مشهد تصعيدي آخر تعيشه تونس على وقع موضوع الاستفتاء الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال كلمة متلفزة له بمناسبة عيد الفطر يوم الأحد الماضي.
حيث أعاد سعيد لينفخ في برنامجه السياسي وتأكيده على الذهاب منفردا الى استفتاء شعبي دون أن يحدد حول ماذا سيُستفتى التونسيون وقد خلق هذا التمشي جدلا سياسيا ودستوريا واسعين.
جدل يأتي في ظل الغموض الذي يكتنف العملية السياسية برمتها وفي ظل رفض قطاع واسع من الأحزاب والمنظمات الوطنية لتمش غير واضح المعالم .
ويرى خصومه ان كل ذلك يحصل مع تسجيل الغياب الحد الأدنى من المنافسة الشريفة بعد ان قلّم سعيد مخالب بقية السلطات وأخضعها لسلطته بمقتضى المرسوم عدد 11لسنة 2021 وهو ما حوله الى خصم وحكم في آن واحد ليزداد الغموض غموضا.
من ارتباك الاستشارة …الى إرباك الاستفتاء
كما يرى خصومه ان درجة الارتباك ارتفعت مما يوحي بأننا سندخل في أزمة أعمق واشمل وان استفتاء سعيد لن يكون الحل تماما كما هي الاستشارة الالكترونية والتي يصفها خصوم الرئيس "بالفاشلة" رغم محاولات سعيد وعدد من أنصاره إلباسها صيغ "النجاح الباهر".
وفي هذا السياق أبرز مدير معهد تونس للسياسة أحمد ادريس في تصريح لموزاييك "أن المشكل الأكبر في دعوة رئيس الجمهورية قيس سعيد لتنظيم استفتاء في غضون 90 يوما يتعلق بمشروعية الاستفتاء المرتبطة بأمرين منها أولا مدى قبول الناس الذهاب في هذا المسار على مضامين غير واضحة وعلى تغيير الدستور في حين أن الدستور تم اعتماده بشكل ديمقراطي فلماذا تغييره بطريقة أحادية.
وفي سياق آخر اعتبر أحمد إدريس أن الجزء الثاني من المشكل يتعلق بان أطرافا عديدة رافضة وتدعو لمقاطعة الاستفتاء بالتالي فإن المشاركة في الاستفتاء ستكون ضعيفة ولن تتجاوز 5 أو 10 بالمائة وهو ما سيدفع المواطنين للتشكيك في نتائج ومشروعية الاستفتاء لأنها ستعطي فكرة على أنه تم تغيير مسار شعب كامل بآراء فئة قليلة.
وأشار إلى أن المشكل الثاني يتعلق بالعزوف والمشاركة المتدنية للمجتمع في عدة محطات هامة في تونس بشكل عام منذ 2011 إلى جانب دعوة الأحزاب المعنية لمقاطعة الاستفتاء إذا تم دفعها لعدم المشاركة.
مشروعية الاستفتاء في الميزان
ولم يكن مدير معهد تونس للسياسة أحمد إدريس من يشكك في مشروعية الاستفتاء وشعبيته حيث سبقه الى ذلك أستاذ القانون صغير الزكراوي الذي دعا صراحة الى مقاطعة الاستفتاء وتجنيب البلاد كارثة سياسية.
وأكد الزكراوي في حوار له على إذاعة( إ اف ام )أنه غاضب من تمشي الرئيس وأنه سيقاطع الاستفتاء القادم، مشيرا الى أن الرئيس اغتنم الفرصة واستحوذ على المسار مضيفا "الرئيس خذلنا وخيّب آمالنا، الاستفتاء سيكون فشلا للرئيس مثلما فشلت الاستشارة، وان المناخ العام والشروط الدنيا لإقامة استفتاء غير موجودة والرئيس وحده في المشهد السياسي وخيارات الرئيس لا يمكن إصلاحها وعليه أعلن قطيعتي لخياراته ولا أريد أن أكون شاهد زور"
تشكيك …
ولا تزال الأرقام والنسب المخجلة المصرح بها بخصوص الاستفتاء الشعبي والتي بلغت اقل من 600الف مشارك تبرز في تقارير منظمات المجتمع المدني المختصة في الشأن الانتخابي حيث تؤكد مسبقا الضعف المحتمل للمشاركة الشعبية في استفتاء سعيد.
