شهدت تونس قبل انتصاب الاستعمار الفرنسي عام 1881 حربا اقتصاديا ومالية شنتها عليها باريس واستهدفت إضعاف اقتصادها وعرقلة حركتها الإصلاحية التي باشرتها في منتصف ذلك القرن التاسع عشر. وقد دعمت هذه الحرب بحرب إعلامية أخرى شنتها الصحافة الفرنسية في باريس لتبرير احتلال البلاد مستعملة كل وسائل التضليل والمغالطات التي تصاحب عادة الحروب الاستعمارية، عبر قلب الحقائق ومغالطة الرأي العام الداخلي والخارجي. واستندت الحملة العسكرية الفرنسية على تونس علي حملة اعلامية مصاحبة.
وطيلة أكثر من نصف قرن، ظلت القوة الاستعمارية الفرنسية تتحين الفرصة المناسبة لتحقيق أطماعها في تونس منذ احتلالها الجزائر المجاورة عام 1830 وعجز الخلافة العثمانية عن الدفاع عنها وهي إحدى إيالاتها .
وفي نظر المؤرخين، فإن الإصلاحات التي بادر بها، تحت ضغط الأحداث الباي المشير أحمد باشا باي الذي حكم من 1837 الي 1855، سمحت بإدخال إصلاحات إدارية وعسكرية وتعليمية كان لها الفضل في تأخير حلول الاستعمار. ومن بين تلك الإصلاحات تطوير الجيش ورفع قدراته العصرية وبعث المدرسة الحربية بباردو التي كانت تسمي مدرسة المهندسين وإضفاء الطابع الوطني التونسي على مؤسسات الدولة والتعامل الندي مع كل من السلطنة العثمانية ومع فرنسا المحتلة للبلاد المجاورة. وقد قام الباي بزيارة إلى فرنسا عام 1846 وأصدر في نفس السنة قانون منع الرق قبل فرنسا وأمريكا . وكان في سباق مع الزمن لتلافي انتصاب الاستعمار الفرنسي، خاصة مع تصاعد تدخلات القناصل الأوروبيين خاصة لفرنسا وبريطانيا. وكان معجبا بدرجة التقدم في فرنسا وفي ايطاليا بالخصوص التي تنحدر منها والدته الإيطالية حيث كان متأثرا خاصة بأخواله الايطاليين حسب المصادر التاريخية . وقد أصيب بشلل نصفي ظل يعاني منه حتى وفاته، بعد أن فر قابض الدولة محمود بن عياد بكامل خزينة الدولة عام 1852 إلى باريس ولقي الحماية الديبلومسية من القنصل الفرنسي لتهريبه.
وكانت الأفكار الإصلاحية في السياسة والاقتصاد والتعليم والصحافة ، الماثلة لدى الوزير الاكبر المصلح خيرالدين الذي اخذ مشعل الاصلاح عن الباي احمد باشا والنخبة الملتفة حوله، تتمحور حول ضرورة إصلاح أوضاع البلاد التونسية قبل فوات الأوان باستفحال ضعفها . وكان متفطنا إلى المؤامرات التي كانت تحيكها فرنسا وقنصلها روسطان ضد تونس لمزيد إضعافها، تمهيدا لاحتلالها وضمها إلى الجزائر.
وفي رسالة تلقاها خيرالدين من الجنرال حسين مدير جريدة "الرائد التونسي" عام 1880، متنبئا بقرب حلول الاستعمار الفرنسي لتونس بذرائع مختلفة ومختلقة وشعارات براقــة كتب يقول بأسى : « فالحاصل أني أرى إيالتنا المسكينة في خطر عظيم . وإذا لم تقدر الدولة العثمانية على حماية ممالكها وإيالاتها مثل تونس وطرابلس. وإذا ظهر للدولة الإنقليزية حماية مصر فلا بد لفرنسا أو إيطاليا أن تحمي تونس. والحماية هنا، تعني أن تكون تحت سلطنتهم. ويزعمون أن الشفقة على جنس البشر تدعوهم إلى التدخل في أمورنا».
وعند انتصاب الحماية الفرنسية، غادر الجنرال حسين تونس مكرها وأقام بقية حياته في ايطاليا حيث أصبح بيته قبلة للمناهضين للاستعمار الفرنسي لتونس، حتى توفي في مدينة فيرنزي في 1887 ونقل رفاته إلى إسطنبول، حيث دفن. أما خيرالدين فقد انتقل إلى اسطمبول حيث عينه السلطان في منصب الصدر الاعظم (وزير أول) لسنتي 1878-1879.
