يتواصل نسق الإصابات والوفيات بكورونا في بلادنا في مستوى مرتفع، وتسجل تونس أمس إصابات بمتحور دلتا (الذي ظهر في الهند) ومتحور غاما (الذي ظهر في البرازيل)، زيادات في الأسعار تعرفها منتجات متعددة في الآونة الأخيرة مما يزيد الضغط على القدرة الشرائية للتونسي، في سياق أزمة اقتصادية متفاقمة، قطاعات باتت مهددة بالكامل في ظل تواصل ضغط الأزمة الصحية على غرار قطاع السياحة، كثيرون فقدوا وظائفهم أو تقلصت مداخيلهم. مؤشرات عديدة تنبئ بصائفة من العطش، وبات شح المياه يهدد القطاع الفلاحي، وانقطاعات في الماء والكهرباء. كل ذلك وأكثر وسط أزمة سياسية متواصلة لأشهر، تجاذبات من هنا وهنالك، ولا يبدو أن مخرجا يلوح في الأفق. فكيف يواجه التونسي كل هذه الضغوطات؟
لا تخلو الأحاديث الصغيرة بين غرباء يلتقون في وسيلة نقل أو مساحة للتسوق أو التدوينات على منصات الميديا الاجتماعية من عبارات تستنكر الوضع الذي تمر به البلد على جميع المستويات، أصوات تتذمر وتقول إنه "لم يعد في القلوب رحمة" وأصوات تردد "خليها على ربي" و"ماذا عسانا نفعل؟" وآخرون يتحدثون عن مقاطعة كل الأخبار التي يمكن أن تعكر صفوهم ولكنهم لا يستطيعون الفرار مما يؤثر يوما على معيشتهم وحياتهم.
سعادة في تراجع
يتحدث الخبراء بشكل مستمر عن تزايد أعداد المكتئبين في تونس، فتونس تتراجع بشكل مستمر في تصنيف السعادة العالمي وهي تحتل سنة 2021، المرتبة 128 عاليا وهي مرتبة متأخرة. وإن كانت سعادة التونسيين في تراجع، فإن ظواهر أخرى مثل العنف والانتحار واستهلاك الأدوية المهدئة والمنومة تشير إلى أن الاكتئاب والقلق في تزايد. فقد بلغت حالات الانتحار ومحاولات الانتحار بحسب التقرير الشهري للمرصد الاجتماعي التابع للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 19 حالة في ماي 2021 مقابل 14 حالة خلال شهر أفريل 2021. ظاهرة العنف متواصلة، إذا يشير المنتدى إلى أن 72 بالمائة من أنواع العنف المرصود هي العنف الإجرامي و9.84 بالمائة من العنف المؤسساتي و6.5 بالمائة من العنف في الفضاء العام بما في ذلك الفضاء الافتراضي ولا على منصة فايسبوك.
تزايد الاكتئاب والقلق
الدكتور في علم النفس أحمد لبيض يقول في تصريح لـ"الصباح" إن التونسي يواجه أزمة متعددة الأبعاد في حياته الشخصية تلتقي مع خطاب إعلامي يكرس السلبية والتشاؤم فماذا تريدين أن يفعل؟" ويتابع كثيرون فقدوا مهنهم أو تراجع دخلهم وهذا ما ترتب عنه بحسب محدثنا أكثر من ظاهرة، الظاهرة الأولى تتمثل في أن الناس وجدوا أنفسهم محاصرين في منازلهم وفي فضاءات ضيقة فيما كانوا سابقا يتحركون بكل حرية. ويضيف "راجعني سائق تاكسي مثلا وقال لي كنت لا أعود إلي البيت إلا لأنام، فإذا بي أجد نفسي أقضي ساعات طوال في البيت وهذا يولد عنده شعورا بالضيق ويتملكه القلق anxiété وهو ما تفاقم تدريجيا نحو ظاهرة الاكتئاب." ويفيد محدثنا بأن ظاهرة الاكتئاب بصدد التزايد بشكل لافت أكثر من ذي قبل وأحيانا يراجع المرضى الأطباء لآلام عرضية ولكنها في الحقيقة من عوارض الاكتئاب. ويأتي المرضى يطالبون بأدوية تساعدهم على النوم لأنهم يعانون الأرق بشكل متزايد.
ويشير الدكتور في علم النفس إلى أن القلق بصدد التزايد بشكل أكثر بروزا ويمكن أن يعبر القلقون عن أنفسهم كما يلاحظ محدثنا بالتوتر والعنف -وهي ظاهرة مستمرة كما أوضحت أرقام المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية الاقتصادية- وتتفاوت درجة العنف -كما يقول لبيض- بحسب أخلاق الإنسان فيمكن أن يصبح أكثر ميلا للصراخ أو العراك وأحيانا يمكن أن يصل الأمر إلى مد يده على شريكة حياته أو على أطفاله فقد عرف العنف المنزلي في تونس والعالم ارتفاعا وفي هذا السياق يشير المنتدى إلى أن المرأة مازالت هي الفئة الأولى لضحايا العنف في تقرير شهر ماي 2021.
والظاهرة الأخرى بحسب لبيض والتي لاحظ تفاقمها تتمثل في التفلت وعدم الالتزام الكلي بالقواعد الصحية "لأن كثيرين التزموا التزموا ثم انفلتوا، كما قالت مريضة تراجعني السوق هو الوباء نفسه، في البداية كان هنالك خوف يدفع للالتزام ولكن مع طول المدة يشعر الإنسان بالضيق فيتنصل من كل الالتزامات ويتصرف كأن شيئا لم يكن."
