* سلع مفقودة.. رفوف فارغة والتونسي في هستيريا البحث عن القوت
تونس - الصباح
حالة من الاستنفار وحركية غير معهودة..، طوابير أمام بعض الأجنحة... تهافت لا مثيل له على مواد بعينها.. هكذا هو الحال صباح أمس في أحدى الفضاءات التجارية الكبرى فالمشهد العام كان يٌوحي ودون مبالغة بان البلاد على وشك أن تعيش حالة حرب..، الكل يتزود والكل يتهافت والكل يسعى الى ملء عربته قبل ان تختفي مجددا بعض المواد كمادة السكر والفرينة..
الزمان الساعة العاشرة ونصف صباحا، المكان إحدى الفضاءات التجارية الكبرى..، إقبال "غريب" من قبل المواطنين على التبضّع وشراء مختلف المواد الغذائية الأساسية خاصة أن هذا الإقبال كان معتادا نهاية كل أسبوع أو قبيل الاقتراب من مناسبات معينة..، وبينما نحن نتجول بين الأروقة المخصصة لبيع مختلف المواد الغذائية تناهى الى سمعنا العبارات التالية:"زعمة فمّة سكر وفارينة؟"... "زعمة جابو سميد وزيت"؟
كل الاهتمام كان منكبا على تأمين المواد السالفة الذكر وحتى غيرها، فالجناح المخصص مثلا لبيع مادة "المقرونة" شهد وعلى غير العادة إقبالا منقطع النظير ورغم انه تم التنصيص من خلال معلّقة على أن الكمية المسموح بها للشراء يجب أن لا تتجاوز أربع علب من مادة المقرونة... إلا أن التونسي وكالمعتاد فقد خرق هذا الشرط لتمتلئ بذلك العربات بشتى أنواع هذه المادة بما يوحي إلى أن البلاد قد تعيش في الإبان نقصا فادحا أو أزمة "مقرونة"...
ونحن نتجول بين العربات الممتلئة بشتى أنواع المواد الغذائية لا سيما مادة "المقرونة" تحدثنا سيدة من بعيد قائلة "السكر جا برا اخلط قبل ما يوفى"، وتشير بإصبعها الى مكان خصص لعرض هذه المادة التي أضحت اليوم "عملة نادرة" وماهي إلا دقائق معدودات حتى اندثرت هذه المادة مجددا...
أسئلة عديدة تجول بخاطرنا: ما الذي يحدث؟ هل نعيش حالة استنفار؟ ام اننا مهددون بأزمة غذائية وشيكة؟ ما هذا التهافت الغير المبرر؟
وجدناها تتحسّر لأنها لم تستطع الظفر بعلبة من مادة السكر هي سيدة في العقد الخامس من عمرها تقول باستياء:"ما إن أعلمني احد القائمين على الأجنحة بأنهم جلبوا مادة السكر حتى ركضت سريعا لكن دون جدوى فالمادة قد نفدت سريعا، مستنكرة سعي البعض الى التزود بلهفة الأمر الذي خلق نقصا فظيعا في هذه المواد مطالبة في الإطار نفسه القائمين على جميع الفضاءات التجارية بمراقبة تزود الحريف بالمواد التي تشهد نقصا".
في المقابل تبدو السيدة زينب (موظفة) في أحسن حال فقد استطاعت التزود بأكثر من علبة سكر كانت تخفيها بحذر شديد داخل عربتها المخصصة للتبضع وهاهي تتجول بين الأروقة في انتظار وصول مادة الفرينة بعد أن اعلمها احد الموظفين بأنه من المنتظر أن يتم توفير هذه المادة في غضون الساعات القادمة...
عن سبب هذه الحركية وهذا الإقبال غير المعهود على التزود تقول السيدة زينب أن السوق يشهد حاليا نقصا حادا في عدد من المواد الأساسية كالسكر والفرينة والأرز.. وشهر رمضان على الأبواب ومن المتوقع من وجهة نظرها أن "تختفي" هذه المواد في قادم الأيام لأنه يقع تهريبها الى الخارج على حد قولها داعية الهياكل الرسمية الى التصدي لهذه الظاهرة التي باتت تهدد جديا قوت التونسي وأمنه الغذائي..
