يستضيف معرض تونس الدولي الروائي التونسي الحبيب السالمي الحائز على جائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الاخيرة وبرمج له لقاء مع قرائه وأصدقائه وزوار المعرض في اطار قسم "تجربتي " يوم 20 نوفمبر 2021 هذه الفقرة الجديدة التي اضيفت للبرنامج الثقافي للمعرض في دورته 36 مر منها ادباء تونسيون وعرب وأجانب كثيرون من بينهم الكاتب الكندي الكبير داني لافيريار ويامن مناعي وحسونة المصباحي والشاعر شوقي بزيغ وعبده الخال وجلال برجس وعلاء عبد الهادي ... "الصباح" التقته حال وصوله الى تونس قادما من فرنسا وتحدثت معه عن ترجمة رواياته وعن الجوائز العربية وما اضافته له وعن رواية "الاشتياق الى الجارة " فكان الحديث التالي :
ـ تترجم حاليا رواية " الاشتياق إلى الجارة" إلى اللغة البرتغالية والفرنسية والإنجليزية فأي اللغات أقدر حسب رأيك على ايصالك إلى العالمية وإلى قلب وعقل الانسان؟
ـ الترجمة إلى أيّ لغة أوروبيّة مهمّة جدّا خاصّة للأدب العربي لأن هذا الأدب ظــــلّ لأعوام عديدة مهملا ومنسيّا في أغلب بلدان أوروبا. طبعا هناك لغـات أكثر انتشارا من لغات الأخرى. والإنقليزية كما تعلمين هي التي تسـود العالم الآن لأسباب كثيرة أهمها الاقتصاد والسياسة . لكن اللغة الفرنسيّة تمتلك في مجال الترجمة مكانة مهمّـــــة جدّا رغم أنها أقل انتشارا من الاسبانية . فهي قد حافظت إلى حد ما على قيمتها الثقافية التي كانت تمتلكها في القرنين الثامن عشـــر والتاسع عشر. أهمية اللغة لا تقاس بعدد الذين يتكلمونها كما يردد البعض وإنما إلى حمولتها الأدبية والثقافية . أي إلى النصوص الكبرى التي كتبت بها . ولذا نجد حاليا فرنسا تحتل المرتبة الأولى في قائمة جائزة نوبل للآداب. لديّ سبع روايات مترجمة إلى لغة فولتير . والأجمـــــــل من هذا أن كل هذه الروايات قد صدرت عن دار " أكت سود " وهي واحدة من كبرى دور النشر ليس في فرنسا وإنما في أوروبا.
-هل تحب أن يستشيرك المترجم في نقل بعض خصوصيات وتفاصيل الرواية أو أن يفسر ويعيد توزيع أو تقسيم الفقرات؟
ـ العمل مع المترجم أساسي جدا لإنجاز ترجمة دقيقة ورائعة . في كل رواياتي التي ترجمت كنت مستعـــدا للإجابة عن أي سؤال يطرحه المترجم. وقد حدث هذا مع كل المترجمين الذين ترجموا لي سواء كانوا فرنسيين أو ألمانا أوانقليزا أو إيطاليين أو هنودا. مهما كان مستوى المترجم ومهما كانت معرفته باللغة العربية فإنه ليس بمقدوره أن يفهم كل شيء خصوصا أني أستخدم أحيانا في بعض رواياتي كلمات بالعامية وأمثالا شعبية تونسية. وبخصوص إمكانية إعادة توزيع الفقرات أو تقسيمها فهذا أمر أرفضه تماما لأن الفقرة هي وحدة معنوية متكاملة وقائمة بذاتها . وتقسيمها يعني بكل بساطة تغيير المعنى وأسلوب الكاتب. على أي
حال لم يحدث هذا أبدا معي.
