ضمن فعاليات الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب (19-28 أفريل 2024) تابع عدد من الزوار والكتاب والباحثين مساء الخميس ندوة بعنوان "كيف نقرأ تاريخنا؟" بمشاركة أستاذيْ التاريخ المعاصر الهادي التيمومي وفتحي ليسير وأستاذ علم الاجتماع الباحث المولدي قسومي.
اللقاء الذي نظمته دار محمد علي للنشر وأدارته شيماء بوهلال، انطلق بتساؤلات عن الوسائل التي لابد للمؤرخ أن يتسلح بها قبل الخوض في كتابة التاريخ، فضلا عن العلاقة بين المؤرخ وعالم الاجتماع ومدى الاستفادة من بعضهما البعض في التأريخ للأحداث .
وانطلاقا من تجربته في كتابة تاريخ تونس والعرب، أكد الهادي التيمومي على أهمية توفر شرط الموضوعية مبينا أن التحلي بالموضوعية ليس بالأمر السهل، وهي مسألة ما تزال محل جدل بين جميع الباحثين.
التيمومي : ضرورة الإلمام بنظريات المعرفة
وبما أن "التاريخ هو علم الماضي وهدفه فهم الحاضر واستشراف المستقبل" فلا بد من فهم الماضي والإلمام به، يقول التيمومي "الماضي لم يندثر بل مازال موجودا بيننا ولا يمكن تحقيق القفزة الحضارية الا حين نقوم بإحياء التراث بطريقة علمية". وأشار في هذا السياق إلى أن فرويد بدأ بدراسة الأساطير قبل أن يؤسس علم النفس. وميز بين المؤرخ والمدون للأحداث، مضيفا "هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا".
وبين المؤرخ التيمومي صاحب عشرات الكتب عن تاريخ تونس المعاصر، أنه درس نظريات المعرفة للانطلاق منها . وأكد على أن كل من يكتب التاريخ يجب أن يقرأ لأوغست كونت وماكس فيبر ودوركهايم وجاك داريدا وجيل دولوز وادام سميث وغيرهم من مختلف التخصصات. إذ لا بد من الإلمام بكل نظريات المعرفة التاريخية كالماركسية والبنيوية والفرويدية وغيرها. وشدد على ضرورة أن "نفهم تاريخنا كما هو لا أن نأخذ أشياء مسقطة من الخارج" مشيرا في هذا الصدد إلى عدم تطبيقه للماركسية كما هي وخلقه لنظرية جديدة هي نظرية الإنتاج المخامسي، مؤكدا على ضرورة أن يجتهد كل عالم اجتماع ومؤرخ. فتحي ليسير : تسييس التاريخ قديم قدم التاريخ والسياسة
ومن جانبه تحدث الكاتب وأستاذ التاريخ المعاصر فتحي ليسير، عن صعوبة أخذ مسافة عند الكتابة عن الزمن الراهن، مبينا أن المسافة بين الباحث وموضوعه طرحت "عندما أرادوا أن يجعلوا من التاريخ علما" وهي مسألة لا تتعلق فقط بمن يكتب عن الراهن، بل طرحت منذ نهاية القرن 19 عند الكتابة عن الحرب العالمية الأولى، كما تطرح إلى اليوم عند الحديث عن الصراع السني الشيعي الذي مرت عليه الاف السنين. واعتبر أن "القرب لا يمنع الجودة والبعد لا يضمن المسافة"، مشيرا إلى أن عتاة المدرسة الوضعانية لم يطبقوا هذا في كتاباتهم.
وأشار إلى أن كتابة التاريخ ليست حكرا على المؤرخين، قائلا "في العلوم الاجتماعية العلم الوحيد الذي لا يحتكر كتابته صاحب المهنة هو التاريخ اذ يكتبه الصحفيون والمؤرخون وحتى الكتب المدرسية أي الدولة التي تحتكر الكتب المدرسية" وتحدث في هذا السياق عن "تعايش تواريخ تاريخ الصحفيين والروائيين والمؤرخين وغيرهم".
واعتبر فتحي ليسير أن هناك قسوة تجاه المؤرخين التونسيين، وأن لدينا إنتاجا تاريخيا "محترم جدا" سواء في التاريخ القديم أوالوسيط أوالحديث، دون أن ينفي وجود هنات.ولفت إلى أن "قراءة التاريخ من مهام المؤرخين لكن استدعاء التاريخ يقوم به الجميع بما في ذلك السياسيون"، مستدعيا قول جورج أورويل "من يراقب الماضي يراقب الحاضر"، فتسييس التاريخ قديم قدم التاريخ والسياسة على حد تعبيره.
وتحدث عن "القواعد المقدسة" لسردية التاريخ، ومنها الأزمنة والثنائيات، موجها سهام نقده لأساتذة التاريخ الذين يقولون في الإعلام ما لا يتماشى مع ما يدرسونه للطلبة في الجامعات. وبين أن المؤرخ اليوم فقد السلطة على اختصاصه، إذ "لم يعد التاريخ معرفة بل رهانا"، وقد برهنت كل الازمات العالمية صحة هذه المقولة وفق فتحي ليسير الذي شدد على أنه رغم كل المآخذ على الزمن الراهن ومع ذلك نجد في صدارة البحوث في كل البلدان إلا في البلاد العربية .
