إن للجباية في تونس تاريخ قديم، ويعلم الجميع اليوم ثورة صاحب الحمار وثورة على بن غذاهم وثورة 3 جانفي 1984، وهذه كلها جميعا أحداث مرتبطة بالجباية، وانطلق سوء تدبير الجباية منذ سنة 1864 وأدت إلى ثورة بن غذاهم، واضمحلال الدولة، ليجد الباي نفسه مجبورا لمضاعفة الجباية، وذلك بسبب تشييد مؤسسات مكلفة آنذاك الأمر الذي دفع بالمسؤولين في تلك الحقبة إلى البحث عن موارد جديدة تستجيب لمتطلبات النفقات العامة وأرغم الباي في ذلك الوقت على التراجع بعد قيام ثورة ضده، والزعيم الحبيب بورقيبة في سنة 1984 مر بنفس الأحداث ما دفعه لقول كلمته الشهيرة "نرجعو وين كنا"، ونفس الأمر قام به الباي في فترة سابقة، والنتيجة هي البحث عن الاقتراض في ظل غياب موارد ذاتية، فحكومة البايات ذهبت للاقتراض آنذاك وأغرقت البلاد في الديون، وبعد 5 سنوات وتحديدا سنة 1869 وجدت البلاد التونسية نفسها عاجزة عن خلاص الديون، وأصبحت تونس محل متابعة من لجنة مالية خارجية تشرف على المالية العمومية للبلاد التونسية، ويتم استخلاص كافة الديون لفائدتهم وما تبقى يتم منحه للباي، وفشلت جميع الإصلاحات الجبائية في تلك الحقبة لوجود فوضى شاملة.
إن الاكراهات اليوم هي أكثر من المالية، فالديمقراطية في الغرب بنيت على الضرائب، وعلى الجباية، وخصوصا في فرنسا وبريطانيا، حيث يصادق الموطنون عبر نوابهم على الضرائب، لكن تتم محاسبتهم فيما بعد على أي تقاعس، ومن هنا تبلورت المسؤولية السياسية للحكومة والمتابعة والمساءلة، في حين الضرائب في العالم العربي، تتضمن شرطا أساسيا هو القبولية، ورغم أننا اليوم في تونس نعد من بين البلدان الأكثر فرضا للضرائب في إفريقيا والعالم العربي، إلا أن هذا الجانب يعد ضعفا فادحا للدولة التونسية، فالجباية في المنطقة الغربية، مسألة فنية فقط، والبلاد التونسية منذ الاستقلال أصبحت هي الأخرى مجرد مسألة فنية متروكة للخبراء ونذهب إلى البرلمان للمصادقة فقط، وقل ما صارت نقاشات جدية في البرلمان التونسي حول الضرائب، وباختصار يمكن القول انه لم يقع نقاش جدي إطلاقا في تونس في المسائل المتعلقة بالجباية داخل البرلمان.
وعلى سبيل المثال، الزعيم الحبيب بورقيبة، كان يتحاشى الخوض في المسائل الجبائية، وذلك بعد أن تعرض لموجة صد كبيرة خلال التطرق لها في خطابين، رغم انه قام بإصلاحات كبيرة وهامة في كافة الميادين، وكان على علم بان الجباية لها ارتباط وثيق بالديمقراطية، ونفس الأمر لبن علي والذي ظهر معه مصطلح المشاريع الرئاسية، في حين أن الشعب لا يعلم أن تلك المشاريع من ماله الخاص.
وهنا لا بد من اخذ كل الحيطة من تواصل لجوء الدولة التونسية للاقتراض، خاصة أن كل قرض يقابله ضرائب جديدة ستغرق كاهل التونسيين، وتتسبب في انهيار قدرتهم الشرائية، علما وان 90 بالمائة من الموارد الذاتية لتونس هي من الموارد الضريبية، والاقتراض ضريبة مؤجلة تستنزف الأجيال.
فمشكل الدولة التونسية اليوم يكمن في الفواتير التقديرية، والتصاريح الجبائية، أمام وضع مالي يرثى له، وحان الوقت لمصارحة الشعب التونسي وضرورة مساهمته ولو بشكل بسيط في الالتزام بدفع الضرائب، معتبرا أن الجباية في تونس باتت مسألة فنية يتم تناولها على نطاق ضيق، إلى جانب كثرة النصوص القانونية في الجباية والتي زادت من صعوبة الأمر، مشددا على ضرورة تدوين النصوص، والتقليص منها في ظل العولمة والانفتاح التجاري بين كافة بلدان العالم، والذي يستدعي مراجعة شاملة لمنظومة الجباية حتى لا تخسر تونس أسواقا اقتصادية مهمة في الخارج.