ـ كثيرا ما يقال إن كثرة الجوائز وارتفاع مقدارها المالي أثر على كمية انتاج الرواية ولكنه أساء إلى النوعية لأن أغلب الكتاب يحاولون الكتابة على القياس وغايتهم القصوى هي الحصول على الجائزة فما رأيك وأنت الحاصل على إحدى أهم الجوائز العربية؟
ـ لا أظن أنّ هناك كاتبا حقيقيا يكتب من أجل الجوائز. وإن وجد فهو ليس كاتبا برأيي. أنا أكتب منذ حوالي نصف قرن. والكثير من رواياتي كتبتها في فترة لم تكن فيها جوائز كبرى . الجوائز موجودة في كل بلدان العالم . والأوروبيون يتعاملون معها بشيء من الحكمة والاتزان . لم أسمع أحدا ينتقد كاتبا نال جائزة غونكور الشهيــرة في فرنسا أو البوكر البريطانية في المملكة المتحدة رغم أنها قد تمنح لكتّاب لا يستحقّونها في حين أن كل موسم جوائز في العالم العربي يثير ضجة ونقاشا وانتقادات هدفها الحط من قيمة الفائزين . إذن المشكلة ليست في الجوائز في حد ذاتها وإنما في أن الأوساط الأدبية في بلداننا العربية مريضة ويسودها الحسد . وعلى أي حال الجائــــزة أيّا كانت أهمّيتها هي في النهاية انعكاس لرأي عدد قليل من المحكّمين . يكفي أن نغيّر هؤلاء المحكّمين بمحكّمين آخرين لكي يتغيّر اسم الفائز.
ـ ماذا أضافت الجائزة إلى الحبيب السالمي الروائي المشهور قبلها بسنوات وماذا أضافت إلى مسيرة من تحصلوا عليها من العرب؟
ـ ليس باستطاعتي أن أتحدث عن الكتّاب الآخرين الذين فازوا بجوائز. لكن فيما يخصّني أجيبك بصدق بأن الجائزة لم تضف لي أي شيء على مستوى الكتابة وهذا هو الأساسي بالنسبة لي. وحتى فيما يتعلق بالشهرة فأنت نفسك قد ذكرت في الســـؤال أني مشهور. وأصدقائي الحقيقيون يعرفون أني لا أبحث عن مزيد من الشهرة . كل ما حـدث هو أني فرحت لبضعة أيّام. تذكّرت أيضا أمّي التي فقدتها وأنا في الثانية عشرة من عمري لأني ابنها الوحيد . وكانت تخاف عليّ من أضيع في الحياة.
ـ تختلف رواية " الاشتياق إلى الجارة " عما سبقها من رواياتك دون أن تخرج عن مشروعك الروائي العام؟
ـ لا أعتقد أنها تختلف عن رواياتي الأخرى . بل يمكنني القول إن الشخصيّتين الرئيسيّتين في الرواية تشبهان شخصيّات نجدها في رواياتي الأخرى. الأستاذ كمال عاشور يذكّرنا قليلا ببطل " عواطف وز وارها " و" نساء البساتين" وزهرة تذكّرنا إلى حدّ ما بشخصية حضرية في " حفر دافئة ". لكن ما يهمّني هو أنهـــــــــــــــــــما مرسومتان بشكل مختلف تماما ومنظور إليهما من زوايا
جديدة وفي أزمنة متباينة وضمن سياقات درامية مغايرة مما يمنحهما تميّزهما وفرادتهما. في الحقيقة أنا أكتب منذ البداية عن نفس العالم . لكن كل رواية جديدة هي مقاربة جديدة له.
ـ أنت في كتاباتك لا تحكي حكاية بل تنطلق منها لتشتغل عليها وتحفر وتتأمل فيها وتتطـــــرق فيها وتكثر إلى ما يجــــــول في خاطر الأبطال على حساب الأحداث التي عادة ما تكون قليلة من انطباعات وتساؤلات وتصورات لمسارات مختلفة . وتعتبر هذه من أصعب أنواع الكتابة وأعظمها مسؤولية . فمن تريد أن تتحدى؟ نفسك أم القارئ أم الزملاء العرب والغربيون؟
ـ نعم . تلك هي استراتيجيا الكتابة عندي . ما قلته أصبح ملمـــــحا أساسيا لكتابتي. والكثيـــر من النقاد أشاروا إلى هذا . لقد كنت دائما أردد أن الرواية ليست حكايـــــة وإن كان لا بدّ من حكاية ما . أختصر هذه الحكايــــة قدر المستطاع ولا أترك منها إلا ما يساعدني على التقدّم في الكتابة . يمكن أن أذهب بعيدا وأقول إن الحكاية هي ذريعة للكتابة . خذي حكاية الحبّ مثلا . كم هناك من رواية كتبت عن الحب ؟ العشرات . والكثير منها متشابه . لكن ما يمّيز هذه الروايات هو ما يستطيع الروائي بذكائه أن يولّده من أفكار وتصوّرات عن الذات البشريّة في ثراها وتناقضاتها وهي تعيش هذه التجربة. إذن أهميّة الرواية تكمن بالنسبة لي في ما يوجد خلف الحكاية . الرواية رؤية للعالم وتأمّل فني فيه . من أريد أن أتحدّى ؟ نفسي طبعا. لا أفكّر في الروائيّين الآخرين ولا حتى في القرّاء إطلاقا عندما أكتب.