المولدي قسومي : ترافد بين الحقلين...وضرورة انفتاح علم الاجتماع على بقية العلوم
ومن ناحيته خصص الباحث في علم الاجتماع المولدي قسومي مداخلته للإجابة عن سؤال "من يعاضد من ؟ التاريخ أم علم الاجتماع ؟" وماذا يأخذ كلاهما من كليهما في إطار الترافد المتساوي ؟".
وبدأ مداخلته بالحديث عن الفرق بين قراءة التاريخ وكتابته، مبينا أن القراءة تفترض الفهم والتحليل، قائلا إن الفاعل والفاعلين والانساق والبنى كلها تتدخل في القراءة قبل الكتابة. فالحدث التاريخي في نظره إلى إذا لم يقرأ في إطار المدى والظرف العالمي لا يمكن قراءته.
وانطلق من نماذج تفسيرية منها التأريخ لعدد الجمهوريات وتعدادها في تونس (وفق نظام الحكم أم وفق النظام السياسي)، وكيف أن الارتكاز على خطإ شائع قد يوقع المؤرخ في الخطأ. لذلك من المهم كيف نقرأ قبل أن نعرف كيف نكتب.وتحدث المولدي قسومي المختص في علم الاجتماع عن الفرق بين "الحقيقة التاريخية والتاريخ الحقيقي"، مبينا أن المؤرخ يشتغل بعدة روافد منها علم القانون والفعل السياسي، واعتبر في هذا السياق أن "من مهام المؤرخ أن يصوب الأخطاء"، من خلال رصد التاريخ أي المتابعة الحينية ورصدها معرفيا .
واعتبر أن مساهمة علماء الاجتماع في كتابة التاريخ ضئيلة لانغلاقهم على ذواتهم، مؤكدا على ضرورة "الخروج من الأسيجة" حتى لا يكون علم الاجتماع "حقلا معرفيا جامدا".وذكّر بأنه اشتغل على مدونة التيمومي وبحث عن البناء السوسيولوجي الذي يرافد بين التاريخ وعلم التأريخ السوسيولوجي . قائلا إن التاريخ هو العلم الوحيد الذي لا يرفض بقية العلوم.وات
ضمن فعاليات الدورة 38 لمعرض تونس الدولي للكتاب (19-28 أفريل 2024) تابع عدد من الزوار والكتاب والباحثين مساء الخميس ندوة بعنوان "كيف نقرأ تاريخنا؟" بمشاركة أستاذيْ التاريخ المعاصر الهادي التيمومي وفتحي ليسير وأستاذ علم الاجتماع الباحث المولدي قسومي.
اللقاء الذي نظمته دار محمد علي للنشر وأدارته شيماء بوهلال، انطلق بتساؤلات عن الوسائل التي لابد للمؤرخ أن يتسلح بها قبل الخوض في كتابة التاريخ، فضلا عن العلاقة بين المؤرخ وعالم الاجتماع ومدى الاستفادة من بعضهما البعض في التأريخ للأحداث .
وانطلاقا من تجربته في كتابة تاريخ تونس والعرب، أكد الهادي التيمومي على أهمية توفر شرط الموضوعية مبينا أن التحلي بالموضوعية ليس بالأمر السهل، وهي مسألة ما تزال محل جدل بين جميع الباحثين.
التيمومي : ضرورة الإلمام بنظريات المعرفة
وبما أن "التاريخ هو علم الماضي وهدفه فهم الحاضر واستشراف المستقبل" فلا بد من فهم الماضي والإلمام به، يقول التيمومي "الماضي لم يندثر بل مازال موجودا بيننا ولا يمكن تحقيق القفزة الحضارية الا حين نقوم بإحياء التراث بطريقة علمية". وأشار في هذا السياق إلى أن فرويد بدأ بدراسة الأساطير قبل أن يؤسس علم النفس. وميز بين المؤرخ والمدون للأحداث، مضيفا "هناك من يعطي دروسا في التاريخ وهو لم يدرسه مطلقا".
