على مدى السنوات العشر الماضية، اختارت الحكومات المتعاقبة إضافة ضرائب ورسوم جديدة عبر قوانين المالية السنوية منها والتكميلية من خلال 531 بندا جديدا منذ سنة 2011. إلا أن هذه الاجراءات عجزت عن توفير الموارد الذاتية الكافية وتحولت إلى أداة معطلة للسياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تتطلبها المرحلة ولم تحقق الانتظارات على مستوى إرساء العدالة الجبائية، بل أدت إلى ارتفاع الضغط الجبائي والاجتماعي إلى مستوى 32.5٪ ومنها 25.4 ٪ للعبء الضريبي وحده.
وكجزء من إعادة التفكير في حلول عملية للأزمة الحالية، نقترح إصلاحات رئيسية لتوجيه العبء الجبائي وتعزيز الامتثال الجبائي وكذلك لإعادة النظر في هيكلة المنظومة الجبائية وجعلها أداة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام والشامل الذي يحقق عدالة اجتماعية أكثر فعالية.
أولا وضع نظام جبائي مبسّط وعادل وأكثر نجاعة
لقد خلقت كثرة التعديلات المستمرة والمتعددة الواردة في 19 قانون مالية خلال العشرية الأخيرة نوعا من التذبذب في تنفيذ واستمرارية المنظومة التشريعية وأدت إلى تعقيد النطام الجبائي وصعوبة في استيعاب معالمه حتى من طرف المختصين وجعلت منه نظاما غير عادل وغير ناجع. وقد أظهرت أحدث الأرقام الصادرة عن مؤشر التنافسية للمنتدى الاقتصادي العالمي أن تونس تأتي في المرتبة 108 على مستوى دفع الضرائب سنة 2020. علاوة على أنها ضمن أكثر الدول إثقالا لكاهل مواطنيها بالضرائب.
ومن أجل معالجة أوجه القصور هذه، لابد من إعادة تجميع التشريعات الجبائية المتفاوتة في إطار مجلة موحدة للضرائب تحت سقف تصور كامل لمنظومة ناجعة مدرة للأموال على خزينة الدولة مع الحرص على تطبيق الإجراءات العالقة كالضريبة على مداخيل الفنانين والرياضيين...
وبنفس القدر من الأهمية، لا بد من إرساء نظام جبائي مبسّط ومتناسق ومحكم وأكثر عدالة، يسهل تطبيقه وغير قابل للتأويل ويقلل من نطاق التهرب الضريبي من خلال الاستفادة من الثغرات والاستثناءات، أو اعتماد تفسير غير مقصود للتشاريع الجبائية المتشعبة.
ثانيا رقمنة الإدارة الجبائية
بالرغم من الجهود المبذولة في مجال الرقمنة، إلا أن الحاجة تبقى ماسة إلى التسريع في تحديث مجمل أساليب التعامل مع الإدارة الجبائية. إذ إن الرقمنة تساعد على مكافحة التهرب الضريبي وتكريس الشفافية والحدّ من ممارسات الفساد.
فضلا عن ذلك، هناك عوامل أخرى يجب الإسراع فيها، وهي تبسيط الإجراءات المتعلقة بالتصريح على الضريبة عبر رقمنة التعاملات للابتعاد عن التعامل المباشر مع الإدارة لتكريس الشفافية والحدّ من ممارسات الفساد.
ثالثا تجنب الازدواج الجبائي
بالرغم من المجهودات المبذولة لتجنب الازدواج الضريبي إلا أن السياسة الجبائية لم تعرف تغيرا ملموسا يتماشى مع واقع علاقاتها الاقتصادية واتجاه المؤسسات المصدرة في السنوات الأخيرة نحو أسواق جديدة خاصة الافريقية منها. وهو ما من شأنه مضاعفة العبء الجبائي الذي تتحمله الشركات والتأثير على مداخيلها وعائدات استثماراتها. كماقد ينجر عن هذه المشكلة التهرب والغش الجبائي خاصة في مجال الخدمات.
وتماشيا مع تطور واقع العلاقات الاقتصاديةالتونسية أصبح من الضروري تطوير شبكة الاتفاقيات لتفادي الازدواج الضريبي خاصة مع الدول الإفريقية. وفي انتظار ذلك يقترح خصم الأداءات المدفوعة من قبل المؤسسات المصدرة في البلدان الأجنبية.
