إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

الشكندالي..ايطاليا مستمرة في التغريد لدعم تونس لغاية في نفس روما..

 
صمتت عواصم كثيرة عن الخوض في شؤون تونس السيادية المتصلة بالقرض المعلق مع صندوق النقد الدولي او الهجرة غير الشرعية، لكن روما لا تزال تحاول الدفع بمقاربة دعم تونس ماليا ولو دون اتفاق مع الصندوق مما شكل ظاهرة دفعت ببعض المحللين ومن بينهم استاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، رضا الشكندالي، الى اعتبار الأمر مرتبطا بكبح موجة الهجرة غير الشرعية.
ومازال تعطل التوصل، حتى الان، الى اتفاق نهائي بين تونس وصندوق النقد الدولي يراوح مكانه، بعد نيل الاتفاق موافقة خبراء الصندوق في اكتوبر 2022، دون سبب واضح باستثناء تعبير السلطات التونسية عن مخاوفها من الغاء الدعم عن المحروقات وعدم نيل الاتفاق موافقة الطرف النقابي لتنفيذه. علما وان الحصول على هذا التمويل مرتبط ببرنامج اصلاح وطني وضعته الحكومة التونسية مقابل تمويلات بقيمة 9ر1 مليار دولار .
وتحركت العجلة الدبلوماسية الدولية، مع بوادر عدم صرف القرض لتونس، والتي ذهبت في اتجاه ضرورة تمكين تونس من القرض في ظل الصعوبات المالية التي تعيشها وحالة التضخم اثر الحرب الروسية الاوكرانية، لكن هذه العجلة اصطدمت بتمسك تونس بسيادتها الوطنية والمطالبة بعدم التدخل في شؤونها وظلت ايطاليا تطالب مرار سواء على لسان رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني او مسؤولين آخرين بضرورة دعم تونس.
وتحاور وكالة تونس افريقيا للانباء في هذا المقال الخبير رضا الشكندالي حول أبعاد الدور الدبلوماسي الايطالي الساعى الى دعم تونس وعن غياب اصوات اخرى وعن الأسباب التي تدفع روما الى التمسك بمساندة تونس الى جانب الغوص في حقيقة التمويل الموعود وطبيعته ورصد افاق التحرك الدولي لفائدة تونس في المستقبل.
وات : ايطاليا تغرد مرارا لدعم تونس على مسامع عالم صامت، لماذا تستمر روما في هذا الاداء؟
الشكندالي: أرى ان إيطاليا مصرة أكثر من السلطات التونسية على دفع تونس الى برنامج الإصلاحات وإتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتخوفات روما من مخاطر زيادة الحضور الروسي أو الصيني في تونس لا تعدو أن تكون إلا من باب التبريرات التي تخفي وراءها اهدافا إيطالية متمثلة في صد الاعداد الوفيرة للمهاجرين المتوافدين عليها.
واعتقد ىان إيطاليا تفضل الاستثمار في تونس وتثبيت العمالة بصنفيها التونسي والقادم من جنوب الصحراء حتى لا تعاني من تداعيات هذه العمالة على الوضع الأمني في أراضيها وبالتالي فان مخاوف ايطاليا أمنية بامتياز اذ انها لا تريد أن تكون وجها لوجه أمام مشكل الهجرة بل تريد إبقاءه خارج ملعبها وذلك بطلبها من تونس لعب "دور الشرطي" لأوروبا في المنطقة.
وات: الدعم المالي الذي تقترحه حكومة ميلوني هل ستجيب لحاجة تونس وهل هو بمستوى الضجة المحاطه به؟
الشكندالي: تقترح ايطاليا على المشرعين الأوروبين وسلطات القرار، صفقة تعادل تقريبا نفس مبلغ القسط الأول من قرض صندوق النقد الدولي، أي ما يقارب 100 مليون أورو، نصفه فقط موجه لدعم الميزانية وهو 50 مليون أورو، وبالتالي ما يقارب 1 في المائة فقط من احتياجات تونس لسنة 2023 والمتمثلة في مبلغ 5 مليار دولار.
لكن ايطاليا تريد، في المقابل، ان يكون النصف الثاني من التمويل المتثمل في 50 مليون أورو على شكل شراء منتجات ايطالية أو لمساعدة الشركات الصغرى والمتوسطة في تونس.