ـ في كتاباتك تختار الكلمة المناسبة للموقف المناسب وتتقشف في اللغة أحيانا بتعسف وتتجنــــب الحشو والشاعرية . فهل هذا اختيار عن وعي وتقصد به منهجا تود أن يتبعه الآخرون وجمالية تريد إرساءها أم أنها الحرص على الكتابة ببساطة ليفهم القارئ دون عناء ولا ملل ولتتوضح له رؤيتك بصفة عامة؟
ـ لا هذا ولا ذاك. التقشف لا يعني السهولة والوضوح إطلاقا . صموئيل بيكت كاتب متقشّف لكنه ليس سهل الفهم . ثم أنا لا أتجنب الشاعرية وإنما نوعا معيّنا من الشاعرية وهي التي تنتمي إلى القصيدة العربية الغنائية التي ينهل منها بعض الروائيين . هناك شاعرية في كتاباتي لكنها شاعرية تناسب النثر. الرواية لها شاعريتها الخاصّة. وهي تختلف جذريا عن شاعريّة القصيدة.
ـ " الاشتياق إلى الجارة" هل هي أفضل كتاباتك لتحصل على كل هذه الجوائز؟ وما الذي أعجب النقاد ولجنة تحكيم كتارا لتفوز بالجائزة في دورتها الأخيرة؟
ـ لا أظن أنها أفضل ما كتبت . وعلى أي حال أنا لا أؤمن بأن هناك رواية أفضل من رواية أخرى في أعمال الكاتب .كل رواية لها ما يميّزها.
حوار: علياء بن نحيلة
تونس – الصباح
يستضيف معرض تونس الدولي الروائي التونسي الحبيب السالمي الحائز على جائزة كتارا للرواية العربية في دورتها الاخيرة وبرمج له لقاء مع قرائه وأصدقائه وزوار المعرض في اطار قسم "تجربتي " يوم 20 نوفمبر 2021 هذه الفقرة الجديدة التي اضيفت للبرنامج الثقافي للمعرض في دورته 36 مر منها ادباء تونسيون وعرب وأجانب كثيرون من بينهم الكاتب الكندي الكبير داني لافيريار ويامن مناعي وحسونة المصباحي والشاعر شوقي بزيغ وعبده الخال وجلال برجس وعلاء عبد الهادي ... "الصباح" التقته حال وصوله الى تونس قادما من فرنسا وتحدثت معه عن ترجمة رواياته وعن الجوائز العربية وما اضافته له وعن رواية "الاشتياق الى الجارة " فكان الحديث التالي :
ـ تترجم حاليا رواية " الاشتياق إلى الجارة" إلى اللغة البرتغالية والفرنسية والإنجليزية فأي اللغات أقدر حسب رأيك على ايصالك إلى العالمية وإلى قلب وعقل الانسان؟
ـ الترجمة إلى أيّ لغة أوروبيّة مهمّة جدّا خاصّة للأدب العربي لأن هذا الأدب ظــــلّ لأعوام عديدة مهملا ومنسيّا في أغلب بلدان أوروبا. طبعا هناك لغـات أكثر انتشارا من لغات الأخرى. والإنقليزية كما تعلمين هي التي تسـود العالم الآن لأسباب كثيرة أهمها الاقتصاد والسياسة . لكن اللغة الفرنسيّة تمتلك في مجال الترجمة مكانة مهمّـــــة جدّا رغم أنها أقل انتشارا من الاسبانية . فهي قد حافظت إلى حد ما على قيمتها الثقافية التي كانت تمتلكها في القرنين الثامن عشـــر والتاسع عشر. أهمية اللغة لا تقاس بعدد الذين يتكلمونها كما يردد البعض وإنما إلى حمولتها الأدبية والثقافية . أي إلى النصوص الكبرى التي كتبت بها . ولذا نجد حاليا فرنسا تحتل المرتبة الأولى في قائمة جائزة نوبل للآداب. لديّ سبع روايات مترجمة إلى لغة فولتير . والأجمـــــــل من هذا أن كل هذه الروايات قد صدرت عن دار " أكت سود " وهي واحدة من كبرى دور النشر ليس في فرنسا وإنما في أوروبا.
