى الوضع الصحي المتعلق بفيروس كورونا والإجراءات الصحية. لاحظنا مشاركة هامة واهتماما كبيرا بالمعرض الوثائقي الذي التأم بنفس المكان.
هذا المعرض قام بتنظيمه باحثون وباحثات شبان وهذا أمر هام دائما بالنسبة إلي، فحقيقة أن تمنح هذا الشباب الفرصة هذه مسألة يمكن أن نساهم فيها نحن كمؤسسة. أن نشجع ونعطي الفرصة للشباب المهتم بهذه المواضيع كي يكتشف عدة أمور وأن يدخل إلى الأرشيف ونحن كمؤسسة تدعمه سواء ماديا أو لوجستيا أو من حيث التأطير الأكاديمي .
بعد المعرض والشهادات التي مازالت متواصلة، هل هناك أنشطة أخرى مبرمجة خلال الفترة المقبلة؟
نعم، هناك كتاب مؤلف جماعي سيصدر سيتضمن مجموعة من الدراسات والمقالات البحثية إلى جانب مشاركة باحثين وباحثات شبان.
ما هو المحور العام لهذا الكتاب؟
هو يتمحور حول المشروع ككل.
بعد ذلك، المسألة المهمة بالنسبة إلي، سنقوم بتقديم ما كُتب سابقا حول اليسار، سواء كانت بحوثا أكاديمية، وللأسف عددها ليس كبيرا جدا في بعض المجلات. نريد إعادة تقديمها والتذكير بها ومحاولة منح أصحاب وصاحبات هذه المؤلفات الفرصة كي يقدموها للجمهور بصفة عامة. كما فكرنا في كل ما هو أدب لأنه يلعب دورا في تاريخ اليسار ويوثق فترات مهمة من تاريخ اليسار.
هل سيكون هناك ندوات أخرى مقبلة؟ المشروع هل مازال متواصلا؟
نتمنى أن يتواصل هذا المشروع. ما نحن متأكدين منه، وإذا سمحت الظروف بذلك، لاحظنا اهتماما في الجهات بهذا المشروع وبالنسبة إلينا حتى في الشهادات من المسائل التي نريد إبرازها أن اليسار ليس في تونس العاصمة فقط، بل إن اليسار موجود في الجهات منذ فترة وله تاريخ في الجهات ولذا عندما نلاحظ وجود اهتمام في جماعات أخرى مثل قابس وسوسة وعدة مدن أخرى لكي ينظموا ندوات ولقاءات ويقوموا بتقديم المشروع ككل وحتى المنشورات الصادرة.
أنتم نظمتم أنشطة في بنزرت وجندوبة؟
نعم تم تنظيمها هناك. في قابس للأسف تم تأجيل الأنشطة. وهناك اهتمام من عديد الجهات الأخرى كي تقع هذه الأنشطة.
الاهتمام بالجهات جاء فقط كي يقع تشريك الباحثين من الجهات والجمهور المتعطش للمعرفة التاريخية خاصة في علاقة بتاريخ اليسار أم كذلك لرد الاعتبار لمناضلين يساريين في الجهات منسيون أو ربما وقع تهميشهم تاريخيا؟
أعتقد أنه جاء خدمة للسببين. بالنسبة إلينا الأمر المهم إذا كان هناك اهتمام من قبل جهة من الجهات أو قدمت مشروعا أو نظمت نشاطا حول هذا المشروع، نحن لن نقدم من تونس العاصمة ونعرض ما قمنا به، لكن يجب أن يكون هناك من جانبهم أو أن يكون جزء من هذا النشاط اليسار في تلك الجهة، لذلك ستبرز تلك الأطراف تاريخ اليسار وتربط ما تم إنجازه خلال المشروع وربما أشياء نحن لم ننتبه إليها.
هل يمكن اعتبار هذا المشروع بأنه ورشة بحثية كبيرة فُتحت لإعادة التفكير في ماضي وحاضر ومستقبل اليسار التونسي؟
ذلك ما نأمله. طبعا نحن كمؤسسة روزا لوكسمبورغ لن نعيد بناء اليسار التونسي. نحن نقدم مساحة يقع فيها التفكير ولم لا قد يصدر عنها مسألة قد تؤثر على مستقبل اليسار أو على الأقل تضيف شيئا ما. هذا ما نأمله.
العمل يمتد على أكثر من سنة؟
حاليا يمتد أكثر من سنة.
