وجع المواطن السوري لم يقتصر على الحرب الأهلية التي دارت في سوريا ومزّقت هذا البلد مخلّفة آلاف الضحايا، بل تعدّى ذلك إلى المواطنين الذين فرّوا من هول الحرب وهاجروا نحو أوروبا رغم ما حفّ برحلاتهم من مخاطر جمّة أوّلها الموت غرقا في أعماق البحار، فضلا عن فراق الأهل والأحباب.
في عمل مسرحي بعنوان "ترحال - أرواح مهاجرة" للمخرج ماهر صليبي، سجّل المسرح السوري مشاركته ضمن المسابقة الرسمية للدورة 24 من أيام قرطاج المسرحية (2 - 10 ديسمبر 2023). وقد تمّ تقديم هذا العرض مساء أمس الخميس بقاعة الفن الرابع بالعاصمة.
ويُلقي المخرج الضوء على قصّة حبّ جمعت شابا وشابة من سوريا واستمرّت علاقة هذا الحب بعد أن هاجر الشاب إلى أوروبا لتحقيق حلمه في العيش أفضل وإنجاز معارض فنية، لكنه يلقى حتفه هناك قبل التحاق حبيبته به للعيش معه.
ولتسليط الضوء على هذه المأساة، وظّف المخرج عديد التقنيات من مراوحة بين التمثيل والتعبيرات الكوريغرافية، فكانت هذه الحركات الراقصة مرآة عاكسة لأوضاع نفسية تتداخل فيها مشاعر الحيرة والغضب والألم والمعاناة والاضطراب، جسد منهك ومكبّل يقاوم بعد المسافات من أجل الوصال ولقاء الأحبّة. وهذه الحركات الكوريغرافية التي تخللت المسرحية تكرّرت بين فينة وأخرى فلعبت وظيفة كسر الرتابة عن العرض والتعبير عن نفسيتي البطلين واللذين يمثلان نموذجا للسوريين المهاجرين في مختلف بلدان العالم ولعل الحضور المستمر لحقائب السفر ضمن المكونات الركحية يحمل دلالة كبيرة على الترحال المستمر للسوريين.
وأما قصّة الحبيبيْن التي بُنيت حولها الأحداث، فلم يكن ما يحول بين الوصل بينهما إلا الهجرة، فدوافع الفراق لم تكن جرّاء تدخّل الأهل ولم تكن بسب الشجار المستمرّ أو الغيرة أو الخيانة، وإنما كان الدافع الرئيسي هو الهجرة إكراها لا رغبة من أجل تحسين ظروف العيش لا سيّما أن الشخصية الرئيسية في المسرحية فنان تشكيلي لم تكن الظروف مهيأة له لممارسة فنه في موطنه.
وتركّز المسرحية على الجانب النفسي للشخصيات من خلال رصد حالات الصراع والتخبط التي يعيشها الإنسان مع ذاته أو في علاقته بالآخر (بين العشيقين)، وهي في الأصل علاقة رمزية بين الإنسان والذات والإنسان والإنسان، وقد بدت هذه العلاقة متذبذبة بما أن الشخصيتين في وضع اتصال روحي مستمر ولكن منفصلين جغرافيا.
وتمجّد المسرحية قيمة الحياة وتُعلي أهمية الحب كحق إنساني في الوجود والعيش بحرية وسلام في بيئة مجردة من أشكال الظلم والعنف والإقصاء. وات