غير بعيد عن السيدة زينب يقف محمد أمين (إطار بشركة) وقد بدت على وجهه علامات الدهشة والاستغراب مما يدور من حوله، يقول محمد أمين ساخرا اعتقد أن "الحرب في تونس وليست في أوكرانيا" مبديا دهشته من هذا التهافت غير المبرر على اقتناء المواد التي تشهد حاليا نقصا وبكميات كبيرة متسائلا باستهزاء إن كان نسق التزويد حاليا بهذا الشكل فكيف سيكون واقع الحال خلال الأيام القادمة التي نقترب فيها من شهر رمضان..
يكاد يكون محمد أمين الاستثناء الوحيد بالأمس فغالبية الشهادات التي استقتها "الصباح" بما أن الجميع على تمام الاقتناع باننا مهددون بأزمة غذائية مرتقبة، كما أن السواد الأعظم كان منهمكا في ملء العربات بشتى أصناف المواد الغذائية سيما مادة "المقرونة".
السيدة علياء (وهو اسم مستعار) كانت بصدد التبضع هي وزجها فقد اضطرت إلى اخذ إجازة بنصف يوم من عملها حتى يتسنى لها توفير كافة المواد التي تنقصها فمن وجهة نظرها فان الحرب التي تدور حاليا في أوكرانيا سيكون لها في الإبان تداعيات وخيمة على الأمن الغذائي للتونسي..
فيما أكد زوجها أن الهياكل الرسمية في إشارة الى وزارة التجارة تخفي وجود أزمة حادة في بعض المواد مشيرا الى أن المسؤولين لطالما يؤكدون في معرض تصريحاتهم الإعلامية أن المخزون الحالي كاف على امتداد الأشهر القادمة وانه تم تزويد السوق بكافة المواد التي تشهد نقصا وهو ما تفنده معظم أروقة المغازات والفضاءات التجارية الكبرى التي أصبحت شبه خالية من هذه المواد لاسيما مادتي الفرينة والسكر.
كان سامي (موظف) يتابع من قريب حديثنا مع السيدة علياء وزوجها ثم سرعان ما انضم إلينا، ويعتبر سامي أن سبب الداء هو تفاقم ظاهرة التهريب وعجز الدولة عن ردعها ومقاومتها والا ما كانت بعض منتوجاتنا تسجل حضورها في عدد من الدول الأوروبية (في إشارة الى ما تم تداوله مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي من وصول مادة الفرينة والسكر الى كندا وهو ما فندته بشدة مصادر رسمية لـ "الصباح" معتبرة أن ما يٌروج غير منطقي بالمرة) داعيا في هذا الإطار صناع القرار الى ضبط استراتيجية فعالة لمقاومة ظاهرتي التهريب والاحتكار...
في هذا الخصوص وحول النقص الحاصل في بعض المواد الأساسية التي أصبحت اليوم "عملة نادرة" تؤكد الجهات الرسمية في معرض تصريحاتها الإعلامية أن الوضع "عال العال" حيث أوضح أول أمس المدير المركزي للديوان التونسي للتجارة سامي بوعزيز في تصريح لـ"موزاييك أف أم" أن طاقة استيعاب وتوزيع الديوان بميناء رادس من المواد الاستهلاكية المكلفة بتوفيرها للمواطن وهي السكر والأرز والشاي بأسعار محددة من الدولة تتم بصفة عادية على كامل تراب البلاد بمعدل 1000 طن يوميا بالنسبة لمادة الأرز.
وأبرز سامي بوعزيز أنه تم خلال هذه الأيام تسجيل ارتفاع في نسب التزويد بمادة السكر لتتجاوز المعدل العادي أي 2000 طن يوميا وبالنسبة لمادة الأرز فإنها تقدر بـ140 طنا يوميا .
وبين أن تزويد الحرفاء من تجار الجملة والمساحات التجارية الكبرى يتم وفق قائمة إسمية محددة ومرخص لها من وزارة التجارة وتضم بين 20 إلى 30 تاجر جملة ومساحات تجارية كبرى.
كما فسر سامي بوعزيز أن الديوان يحتوي على مخزون استهلاكي لفترة شهرين إلى 3 أشهر، موضحا أن دورهم يقتصر على التوريد والتعليب والتوزيع فقط..
