تقبع عائشة (اسم مستعار وقد اختارت عدم الكشف عن هويتها) أمام مركز البريد بغار الدماء من ولاية جندوبة تنتظر من يساعدها على سحب حوالتها المتواضعة، كي تسارع لاقتناء ما تيسر لسد رمق جوعها..تعرضت "عائشة" لحادث سير غير مجرى حياتها، وهى لم تزل في الثلاثين من عمرها، عندما اصطدمت بسيارة في حادث أدى لـسحق حبلها الشوكي وإصابة النصف السفلي من جسمها بالشلل، في كل مرة تجد صعوبة في التنقل لقضاء شؤونها.
عرضتُ عليها اصطحابها إلى شباك البريد لمساعدتها وأنا أتجاذب أطراف الحديث معها. كانت تتحدث بكل لوعة وألم عن معاناتها بسبب إعاقتها الجسدية وعن غياب الرعاية وتوفير أبسط حقوقها المتمثلة في توفير الوسائل التي تسهل حركتها والتي من المفروض أن توفرها الدولة لتسهيل حياة ذوي الإعاقة. فما توفره صناديق الضمان الاجتماعي من أجهزة يحتاجها ذوو الإعاقة إما أنها باهظة الثمن أو من النوعية غير الجيدة ، تعتبر عائشة محظوظة نوعا ما لأن جيرانها ساهموا في اقتنائها كرسي متحرك الكتروني يساعدها في التنقل بصفة فردية.
هذا الوضع ليس خاصا بعائشة بل يعاني منه العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة في ولاية جندوبة التي تعد قرابة 18 ألف شخصا حاملا لإعاقة بمختلف أصنافها حسب إحصائيات الادارة الجهوية للشؤون الاجتماعية بجندوبة وهو ما يمثل 6.5 % من المجموع الوطني لحاملي الإعاقة وحوالي 5 % من مجموع السكان للولاية.
يمثل هذا الوضع معاناة حقيقية لم تستطع الدولة التعامل معها كما يجب نظرا لغياب المرافقة المادية والصحية إذ أن المنحة المسداة تعتبر بسيطة ومتواضعة جدا لا تفي بحاجيات الدواء والأكل والتنقل وتحتاج إلى مراجعة بما يضمن العيش الكريم للمستفيدين منها. كما أن ذوي الإعاقة لازال يُنظر إليهم كحالة اجتماعية تعاني التهميش والاقصاء وغياب تطبيق قانون الأولوية في التشغيل والخدمة الإدارية الذي بقي دون تفعيل.
يتم تحديد هذه الفئة عبر الزيارات الميدانية التي تقوم بها هيئات مختصة من الادارة الجهوية للشؤون الاجتماعية، والمتابعة حيث يقع عرض الحالات على لجنة جهوية مختصة بالاشخاص ذوي الإعاقة التي تقوم بدراسة الحالات والتثبت منها ليتمكنوا فيما بعد من الحصول على بطاقات الإعاقة وتمكينهم من دفاتر علاج حسب نوعية الإعاقة وتكون اما مجانية أو بتعريفة منخفضة، لتأتي بعد ذلك الإحاطة فتكون عبر تمكينهم من الآلات الميسرة حسب نوع الإعاقة مثل الكراسي المتحركة والسماعات والعصي والنظارات الطبية.
يكون الادماج حسب احصائيات الإدارة الجهوية للشؤون الاجتماعية بجندوبة بالتدخل لتشغيل 2% بالمؤسسات العمومية والخاصة أو توفير موارد رزق لأصحاب الحرف والخدمات والصناعات حسب قانون عدد 41 لسنة 2016 من الرائد الرسمي والمؤرخ في 16 ماي 2016 والمتعلق بتنقيح القانون التوجيهي عدد 83 لسنة 2005 المؤرخ في 15 أوت 2005 المتعلق بالنهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة وحمايتهم.
كما يكون الإدماج عن طريق التكوين المهني أو الادماج في الحياة المدرسية والمهنية، باعتبار أن العديد من ذوي الإعاقة هم أصحاب حرف ومهارات يدوية متميزة.
