في فضاء مظلم يتحرك طيف رجل تحت مظلة سوداء .. تسلط الاضاءة على حركة رجليه وبين اللقاء والصراع تكشف خبايا هذه الذات المتألمة ليختفي تدريجيا بطل المشهدية الأولى من "النقطة العمياء"، هذا العرض الأدائي لمنى بالحاج زكري والمسرحي السوري ابراهيم جمعة وتنتقل العين إلى الطرف المقابل من الفضاء فتظهر في مجال الرؤية سيدة تضع مكياجا للجزء الأيمن من وجهها تواجه تارة هواجسها وتارة تبحث في ظلمة المكان عن الآخر عبر حركات جسدها ونظراتها.
و"النقطة العمياء" في معناها الفسيولوجي هي حجب للرؤية ولكن لا ندرك وجودها حسيا إذ تعمل أدمغتنا على استكمال التفاصيل المحيطة والقادمة من العين الأخرى أمّا في عرض كل من منى بالحاج زكري وابراهيم جمعة فتتحول "النقطة العمياء" للعبة مسرحية ومكاشفة إبداعية يكون الجسد أداة وحاملا لرؤية تعبيرية وبصرية عن رجل وامرأة، حدودهما المكان والزمان، ومع ذلك يملك كل منهما جزء من الآخر فيلتقيان في مساحة تكسر عزلتهما دون أن يغادر أي منهما عالمه الخاص.
كاشف الضوء هو البطل الثالث في عرض منى بالحاج زكري وإبراهيم جمعة إذ تتجاوز الإضاءة دورها الجمالي الكلاسيكي كعنصر فرجوي في سينوغرافيا العمل المسرحي وتأخذ مكانا أساسيا في لعبة بطلي "النقطة العمياء" .. فتكشف مع كل مشهدية جانبا من "الأنا" و"الآخر" .. وتتشكل تدريجيا في أذهاننا صورة عن بطلي العمل ودون مقدمات طويلة وغوغاء وفي صمت ننتقل من كرسي المشاهدة إلى عالم "النقطة العمياء" نتابع حجرات البطل وهو يرسم طريق ثم يتخلى عنه ويتماهى مع مشهد المرأة وهي تراقص خيط لعله حياة عاشتها أو ترغب في عيشها ..
فضاء العرض لم يكن خيارا عشوائيا وتعمد صناع العمل تقديم "النقطة العمياء" في عروضها الأولى أيام 27، 28 و29 جانفي في "قشلة العطارين" بالمدينة العتيقة، فهذا الفضاء، الذي كان سابقا مقرا للمكتبة الوطنية وحاليا في طور الترميم، يعبق بسحر خاص .. إذ تشاهد فور دخولك للمكان لافتة كبيرة كتب عليها بالبنط العريض "انتبه حضيرة" ويأخذك الدرج المظلم إلى قاعة مهجورة، نوافذها تكشف عن صمود المكان رغم الزمن وفي هذه الظلمة بدأت لعبة فنية صامتة لم تكن في حاجة لثرثرة الكلمات بوجود أدوات فنية تجمع إمكانات منى بالحاج زكري وابراهيم جمعة مع موسيقى عمر علولو ورؤية بصرية تراهن على التقشف كخيار جمالي، منح العمل بعدا أعمق وفسح المجال لرؤية ذاك المجال الغير المرئي في ذواتنا وعلاقتنا بالآخر .. "النقطة العمياء" عرض حمل في جسد بطله وجع الشام وبحث عبر نظرات بطلته عن وطن يدعى تونس .. هل تحجب الالام، الحقائق، المخاوف .. تلاحقنا التساؤلات مثل ظل هو ذاك "الأنا الآخر" الذي نرغب في أحيانا كثيرة في التخلص منه ...
العرض الأدائي "النقطة العمياء" مشروع فني جمع كتابة، أداء وإخراجا كل من منى بالحاج زكري وابراهيم جمعة وهو وليد فكرة كانت نابعة من تراسل بين بطلي العمل وتأتي هذه التجربة الفنية الناضجة جماليا بعد عدد من المشاريع خاضها الثنائي فبطلة "نقطة عمياء" منى بالحاج زكري هي خريجة "مدرسة الممثل" التابعة للمسرح الوطني وشاركت في عدد من الأعمال المسرحية التونسية منها "شدوني لا"، "مدام م"، "نافذة على" أمّا المسرحي السوري ابراهيم جمعة والذي بدأت بصمته الخاصة على مستوى السينوغرافيا تتشكل بعد مجموعة من المشاريع المسرحية على غرار "البحر"، "معلق" و"لست انا".
"النقطة العمياء" عمل فني حظي بدعم الصندوق العربي للثقافة الفنون آفاق والمورد الثقافي كما تم انجازه بالشراكة مع جمعية الشارع فن والمعهد الوطني للتراث وهو من إنتاج خليل التريكي ومنى بالحاج زكري (الاخرون للانتاج).