ما هو مصير هذا المواد التي أنجزت المشروع؟ وهل سينتهي بنهاية الجدول الزمني الذي تم تحديده لهذا المشروع أم أن هناك تصورا كي يبقى هذا المشروع متاحا للباحثين ويكون مادة موجودة وسهلة للمتابعة والاطلاع خاصة لكي لا تندثر مستقبلا؟
جانب التوثيق مهم جدا لذلك كل ما تم إنجازه وما سيتم إنجازه هذا العام سيكون موثقا وموجودا في الانترنت للباحثين والمهتمين باليسار التونسي.
هل سيتم إحداث منصة افتراضية توثق كل الأعمال والمخرجات؟
نعم. مازلنا لا نعرف شكل هذه المنصة بالضبط. ونحن، بالنسبة للشهادات، كل شهادة معروضة حاليا على صفحتنا في الفايسبوك أو قناتنا في اليويتوب تكون مدتها ساعة في حين أن المادة الأصلية فيها ساعتان أو 3 ساعات من المهم بالنسبة إلينا أن تكون الساعتان أو الثلاث ساعات متاحين للعموم. تلك مسألة هامة جدا.
يبدو أن هذا المشروع أو جزءا منه على الاقل سيكون موثقا في أرشيف تاريخ تونس المعاصر؟
طبعا. نحن سنعطي نسخا من المواد الأولية لشهادات كاملة. وبالإضافة إلى ذلك سنضعهم جميعا أو جزءا منها على قناة اليوتيوب الخاصة بنا التي ستبقى فيها كل المواد، نسخة الساعة والنسخة الكاملة. نفس الشيء بالنسبة للمعرض الذي تم عقده في مدينة الثقافة. سيكون موجودا على الانترنت ونحن بصدد الإعداد لذلك.
حتى بالنسبة للمنشورات التي نقوم بتحضيرها لأنه بالنسبة إلينا عندما ننشر مسائل بعد مدة معنية نقوم بوضعها في الانترنت كي تكون متاحة للعموم. هذه مسألة مهمة في سياسة المؤسسة. طبعا نشجع دور النشر ونعمل معها على التوزيع ولكن في وقت ما لأنه هناك أشياء نلاحظها حتى في بحوث صدرت سابقا في وقت ما النسخة الورقية لا تعود موجودة.
ولا يمكن للجميع الحصول على كتب؟
طبعا. فكرة الـ"open-access" وهي مسألة مهمة جدا بالنسبة إلينا وسنلتزم بها في هذا المشروع كما هو الحال في مشاريع أخرى.
هل نفهم أنكم تعملون على فلسفة إتاحة المعرفة للجميع؟
تماما. صحيح أن مشاريعنا تستغرق سنة لكن دائما نتمنى ألا تتوقف هناك وأن تبقى موجودة لاحقا وأن يتواصل التفاعل والاهتمام وحتى أن تتقدم الإضافة حتى بعد نهاية تلك السنة وبعد سنتين وثلاث سنوات.
كم عدد الكتب التي تم نشرها أو سيتم نشرها في علاقة بهذا المشروع؟
نحن في إطار السياق الضيق للمشروع لدينا كتابان أحدهما صدر وهو "تراجم نشطاء الحركة الشيوعية في تونس" للحبيب رمضان وتم تقديمه في إطار الندوة في شهر مارس. وهناك كتاب ثان وهو مؤلف جماعي يتضمن مجموعة من الدراسات.
هذا الكتابان متأكدون منهم. من الوارد أن تصدر كتب أخرى. بالنسبة إلينا نفكر في إعادة نشر بعض الدراسات القديمة غير الموجودة في المكتبات حاليا. ومن ثم هناك استعداد أصحاب هذه الدراسات، هناك البعض منهم وافق على نشرها على الانترنت لا عبر طباعة كتب لتندثر مجددا، وإنما تكون موجودة في منصة رقمية متاحة للجميع.
ماهي رسالتكم لهؤلاء الباحثين الذين لهم كتابات وبحوث تم إنجازها في وقت سابق؟
أريد أن أقول لهم أن مؤسسة روزا لوكسمبرغ على ذمتهم في إعادة إحياء المشاريع وأنا أريد فعلا أن يصدقوا عندما نحدثهم عن مدى أهمية بحوثهم وحاجة الناس إليها.
أنتم مستعدون لإعادة نشر بحوث وأيديكم مفتوحة أمام الباحثين الذين لهم دراسات في هذا الصدد؟
نعم طبعا.