الصحافة الفرنسية والتضليل الاعلامي لتبرير الاحتلال
لقد التقت عدة عوامل داخلية وخارجية، لتوفر لفرنسا التعلات والذرائع لاحتلال تونس وفرض "الحماية" عليها بعد حملة متعددة الأوجه: دبلوماسية وإعلامية واقتصادية مهدت لانتصاب الحماية وقام بالإعداد لها القنصل العام لفرنسا جان روسطان.
وقد لعب الإعلام والدعاية والتضليل الذي قامت به الصحافة الفرنسية الصادرة في فرنسا او تلك الصادرة في الجزائر المستعمرة منذ 1830 ، دورا محوريا في تسهيل العملية الاستعمارية وتيسير قبولها من الرأي العام الفرنسي والنواب المعترضين في البرلمان على هذه المغامرة العسكرية الاستعمارية الجديدة وكذلك من الدبلوماسيين المعتمدين .
وقد تناول المؤرخ الفرنسي جان غانياج، في كتابه " جذور الحماية الفرنسية في تونس (1860-1881)" ، ثم في كتابه "الحملة الاستعمارية الفرنسية " وقائع تلك الحملة الفرنسية وأورد في كتابه الأخير يقول، متحدثا عن الحملة الدبلوماسية والإعلامية للصحف الفرنسية التي مهدت للاحتلال :
"لقد كتب روسطان إلى كورسال في ماي 1880 ، وبعد ذلك بعدة شهور أن حماقة الحكومة التونسية ستساعدنا. ولدينا أسبوعيا عدة حوادث حدودية ، يمكن أن نستغلها على الوجه المطلوب لتحقيق أهدافنا. فقد كانت المشاكل التي يفتعلها الوزير مصطفى بن إسماعيل مع الشركات الفرنسية منذ بداية 1881 كافية لتستغلها الحكومة الفرنسية للتدخل في تونس لحماية مصالحها. ولكن روسطان كان يترقب حدثا بارزا على الحدود للتذرع به، وإطلاق حملة عسكرية على الإيالة التونسية. وفي تلك اللحظة هاجمت مجموعة من فرسان جبال خمير التراب الجزائري وحدثت اشتباكات بين قبائل تونسية وعساكر فرنسيين يومي 30 و31 مارس 1881. فكان الحادث الحدودي الذي استندت إليه القوة الاستعمارية .
مؤتمر برلين وتقسيم المنطقة
في غضون ذلك، وعلى المستوى الدبلوماسي، يمكن القول إن ألمانيا كانت موافقة على احتلال فرنسا لتونس، في حين كانت بريطانيا مترددة . أما إيطاليا فكانت ضعيفة بسبب عزلتها. وهكذا كانت فرنسا في وضع يسمح لها بالتحرك كيفما شاءت. وكان مستشار ألمانيا بيزمارك، قد صرح بموقفه هذا منذ عامين خلال مؤتمر برلين عام 1879، حين قال موجها كلامه إلى سفير فرنسا في برلين خلال المؤتمـر: "إني أعتقد أن الاجاصة التونسية، قد أينعت وحان قطافها من طرفكم". وفي تونس، كان القنصل روسطان على ذمته ملك جاهز للتنصيب، في صورة أبدى الباي المباشر تعنتا. فقد كان الأخ الأصغر للباي الأمير الطيب، مستعدا للجوء إلى مرسيليا والعودة إلى تونس مع ظهر بارجة حربية وقوات فرنسية"( جان غانياج :"الحملة الاستعمارية الفرنسية " ص.76 (بالفرنسية).
وبالتوازي مع الحملة الدبلوماسية والسياسية، كانت هناك حملة إعلامية شنتها الصحافة الفرنسية التي شغلت الناس والقراء والرأي العام بقضية "الانتهاكات المتكررة لفرسان خمير للتراب الفرنسي في الجزائر، وعربدتهم وعدم قدرة السلطات المركزية في تونس على لجمهم والتحكم فيهم بسبب ضعفها"، حسب تعليقات وافتتاحيات الصحافة الفرنسية في تلك الفترة.
