في خطوة مفاجئة: سعيّد يطلب وساطة زيتون للقاء الغنوشي
تونس- الصباح
بعد تعبيره قبل أيام عن استعداده لحوار مع الفاعلين السياسيين لحل الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد منذ أكثر من خمسة أشهر، وفي خطوة مفاجئة غير متوقعة بادر رئيس الجمهورية قيس سعيّد إثر لقاء جمعه أول أمس مع القيادي السابق في حركة النهضة لطفي زيتون إلى طلب لقاء ثنائي مع رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي.
وإن لم ترشح معطيات عن موعد اللقاء المرتقب بين الغنوشي وسعيد أو عن فحوى الرسالة الشفوية التي كلف بها سعيد زيتون لإيصالها إلى الغنوشي، إلا أن الخطوة السياسية تعتبر غير مسبوقة وتأتي في سياق عام يشهد مزيدا من التأزم على عديد المستويات السياسية، والصحية، والاجتماعية، والاقتصادية.
يعتبر لقاء سعيّد بزيتون لقاء مفتاحا ذا دلالة سياسية عميقة في مسار الأزمة، وجاء بعد لقاءين مهمّين حصلا في وقت متقارب جدا، كان الأول مع أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي قبل يوم 12 جوان الجاري وتم خلاله تأكيد سعيّد على استعداده مجددا لتبني حوار وطني كانت المنظمة الشغيلة قد قدمت مبادرة مفصّلة في شأنه لرئيس الجمهورية منذ نهاية نوفمبر من العام الماضي، علما أن اللقاء بين الرجلين جاء بعد قطيعة دامت لأسابيع على خلفية غضب القيادة المركزية للاتحاد من تجاهل رئيس الدولة لمبادرة الاتحاد.
اللافت في الأمر أن نتيجة اللقاء الثائي وصفها الطبوبي بالإيجابية جدا بل تحدث عن قرب انفراج الأزمة وبشّر بانطلاق قريب لحوار وطني قد يفضي إلى حلول سياسية توافقية من شانها أن تنقذ البلاد من براثن الإفلاس والاقتتال، منها قبول سعيد بمخرجات سياسية للأزمة في علاقة بخلافه مع رئيس الحكومة هشام مشيشي مثل مناقشة تمرير التحوير الوزاري المعطّل منذ نهاية جانفي الماضي شرط تعويض الوزراء المقترحين مخل الخلاف وتعويضهم بأسماء جديدة في عملية قد تمهد لقيام حكومة سياسية يقودها المشيشي نفسه.
أما اللقاء الثاني الذي سبق لقاء زيتون فقد تم قبل أسبوع تقريبا مع رؤساء حكومات سابقين، أعاد خلالها سعيد طرح وجهة نظره السياسية في مسائل خلافية في علاقة بأحكام الدستور ورؤيته للعلاقة بين السلطات الثلاث وكيفية تجاوز الأزمات التي تعرقل التنمية، فضلا عن كشفه لأول مرة موقفه من الحوار السياسي المرتقب. أما أهم معلومة صرح بها سعيد حين كشف عن وجود مخطط لاغتياله وتصفيته..
وسبق اللقاءين المذكورين لقاء مع رئيس الحكومة هشام مشيشي بصفته وزيرا للداخلية الذي كان مرفوقا بوزيرة العدل بالنيابة. وعبر سعيد خلالها عن غضبه الشديد تجاه توتر الأوضاع الأمنية في البلاد وجدد تأكيده على ضرورة تطبيق القانون وأن السلطة التنفيذية يتقاسمها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة فقط في إشارة إلى تدخل البرلمان في شأن الحكم والحكومة.
مستجدات غير سارة
لكن وفي الأثناء، وخلال اللقاءين المذكورين حصلت مستجدات غير سارة أعادت مسار الأزمة إلى مستوى الصفر، وسبب ذلك حصول أمرين اثنين مرتبطين برئيس الجمهورية يتعلق الأول بمكالمة غريبة كشف عنها الطبوبي في لقاءات حوارية إعلامية فُهم منها تراجع سعيّد المفاجئ عن وعده بالتعجيل في حوار سياسي بخصوص مصير الحكومة الحالية مشترطا استقالة مشيشي قبل الشروع في الحوار.
أما الأمر الثاني، فيتعلق بتصريح سعيّد المبهم أمام رؤساء الحكومات السابقين أغضب اتحاد الشغل والمنظمات الوطنية التي أشرفت على الحوار الوطني في أزمة 2013، ومرد الغضب حين قال سعيد بأنه لا يرغب في حوار على شاكلة حوار 2013 الذي لم يكن حوارا ولم يكن وطنيا، حسب اعتقاده.