الباحثون فقط أو هل هناك كتب تتعلق بسير ذاتية وغيرها خاصة أننا لاحظنا أنه وقع نشر بعض السير الذاتية؟
يجب أن ننظر في هذه المسألة ضمن مكتب التعاون الأكاديمي ولكننا نسعد بأي شيء نقدمه. ما قدمناه خلال الأشهر الماضية هي مذكرات محمد الكيلاني والتي لاحظنا من خلالها الاهتمام بتجربته وبسيرته الذاتية وبعديد الشخصيات الأخرى من اليسار.
هل صحيح أن هناك فكرة تنوي المؤسسة تنفيذها مستقبلا، وهي مشروع كبير، مشروع لإحداث موسوعة لليسار التونسي؟
ذلك حلمي أنا. يجب أن ننظر في المسألة، ولكن ذلك مرتبط بالعديد من المسائل الأخرى، ولكن بالنسبة إلي شخصيا هذه مسألة يمكن أن نساهم فيها نحن كمؤسسة، أن نوفق ونعطي المساحة للنقاش. نحن نرى أن هناك بعض الأطراف التي تقوم بدورها في هذا المجال مثل جمعية "برسبتكتيف" و "نشاز "ولكن هناك أطراف أخرى لا تقوم بذلك.
ونتمنى كذلك نحن كمؤسسة أن نجمع هذه القوى جميعا كي نترك أثرا ونفتح باب النقاش لأن التاريخ ليس مسألة حيادية، إذ أن التوثيق والنظر إلى ما حدث وكيف عشناه وكيف أثر على الأحزاب فمن المؤكد أن ذلك سيجعلنا نطرح عدة صعوبات وخلافات مرّ بها اليسار التونسي ولم لا نعيد فتح باب النقاش الأمر الذي ليس سهلا دائما.
قلتم إنه من خلال الدراسات والكتب والمعرض الذي تم تنظيمه، قمتم بفتح الباب أمام الباحثين للمشاركة والإسهام ببعض الدراسات والمقالات وحتى المشاركة في هذه الأنشطة، هل هناك نوعية أخرى من الباحثين الذين استفادوا من هذا المشروع؟
عندما نقول باحثين فنقصد الشباب وحتى طلبة الدكتوراه ولم لا الماجستير، دائما نحاول إدماجهم في هذه المشاريع مثل المعرض، حيث كان هناك طلبة دكتوراه شاركوا فيه وعملوا عليه وهؤلاء دائما ما يستفيدون. وتمت إعادة فتح برنامج المنح ونتمنى أن يلقى اهتماما ولم لا الأشخاص الذين يبحثون عن تاريخ اليسار عن طريق هذا المشروع أو سمعت من خلاله بالمنح.
لكن أعتقد بالنسبة إلى تاريخ اليسار هو جزء من تاريخ تونس لذا أعتقد أن كل الباحثين يمكن أن يستفيدوا منه بطريقة أو بأخرى لأنه يمثل مراحل مهمة من تاريخ تونس وحتى الجمهور المهتم قليلا بتاريخ تونس، ربما ليس بالضرورة بكامل التفاصيل لكن أعتقد أنه يمكن أن يكون أمرا مفيدا للجميع.
هل هذا أمر مقصود من قبلكم ألا يكون البحث والمعرفة وكل ما له علاقة باليسار حكرا على الباحثين والجامعيين لأنه لاحظنا في مقاربتكم وجود استراتيجية قرب واستراتيجية للوصول إلى أكثر ما يمكن من الجمهور؟ هل كانت مسألة استراتيجية بالنسبة إليكم أو كانت اعتباطية؟
لا ليست اعتباطية. نحن كمكتب للتعاون الأكاديمي أنشطتنا بدرجة أولى أكاديمية علمية لكن يبدو لي أنه بالنسبة إلينا العلم والمعرفة يجب أن يغادرا أسوار الجامعة. وهذه بالنسبة إلى مسؤولية الباحث ومسؤولية الجامعة تجاه المجتمع لأن المهم ليس بقاءه هناك وطباعة الكتاب ويبقى في مكتبة من المكتبات الجامعية.
وما نراه عندما نتحدث عن التاريخ وعندما ننظر إلى المشهد السياسي يبدو لي أن عدم وعينا بتاريخنا يفسر عديد المشاكل التي تقع في تونس ويؤثر عليها وأحيانا توظيف التاريخ الذي يمكن أن يؤدي أحيانا إلى كوارث، لذلك الباحث والبحث والجامعة لهم مسؤولية أمام المجتمع.