واذ يرى رئيس الدولة ان استفتاء 25جويلية مدخل للجمهورية الجديدة وإعلان عن ميلاد تونس أخرى فان خصومه لا يرون في الاستفتاء سوى "بيعة" وتثبيت محتمل لديكتاتورية جديدة خاصة وان جمهورية سعيد لم تخضع في تأسيسها لأي شرعية سياسية و دستورية وحتى شعبية.
سياقات شرعية حكم رئيس الدولة قيس سعيد شكك فيها زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي كما شككت فيها رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي حيث توجهت بانتقادات لاذعة لرئيس الجمهورية قيس سعيد على خلفية القرارات التي أعلنها ليلة العيد.
اختطاف
ونددت عبير موسي بتصريحات قيس سعيد شكلا ومضمونا حيث اعتبرت خطابه الأخير "اختطافا رسميا للدولة أمام أعين التونسيين والآن وصلنا الى نقطة اللاعودة" .
واعتبرت عبير موسي في ندوة صحفية عقدتها امس" انه من الخطر أن يقوم الرئيس بتشكيل لجنة لصياغة الدستور والإعلان عن جمهورية ثالثة اذ كيف يقوم بتعيين اللجنة التي ستقوم بصياغة الدستور هم يمررون القوانين كالاستشارة الفاشلة وبعد تدليسه لهيئة الانتخابات ويضع الهيئة على مقاسه هذا استفتاء على النموذج الإيراني" .
الاستفتاء بشروط...
وإذا كانت أطراف سياسية قد حسمت موقفها برفض الاستفتاء فإن آخرين ربطوا نجاح الاستفتاء بشروط فقد أكّد سرحان الناصري رئيس حزب “التحالف من أجل تونس” لدى حضوره في راديو ماد " أنه على رئيس الجمهوريّة قيس سعيد أن يستقيل في حال فشل الاستفتاء مشدّدًا على ضرورة اقتران الانتخابات التشريعية بانتخابات رئاسية سابقة لأوانها".
من جهته اعتبر القيادي بحركة الشعب بدرالدين القمودي في تصريح سابق لـ"الصباح" أن المشكل الحقيقي لا يكمن في روزنامة الاستفتاء الذي سيكون وفق خارطة الطريق التي أعلن عنها رئيس الجمهورية يوم 25 جويلية، بل في مضامين الاستفتاء ومحتواه.
وذكر القمودي أنهم في حركة الشعب نادوا منذ مدة طويلة بتشريك الطرف السياسي والاجتماعي في صياغة مضامين الاستفتاء لأنه من غير المنطقي أن يفاجأ الجميع يوم 25 جويلية عند الذهاب للتصويت بنعم أو لا، بفحوى السؤال المعروض على الاستفتاء وهم لم يشاركوا في إعداده. وأشار إلى أنهم يعتبرون أنه لا توجد أهمية للاستفتاء إذا لم يكن مخرجا للحوار بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية الفاعلية ومنبثقا عن هذا الحوار.
وبين القمودي أن رئيس الجمهورية أكد أكثر من مرة على أنه سيتم تنظيم حوار وقال إن الحوار انطلق على أرضية الاستشارة الوطنية وبالتالي لا بد من التذكير مرة أخرى بأهمية الحوار باعتباره شرطا ضروريا لنجاح المحطات المرتقبة، فمن حيث المبدأ الحوار ضروري للغاية ولكن هذا الحوار لا بد أن يكون على قاعدة مسار 25 جويلية.
الحوار وطني أم الاستفتاء؟
وإذ يبدو الخيار السياسي محدودا في ظل حالات اللاتواصل بين الرئيس وبين بقية تشكيلات المجتمع المدني من أحزاب ومنظمات فان الاستفتاء القادم سيشكل في واقع الأمر اختبارا ثانيا لشعبية قيس سعيد ومشروعه المرفوض مجتمعيا.
ويبقى السؤال الأبرز أيهما سيحل الأزمة الخانقة للبلاد حوار وطني شامل دون إقصاء كما طالب الاتحاد العام التونسي للشغل والأحزاب أم استفتاء سعيد يوم 25جويلية القادم؟
خليل الحناشي
تونس-الصباح
مشهد تصعيدي آخر تعيشه تونس على وقع موضوع الاستفتاء الذي أعلن عنه رئيس الجمهورية قيس سعيد خلال كلمة متلفزة له بمناسبة عيد الفطر يوم الأحد الماضي.