وبالتوازي مع تصريحات المدير المركزي للديوان التونسي للتجارة فقد أكد رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي في تصريح لـ "الصباح" أن المخزون الاستراتيجي الحالي يكفي الى حدود شهر جوان المقبل قائلا:"لا داعي للخوف ولا داعي أيضا للّهفة"، مؤكدا أيضا توفر المواد التالية : السكر والفرينة والسميد، مستنكرا في الإطار نفسه التداعيات التي أفرزها تواصل ظاهرة التهريب حيث تمكنت وزارة التجارة مؤخرا من حجز عديد الأطنان من المواد الغذائية مفندا بشدة ما يروج في مواقع التواصل الاجتماعي الى وصول منتوجاتنا الى بعض الدول الأوروبية مؤكدا ان الدولة التونسية تتحكم في جميع المواني وبالتالي فان ما يروج ليس منطقيا.
وشدد رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك على ضرورة أن يرشد التونسي من استهلاكه لان المخزون متوفر وما من موجب للقلق والخوف..
ورغم أن المغازات والفضاءات التجارية وكل نقاط البيع خالية تماما من مادة الأرز فقد أكد أمس مدير الاستغلال ومتابعة المناولين بالديوان التونسي للتجارة صلاح الدين بن عون الله في تصريح لـ "الجوهرة أف أم"، توفر مادة الأرز بكميات كبيرة حيث أشار إلى أن هناك مخزونا متوفرا بـ 3150 طنا جاهزا للتعليب بمعدل 140 طنا يوميا، مشيرا في هذا السياق الى توفر 70 طنا من هذه المادة الاستهلاكية حاليا بوحدة التعليب بحلق الوادي و70 طنا أخرى بسوسة و1500 طن بحاويات بميناء رادس. كما أفاد بأن كمية أخرى بألفي طن ينتظر وصولها في شهر أفريل المقبل.
وأوضح أن ادارته مكلفة بتعليب الأرز والشاي وبتزويد السوق بنحو 150 طنا من الأرز يوميا، مرجحا أن يكون الاحتكار واللهفة وراء فقدان مادة الأرز بالأسواق.
لكن واقع الحال في الفضاءات التجارية الكبرى أو في المغازات او حتى في الدكاكين الصغيرة لا يتناغم مطلقا مع التصريحات الرسمية حيث يعكس نقصا حادا في المواد السالفة الذكر والتي تعتبر أساسية لعمل بعض القطاعات والمجالات كالمخابز وحتى وان تم توفير هذه الكميات فإنها سرعان ما تنفد في غضون دقائق لان السواد الأعظم غير مقتنع بالمرة بان المخزون الاستراتيجي يوفر أريحية إلى حدود شهر جوان القادم بل انه على تمام الاقتناع بأننا مقبلون على أيام "عجاف".. في هذا الخصوص لعل ما زاد الطين بلة هو تفاقم ظاهرة الاحتكار الأمر الذي ادى الى ارتباك في التزويد حيث أفادت وزارة التجارة وتنمية الصادرات، في بلاغ لها الاحد الماضي أن البرنامج الخصوصي للمراقبة الاقتصادية، مكّن خلال الفترة الممتدة بين 2 و4 مارس 2022 من رفع 872 مخالفة اقتصادية تم بقتضاها حجز912 طنا من المواد الغذائية (سميد، فرينة، سكر، أرز، مواد أخرى و47 طنا من الخضر والغلال (بطاطا وتفاح) و6690 بيضة و719 لترا من الزيت النباتي). والى جانب 4996 علبة تبغ هذا بالتوازي مع حجز 2,45 طن من المواد العلفية والاسمدة و6040 قطعة آجر...
كما تم ايضا في عديد الولايات حجز العديد من المواد التي تشهد حاليا نقصا على غرار ولاية المنستير أين تم حجز اكثر من 4 اطنان من مادتي السميد والفرينة...
في هذا الخضم وبالعودة إلى جولتنا داخل إحدى الفضاءات التجارية الكبرى اين الجميع في حالة استنفار ظل سؤال يطرح بإلحاح: هل بلغت أزمة الثقة بين المواطن والدولة هذا الحد؟ الكل على اقتناع تام بان تصريحات المسؤولين تعكس تعتيما عن حقيقة الوضع الذي سيشهد قريبا ازمة غذائية ستزيد من حدتها الحرب التي تدور حاليا في اوكرانيا..
غادرنا المكان ليتناهى الى سمعنا في موقف السيارات صوت سيدتين في العقد الخامس من العمر تتبادلان الحديث التالي: "زعمة نلقاو الروز" والاخرى ترد "انشاء الله يطلعوا جابوا الفرينة"...