-هل تحب أن يستشيرك المترجم في نقل بعض خصوصيات وتفاصيل الرواية أو أن يفسر ويعيد توزيع أو تقسيم الفقرات؟
ـ العمل مع المترجم أساسي جدا لإنجاز ترجمة دقيقة ورائعة . في كل رواياتي التي ترجمت كنت مستعـــدا للإجابة عن أي سؤال يطرحه المترجم. وقد حدث هذا مع كل المترجمين الذين ترجموا لي سواء كانوا فرنسيين أو ألمانا أوانقليزا أو إيطاليين أو هنودا. مهما كان مستوى المترجم ومهما كانت معرفته باللغة العربية فإنه ليس بمقدوره أن يفهم كل شيء خصوصا أني أستخدم أحيانا في بعض رواياتي كلمات بالعامية وأمثالا شعبية تونسية. وبخصوص إمكانية إعادة توزيع الفقرات أو تقسيمها فهذا أمر أرفضه تماما لأن الفقرة هي وحدة معنوية متكاملة وقائمة بذاتها . وتقسيمها يعني بكل بساطة تغيير المعنى وأسلوب الكاتب. على أي
حال لم يحدث هذا أبدا معي.
ـ كثيرا ما يقال إن كثرة الجوائز وارتفاع مقدارها المالي أثر على كمية انتاج الرواية ولكنه أساء إلى النوعية لأن أغلب الكتاب يحاولون الكتابة على القياس وغايتهم القصوى هي الحصول على الجائزة فما رأيك وأنت الحاصل على إحدى أهم الجوائز العربية؟
ـ لا أظن أنّ هناك كاتبا حقيقيا يكتب من أجل الجوائز. وإن وجد فهو ليس كاتبا برأيي. أنا أكتب منذ حوالي نصف قرن. والكثير من رواياتي كتبتها في فترة لم تكن فيها جوائز كبرى . الجوائز موجودة في كل بلدان العالم . والأوروبيون يتعاملون معها بشيء من الحكمة والاتزان . لم أسمع أحدا ينتقد كاتبا نال جائزة غونكور الشهيــرة في فرنسا أو البوكر البريطانية في المملكة المتحدة رغم أنها قد تمنح لكتّاب لا يستحقّونها في حين أن كل موسم جوائز في العالم العربي يثير ضجة ونقاشا وانتقادات هدفها الحط من قيمة الفائزين . إذن المشكلة ليست في الجوائز في حد ذاتها وإنما في أن الأوساط الأدبية في بلداننا العربية مريضة ويسودها الحسد . وعلى أي حال الجائــــزة أيّا كانت أهمّيتها هي في النهاية انعكاس لرأي عدد قليل من المحكّمين . يكفي أن نغيّر هؤلاء المحكّمين بمحكّمين آخرين لكي يتغيّر اسم الفائز.
ـ ماذا أضافت الجائزة إلى الحبيب السالمي الروائي المشهور قبلها بسنوات وماذا أضافت إلى مسيرة من تحصلوا عليها من العرب؟
ـ ليس باستطاعتي أن أتحدث عن الكتّاب الآخرين الذين فازوا بجوائز. لكن فيما يخصّني أجيبك بصدق بأن الجائزة لم تضف لي أي شيء على مستوى الكتابة وهذا هو الأساسي بالنسبة لي. وحتى فيما يتعلق بالشهرة فأنت نفسك قد ذكرت في الســـؤال أني مشهور. وأصدقائي الحقيقيون يعرفون أني لا أبحث عن مزيد من الشهرة . كل ما حـدث هو أني فرحت لبضعة أيّام. تذكّرت أيضا أمّي التي فقدتها وأنا في الثانية عشرة من عمري لأني ابنها الوحيد . وكانت تخاف عليّ من أضيع في الحياة.
