عندما نلاحظ الطريقة التي استقبل بها جمهور القراء الكاتب الكندي أصيل هايتي ببحر الكارييب وضيف معرض تونس الدولي للكتاب الذي انطلق منذ 11 نوفمبر ويتواصل إلى 21 من نفس الشهر ( الدورة 36)، داني لافيريار، Dany Laferrière والتي عبر من خلالها عن حفاوة بالغة بالكاتب الذي تفصلنا عنه آلاف الأميال، نزداد قناعة بأنه لا شيء يمكن أن يقرب بين الشعوب سوى الثقافة ولا قوة تضاهي قوة الكتاب في ردم الهوة بين البشر.
الضيف بدوره وبأسلوبه الذي يمكن أن نصفه بالسهل الممتنع، زاد في القناعة بأن الكتابة ترفع الكلفة بين الناس، حتى أن الجلسة التي نظمها المعرض معه في نهاية الأسبوع، والتي حضرها جمهور كبير العدد، لم تكن ثقيلة بل مرت بسرعة واستعذب جمهور القراء أسلوب داني لافيريار في الحديث عن تجربته وعن الكتاب عموما الذي كان يستعمل فيه التشابيه من حياتنا اليومية، وبعض الطرائف التي تفاعل معها الجمهور بالضحك عدة مرات خلال الحصة التي أثارت في الكثيرين الرغبة في التعليق أو استفسار الكاتب عن بعض النقاط التي تتعلق بمسيرته الأدبية والإبداعية.
واحد من أكثر الكتاب تتويجا وتوسيما
وداني لافيريار الذي يعيش حاليا بين كندا وفرنسا بعد أن انضم إلى الأكاديمية الفرنسية منذ سنوات، من مواليد 1953 بPort-au-prince بهايتي وقضى طفولته ببلدة صغيرة بهايتي تسمى Petit-Goàve. وبعد دراسته الثانوية بالمدينة التي ولد بها وتجربة في الصحافة المحلية، هاجر الكاتب إلى المونريال بكندا. وقد واصل تجربته الصحفية في كندا التي نجح فيها بالتوازي مع ظهور أولى النجاحات في كتابة الرواية ذلك أن روايته الأولى قد حققت نجاحا كبيرا وتمت ترجمتها إلى عدة لغات كم تم اقتباسها للسينما. وكان داني المهاجر موجودا على ارض الوطن بهايتي حين ضرب زلزال هائل البلد ( جانفي 2010) وخلف خسائر بشرية ومادية هائلة وترك العالم في حالة ذهول. داني لافيريار كتب حول الحادثة كما عاشها بدون زيادة أو نقصان كما قال هو بنفسه عن كتابه الذي يحمل عنوان" كل شيء حولي يتحرك".
واليوم يعتبر داني لافيريار من أبرز كتاب العالم الفرانكفونيين وهو حائز على جوائز قيمة وتم توسيمه عديد المرات كما انه حاصل على الدكتوراه الفخرية من عدة جامعات كندية وفرنسية، حتى أنه يمكن القول أنه من أكثر الكتاب تتويجا وتوسيما، غير أنه بقي محافظا على روح الطفولة فيه، حتى أنه توجه في السنوات الأخيرة إلى الكتب المصورة وقد وصف النقاد التجربة بأنه وليدة رغبة الكاتب في استعادة عالمه الطفولي. وتبدو الملاحظة وجيهة لأن داني لافيريار وخلال الساعة التي استغرقها اللقاء معه في معرض تونس الدولي للكتاب تحدث بإطناب عن طفولته هو وعن بناته واستشهد بموقف ابنته الكبرى ( له ثلاث بنات) لما كانت طفلة عدة مرات للتدليل على بعض المواقف التي تتعلق بالتواصل بين البشر.
الكاتب الذي يعيش متنقلا بين عدة بلدان وقضى سنوات في ميامي بالولايات المتحدة الأمريكية صحبة عائلته، يهتم بالعديد من القضايا الإنسانية الحارقة ومن أبرزها قضية العنصرية.
وإذا ما عدنا إلى اللقاء الذي انعقد في إطار ركن" تجربتي مع.." بالمعرض، فإن أبرز شيء يبقى في البال هو تلك الملكة التي يتميز بها الكاتب في مخاطبة جمهوره. بأسلوب هو مزيج من التواضع والذكاء، استحوذ الكاتب على انتباه الحضور واستمعوا إليه يسرد بإيجاز ووضوح حكاية البدايات.
قال داني لا فيريار أن الكاتب يحتاج إلى قارئ حتى يصنع كتابا وقدم صورة تقريبية حول هذه العلاقة، مستوحاة من حكايات القراصنة حول الكنوز فقال أنها شبيهة بخارطة الكنز الممزقة إلى جزأين، ولا بد من توفر الجزء الذي يملكه الكاتب والجزء الذي يملكه القارئ حتى يمكن العثور على الكنز.