منال حرزي
* سلع مفقودة.. رفوف فارغة والتونسي في هستيريا البحث عن القوت
تونس - الصباح
حالة من الاستنفار وحركية غير معهودة..، طوابير أمام بعض الأجنحة... تهافت لا مثيل له على مواد بعينها.. هكذا هو الحال صباح أمس في أحدى الفضاءات التجارية الكبرى فالمشهد العام كان يٌوحي ودون مبالغة بان البلاد على وشك أن تعيش حالة حرب..، الكل يتزود والكل يتهافت والكل يسعى الى ملء عربته قبل ان تختفي مجددا بعض المواد كمادة السكر والفرينة..
الزمان الساعة العاشرة ونصف صباحا، المكان إحدى الفضاءات التجارية الكبرى..، إقبال "غريب" من قبل المواطنين على التبضّع وشراء مختلف المواد الغذائية الأساسية خاصة أن هذا الإقبال كان معتادا نهاية كل أسبوع أو قبيل الاقتراب من مناسبات معينة..، وبينما نحن نتجول بين الأروقة المخصصة لبيع مختلف المواد الغذائية تناهى الى سمعنا العبارات التالية:"زعمة فمّة سكر وفارينة؟"... "زعمة جابو سميد وزيت"؟
كل الاهتمام كان منكبا على تأمين المواد السالفة الذكر وحتى غيرها، فالجناح المخصص مثلا لبيع مادة "المقرونة" شهد وعلى غير العادة إقبالا منقطع النظير ورغم انه تم التنصيص من خلال معلّقة على أن الكمية المسموح بها للشراء يجب أن لا تتجاوز أربع علب من مادة المقرونة... إلا أن التونسي وكالمعتاد فقد خرق هذا الشرط لتمتلئ بذلك العربات بشتى أنواع هذه المادة بما يوحي إلى أن البلاد قد تعيش في الإبان نقصا فادحا أو أزمة "مقرونة"...
ونحن نتجول بين العربات الممتلئة بشتى أنواع المواد الغذائية لا سيما مادة "المقرونة" تحدثنا سيدة من بعيد قائلة "السكر جا برا اخلط قبل ما يوفى"، وتشير بإصبعها الى مكان خصص لعرض هذه المادة التي أضحت اليوم "عملة نادرة" وماهي إلا دقائق معدودات حتى اندثرت هذه المادة مجددا...
أسئلة عديدة تجول بخاطرنا: ما الذي يحدث؟ هل نعيش حالة استنفار؟ ام اننا مهددون بأزمة غذائية وشيكة؟ ما هذا التهافت الغير المبرر؟
وجدناها تتحسّر لأنها لم تستطع الظفر بعلبة من مادة السكر هي سيدة في العقد الخامس من عمرها تقول باستياء:"ما إن أعلمني احد القائمين على الأجنحة بأنهم جلبوا مادة السكر حتى ركضت سريعا لكن دون جدوى فالمادة قد نفدت سريعا، مستنكرة سعي البعض الى التزود بلهفة الأمر الذي خلق نقصا فظيعا في هذه المواد مطالبة في الإطار نفسه القائمين على جميع الفضاءات التجارية بمراقبة تزود الحريف بالمواد التي تشهد نقصا".
في المقابل تبدو السيدة زينب (موظفة) في أحسن حال فقد استطاعت التزود بأكثر من علبة سكر كانت تخفيها بحذر شديد داخل عربتها المخصصة للتبضع وهاهي تتجول بين الأروقة في انتظار وصول مادة الفرينة بعد أن اعلمها احد الموظفين بأنه من المنتظر أن يتم توفير هذه المادة في غضون الساعات القادمة...
عن سبب هذه الحركية وهذا الإقبال غير المعهود على التزود تقول السيدة زينب أن السوق يشهد حاليا نقصا حادا في عدد من المواد الأساسية كالسكر والفرينة والأرز.. وشهر رمضان على الأبواب ومن المتوقع من وجهة نظرها أن "تختفي" هذه المواد في قادم الأيام لأنه يقع تهريبها الى الخارج على حد قولها داعية الهياكل الرسمية الى التصدي لهذه الظاهرة التي باتت تهدد جديا قوت التونسي وأمنه الغذائي..