رابعا التصدي للتهرب الجبائي
تقتضي مكافحة التهرب الجبائي، بشكل أساسي إصلاح مختلف أجهزة الإدارة الرقابية الجبائية والمالية العمومية وتطوير كفاءة الموارد البشرية لأنه من المتعارف عليه أنه كلما قلت كفاءة الإدارة الجبائية كلما زاد التهرب. هذا بالإضافة إلى ضرورة توفير الوسائل والإمكانيات الحديثة في التعاملات الجبائية.
كما يشترط إرساء البنية التشريعية اللازمة لمكافحة التهرب الجبائي والتي تغطي جمع الفئات الاقتصادية مع وضع نظام خاص للمهن الحرة وغيرها من المهن والأنشطة المدرة للأموال، والتي لا تخضع لنسبة جباية محددة، بل إلى مبلغ جزافي، يرتكز على التقدير العشوائي للأرباح بطريقة غير علمية.
من خلال ما تقدم أضحى من المتأكد إرساء ثقافة جبائية لا تعتمد بشكل أساسي على زيادة الإيرادات الضريبية عبر الترفيع في نسبة الضريبة أو فرض ضرائب جديدة أو حتى توسيع القاعدة الخاضعة للضريبة، ولكن بتحسين الالتزام الضريبي الطوعي للمختلف الفاعلين الاقتصاديين.
وتتطلب الإصلاحات الجبائية الناجعة إرادة سياسية قوية لتحقيق توازن صعب ودقيق بين المقتضيات الاقتصادية والمتطلبات الاجتماعية، أي بين الجدوى والعدالة، وجهود طموحة في التنسيق الضريبي، لتبسيط التشاريع والإجراءات الجبائية، تُبذل عبر إعادة تجميع الأحكام الضريبية المتفاوتة ووضعها في إطار عام موحدّ للضرائب، علاوة على ضمان استقرار ومصداقية للتشريع الجبائي.
شكيب بن مصطفى
على مدى السنوات العشر الماضية، اختارت الحكومات المتعاقبة إضافة ضرائب ورسوم جديدة عبر قوانين المالية السنوية منها والتكميلية من خلال 531 بندا جديدا منذ سنة 2011. إلا أن هذه الاجراءات عجزت عن توفير الموارد الذاتية الكافية وتحولت إلى أداة معطلة للسياسات الاجتماعية والاقتصادية التي تتطلبها المرحلة ولم تحقق الانتظارات على مستوى إرساء العدالة الجبائية، بل أدت إلى ارتفاع الضغط الجبائي والاجتماعي إلى مستوى 32.5٪ ومنها 25.4 ٪ للعبء الضريبي وحده.
وكجزء من إعادة التفكير في حلول عملية للأزمة الحالية، نقترح إصلاحات رئيسية لتوجيه العبء الجبائي وتعزيز الامتثال الجبائي وكذلك لإعادة النظر في هيكلة المنظومة الجبائية وجعلها أداة لتحقيق النمو الاقتصادي المستدام والشامل الذي يحقق عدالة اجتماعية أكثر فعالية.
أولا وضع نظام جبائي مبسّط وعادل وأكثر نجاعة
لقد خلقت كثرة التعديلات المستمرة والمتعددة الواردة في 19 قانون مالية خلال العشرية الأخيرة نوعا من التذبذب في تنفيذ واستمرارية المنظومة التشريعية وأدت إلى تعقيد النطام الجبائي وصعوبة في استيعاب معالمه حتى من طرف المختصين وجعلت منه نظاما غير عادل وغير ناجع. وقد أظهرت أحدث الأرقام الصادرة عن مؤشر التنافسية للمنتدى الاقتصادي العالمي أن تونس تأتي في المرتبة 108 على مستوى دفع الضرائب سنة 2020. علاوة على أنها ضمن أكثر الدول إثقالا لكاهل مواطنيها بالضرائب.
ومن أجل معالجة أوجه القصور هذه، لابد من إعادة تجميع التشريعات الجبائية المتفاوتة في إطار مجلة موحدة للضرائب تحت سقف تصور كامل لمنظومة ناجعة مدرة للأموال على خزينة الدولة مع الحرص على تطبيق الإجراءات العالقة كالضريبة على مداخيل الفنانين والرياضيين...