هل في هذا رهان أساسي بالنسبة إليكم كمكتب تعاون أكاديمي؟
طبعا. مسؤولية الباحث والجامعة تجاه المجتمع نعم ولذلك نشجع. عندما نتحدث عن أدوات البحث نتوقف عند الجودة الأكاديمية ولكننا نريد مغادرة أسوار الجامعة ونريد فتح باب النقاش، وذلك من المسائل التي نحاول العمل عليها وتشجيعها.
احمد الفقيه
يحتفي مكتب التعاون الأكاديمي بمؤسسة روزا لوكسمبورغ على امتداد هذه السنة بذكرى 100 عام على انبعاث الحركة الشيوعية في تونس في عام 1921. حدث تاريخي خصصت له المؤسسة مجموعة من الأنشطة البحثية والفكرية والثقافية التي لاقت استحسان العديد من المهتمين بتاريخ اليسار التونسي وبالذاكرة الوطنية من منظور علمي بعيدا عن التوظيف السياسي أو الأيديولوجي .
في هذا الحوار الذي أجرته "الصباح نيوز" تحدثنا مديرة مكتب التعاون الاكاديمي بمؤسسة روزا لوكسمبرغ بتونس نادية الورغمي عن مشروع مائوية اليسار التونسي وأهم أهدافه وأبرز الأنشطة العلمية المبرمجة خلال الفترة القادمة.
انطلقتم منذ فترة في مشروع يعنى بمسألة إحياء مئوية الحركة الشيوعية في تونس. كيف تقدمون أهداف هذا المشروع الأكاديمي وأبرز ملامحه وأنشطته؟
هذه الفكرة انطلقت منذ صائفة السنة الفارطة. بدأت الفكرة كندوة. نحن كمكتب تعاون أكاديمي نعمل منذ مدة طويلة مع الأستاذ الحبيب كزدغلي ومع مخبر التراث ومع كلية الآداب بجامعة منوبة. وكنا منذ البداية مهتمين بالتاريخ والذاكرة وقمنا بأنشطة مختلفة. طبعا سنة 2021 كان من الواضح أننا سنهتم بمائة سنة من الحركة الشيوعية وهو ما يمثل مائة سنة من اليسار في تونس.
في البداية الفكرة كانت ترتكز على ندوة وبعض المنشورات. ثم لاحظنا أن هناك اهتماما كبيرا بالموضوع وأن هناك نقصا في التوثيق. هناك عدة أشياء كنا نعتقد أنها موجودة ولكن اكتشفنا أنها منقوصة وأننا كمكتب تعاون أكاديمي يمكن أن نقوم بتجميعها أو خلقها.
المشروع بدأ يتطور شيئا فشيئا. قمنا بتشريك عديد الأطراف الأخرى الجمعياتيةمثل "برسبكتيف" الذين قاموا بلمّ الشمل معنا. كان هناك اهتمام كبير بهذا الموضوع.
هل تقصدون منظمات وجمعيات تعنى بالتراث اليساري؟
نعم وحتى بعض الجامعيين. هذا المشروع فيه مجلس علمي يضم أبرز المؤرخين المهتمين باليسار وبتاريخه بصفة عامة. بدأنا بفكرة الشهادات والتي لاقت نجاحا كبيرا.
لماذا قمتم بالتركيز على الشهادات الشفوية ؟
الشهادات بالنسبة لي ليست مسألة أكاديمية فقط . فهي مسألة ذاتية بطبيعتها ولكنها تظهر اختلاف اليسار التونسي من خلال اختلاف مسارات الأشخاص وتجاربهم. وقد لاحظنا أن هذه المسألة هي ما ينقص.
طبعا يمكن كتابة نص تاريخي لكن هذا الأمر مختلف عما تسمعه من أشخاص عاشوا تلك الفترات وساهموا فيها بدرجات مختلفة، البعض منهم منخرط في حزب منذ عقود أو جمعية كما يوجد أشخاص كان لهم تجارب والآن ابتعدوا عنها نسبيا. وهذه أيضا مسألة مهمة إذ لا يمكن أن نختلف حول وجود أزمة في اليسار التونسي. ويجب أن نفهم أيضا لما كان هناك أشخاص قضوا فترة من حياتهم يدافعون عن مبادئ وأفكار معينة والآن ابتعدوا نسبيا عن هذا المجال. هذا لا يعني أنهم تخلوا عن هذه المبادئ.