غير بعيد عن السيدة زينب يقف محمد أمين (إطار بشركة) وقد بدت على وجهه علامات الدهشة والاستغراب مما يدور من حوله، يقول محمد أمين ساخرا اعتقد أن "الحرب في تونس وليست في أوكرانيا" مبديا دهشته من هذا التهافت غير المبرر على اقتناء المواد التي تشهد حاليا نقصا وبكميات كبيرة متسائلا باستهزاء إن كان نسق التزويد حاليا بهذا الشكل فكيف سيكون واقع الحال خلال الأيام القادمة التي نقترب فيها من شهر رمضان..
يكاد يكون محمد أمين الاستثناء الوحيد بالأمس فغالبية الشهادات التي استقتها "الصباح" بما أن الجميع على تمام الاقتناع باننا مهددون بأزمة غذائية مرتقبة، كما أن السواد الأعظم كان منهمكا في ملء العربات بشتى أصناف المواد الغذائية سيما مادة "المقرونة".
السيدة علياء (وهو اسم مستعار) كانت بصدد التبضع هي وزجها فقد اضطرت إلى اخذ إجازة بنصف يوم من عملها حتى يتسنى لها توفير كافة المواد التي تنقصها فمن وجهة نظرها فان الحرب التي تدور حاليا في أوكرانيا سيكون لها في الإبان تداعيات وخيمة على الأمن الغذائي للتونسي..
فيما أكد زوجها أن الهياكل الرسمية في إشارة الى وزارة التجارة تخفي وجود أزمة حادة في بعض المواد مشيرا الى أن المسؤولين لطالما يؤكدون في معرض تصريحاتهم الإعلامية أن المخزون الحالي كاف على امتداد الأشهر القادمة وانه تم تزويد السوق بكافة المواد التي تشهد نقصا وهو ما تفنده معظم أروقة المغازات والفضاءات التجارية الكبرى التي أصبحت شبه خالية من هذه المواد لاسيما مادتي الفرينة والسكر.
كان سامي (موظف) يتابع من قريب حديثنا مع السيدة علياء وزوجها ثم سرعان ما انضم إلينا، ويعتبر سامي أن سبب الداء هو تفاقم ظاهرة التهريب وعجز الدولة عن ردعها ومقاومتها والا ما كانت بعض منتوجاتنا تسجل حضورها في عدد من الدول الأوروبية (في إشارة الى ما تم تداوله مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي من وصول مادة الفرينة والسكر الى كندا وهو ما فندته بشدة مصادر رسمية لـ "الصباح" معتبرة أن ما يٌروج غير منطقي بالمرة) داعيا في هذا الإطار صناع القرار الى ضبط استراتيجية فعالة لمقاومة ظاهرتي التهريب والاحتكار...
في هذا الخصوص وحول النقص الحاصل في بعض المواد الأساسية التي أصبحت اليوم "عملة نادرة" تؤكد الجهات الرسمية في معرض تصريحاتها الإعلامية أن الوضع "عال العال" حيث أوضح أول أمس المدير المركزي للديوان التونسي للتجارة سامي بوعزيز في تصريح لـ"موزاييك أف أم" أن طاقة استيعاب وتوزيع الديوان بميناء رادس من المواد الاستهلاكية المكلفة بتوفيرها للمواطن وهي السكر والأرز والشاي بأسعار محددة من الدولة تتم بصفة عادية على كامل تراب البلاد بمعدل 1000 طن يوميا بالنسبة لمادة الأرز.
وأبرز سامي بوعزيز أنه تم خلال هذه الأيام تسجيل ارتفاع في نسب التزويد بمادة السكر لتتجاوز المعدل العادي أي 2000 طن يوميا وبالنسبة لمادة الأرز فإنها تقدر بـ140 طنا يوميا .
وبين أن تزويد الحرفاء من تجار الجملة والمساحات التجارية الكبرى يتم وفق قائمة إسمية محددة ومرخص لها من وزارة التجارة وتضم بين 20 إلى 30 تاجر جملة ومساحات تجارية كبرى.
كما فسر سامي بوعزيز أن الديوان يحتوي على مخزون استهلاكي لفترة شهرين إلى 3 أشهر، موضحا أن دورهم يقتصر على التوريد والتعليب والتوزيع فقط..