حيث أعاد سعيد لينفخ في برنامجه السياسي وتأكيده على الذهاب منفردا الى استفتاء شعبي دون أن يحدد حول ماذا سيُستفتى التونسيون وقد خلق هذا التمشي جدلا سياسيا ودستوريا واسعين.
جدل يأتي في ظل الغموض الذي يكتنف العملية السياسية برمتها وفي ظل رفض قطاع واسع من الأحزاب والمنظمات الوطنية لتمش غير واضح المعالم .
ويرى خصومه ان كل ذلك يحصل مع تسجيل الغياب الحد الأدنى من المنافسة الشريفة بعد ان قلّم سعيد مخالب بقية السلطات وأخضعها لسلطته بمقتضى المرسوم عدد 11لسنة 2021 وهو ما حوله الى خصم وحكم في آن واحد ليزداد الغموض غموضا.
من ارتباك الاستشارة …الى إرباك الاستفتاء
كما يرى خصومه ان درجة الارتباك ارتفعت مما يوحي بأننا سندخل في أزمة أعمق واشمل وان استفتاء سعيد لن يكون الحل تماما كما هي الاستشارة الالكترونية والتي يصفها خصوم الرئيس "بالفاشلة" رغم محاولات سعيد وعدد من أنصاره إلباسها صيغ "النجاح الباهر".
وفي هذا السياق أبرز مدير معهد تونس للسياسة أحمد ادريس في تصريح لموزاييك "أن المشكل الأكبر في دعوة رئيس الجمهورية قيس سعيد لتنظيم استفتاء في غضون 90 يوما يتعلق بمشروعية الاستفتاء المرتبطة بأمرين منها أولا مدى قبول الناس الذهاب في هذا المسار على مضامين غير واضحة وعلى تغيير الدستور في حين أن الدستور تم اعتماده بشكل ديمقراطي فلماذا تغييره بطريقة أحادية.
وفي سياق آخر اعتبر أحمد إدريس أن الجزء الثاني من المشكل يتعلق بان أطرافا عديدة رافضة وتدعو لمقاطعة الاستفتاء بالتالي فإن المشاركة في الاستفتاء ستكون ضعيفة ولن تتجاوز 5 أو 10 بالمائة وهو ما سيدفع المواطنين للتشكيك في نتائج ومشروعية الاستفتاء لأنها ستعطي فكرة على أنه تم تغيير مسار شعب كامل بآراء فئة قليلة.
وأشار إلى أن المشكل الثاني يتعلق بالعزوف والمشاركة المتدنية للمجتمع في عدة محطات هامة في تونس بشكل عام منذ 2011 إلى جانب دعوة الأحزاب المعنية لمقاطعة الاستفتاء إذا تم دفعها لعدم المشاركة.
مشروعية الاستفتاء في الميزان
ولم يكن مدير معهد تونس للسياسة أحمد إدريس من يشكك في مشروعية الاستفتاء وشعبيته حيث سبقه الى ذلك أستاذ القانون صغير الزكراوي الذي دعا صراحة الى مقاطعة الاستفتاء وتجنيب البلاد كارثة سياسية.
وأكد الزكراوي في حوار له على إذاعة( إ اف ام )أنه غاضب من تمشي الرئيس وأنه سيقاطع الاستفتاء القادم، مشيرا الى أن الرئيس اغتنم الفرصة واستحوذ على المسار مضيفا "الرئيس خذلنا وخيّب آمالنا، الاستفتاء سيكون فشلا للرئيس مثلما فشلت الاستشارة، وان المناخ العام والشروط الدنيا لإقامة استفتاء غير موجودة والرئيس وحده في المشهد السياسي وخيارات الرئيس لا يمكن إصلاحها وعليه أعلن قطيعتي لخياراته ولا أريد أن أكون شاهد زور"
تشكيك …
ولا تزال الأرقام والنسب المخجلة المصرح بها بخصوص الاستفتاء الشعبي والتي بلغت اقل من 600الف مشارك تبرز في تقارير منظمات المجتمع المدني المختصة في الشأن الانتخابي حيث تؤكد مسبقا الضعف المحتمل للمشاركة الشعبية في استفتاء سعيد.