وجميل ذلك الوصف الذي قدمه لسكان هايتي الذين شبههم بالتونسيين عندما قال عنهم أنه لما عاد إلى بلاده لتوقيع كتابه " كل شيء من حولي يتحرك" بعد أشهر على زلزال هايتي اصطف الهايتيون من الصباح إلى حلول الليل للحصول على توقيعه، مشيرا بأسلوب فيه الكثير من الإيحاءات الى أن الهايتيين فقراء لكنهم يقرؤون كثيرا.
أسئلة عديدة طرحت على الضيف الذي أثار كما قلنا الرغبة لدى الحضور في استفساره، من بينها ما يتعلق بظروف انتخابه في الأكاديمية الفرنسية المؤسسة التي تعتبر منغلقة على نفسها، وهو ثاني صاحب بشرة سوداء ينضم إليها بعد سنغور وأول كاتب من هاتي ومن المونريال تفتح له أسوارها، سئل أيضا حول علاقته ببعض الكتاب من مشاهير العالم، وأيضا عن الهام الكاتب وجاءت الإجابات طريفة وذكية في الآن نفسه، غير أن هناك شيء يتردد لديه وهو أن الشرط الأساسي للنجاح هو التلقائية وتجنب الافتعال. فالكتابة بالنسبة له هي صياغة لأحداث أو لمشاهد بقيت مخفية في الذاكرة ثم طفت في لحظة ما. وكل واحد فينا قادر على الكتابة. لكن عليه أن ينتظر ان تطفو الذكريات على السطح.
للمكان دور في صنع النجاح
كان اللقاء كما سبق واشرنا قصيرا وعفويا، ومر بسرعة لكن كان كافيا لنعرف ما يلزم أن نعرفه عن كاتب ناجح ساهمت عدة عوامل في صنع نجاحه، من بينها مقدرته على الكتابة طبعا أو ما يسميه هو بالملكة الطبيعية، لكن للمكان دور هام في صنع هذا النجاح. ومن ابرز هذه الأماكن هايتي، التي جعلت ذاكرته مليئة بالصور التي مازال يستلهم منها إلى اليوم بعد أكثر من ثلاثين سنة على بداية المسيرة، وكندا والمونريال تحديدا التي كرمته في عدة مناسبات ورفعته إلى مراتب عليا وتوجته بأكبر جوائزها الأدبية، وهو ولأنه من طينة من يعترفون بالجميل، فإنه يطالب بمنح مونريال جائزة نوبل للآداب.
هذا الكائن الجميل زار بلادنا هذه الأيام وكان من نجوم الدورة السادسة والثلاثين لمعرض تونس الدولي للكتاب.
حياة السايب
تونس- الصباح
عندما نلاحظ الطريقة التي استقبل بها جمهور القراء الكاتب الكندي أصيل هايتي ببحر الكارييب وضيف معرض تونس الدولي للكتاب الذي انطلق منذ 11 نوفمبر ويتواصل إلى 21 من نفس الشهر ( الدورة 36)، داني لافيريار، Dany Laferrière والتي عبر من خلالها عن حفاوة بالغة بالكاتب الذي تفصلنا عنه آلاف الأميال، نزداد قناعة بأنه لا شيء يمكن أن يقرب بين الشعوب سوى الثقافة ولا قوة تضاهي قوة الكتاب في ردم الهوة بين البشر.
الضيف بدوره وبأسلوبه الذي يمكن أن نصفه بالسهل الممتنع، زاد في القناعة بأن الكتابة ترفع الكلفة بين الناس، حتى أن الجلسة التي نظمها المعرض معه في نهاية الأسبوع، والتي حضرها جمهور كبير العدد، لم تكن ثقيلة بل مرت بسرعة واستعذب جمهور القراء أسلوب داني لافيريار في الحديث عن تجربته وعن الكتاب عموما الذي كان يستعمل فيه التشابيه من حياتنا اليومية، وبعض الطرائف التي تفاعل معها الجمهور بالضحك عدة مرات خلال الحصة التي أثارت في الكثيرين الرغبة في التعليق أو استفسار الكاتب عن بعض النقاط التي تتعلق بمسيرته الأدبية والإبداعية.
واحد من أكثر الكتاب تتويجا وتوسيما
وداني لافيريار الذي يعيش حاليا بين كندا وفرنسا بعد أن انضم إلى الأكاديمية الفرنسية منذ سنوات، من مواليد 1953 بPort-au-prince بهايتي وقضى طفولته ببلدة صغيرة بهايتي تسمى Petit-Goàve. وبعد دراسته الثانوية بالمدينة التي ولد بها وتجربة في الصحافة المحلية، هاجر الكاتب إلى المونريال بكندا. وقد واصل تجربته الصحفية في كندا التي نجح فيها بالتوازي مع ظهور أولى النجاحات في كتابة الرواية ذلك أن روايته الأولى قد حققت نجاحا كبيرا وتمت ترجمتها إلى عدة لغات كم تم اقتباسها للسينما. وكان داني المهاجر موجودا على ارض الوطن بهايتي حين ضرب زلزال هائل البلد ( جانفي 2010) وخلف خسائر بشرية ومادية هائلة وترك العالم في حالة ذهول. داني لافيريار كتب حول الحادثة كما عاشها بدون زيادة أو نقصان كما قال هو بنفسه عن كتابه الذي يحمل عنوان" كل شيء حولي يتحرك".