وبسبب إطناب بعض الصحف في الحديث عن فرسان خمير، فقد تحولوا إلى ما يشبه حصان طروادة، تملأ أخبارهم الصحف في حملة تضخيم إعلامي لتبرير عملية الاحتلال، وهو ما جعل إحدى الصحف الفرنسية وهي "لانتارن" تنشر مقالا تهكميا في عددها ليوم 22 أفريل 1881 بقلم الصحفي المشهور روشفور، فضح فيه المغالطات الإعلامية للصحف الفرنسية في نشرها أخبارا مفبركة ومضخمة عن الحوادث الحدودية بين تونس والجزائر في جبال خمير.
وكتب الصحفي الفرنسي في هذا المقال يقول بلهجة ساخرة "هناك أمر غريب وخيالي، لم نفكر فيه البتة، وهو أنه لا وجود لفرسان خمير. لقد تحدثنا عنهم لمدة يومين، ولكن لا أحد شاهد بأم عينيه فارسا واحدا من خمير. لقد تم إطلاق قضية فرسان خمير للتغطية على القضايا المتعلقة بالباي والقنصل ماسيو وبإيطاليا وبمد خط السكك الحديدية إلى عنابة. إننا متيقنون بأن حكومة جول فيري مستعدة لتقديم مكافأة بثلاثين ألف فرنك لأي شخص يستطيع أن يقدم لها فارسا واحدا من خمير وذلك لعرضه أمام الجيش كعينة من هؤلاء الفرسان".
وعلى غرار هذه الحالة التونسية من التضليل الإعلامي المبكر، كانت الحروب الاستعمارية ثم الحربان العالميتان الأولى والثانية، وسائر الحروب الإقليمية اللاحقة، منها حرب الخليج، وآخرها الحرب الأوكرانية الإلكترونية في ربيع 2022 ، مسرحا لاستعمال الصحافة التقليدية ووسائل الإعلام المستحدثة، مثل الراديو والتلفزيون والسينما، وصولا إلى الأنترنات والميديا الجديدة الإجتماعية، كوسائل تعمد إليها الدول لتضليل الرأي العام المحلي والعالمي وتوجيهه الوجهة المراد بلوغها .
بقلم د. الصحراوي قمعون
(صحفي كاتب باحث في علوم الإعلام والصحافة)
شهدت تونس قبل انتصاب الاستعمار الفرنسي عام 1881 حربا اقتصاديا ومالية شنتها عليها باريس واستهدفت إضعاف اقتصادها وعرقلة حركتها الإصلاحية التي باشرتها في منتصف ذلك القرن التاسع عشر. وقد دعمت هذه الحرب بحرب إعلامية أخرى شنتها الصحافة الفرنسية في باريس لتبرير احتلال البلاد مستعملة كل وسائل التضليل والمغالطات التي تصاحب عادة الحروب الاستعمارية، عبر قلب الحقائق ومغالطة الرأي العام الداخلي والخارجي. واستندت الحملة العسكرية الفرنسية على تونس علي حملة اعلامية مصاحبة.
وطيلة أكثر من نصف قرن، ظلت القوة الاستعمارية الفرنسية تتحين الفرصة المناسبة لتحقيق أطماعها في تونس منذ احتلالها الجزائر المجاورة عام 1830 وعجز الخلافة العثمانية عن الدفاع عنها وهي إحدى إيالاتها .
وفي نظر المؤرخين، فإن الإصلاحات التي بادر بها، تحت ضغط الأحداث الباي المشير أحمد باشا باي الذي حكم من 1837 الي 1855، سمحت بإدخال إصلاحات إدارية وعسكرية وتعليمية كان لها الفضل في تأخير حلول الاستعمار. ومن بين تلك الإصلاحات تطوير الجيش ورفع قدراته العصرية وبعث المدرسة الحربية بباردو التي كانت تسمي مدرسة المهندسين وإضفاء الطابع الوطني التونسي على مؤسسات الدولة والتعامل الندي مع كل من السلطنة العثمانية ومع فرنسا المحتلة للبلاد المجاورة. وقد قام الباي بزيارة إلى فرنسا عام 1846 وأصدر في نفس السنة قانون منع الرق قبل فرنسا وأمريكا . وكان في سباق مع الزمن لتلافي انتصاب الاستعمار الفرنسي، خاصة مع تصاعد تدخلات القناصل الأوروبيين خاصة لفرنسا وبريطانيا. وكان معجبا بدرجة التقدم في فرنسا وفي ايطاليا بالخصوص التي تنحدر منها والدته الإيطالية حيث كان متأثرا خاصة بأخواله الايطاليين حسب المصادر التاريخية . وقد أصيب بشلل نصفي ظل يعاني منه حتى وفاته، بعد أن فر قابض الدولة محمود بن عياد بكامل خزينة الدولة عام 1852 إلى باريس ولقي الحماية الديبلومسية من القنصل الفرنسي لتهريبه.