وبالتالي فان الصفقة المقترحة من الجانب الإيطالي مشروطة بتوجيهها الى الإصلاحات الاقتصادية قصد طمأنة صندوق النقد الدولي بأن تونس ستمضي فعلا في الإصلاحات لكن تونس ليست في حاجة الى وساطة دولية لتتحصل على الموافقة النهائية من صندوق النقد الدولي بل الى انسجام وطني.
وعليه فان تونس تحتاج اكثر الى تهيئة الأرضية اللازمة لتنزيل الإصلاحات الاقتصادية ومنها التناغم بين رأسي السلطة التنفيذية حتى يتوفر شرط النية في المضي في الإصلاحات والتوافق مع الأطراف الفاعلة في برنامج الإصلاحات ومنها المنظمات الاجتماعية حتى تتوفر القدرة على تنزيل الإصلاحات، فالمسألة داخلية صرفة ولا علاقة لها بالوساطات الدولية.
وات: هل ان تونس التى انتقدها العالم عند لفت الأنظار الى مافيا الهجرة يمكن ان تساعد بمقابل زهيد ؟
الشكندالي: سأعرج على مسالة مهمة، أولا، إيطاليا توجد في ورطة كبيرة، اذ انها تريد أن تتفادى مخاطر الهجرة وبالتالي فهي ليست في موقع قوة عند التفاوض في هذا الموضوع، فهي تعتبر أن الخطر يكمن في عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في تونس وهي تعمل على الحد من هذا الخطر.
وثانيا على تونس أن تفاوض مع روما من أجل تغليب المصلحة الوطنية وربط علاقات شراكة قوية تكون فيها هي المستفيد الأكبر من حيث تداعيات ذلك على التشغيل وعلى التوازنات الخارجية من خلال العمل على الدفع نحو مزيد استقطاب الشركات الإيطالية للاستثمار قصد خلق فرص العمل وتنمية الصادرات حتى يتحسن الميزان التجاري وتتقلص الحاجة الى التداين الخارجي. وسيقدم هذا التوجه خدمة للمصالح الإيطالية، عبر ثبيت العمالة التونسية في تونس وتقليص أعداد المهاجرين.
وات: صمتت اصوات كثيرة عن الحديث عن تونس هل تفهّموا ضرورة احترام سيادتها ؟
الشكندالي: من البديهي ان ترتبط السيادة الوطنية بالاستقلالية الاقتصادية والمالية وبقدرة الشعوب على الاعتماد على الذات حتى تستهلك مما تنتج عوضا عن التوجه نحو توريد المواد الغذائية والفلاحية بكميات كبيرة وارهاق العجز التجاري الغذائي. واعتقد ان القبول بمساعدات غذائية من قبيل استقبال 100 شاحنة محملة بالمواد الأساسية من ليبيا او تلقي شحنة من القمح من الولايات المتحدة الأمريكية ينطوى على نوع من المس من السيادة الوطنية.
واشدد على ان السيادة الوطنية تنبع من الداخل ايضا فلا يمكن ان نتكلم عن السيادة وحقول الفسفاط معطلة وهو ما يحيلني الى التساؤل التالي: كيف نحقق سيادتنا ونحن ننتظر قرضا من صندوق النقد الدولي لا يكفي في قسطه الأول حتى لعشر ما تحتاجه تونس من موارد خارجية لسنة واحدة؟ والاجابة واضحة وتكمن في تكريس قداسة العمل وتركيز الدولة على تحسين مناخ الأعمال وانتهاج السياسات الاقتصادية محفزة خاصة في القطاع الفلاحي، مما سيسهم في تقليص العجز التجاري وخاصة منه الغذائي وتتقلص معه الحاجة الى التمويل الخارجي.
واريد ان الفت الى نقطة توجد في الجهة المقابلة لمفهوم السيادة وهي الإملاءات والتي لا اراها مضمنة في البرنامج الحكومي المعروض في اطار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي خاصة وانه حاز موافقة خبراء هذا الاخير، وهو يتضمن إجراءات فاقت المطلوب من ظرف المؤسسة التمويلية الدولية ففي موضوع الدعم، اشترط الصندوق، فقط، اصلاح منظومة الدعم أي رفعه وتوجيهه الى مستحقيه.