يجب أيضا أن ننتقد هذه التجارب وأن نوثقها ونفهمها. يجب أن نفهم كل هذه المسارات والتجارب لكي نفهم لماذا يوجد اليسار في المكان الذي هو فيه اليوم.
لاحظنا أنكم قمتم باختيار شخصيات في معظمها ليست من قيادات الصف الأول، لماذا لم يكن هذا المشروع البحثي كلاسيكيا في هذه الشهادات؟
هناك أشخاص لديهم الفرصة أكثر من غيرهم للحديث ويتم الاستماع إليهم خاصة أولئك الذين لا يزالون قيادات أو مسؤولين في أحزاب معينة. نحن أردنا الابتعاد عن ذلك ومنح الفرصة لأشخاص لم يقع الاستماع إليهم سابقا ولم يتحدثوا سابقا.
حاولنا أيضا تمثيل تجارب مختلفة سواء من أحزاب أو حركات اجتماعية أو نقابية أو من تجارب اليسارالثقافي والبيئي والأكاديمي . أردنا أن ننوع وأن نظهر ثراء اليسار الموجود.
أحيانا نشعر أن ذلك نقطة ضعف نظرا لوجود عدة خلافات ولكن يمكن أن يمثل أيضا نقطة ثراء. أن تستمع إلى كل الأصوات التي لم نتعود الاستماع إليها يوميا. الأشخاص التي لم تكتب كثيرا عن تجربتها. الأشخاص الذين لم نكن نعرفهم سابقا ولكنهم ساهموا وكانت لهم تجربة ثرية، ذلك سيجعلنا نطلع على جانب آخر مغيب.
هل هو جانب مغيّب أو مفقود ذلك الذي وجدتموه في المبحث الأكاديمي في علاقة باليسار والشيوعية؟ ماذا اكتشفتهم من خلال هذا المشروع؟ وما هي الاستخلاصات التي توصلتم إليها خاصة في علاقة بالشهادات؟
مازلنا نستخلص. أعتقد أن ما لاحظناه أو بالنسبة لي شخصيا النقاط التي التقى فيها أصحاب وصاحبات تجارب مختلفة لأننا أحيانا اليوم عندما ننظر إلى مشهد اليسار نرى الخلافات لكن عندما تعود إلى التاريخ وتنظر إلى تجربة فتحي بلحاج يحيى أو الهاشمي بن فرج مثلا يتحدث عن كيفية تعرفه على الحزب الشيوعي حينها تنظر إلى تلك اللقاءات التي وقعت في التاريخ وكيف أثرت وكيف لم تؤثر وماذا حصل بالضبط، ذلك يثري فهم ما يحدث الآن.
لماذا قيادات من الصف الثاني أو شخصيات لا تظهر إعلاميا بشكل بارز مثل غيرها ولا يمكنهم إيصال خطابهم مثل غيرهم ولكن في الوقت ذاته لاحظنا أننا نريد إعطاء فرصة لممثلي هذه الأحزاب ولذلك قمنا بعقد المائدة المستديرة لأن إرث اليسار، وفي هذه الحالة خصوصا الأحزاب اليسارية، أردنا إعطاؤهم الفرصة بطريقة أخرى من خلال إلقاء نظرة معا على تجربة 100 سنة من اليسار وأين نحن اليوم وماذا يعني ذلك لنا.
بالإضافة إلى الشهادات الشفوية التي اشتغلتم عليها، ما هي أهم الأنشطة التي تعملون على إنجازها والتي تعتزمون تنظيمها في الفترة المقبلة؟
هناك المعرض الذي تم عقده في مدينة الثقافة خلال الندوة في شهر مارس الفارط. الندوة ككل بالنسبة إلينا كانت ناجحة جدا خاصة بالنظر إلى الوضع الصحي المتعلق بفيروس كورونا والإجراءات الصحية. لاحظنا مشاركة هامة واهتماما كبيرا بالمعرض الوثائقي الذي التأم بنفس المكان.
هذا المعرض قام بتنظيمه باحثون وباحثات شبان وهذا أمر هام دائما بالنسبة إلي، فحقيقة أن تمنح هذا الشباب الفرصة هذه مسألة يمكن أن نساهم فيها نحن كمؤسسة. أن نشجع ونعطي الفرصة للشباب المهتم بهذه المواضيع كي يكتشف عدة أمور وأن يدخل إلى الأرشيف ونحن كمؤسسة تدعمه سواء ماديا أو لوجستيا أو من حيث التأطير الأكاديمي .