لكنه سرعان ما استدرك أمره وحاول تفسير تصريحاته على أنها فهمت خطئًا من قبل الأمين العام لاتحاد الشغل من ذلك أنه أوضح في خطابه أمام الجالية التونسية في إيطاليا التي زارها قبل أسبوع أنه منفتح على الحوار ووصف ما تم تداوله من أخبار بوصف بعض الشخصيات التونسية باللاوطنية بـ"الزائفة"، كما عبّر عن رفضه ما وصفها بـ"صفقات الظلام"، والحوار مع ما صفهم "من نهبوا مقدرات الشعب التونسي".
ونفس الأمر، خلال اللقاء مع زيتون، جدّد سعيد استعداده للحوار، وحاول جاهدا هذه المرة تفسير مواقفه السابقة من الحوار الوطني، ردا على موجة انتقاد واسعة صدرت عن قيادات نقابية وشخصيات وطنية مثل حسين العباسي، وعميد المحامين، ومنظمة الأعراف.. ونفى سعيد اتهامه تلك منظمات أو قيادات باللاوطنية وأيضا تفسيره لدعوته إلى تعديل دستور 2014 الذي وصف أحكامه بالمقفلة وعاجزة عن حل الأزمات السياسية..
تغيرات في الخطاب والاتصال
ومهما يكن من أمر فإن المستجدات الأخيرة في علاقة بتحرك ساكن قرطاج وانفتاحه على محيطه السياسي يمكن أن نستنتج ما يلي:
تغيّر خطاب سعيد في اللقاءات الأخيرة شكلا حين بدأ يتكلم بلهجة تونسية قريبة من فهم التونسيين عوضا عن التكلم بالعربية الفصحى التي لازمته طيلة فترة توليه المنصب. أو المراوحة بين الدارجة والفصحى.. وهذا أمر جيد لكنه غير كاف إذ رغم ذلك ما تزال سمة الغموض واللبس تحيط ببعض أفكاره التي تحتاج إلى مزيد من التبسيط حتى يفهمها عامة الناس قبل النخب السياسية والنخب المثقفة.
من حيث مضمون التصريحات يتضح أن هناك رغبة من رئيس الجمهورية في حل الأزمة التي تمر بها البلاد وان يكون فاعلا وايجابيا. إذ اتضح أنه طالما اختيار الرئيس التكلم والخروج عن صمته طالما توضّحت أفكاره أكثر واقتربت من الفهم.
وقد يكون طلبه لقاء مع الطبوبي ثم رؤساء حكومات سابقين وأخيرا لقاءه مع لطفي زيتون، بهدف إيجاد مخرج للأزمة ومحاولة لكسر محاولات عزله، وللإبقاء على حبل السيطرة على مجريات الأحداث وتفاديا لأي محاولة لسحب البساط من قدميه أو عزله في قصره، وخوفا - ربما - من تهديدات مبطنة من قيادات نقابية بارزة وغاضبة في اتحاد الشغل من سحب مبادرة الحوار الوطني.
اتصاليا، محاولة إظهار سعيد وهو يتكلم أمام ضيوفه في صورة الملقن أو الأستاذ المحاضر أمام تلاميذه، مع حذف ردود أفعال الضيوف.. لا يمكن أن تسوّق دائما وبالضرورة لصورة ايجابية لرئيس الجمهورية.
خفايا الوساطة ودلالاتها
في المحصلة، طلب سعيد من زيتون للتوسط لإيصال رسائل إلى رئيس حركة النهضة يمكن قراءتها وفق سياقين:
سياق يهم سبب اختيار شخصية زيتون الذي لم يكن اعتباطيا فهو من القيادات السابقة المؤسسة لحركة النهضة وكان من بين القيادات التي انتقدت الحركة ودعتها إلى القيام بمراجعات جذرية وتقييم أدائها سياسيا وحزبيا وفكريا، كما يعتبر زيتون من بين الشخصيات التي أبدت مواقف معتدلة تجاه رئيس الجمهورية وأيّدت بعض مواقفه..
أما السياق الثاني، فيتعلق برؤية سعيّد وتحليله للأزمة، فهو بطلبه لقاء الغنوشي يعترف بدور رئيس البرلمان في مسار الأزمة، وبأنه يمسك بالطرف الآخر من خيوط اللعبة وبوصفه لاعبا رئيسيا في المشهد السياسي ككل، وبالتالي فإن جزءا كبيرا من حل أزمة الحكم وتحديد مصير الحكومة أو مناقشة فرضية الذهاب إلى انتخابات مبكرة وتعديل النظام السياسي تمر حتما عبر تفاهمات سياسية مع الغنوشي بوصفه رئيس أكبر كتلة برلمانية وأيضا بوصفه رئيسا للبرلمان..