واذ يرى رئيس الدولة ان استفتاء 25جويلية مدخل للجمهورية الجديدة وإعلان عن ميلاد تونس أخرى فان خصومه لا يرون في الاستفتاء سوى "بيعة" وتثبيت محتمل لديكتاتورية جديدة خاصة وان جمهورية سعيد لم تخضع في تأسيسها لأي شرعية سياسية و دستورية وحتى شعبية.
سياقات شرعية حكم رئيس الدولة قيس سعيد شكك فيها زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي كما شككت فيها رئيسة الحزب الدستوري الحر عبير موسي حيث توجهت بانتقادات لاذعة لرئيس الجمهورية قيس سعيد على خلفية القرارات التي أعلنها ليلة العيد.
اختطاف
ونددت عبير موسي بتصريحات قيس سعيد شكلا ومضمونا حيث اعتبرت خطابه الأخير "اختطافا رسميا للدولة أمام أعين التونسيين والآن وصلنا الى نقطة اللاعودة" .
واعتبرت عبير موسي في ندوة صحفية عقدتها امس" انه من الخطر أن يقوم الرئيس بتشكيل لجنة لصياغة الدستور والإعلان عن جمهورية ثالثة اذ كيف يقوم بتعيين اللجنة التي ستقوم بصياغة الدستور هم يمررون القوانين كالاستشارة الفاشلة وبعد تدليسه لهيئة الانتخابات ويضع الهيئة على مقاسه هذا استفتاء على النموذج الإيراني" .
الاستفتاء بشروط...
وإذا كانت أطراف سياسية قد حسمت موقفها برفض الاستفتاء فإن آخرين ربطوا نجاح الاستفتاء بشروط فقد أكّد سرحان الناصري رئيس حزب “التحالف من أجل تونس” لدى حضوره في راديو ماد " أنه على رئيس الجمهوريّة قيس سعيد أن يستقيل في حال فشل الاستفتاء مشدّدًا على ضرورة اقتران الانتخابات التشريعية بانتخابات رئاسية سابقة لأوانها".
من جهته اعتبر القيادي بحركة الشعب بدرالدين القمودي في تصريح سابق لـ"الصباح" أن المشكل الحقيقي لا يكمن في روزنامة الاستفتاء الذي سيكون وفق خارطة الطريق التي أعلن عنها رئيس الجمهورية يوم 25 جويلية، بل في مضامين الاستفتاء ومحتواه.
وذكر القمودي أنهم في حركة الشعب نادوا منذ مدة طويلة بتشريك الطرف السياسي والاجتماعي في صياغة مضامين الاستفتاء لأنه من غير المنطقي أن يفاجأ الجميع يوم 25 جويلية عند الذهاب للتصويت بنعم أو لا، بفحوى السؤال المعروض على الاستفتاء وهم لم يشاركوا في إعداده. وأشار إلى أنهم يعتبرون أنه لا توجد أهمية للاستفتاء إذا لم يكن مخرجا للحوار بين مختلف الأطراف السياسية والاجتماعية الفاعلية ومنبثقا عن هذا الحوار.
وبين القمودي أن رئيس الجمهورية أكد أكثر من مرة على أنه سيتم تنظيم حوار وقال إن الحوار انطلق على أرضية الاستشارة الوطنية وبالتالي لا بد من التذكير مرة أخرى بأهمية الحوار باعتباره شرطا ضروريا لنجاح المحطات المرتقبة، فمن حيث المبدأ الحوار ضروري للغاية ولكن هذا الحوار لا بد أن يكون على قاعدة مسار 25 جويلية.
الحوار وطني أم الاستفتاء؟
وإذ يبدو الخيار السياسي محدودا في ظل حالات اللاتواصل بين الرئيس وبين بقية تشكيلات المجتمع المدني من أحزاب ومنظمات فان الاستفتاء القادم سيشكل في واقع الأمر اختبارا ثانيا لشعبية قيس سعيد ومشروعه المرفوض مجتمعيا.
ويبقى السؤال الأبرز أيهما سيحل الأزمة الخانقة للبلاد حوار وطني شامل دون إقصاء كما طالب الاتحاد العام التونسي للشغل والأحزاب أم استفتاء سعيد يوم 25جويلية القادم؟