وبالتوازي مع تصريحات المدير المركزي للديوان التونسي للتجارة فقد أكد رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك لطفي الرياحي في تصريح لـ "الصباح" أن المخزون الاستراتيجي الحالي يكفي الى حدود شهر جوان المقبل قائلا:"لا داعي للخوف ولا داعي أيضا للّهفة"، مؤكدا أيضا توفر المواد التالية : السكر والفرينة والسميد، مستنكرا في الإطار نفسه التداعيات التي أفرزها تواصل ظاهرة التهريب حيث تمكنت وزارة التجارة مؤخرا من حجز عديد الأطنان من المواد الغذائية مفندا بشدة ما يروج في مواقع التواصل الاجتماعي الى وصول منتوجاتنا الى بعض الدول الأوروبية مؤكدا ان الدولة التونسية تتحكم في جميع المواني وبالتالي فان ما يروج ليس منطقيا.
وشدد رئيس المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك على ضرورة أن يرشد التونسي من استهلاكه لان المخزون متوفر وما من موجب للقلق والخوف..
ورغم أن المغازات والفضاءات التجارية وكل نقاط البيع خالية تماما من مادة الأرز فقد أكد أمس مدير الاستغلال ومتابعة المناولين بالديوان التونسي للتجارة صلاح الدين بن عون الله في تصريح لـ "الجوهرة أف أم"، توفر مادة الأرز بكميات كبيرة حيث أشار إلى أن هناك مخزونا متوفرا بـ 3150 طنا جاهزا للتعليب بمعدل 140 طنا يوميا، مشيرا في هذا السياق الى توفر 70 طنا من هذه المادة الاستهلاكية حاليا بوحدة التعليب بحلق الوادي و70 طنا أخرى بسوسة و1500 طن بحاويات بميناء رادس. كما أفاد بأن كمية أخرى بألفي طن ينتظر وصولها في شهر أفريل المقبل.
وأوضح أن ادارته مكلفة بتعليب الأرز والشاي وبتزويد السوق بنحو 150 طنا من الأرز يوميا، مرجحا أن يكون الاحتكار واللهفة وراء فقدان مادة الأرز بالأسواق.
لكن واقع الحال في الفضاءات التجارية الكبرى أو في المغازات او حتى في الدكاكين الصغيرة لا يتناغم مطلقا مع التصريحات الرسمية حيث يعكس نقصا حادا في المواد السالفة الذكر والتي تعتبر أساسية لعمل بعض القطاعات والمجالات كالمخابز وحتى وان تم توفير هذه الكميات فإنها سرعان ما تنفد في غضون دقائق لان السواد الأعظم غير مقتنع بالمرة بان المخزون الاستراتيجي يوفر أريحية إلى حدود شهر جوان القادم بل انه على تمام الاقتناع بأننا مقبلون على أيام "عجاف".. في هذا الخصوص لعل ما زاد الطين بلة هو تفاقم ظاهرة الاحتكار الأمر الذي ادى الى ارتباك في التزويد حيث أفادت وزارة التجارة وتنمية الصادرات، في بلاغ لها الاحد الماضي أن البرنامج الخصوصي للمراقبة الاقتصادية، مكّن خلال الفترة الممتدة بين 2 و4 مارس 2022 من رفع 872 مخالفة اقتصادية تم بقتضاها حجز912 طنا من المواد الغذائية (سميد، فرينة، سكر، أرز، مواد أخرى و47 طنا من الخضر والغلال (بطاطا وتفاح) و6690 بيضة و719 لترا من الزيت النباتي). والى جانب 4996 علبة تبغ هذا بالتوازي مع حجز 2,45 طن من المواد العلفية والاسمدة و6040 قطعة آجر...
كما تم ايضا في عديد الولايات حجز العديد من المواد التي تشهد حاليا نقصا على غرار ولاية المنستير أين تم حجز اكثر من 4 اطنان من مادتي السميد والفرينة...
في هذا الخضم وبالعودة إلى جولتنا داخل إحدى الفضاءات التجارية الكبرى اين الجميع في حالة استنفار ظل سؤال يطرح بإلحاح: هل بلغت أزمة الثقة بين المواطن والدولة هذا الحد؟ الكل على اقتناع تام بان تصريحات المسؤولين تعكس تعتيما عن حقيقة الوضع الذي سيشهد قريبا ازمة غذائية ستزيد من حدتها الحرب التي تدور حاليا في اوكرانيا..
غادرنا المكان ليتناهى الى سمعنا في موقف السيارات صوت سيدتين في العقد الخامس من العمر تتبادلان الحديث التالي: "زعمة نلقاو الروز" والاخرى ترد "انشاء الله يطلعوا جابوا الفرينة"...