وعن أسباب الإصابة بالإعاقة وارتفاعها في جندوبة، ترى الباحثة في علم الاجتماع نسرين بن بلڤاسم إن من أبرز أسباب الإصابة بالاعاقة وارتفاعها في ولاية جندوبة زواج الأقارب وغياب ثقافة التوعية الصحية والفحص الطبي للزوجين قبل الزواج فضلا عن غياب ثقافة التقصي والكشف المبكر لحالات الإعاقة لدى الأطفال لتتطور الحالة من بسيطة إلى معقدة يصعب تفاديها.
ومساهمة منها في مجابهة هذا الوضع الدقيق، لعبت جمعية المعوقين بجندوبة دورا مهما في العناية والإحاطة بالأشخاص ذوي الإعاقة الحاملين لإعاقة خفيفة أو متوسطة ومحاولة توجيه الاولياء وإرشادهم في كيفية التعامل مع الاعتناء بأطفالهم، و"تسعى جمعية أولياء وأصدقاء المعاقين فرع غارالدماء، بدورها إلى إدماج الأطفال من ذوي الإعاقة لتجنب إقصاءهم وتهميشهم" حسب مديرة الجمعية مبروكة الدبوسي التي أكدت على أهمية الإحاطة الاجتماعية دون تحقير أو تمييز. وشددت الدبوسي على أن تحسين هذه الوضعية تظل "مسؤولية مشتركة بين المجتمع المدني والدولة" وعلى "ضرورة القطع مع فكرة التهميش والإقصاء لأن الشخص ذوي الإعاقة هو شخص فاعل في المجتمع وقادر على التغيير والاندماج والمشاركة في الحياة اليومية مع توفر الإرادة والإيمان بما يمكن أن يقدموه للمجتمع" .
من جهته أكد السيد فوزي الجامعي رئيس جمعية أولياء وأصدقاء المعاقين أن المركز يشكو من عدة نقائص رغم المجهودات الكبيرة لإدماج فئة الاشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع و في الحياة الاقتصادية، تتمثل أبرزها في البنية التحتية المهترئة وعدم توفير فضاء ملائم لمزاولة أنشطتهم إضافة للمشاكل المالية وغياب دور الدولة في المساهمة في تطوير و تحسين هذه المراكز
صور جمعية أولياء وأصدقاء المعاقين فرع غارالدماء و مختلف الأنشطة
بقلم: منال الحرزي
تقبع عائشة (اسم مستعار وقد اختارت عدم الكشف عن هويتها) أمام مركز البريد بغار الدماء من ولاية جندوبة تنتظر من يساعدها على سحب حوالتها المتواضعة، كي تسارع لاقتناء ما تيسر لسد رمق جوعها..تعرضت "عائشة" لحادث سير غير مجرى حياتها، وهى لم تزل في الثلاثين من عمرها، عندما اصطدمت بسيارة في حادث أدى لـسحق حبلها الشوكي وإصابة النصف السفلي من جسمها بالشلل، في كل مرة تجد صعوبة في التنقل لقضاء شؤونها.
عرضتُ عليها اصطحابها إلى شباك البريد لمساعدتها وأنا أتجاذب أطراف الحديث معها. كانت تتحدث بكل لوعة وألم عن معاناتها بسبب إعاقتها الجسدية وعن غياب الرعاية وتوفير أبسط حقوقها المتمثلة في توفير الوسائل التي تسهل حركتها والتي من المفروض أن توفرها الدولة لتسهيل حياة ذوي الإعاقة. فما توفره صناديق الضمان الاجتماعي من أجهزة يحتاجها ذوو الإعاقة إما أنها باهظة الثمن أو من النوعية غير الجيدة ، تعتبر عائشة محظوظة نوعا ما لأن جيرانها ساهموا في اقتنائها كرسي متحرك الكتروني يساعدها في التنقل بصفة فردية.
هذا الوضع ليس خاصا بعائشة بل يعاني منه العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة في ولاية جندوبة التي تعد قرابة 18 ألف شخصا حاملا لإعاقة بمختلف أصنافها حسب إحصائيات الادارة الجهوية للشؤون الاجتماعية بجندوبة وهو ما يمثل 6.5 % من المجموع الوطني لحاملي الإعاقة وحوالي 5 % من مجموع السكان للولاية.
يمثل هذا الوضع معاناة حقيقية لم تستطع الدولة التعامل معها كما يجب نظرا لغياب المرافقة المادية والصحية إذ أن المنحة المسداة تعتبر بسيطة ومتواضعة جدا لا تفي بحاجيات الدواء والأكل والتنقل وتحتاج إلى مراجعة بما يضمن العيش الكريم للمستفيدين منها. كما أن ذوي الإعاقة لازال يُنظر إليهم كحالة اجتماعية تعاني التهميش والاقصاء وغياب تطبيق قانون الأولوية في التشغيل والخدمة الإدارية الذي بقي دون تفعيل.
يتم تحديد هذه الفئة عبر الزيارات الميدانية التي تقوم بها هيئات مختصة من الادارة الجهوية للشؤون الاجتماعية، والمتابعة حيث يقع عرض الحالات على لجنة جهوية مختصة بالاشخاص ذوي الإعاقة التي تقوم بدراسة الحالات والتثبت منها ليتمكنوا فيما بعد من الحصول على بطاقات الإعاقة وتمكينهم من دفاتر علاج حسب نوعية الإعاقة وتكون اما مجانية أو بتعريفة منخفضة، لتأتي بعد ذلك الإحاطة فتكون عبر تمكينهم من الآلات الميسرة حسب نوع الإعاقة مثل الكراسي المتحركة والسماعات والعصي والنظارات الطبية.
يكون الادماج حسب احصائيات الإدارة الجهوية للشؤون الاجتماعية بجندوبة بالتدخل لتشغيل 2% بالمؤسسات العمومية والخاصة أو توفير موارد رزق لأصحاب الحرف والخدمات والصناعات حسب قانون عدد 41 لسنة 2016 من الرائد الرسمي والمؤرخ في 16 ماي 2016 والمتعلق بتنقيح القانون التوجيهي عدد 83 لسنة 2005 المؤرخ في 15 أوت 2005 المتعلق بالنهوض بالأشخاص ذوي الإعاقة وحمايتهم.
كما يكون الإدماج عن طريق التكوين المهني أو الادماج في الحياة المدرسية والمهنية، باعتبار أن العديد من ذوي الإعاقة هم أصحاب حرف ومهارات يدوية متميزة.
وعن أسباب الإصابة بالإعاقة وارتفاعها في جندوبة، ترى الباحثة في علم الاجتماع نسرين بن بلڤاسم إن من أبرز أسباب الإصابة بالاعاقة وارتفاعها في ولاية جندوبة زواج الأقارب وغياب ثقافة التوعية الصحية والفحص الطبي للزوجين قبل الزواج فضلا عن غياب ثقافة التقصي والكشف المبكر لحالات الإعاقة لدى الأطفال لتتطور الحالة من بسيطة إلى معقدة يصعب تفاديها.
ومساهمة منها في مجابهة هذا الوضع الدقيق، لعبت جمعية المعوقين بجندوبة دورا مهما في العناية والإحاطة بالأشخاص ذوي الإعاقة الحاملين لإعاقة خفيفة أو متوسطة ومحاولة توجيه الاولياء وإرشادهم في كيفية التعامل مع الاعتناء بأطفالهم، و"تسعى جمعية أولياء وأصدقاء المعاقين فرع غارالدماء، بدورها إلى إدماج الأطفال من ذوي الإعاقة لتجنب إقصاءهم وتهميشهم" حسب مديرة الجمعية مبروكة الدبوسي التي أكدت على أهمية الإحاطة الاجتماعية دون تحقير أو تمييز. وشددت الدبوسي على أن تحسين هذه الوضعية تظل "مسؤولية مشتركة بين المجتمع المدني والدولة" وعلى "ضرورة القطع مع فكرة التهميش والإقصاء لأن الشخص ذوي الإعاقة هو شخص فاعل في المجتمع وقادر على التغيير والاندماج والمشاركة في الحياة اليومية مع توفر الإرادة والإيمان بما يمكن أن يقدموه للمجتمع" .
من جهته أكد السيد فوزي الجامعي رئيس جمعية أولياء وأصدقاء المعاقين أن المركز يشكو من عدة نقائص رغم المجهودات الكبيرة لإدماج فئة الاشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع و في الحياة الاقتصادية، تتمثل أبرزها في البنية التحتية المهترئة وعدم توفير فضاء ملائم لمزاولة أنشطتهم إضافة للمشاكل المالية وغياب دور الدولة في المساهمة في تطوير و تحسين هذه المراكز