وكانت الأفكار الإصلاحية في السياسة والاقتصاد والتعليم والصحافة ، الماثلة لدى الوزير الاكبر المصلح خيرالدين الذي اخذ مشعل الاصلاح عن الباي احمد باشا والنخبة الملتفة حوله، تتمحور حول ضرورة إصلاح أوضاع البلاد التونسية قبل فوات الأوان باستفحال ضعفها . وكان متفطنا إلى المؤامرات التي كانت تحيكها فرنسا وقنصلها روسطان ضد تونس لمزيد إضعافها، تمهيدا لاحتلالها وضمها إلى الجزائر.
وفي رسالة تلقاها خيرالدين من الجنرال حسين مدير جريدة "الرائد التونسي" عام 1880، متنبئا بقرب حلول الاستعمار الفرنسي لتونس بذرائع مختلفة ومختلقة وشعارات براقــة كتب يقول بأسى : « فالحاصل أني أرى إيالتنا المسكينة في خطر عظيم . وإذا لم تقدر الدولة العثمانية على حماية ممالكها وإيالاتها مثل تونس وطرابلس. وإذا ظهر للدولة الإنقليزية حماية مصر فلا بد لفرنسا أو إيطاليا أن تحمي تونس. والحماية هنا، تعني أن تكون تحت سلطنتهم. ويزعمون أن الشفقة على جنس البشر تدعوهم إلى التدخل في أمورنا».
وعند انتصاب الحماية الفرنسية، غادر الجنرال حسين تونس مكرها وأقام بقية حياته في ايطاليا حيث أصبح بيته قبلة للمناهضين للاستعمار الفرنسي لتونس، حتى توفي في مدينة فيرنزي في 1887 ونقل رفاته إلى إسطنبول، حيث دفن. أما خيرالدين فقد انتقل إلى اسطمبول حيث عينه السلطان في منصب الصدر الاعظم (وزير أول) لسنتي 1878-1879.
الصحافة الفرنسية والتضليل الاعلامي لتبرير الاحتلال
لقد التقت عدة عوامل داخلية وخارجية، لتوفر لفرنسا التعلات والذرائع لاحتلال تونس وفرض "الحماية" عليها بعد حملة متعددة الأوجه: دبلوماسية وإعلامية واقتصادية مهدت لانتصاب الحماية وقام بالإعداد لها القنصل العام لفرنسا جان روسطان.
وقد لعب الإعلام والدعاية والتضليل الذي قامت به الصحافة الفرنسية الصادرة في فرنسا او تلك الصادرة في الجزائر المستعمرة منذ 1830 ، دورا محوريا في تسهيل العملية الاستعمارية وتيسير قبولها من الرأي العام الفرنسي والنواب المعترضين في البرلمان على هذه المغامرة العسكرية الاستعمارية الجديدة وكذلك من الدبلوماسيين المعتمدين .
وقد تناول المؤرخ الفرنسي جان غانياج، في كتابه " جذور الحماية الفرنسية في تونس (1860-1881)" ، ثم في كتابه "الحملة الاستعمارية الفرنسية " وقائع تلك الحملة الفرنسية وأورد في كتابه الأخير يقول، متحدثا عن الحملة الدبلوماسية والإعلامية للصحف الفرنسية التي مهدت للاحتلال :
"لقد كتب روسطان إلى كورسال في ماي 1880 ، وبعد ذلك بعدة شهور أن حماقة الحكومة التونسية ستساعدنا. ولدينا أسبوعيا عدة حوادث حدودية ، يمكن أن نستغلها على الوجه المطلوب لتحقيق أهدافنا. فقد كانت المشاكل التي يفتعلها الوزير مصطفى بن إسماعيل مع الشركات الفرنسية منذ بداية 1881 كافية لتستغلها الحكومة الفرنسية للتدخل في تونس لحماية مصالحها. ولكن روسطان كان يترقب حدثا بارزا على الحدود للتذرع به، وإطلاق حملة عسكرية على الإيالة التونسية. وفي تلك اللحظة هاجمت مجموعة من فرسان جبال خمير التراب الجزائري وحدثت اشتباكات بين قبائل تونسية وعساكر فرنسيين يومي 30 و31 مارس 1881. فكان الحادث الحدودي الذي استندت إليه القوة الاستعمارية .
