ابت سنة 2021 ان تغادر دون ان تفجع الساحة الثقافية العربية والأدباء التونسيين في صديقهم الناقد والمترجم والمؤلف الاكاديمي المصري جابر عصفور الذي فارق الحياة عن عمر ناهز 77 عاما بعد وعكة صحية يوم 31 ديسمبر 2021 ، جابر عصفور الذي كان ملتصقا بالواقع العربي ينهل منه ويتحرك من داخله حيث كان معنيا مباشرة بكل قضايا الامة العربية ومشاكلها وقد خاض معارك ضارية وعديدة ضد الفكر الظلامي والأفكار الاصولية وكانت له مواجهات فكرية مشهودة في الكتابة النقدية في مختلف الاجناس الادبية الشعر والرواية والقصة وكانت افكاره وكتاباته وآراؤه وأفكاره دوما محل جدل .
اكد جابر عصفور في كتاباته وفي حواراته ونشاطه وتعاملاته الانسانية مع الساحتين العربية والمصرية على الطابع المدني للدولة المصرية وراهن على الإصلاح من أجل دولة مصرية مدنية حديثة . كما كان مدافعا شرسا عن حرية الإبداع رافضا لاستهداف المبدعين ولجرهم والتنكيل بهم امام المحاكم بتهم ازدراء الاديان أو خدش الحياء وغيرها من التهم . ودفاعه عن قضايا الحرية التي طالما آمن بها ودعمها كان مبدأ اساسيا في حياته جعله يدافع عن الكاتب المصري احمد ناجي في المحكمة رغم انه كان يفضل ان لا يستعمل هذا الاخير تلك الالفاظ النابية في روايته " استخدام الحياة " وذاك الوصف المفصل للعملية الجنسية وقال ان نجيب محفوظ مثلا قال كل شيء دون ان يستعمل تلك الالفاظ . وان تلك الالفاظ حرمت الرواية من الانتشار العربي .
ترجل صديق تونس والأدباء التونسيين جابر عصفورالحاصل على الوسام الثقافي التونسي سنة 1995، وقد ترك للمكتبة العربية "المرايا المتجاورة " دراسة في نقد طه حسين،" أنوار العقل"، "آفاق العصر"، "قراءة التراث النقدي"، "الإحيائية والإحيائيون"، "محنة التنوير"، "دفاعا عن التنوير". كما ترجم " اتجاهات النقد المعاصر"، "النظرية الأدبية المعاصرة "، "عصر البنيوية من ليفي شتراوس إلى فوكو". اما في البحوث والدراسات فقد ترك " نظرية الفن عند الفارابي"، "نقاد نجيب محفوظ "، "شعراء السبعينات في مصر"، "الصورة الشعرية، قراءة أولية في أدونيس"...
قاد معركة التنوير والحداثة في مصر
كان الراحل قائدا لمعركة التنوير في مصر وصاحب مدرسة علمية في العقلانية والدرس الأدبي والفكري، ومثقف ناشط في المجال السياسي حيث تولى عديد المناصب من بينها منصب وزير للثقافة في مصر وهو ما اعتبره البعض من اصدقائه سقطة في مسيرته النيرة ونضاله السياسي والفكري والأدبي .حصد جابر عصفور خلال مسيرته العديد من الجوائز الرفيعة أبرزها جائزة أفضل كتاب للدراسة النقدية، القاهرة 1984، أفضل كتاب في الدراسات الأدبية، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، 1985، جائزة العويس في حقل الدراسات الأدبية والنقد ـ الدورة الخامسة 1997، جائزة الدولة التقديرية في مجال الأدب 2007، جائزة اليونسكو للثقافة العربية 2008، وسام المكافأة الوطنية بدرجة قائد من ملك المغرب، جائزة النيل 2019وغيرها..
بفقدانه خسر العرب كاتبا ومفكرا وباحثا وأحد أعمدة النقد الأدبي العربي الكبار وقامة من قامات الأدب والفكر العربي. فمؤلف كتاب"زمن الرواية" تنبأ بان تصبح الرواية العربية ديوان العرب بعد ان شغل الشعر هذه المكانة لقرون من الزمن وقد صدقت نبوءته النقدية هذه وشهدت الرواية العربية تطورا كميا ونوعيا ولعلها استفادت من كثرة المسابقات التي تنظمها كل البلدان العريية لهذا الجنس الادبي.
لعب دورا مهما في تحديث النقد العربي وتقديم التيارات النقدية الجديدة
وقد لعب جابر عصفور دورا رئيسيا في صقل معرفة العرب بالآخر عبر اختيار ما نحتاجه من كتب للترجمة ومواضيع ومقالات والاستفادة منها لنتعامل مع الآخر على قدم المساواة وعبر تأسيسه للمركز القومي للترجمة في مصر. كما لعب دورا في تحديث النقد العربي وتقديم التيارات النقدية الجديدة بالترجمة حينا والتأليف حينا آخر، وأعاد الاعتبار إلى المجلس الأعلى للثقافة في مصر باعتباره بيت المثقفين العرب، مستعينا بالكم الهائل من الصداقات التي كونها مع المثقفين العرب ومن بينهم الاديب التونسي عز الدين المدني ..كيف ولا وقد كان عضوا في لجان تحكيم العديد من الجوائز المصرية والعربية مثل - جائزة مؤسسة التقدم العلمى، الكويت وجائزة سلطان العويس، الإمارات.