نجلاء قموع
تونس - الصباح
في فضاء مظلم يتحرك طيف رجل تحت مظلة سوداء .. تسلط الاضاءة على حركة رجليه وبين اللقاء والصراع تكشف خبايا هذه الذات المتألمة ليختفي تدريجيا بطل المشهدية الأولى من "النقطة العمياء"، هذا العرض الأدائي لمنى بالحاج زكري والمسرحي السوري ابراهيم جمعة وتنتقل العين إلى الطرف المقابل من الفضاء فتظهر في مجال الرؤية سيدة تضع مكياجا للجزء الأيمن من وجهها تواجه تارة هواجسها وتارة تبحث في ظلمة المكان عن الآخر عبر حركات جسدها ونظراتها.
و"النقطة العمياء" في معناها الفسيولوجي هي حجب للرؤية ولكن لا ندرك وجودها حسيا إذ تعمل أدمغتنا على استكمال التفاصيل المحيطة والقادمة من العين الأخرى أمّا في عرض كل من منى بالحاج زكري وابراهيم جمعة فتتحول "النقطة العمياء" للعبة مسرحية ومكاشفة إبداعية يكون الجسد أداة وحاملا لرؤية تعبيرية وبصرية عن رجل وامرأة، حدودهما المكان والزمان، ومع ذلك يملك كل منهما جزء من الآخر فيلتقيان في مساحة تكسر عزلتهما دون أن يغادر أي منهما عالمه الخاص.
كاشف الضوء هو البطل الثالث في عرض منى بالحاج زكري وإبراهيم جمعة إذ تتجاوز الإضاءة دورها الجمالي الكلاسيكي كعنصر فرجوي في سينوغرافيا العمل المسرحي وتأخذ مكانا أساسيا في لعبة بطلي "النقطة العمياء" .. فتكشف مع كل مشهدية جانبا من "الأنا" و"الآخر" .. وتتشكل تدريجيا في أذهاننا صورة عن بطلي العمل ودون مقدمات طويلة وغوغاء وفي صمت ننتقل من كرسي المشاهدة إلى عالم "النقطة العمياء" نتابع حجرات البطل وهو يرسم طريق ثم يتخلى عنه ويتماهى مع مشهد المرأة وهي تراقص خيط لعله حياة عاشتها أو ترغب في عيشها ..
فضاء العرض لم يكن خيارا عشوائيا وتعمد صناع العمل تقديم "النقطة العمياء" في عروضها الأولى أيام 27، 28 و29 جانفي في "قشلة العطارين" بالمدينة العتيقة، فهذا الفضاء، الذي كان سابقا مقرا للمكتبة الوطنية وحاليا في طور الترميم، يعبق بسحر خاص .. إذ تشاهد فور دخولك للمكان لافتة كبيرة كتب عليها بالبنط العريض "انتبه حضيرة" ويأخذك الدرج المظلم إلى قاعة مهجورة، نوافذها تكشف عن صمود المكان رغم الزمن وفي هذه الظلمة بدأت لعبة فنية صامتة لم تكن في حاجة لثرثرة الكلمات بوجود أدوات فنية تجمع إمكانات منى بالحاج زكري وابراهيم جمعة مع موسيقى عمر علولو ورؤية بصرية تراهن على التقشف كخيار جمالي، منح العمل بعدا أعمق وفسح المجال لرؤية ذاك المجال الغير المرئي في ذواتنا وعلاقتنا بالآخر .. "النقطة العمياء" عرض حمل في جسد بطله وجع الشام وبحث عبر نظرات بطلته عن وطن يدعى تونس .. هل تحجب الالام، الحقائق، المخاوف .. تلاحقنا التساؤلات مثل ظل هو ذاك "الأنا الآخر" الذي نرغب في أحيانا كثيرة في التخلص منه ...
العرض الأدائي "النقطة العمياء" مشروع فني جمع كتابة، أداء وإخراجا كل من منى بالحاج زكري وابراهيم جمعة وهو وليد فكرة كانت نابعة من تراسل بين بطلي العمل وتأتي هذه التجربة الفنية الناضجة جماليا بعد عدد من المشاريع خاضها الثنائي فبطلة "نقطة عمياء" منى بالحاج زكري هي خريجة "مدرسة الممثل" التابعة للمسرح الوطني وشاركت في عدد من الأعمال المسرحية التونسية منها "شدوني لا"، "مدام م"، "نافذة على" أمّا المسرحي السوري ابراهيم جمعة والذي بدأت بصمته الخاصة على مستوى السينوغرافيا تتشكل بعد مجموعة من المشاريع المسرحية على غرار "البحر"، "معلق" و"لست انا".
"النقطة العمياء" عمل فني حظي بدعم الصندوق العربي للثقافة الفنون آفاق والمورد الثقافي كما تم انجازه بالشراكة مع جمعية الشارع فن والمعهد الوطني للتراث وهو من إنتاج خليل التريكي ومنى بالحاج زكري (الاخرون للانتاج).