بعد المعرض والشهادات التي مازالت متواصلة، هل هناك أنشطة أخرى مبرمجة خلال الفترة المقبلة؟
نعم، هناك كتاب مؤلف جماعي سيصدر سيتضمن مجموعة من الدراسات والمقالات البحثية إلى جانب مشاركة باحثين وباحثات شبان.
ما هو المحور العام لهذا الكتاب؟
هو يتمحور حول المشروع ككل.
بعد ذلك، المسألة المهمة بالنسبة إلي، سنقوم بتقديم ما كُتب سابقا حول اليسار، سواء كانت بحوثا أكاديمية، وللأسف عددها ليس كبيرا جدا في بعض المجلات. نريد إعادة تقديمها والتذكير بها ومحاولة منح أصحاب وصاحبات هذه المؤلفات الفرصة كي يقدموها للجمهور بصفة عامة. كما فكرنا في كل ما هو أدب لأنه يلعب دورا في تاريخ اليسار ويوثق فترات مهمة من تاريخ اليسار.
هل سيكون هناك ندوات أخرى مقبلة؟ المشروع هل مازال متواصلا؟
نتمنى أن يتواصل هذا المشروع. ما نحن متأكدين منه، وإذا سمحت الظروف بذلك، لاحظنا اهتماما في الجهات بهذا المشروع وبالنسبة إلينا حتى في الشهادات من المسائل التي نريد إبرازها أن اليسار ليس في تونس العاصمة فقط، بل إن اليسار موجود في الجهات منذ فترة وله تاريخ في الجهات ولذا عندما نلاحظ وجود اهتمام في جماعات أخرى مثل قابس وسوسة وعدة مدن أخرى لكي ينظموا ندوات ولقاءات ويقوموا بتقديم المشروع ككل وحتى المنشورات الصادرة.
أنتم نظمتم أنشطة في بنزرت وجندوبة؟
نعم تم تنظيمها هناك. في قابس للأسف تم تأجيل الأنشطة. وهناك اهتمام من عديد الجهات الأخرى كي تقع هذه الأنشطة.
الاهتمام بالجهات جاء فقط كي يقع تشريك الباحثين من الجهات والجمهور المتعطش للمعرفة التاريخية خاصة في علاقة بتاريخ اليسار أم كذلك لرد الاعتبار لمناضلين يساريين في الجهات منسيون أو ربما وقع تهميشهم تاريخيا؟
أعتقد أنه جاء خدمة للسببين. بالنسبة إلينا الأمر المهم إذا كان هناك اهتمام من قبل جهة من الجهات أو قدمت مشروعا أو نظمت نشاطا حول هذا المشروع، نحن لن نقدم من تونس العاصمة ونعرض ما قمنا به، لكن يجب أن يكون هناك من جانبهم أو أن يكون جزء من هذا النشاط اليسار في تلك الجهة، لذلك ستبرز تلك الأطراف تاريخ اليسار وتربط ما تم إنجازه خلال المشروع وربما أشياء نحن لم ننتبه إليها.
هل يمكن اعتبار هذا المشروع بأنه ورشة بحثية كبيرة فُتحت لإعادة التفكير في ماضي وحاضر ومستقبل اليسار التونسي؟
ذلك ما نأمله. طبعا نحن كمؤسسة روزا لوكسمبورغ لن نعيد بناء اليسار التونسي. نحن نقدم مساحة يقع فيها التفكير ولم لا قد يصدر عنها مسألة قد تؤثر على مستقبل اليسار أو على الأقل تضيف شيئا ما. هذا ما نأمله.
العمل يمتد على أكثر من سنة؟
حاليا يمتد أكثر من سنة.
ما هو مصير هذا المواد التي أنجزت المشروع؟ وهل سينتهي بنهاية الجدول الزمني الذي تم تحديده لهذا المشروع أم أن هناك تصورا كي يبقى هذا المشروع متاحا للباحثين ويكون مادة موجودة وسهلة للمتابعة والاطلاع خاصة لكي لا تندثر مستقبلا؟
جانب التوثيق مهم جدا لذلك كل ما تم إنجازه وما سيتم إنجازه هذا العام سيكون موثقا وموجودا في الانترنت للباحثين والمهتمين باليسار التونسي.