مؤتمر برلين وتقسيم المنطقة
في غضون ذلك، وعلى المستوى الدبلوماسي، يمكن القول إن ألمانيا كانت موافقة على احتلال فرنسا لتونس، في حين كانت بريطانيا مترددة . أما إيطاليا فكانت ضعيفة بسبب عزلتها. وهكذا كانت فرنسا في وضع يسمح لها بالتحرك كيفما شاءت. وكان مستشار ألمانيا بيزمارك، قد صرح بموقفه هذا منذ عامين خلال مؤتمر برلين عام 1879، حين قال موجها كلامه إلى سفير فرنسا في برلين خلال المؤتمـر: "إني أعتقد أن الاجاصة التونسية، قد أينعت وحان قطافها من طرفكم". وفي تونس، كان القنصل روسطان على ذمته ملك جاهز للتنصيب، في صورة أبدى الباي المباشر تعنتا. فقد كان الأخ الأصغر للباي الأمير الطيب، مستعدا للجوء إلى مرسيليا والعودة إلى تونس مع ظهر بارجة حربية وقوات فرنسية"( جان غانياج :"الحملة الاستعمارية الفرنسية " ص.76 (بالفرنسية).
وبالتوازي مع الحملة الدبلوماسية والسياسية، كانت هناك حملة إعلامية شنتها الصحافة الفرنسية التي شغلت الناس والقراء والرأي العام بقضية "الانتهاكات المتكررة لفرسان خمير للتراب الفرنسي في الجزائر، وعربدتهم وعدم قدرة السلطات المركزية في تونس على لجمهم والتحكم فيهم بسبب ضعفها"، حسب تعليقات وافتتاحيات الصحافة الفرنسية في تلك الفترة.
وبسبب إطناب بعض الصحف في الحديث عن فرسان خمير، فقد تحولوا إلى ما يشبه حصان طروادة، تملأ أخبارهم الصحف في حملة تضخيم إعلامي لتبرير عملية الاحتلال، وهو ما جعل إحدى الصحف الفرنسية وهي "لانتارن" تنشر مقالا تهكميا في عددها ليوم 22 أفريل 1881 بقلم الصحفي المشهور روشفور، فضح فيه المغالطات الإعلامية للصحف الفرنسية في نشرها أخبارا مفبركة ومضخمة عن الحوادث الحدودية بين تونس والجزائر في جبال خمير.
وكتب الصحفي الفرنسي في هذا المقال يقول بلهجة ساخرة "هناك أمر غريب وخيالي، لم نفكر فيه البتة، وهو أنه لا وجود لفرسان خمير. لقد تحدثنا عنهم لمدة يومين، ولكن لا أحد شاهد بأم عينيه فارسا واحدا من خمير. لقد تم إطلاق قضية فرسان خمير للتغطية على القضايا المتعلقة بالباي والقنصل ماسيو وبإيطاليا وبمد خط السكك الحديدية إلى عنابة. إننا متيقنون بأن حكومة جول فيري مستعدة لتقديم مكافأة بثلاثين ألف فرنك لأي شخص يستطيع أن يقدم لها فارسا واحدا من خمير وذلك لعرضه أمام الجيش كعينة من هؤلاء الفرسان".
وعلى غرار هذه الحالة التونسية من التضليل الإعلامي المبكر، كانت الحروب الاستعمارية ثم الحربان العالميتان الأولى والثانية، وسائر الحروب الإقليمية اللاحقة، منها حرب الخليج، وآخرها الحرب الأوكرانية الإلكترونية في ربيع 2022 ، مسرحا لاستعمال الصحافة التقليدية ووسائل الإعلام المستحدثة، مثل الراديو والتلفزيون والسينما، وصولا إلى الأنترنات والميديا الجديدة الإجتماعية، كوسائل تعمد إليها الدول لتضليل الرأي العام المحلي والعالمي وتوجيهه الوجهة المراد بلوغها .