كان الراحل ايضا من مؤسسي مجلة " فصول " مع الدكتور عز الدين إسماعيل والدكتور صلاح فضل. هذه المجلة التي نجحت في إطلاق حركة نقدية عربية ذات تأثير واسع، وفتحت أبوابها للتعريف بالنظريات والمناهج الأدبية الحديثة، فضلاً عن دورها في تبني نظرة أكثر جذرية إلى التراث العربي في مواجهة الصعود اللافت لتيارات نقد التراث العقلي والنهضوي للثقافة العربية، مع نمو تيارات الإسلام السياسي. وقد اكد جابر عصفور وفسّر في اعماله هوامش على دفتر التنوير، أنوار العقل، ضد التعصب، مواجهة الإرهاب، مقالات غاضبة، جامعة دينها العلم، نقد ثقافة التخلف،أخطار العيش بين الاستبداد السياسي والديني وفضح ونقد تيارات التعصب الضارة بالمجتمع العربية وظل يدعو إلى إقرار ثقافة التسامح وترسيخ مفهوم الحوار في كل مستوياته. الى ان فارق الحياة .
رحم الله جابر عصفور الذي ساهم في بناء الشخصية الثقافية العربية وجدد في الاسئلة الثقافية المرتبطة بالهوية العربية باعتبارها جزء من الهوية الانسانية ذات القيم النبيلة والخالدة ..وسهل الله لطلبته وزملائه ومريديه مواصلة ما بدأه خلال مسيرته - التي تجاوزت الاربعين سنة - من مشاريع ثقافية وخاصة المشروع النقدي الذي اثرى الحقل الثقافي، وعزز دور الثقافة العربية وقوى الجسور بينها وبين مختلف مكوناتها وبين الثقافات العالمية، وساهم في تحقيق أشكال متقدمة من حوار الثقافات ووفقهم الله في الاجابة على التساؤلات التي تركها جابر عصفور بلا اجوبة …
علياء بن نحيلة
تونس – الصباح
ابت سنة 2021 ان تغادر دون ان تفجع الساحة الثقافية العربية والأدباء التونسيين في صديقهم الناقد والمترجم والمؤلف الاكاديمي المصري جابر عصفور الذي فارق الحياة عن عمر ناهز 77 عاما بعد وعكة صحية يوم 31 ديسمبر 2021 ، جابر عصفور الذي كان ملتصقا بالواقع العربي ينهل منه ويتحرك من داخله حيث كان معنيا مباشرة بكل قضايا الامة العربية ومشاكلها وقد خاض معارك ضارية وعديدة ضد الفكر الظلامي والأفكار الاصولية وكانت له مواجهات فكرية مشهودة في الكتابة النقدية في مختلف الاجناس الادبية الشعر والرواية والقصة وكانت افكاره وكتاباته وآراؤه وأفكاره دوما محل جدل .
اكد جابر عصفور في كتاباته وفي حواراته ونشاطه وتعاملاته الانسانية مع الساحتين العربية والمصرية على الطابع المدني للدولة المصرية وراهن على الإصلاح من أجل دولة مصرية مدنية حديثة . كما كان مدافعا شرسا عن حرية الإبداع رافضا لاستهداف المبدعين ولجرهم والتنكيل بهم امام المحاكم بتهم ازدراء الاديان أو خدش الحياء وغيرها من التهم . ودفاعه عن قضايا الحرية التي طالما آمن بها ودعمها كان مبدأ اساسيا في حياته جعله يدافع عن الكاتب المصري احمد ناجي في المحكمة رغم انه كان يفضل ان لا يستعمل هذا الاخير تلك الالفاظ النابية في روايته " استخدام الحياة " وذاك الوصف المفصل للعملية الجنسية وقال ان نجيب محفوظ مثلا قال كل شيء دون ان يستعمل تلك الالفاظ . وان تلك الالفاظ حرمت الرواية من الانتشار العربي .
ترجل صديق تونس والأدباء التونسيين جابر عصفورالحاصل على الوسام الثقافي التونسي سنة 1995، وقد ترك للمكتبة العربية "المرايا المتجاورة " دراسة في نقد طه حسين،" أنوار العقل"، "آفاق العصر"، "قراءة التراث النقدي"، "الإحيائية والإحيائيون"، "محنة التنوير"، "دفاعا عن التنوير". كما ترجم " اتجاهات النقد المعاصر"، "النظرية الأدبية المعاصرة "، "عصر البنيوية من ليفي شتراوس إلى فوكو". اما في البحوث والدراسات فقد ترك " نظرية الفن عند الفارابي"، "نقاد نجيب محفوظ "، "شعراء السبعينات في مصر"، "الصورة الشعرية، قراءة أولية في أدونيس"...