ـ تختلف رواية " الاشتياق إلى الجارة " عما سبقها من رواياتك دون أن تخرج عن مشروعك الروائي العام؟
ـ لا أعتقد أنها تختلف عن رواياتي الأخرى . بل يمكنني القول إن الشخصيّتين الرئيسيّتين في الرواية تشبهان شخصيّات نجدها في رواياتي الأخرى. الأستاذ كمال عاشور يذكّرنا قليلا ببطل " عواطف وز وارها " و" نساء البساتين" وزهرة تذكّرنا إلى حدّ ما بشخصية حضرية في " حفر دافئة ". لكن ما يهمّني هو أنهـــــــــــــــــــما مرسومتان بشكل مختلف تماما ومنظور إليهما من زوايا
جديدة وفي أزمنة متباينة وضمن سياقات درامية مغايرة مما يمنحهما تميّزهما وفرادتهما. في الحقيقة أنا أكتب منذ البداية عن نفس العالم . لكن كل رواية جديدة هي مقاربة جديدة له.
ـ أنت في كتاباتك لا تحكي حكاية بل تنطلق منها لتشتغل عليها وتحفر وتتأمل فيها وتتطـــــرق فيها وتكثر إلى ما يجــــــول في خاطر الأبطال على حساب الأحداث التي عادة ما تكون قليلة من انطباعات وتساؤلات وتصورات لمسارات مختلفة . وتعتبر هذه من أصعب أنواع الكتابة وأعظمها مسؤولية . فمن تريد أن تتحدى؟ نفسك أم القارئ أم الزملاء العرب والغربيون؟
ـ نعم . تلك هي استراتيجيا الكتابة عندي . ما قلته أصبح ملمـــــحا أساسيا لكتابتي. والكثيـــر من النقاد أشاروا إلى هذا . لقد كنت دائما أردد أن الرواية ليست حكايـــــة وإن كان لا بدّ من حكاية ما . أختصر هذه الحكايــــة قدر المستطاع ولا أترك منها إلا ما يساعدني على التقدّم في الكتابة . يمكن أن أذهب بعيدا وأقول إن الحكاية هي ذريعة للكتابة . خذي حكاية الحبّ مثلا . كم هناك من رواية كتبت عن الحب ؟ العشرات . والكثير منها متشابه . لكن ما يمّيز هذه الروايات هو ما يستطيع الروائي بذكائه أن يولّده من أفكار وتصوّرات عن الذات البشريّة في ثراها وتناقضاتها وهي تعيش هذه التجربة. إذن أهميّة الرواية تكمن بالنسبة لي في ما يوجد خلف الحكاية . الرواية رؤية للعالم وتأمّل فني فيه . من أريد أن أتحدّى ؟ نفسي طبعا. لا أفكّر في الروائيّين الآخرين ولا حتى في القرّاء إطلاقا عندما أكتب.
ـ في كتاباتك تختار الكلمة المناسبة للموقف المناسب وتتقشف في اللغة أحيانا بتعسف وتتجنــــب الحشو والشاعرية . فهل هذا اختيار عن وعي وتقصد به منهجا تود أن يتبعه الآخرون وجمالية تريد إرساءها أم أنها الحرص على الكتابة ببساطة ليفهم القارئ دون عناء ولا ملل ولتتوضح له رؤيتك بصفة عامة؟
ـ لا هذا ولا ذاك. التقشف لا يعني السهولة والوضوح إطلاقا . صموئيل بيكت كاتب متقشّف لكنه ليس سهل الفهم . ثم أنا لا أتجنب الشاعرية وإنما نوعا معيّنا من الشاعرية وهي التي تنتمي إلى القصيدة العربية الغنائية التي ينهل منها بعض الروائيين . هناك شاعرية في كتاباتي لكنها شاعرية تناسب النثر. الرواية لها شاعريتها الخاصّة. وهي تختلف جذريا عن شاعريّة القصيدة.
ـ " الاشتياق إلى الجارة" هل هي أفضل كتاباتك لتحصل على كل هذه الجوائز؟ وما الذي أعجب النقاد ولجنة تحكيم كتارا لتفوز بالجائزة في دورتها الأخيرة؟
ـ لا أظن أنها أفضل ما كتبت . وعلى أي حال أنا لا أؤمن بأن هناك رواية أفضل من رواية أخرى في أعمال الكاتب .كل رواية لها ما يميّزها.