وبين المؤرخ التيمومي صاحب عشرات الكتب عن تاريخ تونس المعاصر، أنه درس نظريات المعرفة للانطلاق منها . وأكد على أن كل من يكتب التاريخ يجب أن يقرأ لأوغست كونت وماكس فيبر ودوركهايم وجاك داريدا وجيل دولوز وادام سميث وغيرهم من مختلف التخصصات. إذ لا بد من الإلمام بكل نظريات المعرفة التاريخية كالماركسية والبنيوية والفرويدية وغيرها. وشدد على ضرورة أن "نفهم تاريخنا كما هو لا أن نأخذ أشياء مسقطة من الخارج" مشيرا في هذا الصدد إلى عدم تطبيقه للماركسية كما هي وخلقه لنظرية جديدة هي نظرية الإنتاج المخامسي، مؤكدا على ضرورة أن يجتهد كل عالم اجتماع ومؤرخ. فتحي ليسير : تسييس التاريخ قديم قدم التاريخ والسياسة
ومن جانبه تحدث الكاتب وأستاذ التاريخ المعاصر فتحي ليسير، عن صعوبة أخذ مسافة عند الكتابة عن الزمن الراهن، مبينا أن المسافة بين الباحث وموضوعه طرحت "عندما أرادوا أن يجعلوا من التاريخ علما" وهي مسألة لا تتعلق فقط بمن يكتب عن الراهن، بل طرحت منذ نهاية القرن 19 عند الكتابة عن الحرب العالمية الأولى، كما تطرح إلى اليوم عند الحديث عن الصراع السني الشيعي الذي مرت عليه الاف السنين. واعتبر أن "القرب لا يمنع الجودة والبعد لا يضمن المسافة"، مشيرا إلى أن عتاة المدرسة الوضعانية لم يطبقوا هذا في كتاباتهم.
وأشار إلى أن كتابة التاريخ ليست حكرا على المؤرخين، قائلا "في العلوم الاجتماعية العلم الوحيد الذي لا يحتكر كتابته صاحب المهنة هو التاريخ اذ يكتبه الصحفيون والمؤرخون وحتى الكتب المدرسية أي الدولة التي تحتكر الكتب المدرسية" وتحدث في هذا السياق عن "تعايش تواريخ تاريخ الصحفيين والروائيين والمؤرخين وغيرهم".
واعتبر فتحي ليسير أن هناك قسوة تجاه المؤرخين التونسيين، وأن لدينا إنتاجا تاريخيا "محترم جدا" سواء في التاريخ القديم أوالوسيط أوالحديث، دون أن ينفي وجود هنات.ولفت إلى أن "قراءة التاريخ من مهام المؤرخين لكن استدعاء التاريخ يقوم به الجميع بما في ذلك السياسيون"، مستدعيا قول جورج أورويل "من يراقب الماضي يراقب الحاضر"، فتسييس التاريخ قديم قدم التاريخ والسياسة على حد تعبيره.
وتحدث عن "القواعد المقدسة" لسردية التاريخ، ومنها الأزمنة والثنائيات، موجها سهام نقده لأساتذة التاريخ الذين يقولون في الإعلام ما لا يتماشى مع ما يدرسونه للطلبة في الجامعات. وبين أن المؤرخ اليوم فقد السلطة على اختصاصه، إذ "لم يعد التاريخ معرفة بل رهانا"، وقد برهنت كل الازمات العالمية صحة هذه المقولة وفق فتحي ليسير الذي شدد على أنه رغم كل المآخذ على الزمن الراهن ومع ذلك نجد في صدارة البحوث في كل البلدان إلا في البلاد العربية .
المولدي قسومي : ترافد بين الحقلين...وضرورة انفتاح علم الاجتماع على بقية العلوم
ومن ناحيته خصص الباحث في علم الاجتماع المولدي قسومي مداخلته للإجابة عن سؤال "من يعاضد من ؟ التاريخ أم علم الاجتماع ؟" وماذا يأخذ كلاهما من كليهما في إطار الترافد المتساوي ؟".
وبدأ مداخلته بالحديث عن الفرق بين قراءة التاريخ وكتابته، مبينا أن القراءة تفترض الفهم والتحليل، قائلا إن الفاعل والفاعلين والانساق والبنى كلها تتدخل في القراءة قبل الكتابة. فالحدث التاريخي في نظره إلى إذا لم يقرأ في إطار المدى والظرف العالمي لا يمكن قراءته.
وانطلق من نماذج تفسيرية منها التأريخ لعدد الجمهوريات وتعدادها في تونس (وفق نظام الحكم أم وفق النظام السياسي)، وكيف أن الارتكاز على خطإ شائع قد يوقع المؤرخ في الخطأ. لذلك من المهم كيف نقرأ قبل أن نعرف كيف نكتب.وتحدث المولدي قسومي المختص في علم الاجتماع عن الفرق بين "الحقيقة التاريخية والتاريخ الحقيقي"، مبينا أن المؤرخ يشتغل بعدة روافد منها علم القانون والفعل السياسي، واعتبر في هذا السياق أن "من مهام المؤرخ أن يصوب الأخطاء"، من خلال رصد التاريخ أي المتابعة الحينية ورصدها معرفيا .
واعتبر أن مساهمة علماء الاجتماع في كتابة التاريخ ضئيلة لانغلاقهم على ذواتهم، مؤكدا على ضرورة "الخروج من الأسيجة" حتى لا يكون علم الاجتماع "حقلا معرفيا جامدا".وذكّر بأنه اشتغل على مدونة التيمومي وبحث عن البناء السوسيولوجي الذي يرافد بين التاريخ وعلم التأريخ السوسيولوجي . قائلا إن التاريخ هو العلم الوحيد الذي لا يرفض بقية العلوم.وات