وبنفس القدر من الأهمية، لا بد من إرساء نظام جبائي مبسّط ومتناسق ومحكم وأكثر عدالة، يسهل تطبيقه وغير قابل للتأويل ويقلل من نطاق التهرب الضريبي من خلال الاستفادة من الثغرات والاستثناءات، أو اعتماد تفسير غير مقصود للتشاريع الجبائية المتشعبة.
ثانيا رقمنة الإدارة الجبائية
بالرغم من الجهود المبذولة في مجال الرقمنة، إلا أن الحاجة تبقى ماسة إلى التسريع في تحديث مجمل أساليب التعامل مع الإدارة الجبائية. إذ إن الرقمنة تساعد على مكافحة التهرب الضريبي وتكريس الشفافية والحدّ من ممارسات الفساد.
فضلا عن ذلك، هناك عوامل أخرى يجب الإسراع فيها، وهي تبسيط الإجراءات المتعلقة بالتصريح على الضريبة عبر رقمنة التعاملات للابتعاد عن التعامل المباشر مع الإدارة لتكريس الشفافية والحدّ من ممارسات الفساد.
ثالثا تجنب الازدواج الجبائي
بالرغم من المجهودات المبذولة لتجنب الازدواج الضريبي إلا أن السياسة الجبائية لم تعرف تغيرا ملموسا يتماشى مع واقع علاقاتها الاقتصادية واتجاه المؤسسات المصدرة في السنوات الأخيرة نحو أسواق جديدة خاصة الافريقية منها. وهو ما من شأنه مضاعفة العبء الجبائي الذي تتحمله الشركات والتأثير على مداخيلها وعائدات استثماراتها. كماقد ينجر عن هذه المشكلة التهرب والغش الجبائي خاصة في مجال الخدمات.
وتماشيا مع تطور واقع العلاقات الاقتصاديةالتونسية أصبح من الضروري تطوير شبكة الاتفاقيات لتفادي الازدواج الضريبي خاصة مع الدول الإفريقية. وفي انتظار ذلك يقترح خصم الأداءات المدفوعة من قبل المؤسسات المصدرة في البلدان الأجنبية.
رابعا التصدي للتهرب الجبائي
تقتضي مكافحة التهرب الجبائي، بشكل أساسي إصلاح مختلف أجهزة الإدارة الرقابية الجبائية والمالية العمومية وتطوير كفاءة الموارد البشرية لأنه من المتعارف عليه أنه كلما قلت كفاءة الإدارة الجبائية كلما زاد التهرب. هذا بالإضافة إلى ضرورة توفير الوسائل والإمكانيات الحديثة في التعاملات الجبائية.
كما يشترط إرساء البنية التشريعية اللازمة لمكافحة التهرب الجبائي والتي تغطي جمع الفئات الاقتصادية مع وضع نظام خاص للمهن الحرة وغيرها من المهن والأنشطة المدرة للأموال، والتي لا تخضع لنسبة جباية محددة، بل إلى مبلغ جزافي، يرتكز على التقدير العشوائي للأرباح بطريقة غير علمية.
من خلال ما تقدم أضحى من المتأكد إرساء ثقافة جبائية لا تعتمد بشكل أساسي على زيادة الإيرادات الضريبية عبر الترفيع في نسبة الضريبة أو فرض ضرائب جديدة أو حتى توسيع القاعدة الخاضعة للضريبة، ولكن بتحسين الالتزام الضريبي الطوعي للمختلف الفاعلين الاقتصاديين.
وتتطلب الإصلاحات الجبائية الناجعة إرادة سياسية قوية لتحقيق توازن صعب ودقيق بين المقتضيات الاقتصادية والمتطلبات الاجتماعية، أي بين الجدوى والعدالة، وجهود طموحة في التنسيق الضريبي، لتبسيط التشاريع والإجراءات الجبائية، تُبذل عبر إعادة تجميع الأحكام الضريبية المتفاوتة ووضعها في إطار عام موحدّ للضرائب، علاوة على ضمان استقرار ومصداقية للتشريع الجبائي.