هل سيتم إحداث منصة افتراضية توثق كل الأعمال والمخرجات؟
نعم. مازلنا لا نعرف شكل هذه المنصة بالضبط. ونحن، بالنسبة للشهادات، كل شهادة معروضة حاليا على صفحتنا في الفايسبوك أو قناتنا في اليويتوب تكون مدتها ساعة في حين أن المادة الأصلية فيها ساعتان أو 3 ساعات من المهم بالنسبة إلينا أن تكون الساعتان أو الثلاث ساعات متاحين للعموم. تلك مسألة هامة جدا.
يبدو أن هذا المشروع أو جزءا منه على الاقل سيكون موثقا في أرشيف تاريخ تونس المعاصر؟
طبعا. نحن سنعطي نسخا من المواد الأولية لشهادات كاملة. وبالإضافة إلى ذلك سنضعهم جميعا أو جزءا منها على قناة اليوتيوب الخاصة بنا التي ستبقى فيها كل المواد، نسخة الساعة والنسخة الكاملة. نفس الشيء بالنسبة للمعرض الذي تم عقده في مدينة الثقافة. سيكون موجودا على الانترنت ونحن بصدد الإعداد لذلك.
حتى بالنسبة للمنشورات التي نقوم بتحضيرها لأنه بالنسبة إلينا عندما ننشر مسائل بعد مدة معنية نقوم بوضعها في الانترنت كي تكون متاحة للعموم. هذه مسألة مهمة في سياسة المؤسسة. طبعا نشجع دور النشر ونعمل معها على التوزيع ولكن في وقت ما لأنه هناك أشياء نلاحظها حتى في بحوث صدرت سابقا في وقت ما النسخة الورقية لا تعود موجودة.
ولا يمكن للجميع الحصول على كتب؟
طبعا. فكرة الـ"open-access" وهي مسألة مهمة جدا بالنسبة إلينا وسنلتزم بها في هذا المشروع كما هو الحال في مشاريع أخرى.
هل نفهم أنكم تعملون على فلسفة إتاحة المعرفة للجميع؟
تماما. صحيح أن مشاريعنا تستغرق سنة لكن دائما نتمنى ألا تتوقف هناك وأن تبقى موجودة لاحقا وأن يتواصل التفاعل والاهتمام وحتى أن تتقدم الإضافة حتى بعد نهاية تلك السنة وبعد سنتين وثلاث سنوات.
كم عدد الكتب التي تم نشرها أو سيتم نشرها في علاقة بهذا المشروع؟
نحن في إطار السياق الضيق للمشروع لدينا كتابان أحدهما صدر وهو "تراجم نشطاء الحركة الشيوعية في تونس" للحبيب رمضان وتم تقديمه في إطار الندوة في شهر مارس. وهناك كتاب ثان وهو مؤلف جماعي يتضمن مجموعة من الدراسات.
هذا الكتابان متأكدون منهم. من الوارد أن تصدر كتب أخرى. بالنسبة إلينا نفكر في إعادة نشر بعض الدراسات القديمة غير الموجودة في المكتبات حاليا. ومن ثم هناك استعداد أصحاب هذه الدراسات، هناك البعض منهم وافق على نشرها على الانترنت لا عبر طباعة كتب لتندثر مجددا، وإنما تكون موجودة في منصة رقمية متاحة للجميع.
ماهي رسالتكم لهؤلاء الباحثين الذين لهم كتابات وبحوث تم إنجازها في وقت سابق؟
أريد أن أقول لهم أن مؤسسة روزا لوكسمبرغ على ذمتهم في إعادة إحياء المشاريع وأنا أريد فعلا أن يصدقوا عندما نحدثهم عن مدى أهمية بحوثهم وحاجة الناس إليها.
أنتم مستعدون لإعادة نشر بحوث وأيديكم مفتوحة أمام الباحثين الذين لهم دراسات في هذا الصدد؟
نعم طبعا.
الباحثون فقط أو هل هناك كتب تتعلق بسير ذاتية وغيرها خاصة أننا لاحظنا أنه وقع نشر بعض السير الذاتية؟
يجب أن ننظر في هذه المسألة ضمن مكتب التعاون الأكاديمي ولكننا نسعد بأي شيء نقدمه. ما قدمناه خلال الأشهر الماضية هي مذكرات محمد الكيلاني والتي لاحظنا من خلالها الاهتمام بتجربته وبسيرته الذاتية وبعديد الشخصيات الأخرى من اليسار.