لكن قانون المالية لسنة 2023، والذي وقعه رئيس الجمهورية قيس سعيد ، تضمن رفع الدعم بدون توجيهه الى مستحقيه بدليل أن هذا القانون لا يحدد لا العائلات المستهدفة ولا المبالغ الواجب توجيهها الى هذه العائلات وبالتالي ذهب قانون المالية في رفع الدعم ولم يذهب في توجيهه الى مستحقيه.
والنقطة الأهم انه كان على الحكومة التونسية أن تدرس التداعيات الاجتماعية لرفع الدعم قبل تقديمه الى خبراء الصندوق للموافقة التقنية وان تقدم برنامجا آخر يأخذ بعين الاعتبار الآثار الاجتماعية لذلك، واذا ما رفض الصندوق المقترحات التي تقدمت حكومة نجلاء بودن عندها يمكن الحديث عن الاملاءات.
وات: العلاقة بين تونس والمانحين الدوليين، يلفها الصمت ألم يحن وقت المصارحة والتفاعل ؟
الشكندالي: رغم تجاوز مأزق البنك الدولي الناجم مع تصريح رئيس الجمهورية حول المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين وعودة البنك مؤخرا الى إطار الشراكة مع تونس، إلا أن هذه العودة لن تفيد البلاد في أزمتها المالية الخانقة التي تمر بها في الوقت الحالي، فإطار الشراكة يخص بعض المشاريع المتعلقة بالبنية الأساسية المدرجة في إطار المخطط الخماسي ولا علاقة له بدعم الميزانية وهو الاهم حاليا.
أما صندوق النقد الدولي، وبعد إقدامه أخيرا على خفض تقديراته للنمو الاقتصادي لتونس نحو 3ر1 بالمائة فقط عوضا عن 6ر1 بالمائة في أكتوبر 2022، فقد أبدى عدم تفاؤله بمستقبل المفاوضات مع تونس، حيث لم يدرج، الى الآن، جلسة لمجلس إدارته للموافقة النهائية على القرض وهو ينتظر الخطوة الأخيرة من طرف السلطة التنفيذية بتونس كما جاء على لسان مديرته العامة كريستالينا غورغييفا .
ولعل غورغييفا تقصد بالخطوة الأخيرة، والتي يتم التفاعل معها من قبل السلطات التونسية، هي انخراط الأطراف الفاعلة في تونس في برنامج الإصلاحات المتفق عليه في أكتوبر 2023 ومن أهم هذه الأطراف، المنظمة الشغيلة لما لها من علاقة وطيدة ببرنامج الإصلاحات لا سيما المتعلق منه بإصلاح منظومة الدعم والمؤسسات العمومية.
وأعتقد أنه يتعين ان يبدأ صانعو القرار في تونس بالتفكير في برنامج بديل يعمل بالتوازي مع برنامج الإصلاحات المتفق عليه مع خبراء صندوق النقد الدولي. ويمكن بناء البرنامج على أربع محاور مهمة تدور حول قطاع الفسفاط والتونسيين بالخارج والمؤسسات المصدرة كليا وعلى القطاع الموازي.
ولطالما دفعت في اتجاه ان يوضع قطاع الفوسفاط ومشتقاته تحت إمرة الجيش الوطني على مستوى الإنتاج والنقل والتصدير وتشكل توصيات مجلس الامن القومي الأخير، الذي اشرف عليه رئيس الجمهورية قيس سعيد ، حول ملف الفسفاط تأكيدا لسعي السلطة التنفيذية الى الدفع نحو ايجاد برنامج بديل لتعبئة التمويلات.
ويتعين على صناع القرار تشجيع التونسيين بالخارج على فتح حسابات بالعملة الصعبة مع حذف الأداء على الثروة وتحفيز المؤسسات المصدرة كليا من خلال التخفيض في الأداء على الأرباح والسعي بشكل حثيث لضم المبالغ الهامة من العملة الصعبة المتداولة في السوق السوداء الى المسالك المنظمة.
واختم بالقول ان البرنامج البديل، وان افضت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الى برمجة جلسة لمجلس الإدارة للموافقة النهائية وحصلت تونس على تمويلات منه ومن المانحين الآخرين، لن يلغى هذا الاتفاق بل يكون مساندا له ودافعا لعجلة التنمية.
وات
الشكندالي..ايطاليا مستمرة في التغريد لدعم تونس لغاية في نفس روما..
