يبدو ان نفاد تذاكر العرض الأول لـ"عشاق الدنيا" في افتتاح مهرجان قرطاج بدورته 56 في وقت وجيز كان وراء شوق الجماهير العريضة لاكتشاف ما اعده المخرج الشاب عبد الحميد بوشناق في عرض كوميدي موسيقي مستوحى من المسلسل التلفزيوني "نوبة"، الذي نال استحسان أغلب المتفرجين في جزئيه (رمضان2019-2020)، حيث انتصر في 50حلقة لفن المزود وجسد في الآن نفسه واقع المجتمع التونسي من خلال المراوحة بين الرقص والغناء والواقع المؤلم لأغلب الفئات. ليلة أمس، وبعد تدفق الآلاف من الجماهير إلى المسرح، والزغاريد والأهازيج تملأ أرجاء الفضاء..كأنهم في انتظار الشعلة الأولى ل "ربوخ"..
الكل كان ينتظر طريقة تعامل بوشناق صاحب "عشاق الدنيا" مع محتوى مسلسل "نوبة" وطريقة عرضه على الركح، ناهيك أن الأمر بدا صعبا غير متاح لأي مخرج.. باعتبار أن صاحب العرض بصدد التعامل مع 98 فردا على المسرح وتأمين عرض كوميدي موسيقي ضخم، فضلا عن إخراج اللحظات الكبرى للمسلسل من الشاشة إلى المسرح..إلى أن طلت وزيرة السعادة أنس جابر التي حرصت إدارة المهرجان على تكريمها بعد تألقها في دورة ويمبلدون لكرة التنس في سهرة الافتتاح لتعتلي المسرح بفستان أبيض وحيت الجماهير التي غصت بها المدارج..
كما أعربت عن إصرارها على الفوز بأحد ألقاب دورة كبرى.. منذ انطلاق "عشاق الدنيا" أمس بمسرح قرطاج كان هناك تجاوبا كبيرا بين الممثلين والجمهور إلى درجة الإفصاح بأبرز ما جاء في سيناريو "نوبة" في الجزء الاول والثاني قبل أن ينطق بطل من أبطاله -رغم أن "الكرونولوجي" في العرض المسرحي الغنائي كان مختلفا عن المسلسل..
تفاعل متميز جعل المسرح يهتز في أكثر من مناسبة خاصة بعد ربط أخر كلمة تنطق في الحوار بين برنقا (الشاذلي العرفاوي) وماهر (بلال بريكي) أو بين وسيلة (هالة عياد) وإبراهيم(بلال سلاطنية) بأغنية من الفن الشعبي..أغان رددها أهم نجوم الفن الشعبي على غرار سمير الوصيف وأغانيه الخالدة منذ التسعينات "تسحر عينيك" وآش لزني عالمر" و"يا ميمتي الغالية" .."يا نجوم الليل" لهشام سلامة.."وردة" لحبيب الشنكاوي.. التليلي القفصي و "بري فوت".. هذا إلى جانب الحضور المتميز لوالد مخرج العرض الفنان لطفي بوشناق ومشاركته بأغنية "كيف شبحت خيالك" و"مازال صغير" و"يا نوار اللوز".. وهي أغان شعبية لحنها مؤخرا ولاقت إعجابا كبيرا من الجماهير الواسعة بمختلف أذواقها..
تفاعل كبير..ولكن!
ولئن اكتسحت الفقرات الموسيقية أغلب الوقت في العرض فإن انتاجات التسعينات من الفن الشعبي التي عرضت ليلة امس لم تكن كفيلة بأن تحد من رتابة "عشاق الدنيا " في مجمله..وان تجعل البعض يشعر بالملل..إذ كان على المخرج أن يكتفي بأغنية لكل فنان شعبي والا تطول المدة الزمنية بين هذا وذاك كي لا يشعر المتفرج بأنه بصدد إعادة متابعة "النوبة" على شاشة التلفاز أو على قناة اليوتيوب..
كما أنه لا داعي أن يدوم العرض ثلاث ساعات ونصف..من أجل إرضاء الجميع.. بدليل أن الفنانين كمال التواتي وفتحي الهداوي كانا من أهم المشاركين لو لم يعتذرا مؤخرا بحكم التزامهما في التصوير بأحد الأعمال الفنية، واستمر العرض رغم غيابهما..ليستغلهما بوشناق عبر الشاشات الضخمة وتواصلهما مع الاحداث.. وتوظيفهما في محاكاة ما يحدث خلال الحفلات الشعبية من أطوار غير متوقعة كالعراك ومحاولات القتل.. مع محاولة البحث في ذات السياق عن الجوانب الاجتماعية والانسانية لبعض الفنانين الشعبيين من عازفين وراقصين ومعاناتهم كما طموحهم واحلامهم..
فوسيلة على سبيل المثال حين تقول في مقتطف من "مونودرامات" عديدة في العرض: "نبدا نتعارك انا والطبال شكون يغلب.. حس الدربوكة يغلبني..هوما يخرجو وانا نبدا نشطح.. ولدت وحدي بالسرقة.. واحلى حاجة في الدنيا كبدي.." إشارة إلى معاناة بعض الراقصات في عالم الفن الشعبي لا سيما امرأة وجدت نفسها تصارع دون هوادة في محيط لا يرحم..محيط يجسد واقعا تونسيا مريرا مقابل صمود الكثيرين.. يمنحون انفسهم فرص التجاوز من خلال الرقص والامل وعدم الخنوع.. والامثلة في "عشاق الدنيا " متعددة كمسلسل "نوبة" ..
لكن يبدو أن مسرح قرطاج-رغم تفاعل الجمهور المتعطش للعروض والحفلات لأكثر من ثلاث ساعات متتالية- لم يكن الفضاء المناسب لإعادة تمثيل أهم الأحداث المتواترة في "نوبة" وابتكار فرجة تتماشى مع المسرح الدولي..
وليد عبداللاوي
تصوير: بن ابراهيم