هل صحيح أن هناك فكرة تنوي المؤسسة تنفيذها مستقبلا، وهي مشروع كبير، مشروع لإحداث موسوعة لليسار التونسي؟
ذلك حلمي أنا. يجب أن ننظر في المسألة، ولكن ذلك مرتبط بالعديد من المسائل الأخرى، ولكن بالنسبة إلي شخصيا هذه مسألة يمكن أن نساهم فيها نحن كمؤسسة، أن نوفق ونعطي المساحة للنقاش. نحن نرى أن هناك بعض الأطراف التي تقوم بدورها في هذا المجال مثل جمعية "برسبتكتيف" و "نشاز "ولكن هناك أطراف أخرى لا تقوم بذلك.
ونتمنى كذلك نحن كمؤسسة أن نجمع هذه القوى جميعا كي نترك أثرا ونفتح باب النقاش لأن التاريخ ليس مسألة حيادية، إذ أن التوثيق والنظر إلى ما حدث وكيف عشناه وكيف أثر على الأحزاب فمن المؤكد أن ذلك سيجعلنا نطرح عدة صعوبات وخلافات مرّ بها اليسار التونسي ولم لا نعيد فتح باب النقاش الأمر الذي ليس سهلا دائما.
قلتم إنه من خلال الدراسات والكتب والمعرض الذي تم تنظيمه، قمتم بفتح الباب أمام الباحثين للمشاركة والإسهام ببعض الدراسات والمقالات وحتى المشاركة في هذه الأنشطة، هل هناك نوعية أخرى من الباحثين الذين استفادوا من هذا المشروع؟
عندما نقول باحثين فنقصد الشباب وحتى طلبة الدكتوراه ولم لا الماجستير، دائما نحاول إدماجهم في هذه المشاريع مثل المعرض، حيث كان هناك طلبة دكتوراه شاركوا فيه وعملوا عليه وهؤلاء دائما ما يستفيدون. وتمت إعادة فتح برنامج المنح ونتمنى أن يلقى اهتماما ولم لا الأشخاص الذين يبحثون عن تاريخ اليسار عن طريق هذا المشروع أو سمعت من خلاله بالمنح.
لكن أعتقد بالنسبة إلى تاريخ اليسار هو جزء من تاريخ تونس لذا أعتقد أن كل الباحثين يمكن أن يستفيدوا منه بطريقة أو بأخرى لأنه يمثل مراحل مهمة من تاريخ تونس وحتى الجمهور المهتم قليلا بتاريخ تونس، ربما ليس بالضرورة بكامل التفاصيل لكن أعتقد أنه يمكن أن يكون أمرا مفيدا للجميع.
هل هذا أمر مقصود من قبلكم ألا يكون البحث والمعرفة وكل ما له علاقة باليسار حكرا على الباحثين والجامعيين لأنه لاحظنا في مقاربتكم وجود استراتيجية قرب واستراتيجية للوصول إلى أكثر ما يمكن من الجمهور؟ هل كانت مسألة استراتيجية بالنسبة إليكم أو كانت اعتباطية؟
لا ليست اعتباطية. نحن كمكتب للتعاون الأكاديمي أنشطتنا بدرجة أولى أكاديمية علمية لكن يبدو لي أنه بالنسبة إلينا العلم والمعرفة يجب أن يغادرا أسوار الجامعة. وهذه بالنسبة إلى مسؤولية الباحث ومسؤولية الجامعة تجاه المجتمع لأن المهم ليس بقاءه هناك وطباعة الكتاب ويبقى في مكتبة من المكتبات الجامعية.
وما نراه عندما نتحدث عن التاريخ وعندما ننظر إلى المشهد السياسي يبدو لي أن عدم وعينا بتاريخنا يفسر عديد المشاكل التي تقع في تونس ويؤثر عليها وأحيانا توظيف التاريخ الذي يمكن أن يؤدي أحيانا إلى كوارث، لذلك الباحث والبحث والجامعة لهم مسؤولية أمام المجتمع.
هل في هذا رهان أساسي بالنسبة إليكم كمكتب تعاون أكاديمي؟
طبعا. مسؤولية الباحث والجامعة تجاه المجتمع نعم ولذلك نشجع. عندما نتحدث عن أدوات البحث نتوقف عند الجودة الأكاديمية ولكننا نريد مغادرة أسوار الجامعة ونريد فتح باب النقاش، وذلك من المسائل التي نحاول العمل عليها وتشجيعها.