أروى الكعلي
تونس-الصباح
يتواصل نسق الإصابات والوفيات بكورونا في بلادنا في مستوى مرتفع، وتسجل تونس أمس إصابات بمتحور دلتا (الذي ظهر في الهند) ومتحور غاما (الذي ظهر في البرازيل)، زيادات في الأسعار تعرفها منتجات متعددة في الآونة الأخيرة مما يزيد الضغط على القدرة الشرائية للتونسي، في سياق أزمة اقتصادية متفاقمة، قطاعات باتت مهددة بالكامل في ظل تواصل ضغط الأزمة الصحية على غرار قطاع السياحة، كثيرون فقدوا وظائفهم أو تقلصت مداخيلهم. مؤشرات عديدة تنبئ بصائفة من العطش، وبات شح المياه يهدد القطاع الفلاحي، وانقطاعات في الماء والكهرباء. كل ذلك وأكثر وسط أزمة سياسية متواصلة لأشهر، تجاذبات من هنا وهنالك، ولا يبدو أن مخرجا يلوح في الأفق. فكيف يواجه التونسي كل هذه الضغوطات؟
لا تخلو الأحاديث الصغيرة بين غرباء يلتقون في وسيلة نقل أو مساحة للتسوق أو التدوينات على منصات الميديا الاجتماعية من عبارات تستنكر الوضع الذي تمر به البلد على جميع المستويات، أصوات تتذمر وتقول إنه "لم يعد في القلوب رحمة" وأصوات تردد "خليها على ربي" و"ماذا عسانا نفعل؟" وآخرون يتحدثون عن مقاطعة كل الأخبار التي يمكن أن تعكر صفوهم ولكنهم لا يستطيعون الفرار مما يؤثر يوما على معيشتهم وحياتهم.
سعادة في تراجع
يتحدث الخبراء بشكل مستمر عن تزايد أعداد المكتئبين في تونس، فتونس تتراجع بشكل مستمر في تصنيف السعادة العالمي وهي تحتل سنة 2021، المرتبة 128 عاليا وهي مرتبة متأخرة. وإن كانت سعادة التونسيين في تراجع، فإن ظواهر أخرى مثل العنف والانتحار واستهلاك الأدوية المهدئة والمنومة تشير إلى أن الاكتئاب والقلق في تزايد. فقد بلغت حالات الانتحار ومحاولات الانتحار بحسب التقرير الشهري للمرصد الاجتماعي التابع للمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية 19 حالة في ماي 2021 مقابل 14 حالة خلال شهر أفريل 2021. ظاهرة العنف متواصلة، إذا يشير المنتدى إلى أن 72 بالمائة من أنواع العنف المرصود هي العنف الإجرامي و9.84 بالمائة من العنف المؤسساتي و6.5 بالمائة من العنف في الفضاء العام بما في ذلك الفضاء الافتراضي ولا على منصة فايسبوك.
تزايد الاكتئاب والقلق
الدكتور في علم النفس أحمد لبيض يقول في تصريح لـ"الصباح" إن التونسي يواجه أزمة متعددة الأبعاد في حياته الشخصية تلتقي مع خطاب إعلامي يكرس السلبية والتشاؤم فماذا تريدين أن يفعل؟" ويتابع كثيرون فقدوا مهنهم أو تراجع دخلهم وهذا ما ترتب عنه بحسب محدثنا أكثر من ظاهرة، الظاهرة الأولى تتمثل في أن الناس وجدوا أنفسهم محاصرين في منازلهم وفي فضاءات ضيقة فيما كانوا سابقا يتحركون بكل حرية. ويضيف "راجعني سائق تاكسي مثلا وقال لي كنت لا أعود إلي البيت إلا لأنام، فإذا بي أجد نفسي أقضي ساعات طوال في البيت وهذا يولد عنده شعورا بالضيق ويتملكه القلق anxiété وهو ما تفاقم تدريجيا نحو ظاهرة الاكتئاب." ويفيد محدثنا بأن ظاهرة الاكتئاب بصدد التزايد بشكل لافت أكثر من ذي قبل وأحيانا يراجع المرضى الأطباء لآلام عرضية ولكنها في الحقيقة من عوارض الاكتئاب. ويأتي المرضى يطالبون بأدوية تساعدهم على النوم لأنهم يعانون الأرق بشكل متزايد.
ويشير الدكتور في علم النفس إلى أن القلق بصدد التزايد بشكل أكثر بروزا ويمكن أن يعبر القلقون عن أنفسهم كما يلاحظ محدثنا بالتوتر والعنف -وهي ظاهرة مستمرة كما أوضحت أرقام المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية الاقتصادية- وتتفاوت درجة العنف -كما يقول لبيض- بحسب أخلاق الإنسان فيمكن أن يصبح أكثر ميلا للصراخ أو العراك وأحيانا يمكن أن يصل الأمر إلى مد يده على شريكة حياته أو على أطفاله فقد عرف العنف المنزلي في تونس والعالم ارتفاعا وفي هذا السياق يشير المنتدى إلى أن المرأة مازالت هي الفئة الأولى لضحايا العنف في تقرير شهر ماي 2021.
والظاهرة الأخرى بحسب لبيض والتي لاحظ تفاقمها تتمثل في التفلت وعدم الالتزام الكلي بالقواعد الصحية "لأن كثيرين التزموا التزموا ثم انفلتوا، كما قالت مريضة تراجعني السوق هو الوباء نفسه، في البداية كان هنالك خوف يدفع للالتزام ولكن مع طول المدة يشعر الإنسان بالضيق فيتنصل من كل الالتزامات ويتصرف كأن شيئا لم يكن."