قاد معركة التنوير والحداثة في مصر
كان الراحل قائدا لمعركة التنوير في مصر وصاحب مدرسة علمية في العقلانية والدرس الأدبي والفكري، ومثقف ناشط في المجال السياسي حيث تولى عديد المناصب من بينها منصب وزير للثقافة في مصر وهو ما اعتبره البعض من اصدقائه سقطة في مسيرته النيرة ونضاله السياسي والفكري والأدبي .حصد جابر عصفور خلال مسيرته العديد من الجوائز الرفيعة أبرزها جائزة أفضل كتاب للدراسة النقدية، القاهرة 1984، أفضل كتاب في الدراسات الأدبية، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، 1985، جائزة العويس في حقل الدراسات الأدبية والنقد ـ الدورة الخامسة 1997، جائزة الدولة التقديرية في مجال الأدب 2007، جائزة اليونسكو للثقافة العربية 2008، وسام المكافأة الوطنية بدرجة قائد من ملك المغرب، جائزة النيل 2019وغيرها..
بفقدانه خسر العرب كاتبا ومفكرا وباحثا وأحد أعمدة النقد الأدبي العربي الكبار وقامة من قامات الأدب والفكر العربي. فمؤلف كتاب"زمن الرواية" تنبأ بان تصبح الرواية العربية ديوان العرب بعد ان شغل الشعر هذه المكانة لقرون من الزمن وقد صدقت نبوءته النقدية هذه وشهدت الرواية العربية تطورا كميا ونوعيا ولعلها استفادت من كثرة المسابقات التي تنظمها كل البلدان العريية لهذا الجنس الادبي.
لعب دورا مهما في تحديث النقد العربي وتقديم التيارات النقدية الجديدة
وقد لعب جابر عصفور دورا رئيسيا في صقل معرفة العرب بالآخر عبر اختيار ما نحتاجه من كتب للترجمة ومواضيع ومقالات والاستفادة منها لنتعامل مع الآخر على قدم المساواة وعبر تأسيسه للمركز القومي للترجمة في مصر. كما لعب دورا في تحديث النقد العربي وتقديم التيارات النقدية الجديدة بالترجمة حينا والتأليف حينا آخر، وأعاد الاعتبار إلى المجلس الأعلى للثقافة في مصر باعتباره بيت المثقفين العرب، مستعينا بالكم الهائل من الصداقات التي كونها مع المثقفين العرب ومن بينهم الاديب التونسي عز الدين المدني ..كيف ولا وقد كان عضوا في لجان تحكيم العديد من الجوائز المصرية والعربية مثل - جائزة مؤسسة التقدم العلمى، الكويت وجائزة سلطان العويس، الإمارات.
كان الراحل ايضا من مؤسسي مجلة " فصول " مع الدكتور عز الدين إسماعيل والدكتور صلاح فضل. هذه المجلة التي نجحت في إطلاق حركة نقدية عربية ذات تأثير واسع، وفتحت أبوابها للتعريف بالنظريات والمناهج الأدبية الحديثة، فضلاً عن دورها في تبني نظرة أكثر جذرية إلى التراث العربي في مواجهة الصعود اللافت لتيارات نقد التراث العقلي والنهضوي للثقافة العربية، مع نمو تيارات الإسلام السياسي. وقد اكد جابر عصفور وفسّر في اعماله هوامش على دفتر التنوير، أنوار العقل، ضد التعصب، مواجهة الإرهاب، مقالات غاضبة، جامعة دينها العلم، نقد ثقافة التخلف،أخطار العيش بين الاستبداد السياسي والديني وفضح ونقد تيارات التعصب الضارة بالمجتمع العربية وظل يدعو إلى إقرار ثقافة التسامح وترسيخ مفهوم الحوار في كل مستوياته. الى ان فارق الحياة .
رحم الله جابر عصفور الذي ساهم في بناء الشخصية الثقافية العربية وجدد في الاسئلة الثقافية المرتبطة بالهوية العربية باعتبارها جزء من الهوية الانسانية ذات القيم النبيلة والخالدة ..وسهل الله لطلبته وزملائه ومريديه مواصلة ما بدأه خلال مسيرته - التي تجاوزت الاربعين سنة - من مشاريع ثقافية وخاصة المشروع النقدي الذي اثرى الحقل الثقافي، وعزز دور الثقافة العربية وقوى الجسور بينها وبين مختلف مكوناتها وبين الثقافات العالمية، وساهم في تحقيق أشكال متقدمة من حوار الثقافات ووفقهم الله في الاجابة على التساؤلات التي تركها جابر عصفور بلا اجوبة …