لكن ومع ذلك، لا تبدو خطوة سعيد بطلب الوساطة للقاء الغنوشي مقنعة سياسيا. فما ضرّ لو بادر بطلبه إلى القصر الرئاسي مباشرة ودون وساطة، وما ضر لو رتب لقاء ثنائيا معه بعيدا عن أضواء الإعلام.
ولنا أن نسأل: هل تخفي هذه المبادرة رغبة دفينة لدى سعيّد بتحجيم دور اتحاد الشغل في أي حوار وطني مرتقب؟ وهل سيقبل سعيّد بحوار غير مشروط كالذي تريده النهضة؟ وأي تنازلات يمكن أن يقدمها الطرفان للتوصل إلى تفاهمات مبدئية؟ وهل سينضم لاحقا رئيس الحكومة وممثلي كتل وأحزاب أخرى إلى طاولة حوار سياسي يتم التحضير له في الخفاء؟ ام أن الأمور ستقف عند هذا اللقاء..؟
وهل يمكن اعتبار لقاء سعيد بالغنوشي، مبادرة جريئة منه لتصفية حساباته السياسية مع خصومه من الحركة وبداية تأسيس لمرحلة مهمة تعيشها تونس من عناوينها هدنة سياسية قد تمهد لانتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة بعد التوافق على تغيير قواعد اللعبة مثل تنقيح القانون الانتخابي، واستكمال إرساء المؤسسات الدستورية على رأسها المحكمة الدستورية..؟
جدير بالذكر أن سعيد أوضح خلال لقائه بزيتون أنّه دعا إلى التفكير في تصوّر جديد لتجاوز ما وصفها بـ"الأقفال الموضوعة في كلّ فصل من الدستور"، وذلك خلال حوار وطني يتم فيه تشريك الشباب. كما كانت المحادثة مناسبة – وفقا لرئاسة الجمهورية- لرفع بعض الالتباسات، ومنها خاصة أن رئيس الدولة لا يوزّع صكوك الوطنية ولا ينزعها عن أحد..
رفيق بن عبد الله
في خطوة مفاجئة: سعيّد يطلب وساطة زيتون للقاء الغنوشي
تونس- الصباح
بعد تعبيره قبل أيام عن استعداده لحوار مع الفاعلين السياسيين لحل الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد منذ أكثر من خمسة أشهر، وفي خطوة مفاجئة غير متوقعة بادر رئيس الجمهورية قيس سعيّد إثر لقاء جمعه أول أمس مع القيادي السابق في حركة النهضة لطفي زيتون إلى طلب لقاء ثنائي مع رئيس حركة النهضة ورئيس البرلمان راشد الغنوشي.
وإن لم ترشح معطيات عن موعد اللقاء المرتقب بين الغنوشي وسعيد أو عن فحوى الرسالة الشفوية التي كلف بها سعيد زيتون لإيصالها إلى الغنوشي، إلا أن الخطوة السياسية تعتبر غير مسبوقة وتأتي في سياق عام يشهد مزيدا من التأزم على عديد المستويات السياسية، والصحية، والاجتماعية، والاقتصادية.
يعتبر لقاء سعيّد بزيتون لقاء مفتاحا ذا دلالة سياسية عميقة في مسار الأزمة، وجاء بعد لقاءين مهمّين حصلا في وقت متقارب جدا، كان الأول مع أمين عام اتحاد الشغل نور الدين الطبوبي قبل يوم 12 جوان الجاري وتم خلاله تأكيد سعيّد على استعداده مجددا لتبني حوار وطني كانت المنظمة الشغيلة قد قدمت مبادرة مفصّلة في شأنه لرئيس الجمهورية منذ نهاية نوفمبر من العام الماضي، علما أن اللقاء بين الرجلين جاء بعد قطيعة دامت لأسابيع على خلفية غضب القيادة المركزية للاتحاد من تجاهل رئيس الدولة لمبادرة الاتحاد.
اللافت في الأمر أن نتيجة اللقاء الثائي وصفها الطبوبي بالإيجابية جدا بل تحدث عن قرب انفراج الأزمة وبشّر بانطلاق قريب لحوار وطني قد يفضي إلى حلول سياسية توافقية من شانها أن تنقذ البلاد من براثن الإفلاس والاقتتال، منها قبول سعيد بمخرجات سياسية للأزمة في علاقة بخلافه مع رئيس الحكومة هشام مشيشي مثل مناقشة تمرير التحوير الوزاري المعطّل منذ نهاية جانفي الماضي شرط تعويض الوزراء المقترحين مخل الخلاف وتعويضهم بأسماء جديدة في عملية قد تمهد لقيام حكومة سياسية يقودها المشيشي نفسه.