واليوم يعتبر داني لافيريار من أبرز كتاب العالم الفرانكفونيين وهو حائز على جوائز قيمة وتم توسيمه عديد المرات كما انه حاصل على الدكتوراه الفخرية من عدة جامعات كندية وفرنسية، حتى أنه يمكن القول أنه من أكثر الكتاب تتويجا وتوسيما، غير أنه بقي محافظا على روح الطفولة فيه، حتى أنه توجه في السنوات الأخيرة إلى الكتب المصورة وقد وصف النقاد التجربة بأنه وليدة رغبة الكاتب في استعادة عالمه الطفولي. وتبدو الملاحظة وجيهة لأن داني لافيريار وخلال الساعة التي استغرقها اللقاء معه في معرض تونس الدولي للكتاب تحدث بإطناب عن طفولته هو وعن بناته واستشهد بموقف ابنته الكبرى ( له ثلاث بنات) لما كانت طفلة عدة مرات للتدليل على بعض المواقف التي تتعلق بالتواصل بين البشر.
الكاتب الذي يعيش متنقلا بين عدة بلدان وقضى سنوات في ميامي بالولايات المتحدة الأمريكية صحبة عائلته، يهتم بالعديد من القضايا الإنسانية الحارقة ومن أبرزها قضية العنصرية.
وإذا ما عدنا إلى اللقاء الذي انعقد في إطار ركن" تجربتي مع.." بالمعرض، فإن أبرز شيء يبقى في البال هو تلك الملكة التي يتميز بها الكاتب في مخاطبة جمهوره. بأسلوب هو مزيج من التواضع والذكاء، استحوذ الكاتب على انتباه الحضور واستمعوا إليه يسرد بإيجاز ووضوح حكاية البدايات.
قال داني لا فيريار أن الكاتب يحتاج إلى قارئ حتى يصنع كتابا وقدم صورة تقريبية حول هذه العلاقة، مستوحاة من حكايات القراصنة حول الكنوز فقال أنها شبيهة بخارطة الكنز الممزقة إلى جزأين، ولا بد من توفر الجزء الذي يملكه الكاتب والجزء الذي يملكه القارئ حتى يمكن العثور على الكنز.
وجميل ذلك الوصف الذي قدمه لسكان هايتي الذين شبههم بالتونسيين عندما قال عنهم أنه لما عاد إلى بلاده لتوقيع كتابه " كل شيء من حولي يتحرك" بعد أشهر على زلزال هايتي اصطف الهايتيون من الصباح إلى حلول الليل للحصول على توقيعه، مشيرا بأسلوب فيه الكثير من الإيحاءات الى أن الهايتيين فقراء لكنهم يقرؤون كثيرا.
أسئلة عديدة طرحت على الضيف الذي أثار كما قلنا الرغبة لدى الحضور في استفساره، من بينها ما يتعلق بظروف انتخابه في الأكاديمية الفرنسية المؤسسة التي تعتبر منغلقة على نفسها، وهو ثاني صاحب بشرة سوداء ينضم إليها بعد سنغور وأول كاتب من هاتي ومن المونريال تفتح له أسوارها، سئل أيضا حول علاقته ببعض الكتاب من مشاهير العالم، وأيضا عن الهام الكاتب وجاءت الإجابات طريفة وذكية في الآن نفسه، غير أن هناك شيء يتردد لديه وهو أن الشرط الأساسي للنجاح هو التلقائية وتجنب الافتعال. فالكتابة بالنسبة له هي صياغة لأحداث أو لمشاهد بقيت مخفية في الذاكرة ثم طفت في لحظة ما. وكل واحد فينا قادر على الكتابة. لكن عليه أن ينتظر ان تطفو الذكريات على السطح.
للمكان دور في صنع النجاح
كان اللقاء كما سبق واشرنا قصيرا وعفويا، ومر بسرعة لكن كان كافيا لنعرف ما يلزم أن نعرفه عن كاتب ناجح ساهمت عدة عوامل في صنع نجاحه، من بينها مقدرته على الكتابة طبعا أو ما يسميه هو بالملكة الطبيعية، لكن للمكان دور هام في صنع هذا النجاح. ومن ابرز هذه الأماكن هايتي، التي جعلت ذاكرته مليئة بالصور التي مازال يستلهم منها إلى اليوم بعد أكثر من ثلاثين سنة على بداية المسيرة، وكندا والمونريال تحديدا التي كرمته في عدة مناسبات ورفعته إلى مراتب عليا وتوجته بأكبر جوائزها الأدبية، وهو ولأنه من طينة من يعترفون بالجميل، فإنه يطالب بمنح مونريال جائزة نوبل للآداب.
هذا الكائن الجميل زار بلادنا هذه الأيام وكان من نجوم الدورة السادسة والثلاثين لمعرض تونس الدولي للكتاب.