 
صمتت عواصم كثيرة عن الخوض في شؤون تونس السيادية المتصلة بالقرض المعلق مع صندوق النقد الدولي او الهجرة غير الشرعية، لكن روما لا تزال تحاول الدفع بمقاربة دعم تونس ماليا ولو دون اتفاق مع الصندوق مما شكل ظاهرة دفعت ببعض المحللين ومن بينهم استاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية، رضا الشكندالي، الى اعتبار الأمر مرتبطا بكبح موجة الهجرة غير الشرعية.
ومازال تعطل التوصل، حتى الان، الى اتفاق نهائي بين تونس وصندوق النقد الدولي يراوح مكانه، بعد نيل الاتفاق موافقة خبراء الصندوق في اكتوبر 2022، دون سبب واضح باستثناء تعبير السلطات التونسية عن مخاوفها من الغاء الدعم عن المحروقات وعدم نيل الاتفاق موافقة الطرف النقابي لتنفيذه. علما وان الحصول على هذا التمويل مرتبط ببرنامج اصلاح وطني وضعته الحكومة التونسية مقابل تمويلات بقيمة 9ر1 مليار دولار .
وتحركت العجلة الدبلوماسية الدولية، مع بوادر عدم صرف القرض لتونس، والتي ذهبت في اتجاه ضرورة تمكين تونس من القرض في ظل الصعوبات المالية التي تعيشها وحالة التضخم اثر الحرب الروسية الاوكرانية، لكن هذه العجلة اصطدمت بتمسك تونس بسيادتها الوطنية والمطالبة بعدم التدخل في شؤونها وظلت ايطاليا تطالب مرار سواء على لسان رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني او مسؤولين آخرين بضرورة دعم تونس.
وتحاور وكالة تونس افريقيا للانباء في هذا المقال الخبير رضا الشكندالي حول أبعاد الدور الدبلوماسي الايطالي الساعى الى دعم تونس وعن غياب اصوات اخرى وعن الأسباب التي تدفع روما الى التمسك بمساندة تونس الى جانب الغوص في حقيقة التمويل الموعود وطبيعته ورصد افاق التحرك الدولي لفائدة تونس في المستقبل.
وات : ايطاليا تغرد مرارا لدعم تونس على مسامع عالم صامت، لماذا تستمر روما في هذا الاداء؟
الشكندالي: أرى ان إيطاليا مصرة أكثر من السلطات التونسية على دفع تونس الى برنامج الإصلاحات وإتمام الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وتخوفات روما من مخاطر زيادة الحضور الروسي أو الصيني في تونس لا تعدو أن تكون إلا من باب التبريرات التي تخفي وراءها اهدافا إيطالية متمثلة في صد الاعداد الوفيرة للمهاجرين المتوافدين عليها.
واعتقد ىان إيطاليا تفضل الاستثمار في تونس وتثبيت العمالة بصنفيها التونسي والقادم من جنوب الصحراء حتى لا تعاني من تداعيات هذه العمالة على الوضع الأمني في أراضيها وبالتالي فان مخاوف ايطاليا أمنية بامتياز اذ انها لا تريد أن تكون وجها لوجه أمام مشكل الهجرة بل تريد إبقاءه خارج ملعبها وذلك بطلبها من تونس لعب "دور الشرطي" لأوروبا في المنطقة.
وات: الدعم المالي الذي تقترحه حكومة ميلوني هل ستجيب لحاجة تونس وهل هو بمستوى الضجة المحاطه به؟
الشكندالي: تقترح ايطاليا على المشرعين الأوروبين وسلطات القرار، صفقة تعادل تقريبا نفس مبلغ القسط الأول من قرض صندوق النقد الدولي، أي ما يقارب 100 مليون أورو، نصفه فقط موجه لدعم الميزانية وهو 50 مليون أورو، وبالتالي ما يقارب 1 في المائة فقط من احتياجات تونس لسنة 2023 والمتمثلة في مبلغ 5 مليار دولار.
لكن ايطاليا تريد، في المقابل، ان يكون النصف الثاني من التمويل المتثمل في 50 مليون أورو على شكل شراء منتجات ايطالية أو لمساعدة الشركات الصغرى والمتوسطة في تونس.