ناجي بكوش العميد السابق لكلية الحقوق بصفاقس
إن للجباية في تونس تاريخ قديم، ويعلم الجميع اليوم ثورة صاحب الحمار وثورة على بن غذاهم وثورة 3 جانفي 1984، وهذه كلها جميعا أحداث مرتبطة بالجباية، وانطلق سوء تدبير الجباية منذ سنة 1864 وأدت إلى ثورة بن غذاهم، واضمحلال الدولة، ليجد الباي نفسه مجبورا لمضاعفة الجباية، وذلك بسبب تشييد مؤسسات مكلفة آنذاك الأمر الذي دفع بالمسؤولين في تلك الحقبة إلى البحث عن موارد جديدة تستجيب لمتطلبات النفقات العامة وأرغم الباي في ذلك الوقت على التراجع بعد قيام ثورة ضده، والزعيم الحبيب بورقيبة في سنة 1984 مر بنفس الأحداث ما دفعه لقول كلمته الشهيرة "نرجعو وين كنا"، ونفس الأمر قام به الباي في فترة سابقة، والنتيجة هي البحث عن الاقتراض في ظل غياب موارد ذاتية، فحكومة البايات ذهبت للاقتراض آنذاك وأغرقت البلاد في الديون، وبعد 5 سنوات وتحديدا سنة 1869 وجدت البلاد التونسية نفسها عاجزة عن خلاص الديون، وأصبحت تونس محل متابعة من لجنة مالية خارجية تشرف على المالية العمومية للبلاد التونسية، ويتم استخلاص كافة الديون لفائدتهم وما تبقى يتم منحه للباي، وفشلت جميع الإصلاحات الجبائية في تلك الحقبة لوجود فوضى شاملة.
إن الاكراهات اليوم هي أكثر من المالية، فالديمقراطية في الغرب بنيت على الضرائب، وعلى الجباية، وخصوصا في فرنسا وبريطانيا، حيث يصادق الموطنون عبر نوابهم على الضرائب، لكن تتم محاسبتهم فيما بعد على أي تقاعس، ومن هنا تبلورت المسؤولية السياسية للحكومة والمتابعة والمساءلة، في حين الضرائب في العالم العربي، تتضمن شرطا أساسيا هو القبولية، ورغم أننا اليوم في تونس نعد من بين البلدان الأكثر فرضا للضرائب في إفريقيا والعالم العربي، إلا أن هذا الجانب يعد ضعفا فادحا للدولة التونسية، فالجباية في المنطقة الغربية، مسألة فنية فقط، والبلاد التونسية منذ الاستقلال أصبحت هي الأخرى مجرد مسألة فنية متروكة للخبراء ونذهب إلى البرلمان للمصادقة فقط، وقل ما صارت نقاشات جدية في البرلمان التونسي حول الضرائب، وباختصار يمكن القول انه لم يقع نقاش جدي إطلاقا في تونس في المسائل المتعلقة بالجباية داخل البرلمان.
وعلى سبيل المثال، الزعيم الحبيب بورقيبة، كان يتحاشى الخوض في المسائل الجبائية، وذلك بعد أن تعرض لموجة صد كبيرة خلال التطرق لها في خطابين، رغم انه قام بإصلاحات كبيرة وهامة في كافة الميادين، وكان على علم بان الجباية لها ارتباط وثيق بالديمقراطية، ونفس الأمر لبن علي والذي ظهر معه مصطلح المشاريع الرئاسية، في حين أن الشعب لا يعلم أن تلك المشاريع من ماله الخاص.
وهنا لا بد من اخذ كل الحيطة من تواصل لجوء الدولة التونسية للاقتراض، خاصة أن كل قرض يقابله ضرائب جديدة ستغرق كاهل التونسيين، وتتسبب في انهيار قدرتهم الشرائية، علما وان 90 بالمائة من الموارد الذاتية لتونس هي من الموارد الضريبية، والاقتراض ضريبة مؤجلة تستنزف الأجيال.
فمشكل الدولة التونسية اليوم يكمن في الفواتير التقديرية، والتصاريح الجبائية، أمام وضع مالي يرثى له، وحان الوقت لمصارحة الشعب التونسي وضرورة مساهمته ولو بشكل بسيط في الالتزام بدفع الضرائب، معتبرا أن الجباية في تونس باتت مسألة فنية يتم تناولها على نطاق ضيق، إلى جانب كثرة النصوص القانونية في الجباية والتي زادت من صعوبة الأمر، مشددا على ضرورة تدوين النصوص، والتقليص منها في ظل العولمة والانفتاح التجاري بين كافة بلدان العالم، والذي يستدعي مراجعة شاملة لمنظومة الجباية حتى لا تخسر تونس أسواقا اقتصادية مهمة في الخارج.