أما اللقاء الثاني الذي سبق لقاء زيتون فقد تم قبل أسبوع تقريبا مع رؤساء حكومات سابقين، أعاد خلالها سعيد طرح وجهة نظره السياسية في مسائل خلافية في علاقة بأحكام الدستور ورؤيته للعلاقة بين السلطات الثلاث وكيفية تجاوز الأزمات التي تعرقل التنمية، فضلا عن كشفه لأول مرة موقفه من الحوار السياسي المرتقب. أما أهم معلومة صرح بها سعيد حين كشف عن وجود مخطط لاغتياله وتصفيته..
وسبق اللقاءين المذكورين لقاء مع رئيس الحكومة هشام مشيشي بصفته وزيرا للداخلية الذي كان مرفوقا بوزيرة العدل بالنيابة. وعبر سعيد خلالها عن غضبه الشديد تجاه توتر الأوضاع الأمنية في البلاد وجدد تأكيده على ضرورة تطبيق القانون وأن السلطة التنفيذية يتقاسمها رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة فقط في إشارة إلى تدخل البرلمان في شأن الحكم والحكومة.
مستجدات غير سارة
لكن وفي الأثناء، وخلال اللقاءين المذكورين حصلت مستجدات غير سارة أعادت مسار الأزمة إلى مستوى الصفر، وسبب ذلك حصول أمرين اثنين مرتبطين برئيس الجمهورية يتعلق الأول بمكالمة غريبة كشف عنها الطبوبي في لقاءات حوارية إعلامية فُهم منها تراجع سعيّد المفاجئ عن وعده بالتعجيل في حوار سياسي بخصوص مصير الحكومة الحالية مشترطا استقالة مشيشي قبل الشروع في الحوار.
أما الأمر الثاني، فيتعلق بتصريح سعيّد المبهم أمام رؤساء الحكومات السابقين أغضب اتحاد الشغل والمنظمات الوطنية التي أشرفت على الحوار الوطني في أزمة 2013، ومرد الغضب حين قال سعيد بأنه لا يرغب في حوار على شاكلة حوار 2013 الذي لم يكن حوارا ولم يكن وطنيا، حسب اعتقاده.
لكنه سرعان ما استدرك أمره وحاول تفسير تصريحاته على أنها فهمت خطئًا من قبل الأمين العام لاتحاد الشغل من ذلك أنه أوضح في خطابه أمام الجالية التونسية في إيطاليا التي زارها قبل أسبوع أنه منفتح على الحوار ووصف ما تم تداوله من أخبار بوصف بعض الشخصيات التونسية باللاوطنية بـ"الزائفة"، كما عبّر عن رفضه ما وصفها بـ"صفقات الظلام"، والحوار مع ما صفهم "من نهبوا مقدرات الشعب التونسي".
ونفس الأمر، خلال اللقاء مع زيتون، جدّد سعيد استعداده للحوار، وحاول جاهدا هذه المرة تفسير مواقفه السابقة من الحوار الوطني، ردا على موجة انتقاد واسعة صدرت عن قيادات نقابية وشخصيات وطنية مثل حسين العباسي، وعميد المحامين، ومنظمة الأعراف.. ونفى سعيد اتهامه تلك منظمات أو قيادات باللاوطنية وأيضا تفسيره لدعوته إلى تعديل دستور 2014 الذي وصف أحكامه بالمقفلة وعاجزة عن حل الأزمات السياسية..
تغيرات في الخطاب والاتصال
ومهما يكن من أمر فإن المستجدات الأخيرة في علاقة بتحرك ساكن قرطاج وانفتاحه على محيطه السياسي يمكن أن نستنتج ما يلي:
تغيّر خطاب سعيد في اللقاءات الأخيرة شكلا حين بدأ يتكلم بلهجة تونسية قريبة من فهم التونسيين عوضا عن التكلم بالعربية الفصحى التي لازمته طيلة فترة توليه المنصب. أو المراوحة بين الدارجة والفصحى.. وهذا أمر جيد لكنه غير كاف إذ رغم ذلك ما تزال سمة الغموض واللبس تحيط ببعض أفكاره التي تحتاج إلى مزيد من التبسيط حتى يفهمها عامة الناس قبل النخب السياسية والنخب المثقفة.
من حيث مضمون التصريحات يتضح أن هناك رغبة من رئيس الجمهورية في حل الأزمة التي تمر بها البلاد وان يكون فاعلا وايجابيا. إذ اتضح أنه طالما اختيار الرئيس التكلم والخروج عن صمته طالما توضّحت أفكاره أكثر واقتربت من الفهم.
وقد يكون طلبه لقاء مع الطبوبي ثم رؤساء حكومات سابقين وأخيرا لقاءه مع لطفي زيتون، بهدف إيجاد مخرج للأزمة ومحاولة لكسر محاولات عزله، وللإبقاء على حبل السيطرة على مجريات الأحداث وتفاديا لأي محاولة لسحب البساط من قدميه أو عزله في قصره، وخوفا - ربما - من تهديدات مبطنة من قيادات نقابية بارزة وغاضبة في اتحاد الشغل من سحب مبادرة الحوار الوطني.
اتصاليا، محاولة إظهار سعيد وهو يتكلم أمام ضيوفه في صورة الملقن أو الأستاذ المحاضر أمام تلاميذه، مع حذف ردود أفعال الضيوف.. لا يمكن أن تسوّق دائما وبالضرورة لصورة ايجابية لرئيس الجمهورية.
خفايا الوساطة ودلالاتها
في المحصلة، طلب سعيد من زيتون للتوسط لإيصال رسائل إلى رئيس حركة النهضة يمكن قراءتها وفق سياقين:
سياق يهم سبب اختيار شخصية زيتون الذي لم يكن اعتباطيا فهو من القيادات السابقة المؤسسة لحركة النهضة وكان من بين القيادات التي انتقدت الحركة ودعتها إلى القيام بمراجعات جذرية وتقييم أدائها سياسيا وحزبيا وفكريا، كما يعتبر زيتون من بين الشخصيات التي أبدت مواقف معتدلة تجاه رئيس الجمهورية وأيّدت بعض مواقفه..
أما السياق الثاني، فيتعلق برؤية سعيّد وتحليله للأزمة، فهو بطلبه لقاء الغنوشي يعترف بدور رئيس البرلمان في مسار الأزمة، وبأنه يمسك بالطرف الآخر من خيوط اللعبة وبوصفه لاعبا رئيسيا في المشهد السياسي ككل، وبالتالي فإن جزءا كبيرا من حل أزمة الحكم وتحديد مصير الحكومة أو مناقشة فرضية الذهاب إلى انتخابات مبكرة وتعديل النظام السياسي تمر حتما عبر تفاهمات سياسية مع الغنوشي بوصفه رئيس أكبر كتلة برلمانية وأيضا بوصفه رئيسا للبرلمان..
لكن ومع ذلك، لا تبدو خطوة سعيد بطلب الوساطة للقاء الغنوشي مقنعة سياسيا. فما ضرّ لو بادر بطلبه إلى القصر الرئاسي مباشرة ودون وساطة، وما ضر لو رتب لقاء ثنائيا معه بعيدا عن أضواء الإعلام.
ولنا أن نسأل: هل تخفي هذه المبادرة رغبة دفينة لدى سعيّد بتحجيم دور اتحاد الشغل في أي حوار وطني مرتقب؟ وهل سيقبل سعيّد بحوار غير مشروط كالذي تريده النهضة؟ وأي تنازلات يمكن أن يقدمها الطرفان للتوصل إلى تفاهمات مبدئية؟ وهل سينضم لاحقا رئيس الحكومة وممثلي كتل وأحزاب أخرى إلى طاولة حوار سياسي يتم التحضير له في الخفاء؟ ام أن الأمور ستقف عند هذا اللقاء..؟
وهل يمكن اعتبار لقاء سعيد بالغنوشي، مبادرة جريئة منه لتصفية حساباته السياسية مع خصومه من الحركة وبداية تأسيس لمرحلة مهمة تعيشها تونس من عناوينها هدنة سياسية قد تمهد لانتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة بعد التوافق على تغيير قواعد اللعبة مثل تنقيح القانون الانتخابي، واستكمال إرساء المؤسسات الدستورية على رأسها المحكمة الدستورية..؟
جدير بالذكر أن سعيد أوضح خلال لقائه بزيتون أنّه دعا إلى التفكير في تصوّر جديد لتجاوز ما وصفها بـ"الأقفال الموضوعة في كلّ فصل من الدستور"، وذلك خلال حوار وطني يتم فيه تشريك الشباب. كما كانت المحادثة مناسبة – وفقا لرئاسة الجمهورية- لرفع بعض الالتباسات، ومنها خاصة أن رئيس الدولة لا يوزّع صكوك الوطنية ولا ينزعها عن أحد..