وبالتالي فان الصفقة المقترحة من الجانب الإيطالي مشروطة بتوجيهها الى الإصلاحات الاقتصادية قصد طمأنة صندوق النقد الدولي بأن تونس ستمضي فعلا في الإصلاحات لكن تونس ليست في حاجة الى وساطة دولية لتتحصل على الموافقة النهائية من صندوق النقد الدولي بل الى انسجام وطني.
وعليه فان تونس تحتاج اكثر الى تهيئة الأرضية اللازمة لتنزيل الإصلاحات الاقتصادية ومنها التناغم بين رأسي السلطة التنفيذية حتى يتوفر شرط النية في المضي في الإصلاحات والتوافق مع الأطراف الفاعلة في برنامج الإصلاحات ومنها المنظمات الاجتماعية حتى تتوفر القدرة على تنزيل الإصلاحات، فالمسألة داخلية صرفة ولا علاقة لها بالوساطات الدولية.
وات: هل ان تونس التى انتقدها العالم عند لفت الأنظار الى مافيا الهجرة يمكن ان تساعد بمقابل زهيد ؟
الشكندالي: سأعرج على مسالة مهمة، أولا، إيطاليا توجد في ورطة كبيرة، اذ انها تريد أن تتفادى مخاطر الهجرة وبالتالي فهي ليست في موقع قوة عند التفاوض في هذا الموضوع، فهي تعتبر أن الخطر يكمن في عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي في تونس وهي تعمل على الحد من هذا الخطر.
وثانيا على تونس أن تفاوض مع روما من أجل تغليب المصلحة الوطنية وربط علاقات شراكة قوية تكون فيها هي المستفيد الأكبر من حيث تداعيات ذلك على التشغيل وعلى التوازنات الخارجية من خلال العمل على الدفع نحو مزيد استقطاب الشركات الإيطالية للاستثمار قصد خلق فرص العمل وتنمية الصادرات حتى يتحسن الميزان التجاري وتتقلص الحاجة الى التداين الخارجي. وسيقدم هذا التوجه خدمة للمصالح الإيطالية، عبر ثبيت العمالة التونسية في تونس وتقليص أعداد المهاجرين.
وات: صمتت اصوات كثيرة عن الحديث عن تونس هل تفهّموا ضرورة احترام سيادتها ؟
الشكندالي: من البديهي ان ترتبط السيادة الوطنية بالاستقلالية الاقتصادية والمالية وبقدرة الشعوب على الاعتماد على الذات حتى تستهلك مما تنتج عوضا عن التوجه نحو توريد المواد الغذائية والفلاحية بكميات كبيرة وارهاق العجز التجاري الغذائي. واعتقد ان القبول بمساعدات غذائية من قبيل استقبال 100 شاحنة محملة بالمواد الأساسية من ليبيا او تلقي شحنة من القمح من الولايات المتحدة الأمريكية ينطوى على نوع من المس من السيادة الوطنية.
واشدد على ان السيادة الوطنية تنبع من الداخل ايضا فلا يمكن ان نتكلم عن السيادة وحقول الفسفاط معطلة وهو ما يحيلني الى التساؤل التالي: كيف نحقق سيادتنا ونحن ننتظر قرضا من صندوق النقد الدولي لا يكفي في قسطه الأول حتى لعشر ما تحتاجه تونس من موارد خارجية لسنة واحدة؟ والاجابة واضحة وتكمن في تكريس قداسة العمل وتركيز الدولة على تحسين مناخ الأعمال وانتهاج السياسات الاقتصادية محفزة خاصة في القطاع الفلاحي، مما سيسهم في تقليص العجز التجاري وخاصة منه الغذائي وتتقلص معه الحاجة الى التمويل الخارجي.
واريد ان الفت الى نقطة توجد في الجهة المقابلة لمفهوم السيادة وهي الإملاءات والتي لا اراها مضمنة في البرنامج الحكومي المعروض في اطار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي خاصة وانه حاز موافقة خبراء هذا الاخير، وهو يتضمن إجراءات فاقت المطلوب من ظرف المؤسسة التمويلية الدولية ففي موضوع الدعم، اشترط الصندوق، فقط، اصلاح منظومة الدعم أي رفعه وتوجيهه الى مستحقيه.
لكن قانون المالية لسنة 2023، والذي وقعه رئيس الجمهورية قيس سعيد ، تضمن رفع الدعم بدون توجيهه الى مستحقيه بدليل أن هذا القانون لا يحدد لا العائلات المستهدفة ولا المبالغ الواجب توجيهها الى هذه العائلات وبالتالي ذهب قانون المالية في رفع الدعم ولم يذهب في توجيهه الى مستحقيه.
والنقطة الأهم انه كان على الحكومة التونسية أن تدرس التداعيات الاجتماعية لرفع الدعم قبل تقديمه الى خبراء الصندوق للموافقة التقنية وان تقدم برنامجا آخر يأخذ بعين الاعتبار الآثار الاجتماعية لذلك، واذا ما رفض الصندوق المقترحات التي تقدمت حكومة نجلاء بودن عندها يمكن الحديث عن الاملاءات.
وات: العلاقة بين تونس والمانحين الدوليين، يلفها الصمت ألم يحن وقت المصارحة والتفاعل ؟
الشكندالي: رغم تجاوز مأزق البنك الدولي الناجم مع تصريح رئيس الجمهورية حول المهاجرين الأفارقة غير الشرعيين وعودة البنك مؤخرا الى إطار الشراكة مع تونس، إلا أن هذه العودة لن تفيد البلاد في أزمتها المالية الخانقة التي تمر بها في الوقت الحالي، فإطار الشراكة يخص بعض المشاريع المتعلقة بالبنية الأساسية المدرجة في إطار المخطط الخماسي ولا علاقة له بدعم الميزانية وهو الاهم حاليا.
أما صندوق النقد الدولي، وبعد إقدامه أخيرا على خفض تقديراته للنمو الاقتصادي لتونس نحو 3ر1 بالمائة فقط عوضا عن 6ر1 بالمائة في أكتوبر 2022، فقد أبدى عدم تفاؤله بمستقبل المفاوضات مع تونس، حيث لم يدرج، الى الآن، جلسة لمجلس إدارته للموافقة النهائية على القرض وهو ينتظر الخطوة الأخيرة من طرف السلطة التنفيذية بتونس كما جاء على لسان مديرته العامة كريستالينا غورغييفا .
ولعل غورغييفا تقصد بالخطوة الأخيرة، والتي يتم التفاعل معها من قبل السلطات التونسية، هي انخراط الأطراف الفاعلة في تونس في برنامج الإصلاحات المتفق عليه في أكتوبر 2023 ومن أهم هذه الأطراف، المنظمة الشغيلة لما لها من علاقة وطيدة ببرنامج الإصلاحات لا سيما المتعلق منه بإصلاح منظومة الدعم والمؤسسات العمومية.
وأعتقد أنه يتعين ان يبدأ صانعو القرار في تونس بالتفكير في برنامج بديل يعمل بالتوازي مع برنامج الإصلاحات المتفق عليه مع خبراء صندوق النقد الدولي. ويمكن بناء البرنامج على أربع محاور مهمة تدور حول قطاع الفسفاط والتونسيين بالخارج والمؤسسات المصدرة كليا وعلى القطاع الموازي.
ولطالما دفعت في اتجاه ان يوضع قطاع الفوسفاط ومشتقاته تحت إمرة الجيش الوطني على مستوى الإنتاج والنقل والتصدير وتشكل توصيات مجلس الامن القومي الأخير، الذي اشرف عليه رئيس الجمهورية قيس سعيد ، حول ملف الفسفاط تأكيدا لسعي السلطة التنفيذية الى الدفع نحو ايجاد برنامج بديل لتعبئة التمويلات.
ويتعين على صناع القرار تشجيع التونسيين بالخارج على فتح حسابات بالعملة الصعبة مع حذف الأداء على الثروة وتحفيز المؤسسات المصدرة كليا من خلال التخفيض في الأداء على الأرباح والسعي بشكل حثيث لضم المبالغ الهامة من العملة الصعبة المتداولة في السوق السوداء الى المسالك المنظمة.
واختم بالقول ان البرنامج البديل، وان افضت المفاوضات مع صندوق النقد الدولي الى برمجة جلسة لمجلس الإدارة للموافقة النهائية وحصلت تونس على تمويلات منه ومن المانحين الآخرين، لن يلغى هذا الاتفاق بل يكون مساندا له ودافعا لعجلة التنمية.
وات

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews