* لا بد من إستراتيجية وطنية للتصرف في مواردنا المائية والكف نهائيا عن إنتاج الغراسات المستنزفة لها
* مشاريع التحلية مكلفة جدا والأفضل اعتماد آلية الاستمطار الصناعي
* فلنعد إلى تخزين مياه الأمطار في المواجل
* تونس تعيش مرحلة فقر مائي وفترة ندرة مائية
تونس: الصباح
قال رامي بن علي الباحث بالمرصد التونسي للمياه والمكلف بالشؤون القانونية بجمعية نوماد 8 إنه في صورة عدم التسريع في بلورة إستراتيجية وطنية للتصرف في المياه وعدم وضع خارطة جديدة للإنتاج الفلاحي وعدم تطبيق مبدأ العهدة على الملوث وعدم مراجعة مجلة المياه فإن إشكاليات المياه في تونس ستتفاقم وستؤدي إلى تصاعد وتيرة الحركات الاحتجاجية خاصة في فصل الصيف.
وأضاف في تصريح لـ "الصباح" أن وضعية المياه في تونس في الوقت الراهن تعاني من أزمة هيكلية يمكن ملاحظتها من خلال المتابعة الميدانية لمشاكل المياه في جل جهات البلاد، وذكر أن تونس تعيش مرحلة فقر مائي وفترة ندرة مائية، حيث نجد نصيب الفرد من المواد المائية تراجع إلى أقل من 400 متر مكعب في السنة، في حين أن المعدل المعتمد من قبل منظمة الأمم المتحدة يتراوح بين 900 و1000 متر مكعب للفرد في العام.
وأشار الباحث إلى أن المرصد التونسي للمياه كان في السابق يلاحظ أن إشكاليات نقص المياه موجودة أساسا في جنوب البلاد نظرا إلى طبيعة التضاريس وقلة التساقطات المطرية، لكن خلال العشرية الأخيرة أصبحت الإشكاليات موجودة في كامل الجمهورية بما فيها المناطق المنتجة للمياه وخاصة ولايات الشمال الغربي، وحتى ولاية زغوان التي كانت رمزا لوفرة المياه العذبة أصبحت هي الأخرى تعاني من مشكل قلة المياه.
وتسبب نقص المياه على حد قوله في تكرر الانقطاعات، وهو ما يؤدي إلى الاحتجاجات الاجتماعية لأن الانقطاع المتكرر لماء الشرب يجعل المواطن يشعر بالغبن والغضب، ونبه محدثنا إلى أنه في صورة عدم اتخاذ إجراءات عاجلة من شأنها الحد من ظاهرة الانقطاعات المتكررة للمياه فإن الوضع الاجتماعي سيزداد تعكرا خاصة في فصل الصيف فترة ذروة استهلاك الموارد المائية. ولاحظ أنه بداية من سنة 2019 أصبحت انقطاعات الماء تتم في بنزرت وتونس الكبرى وولايات الساحل الأمر الذي ضاعف منسوب الاحتقان الاجتماعي وأدى إلى اتساع رقعة الحركات الاحتجاجية وهذا دليل على وجود أزمة هيكلية حقيقية يعاني منها قطاع المياه. وذكر أنهم كمجتمع مدني من دورهم لفت انتباه السلط المعنية للمشاكل الموجودة لتلافي الاحتقان الاجتماعي. وأكد أن الحراك الاجتماعي بسبب نقص المياه زاد في السنوات الأخيرة بشكل لافت خاصة في المناطق الساحلية، وبين أنه خلال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين كانت ولاية المهدية في صدارة ولايات الجمهورية الأكثر معاناة من نقص المياه والانقطاعات المتكررة.
وأضاف أنه أمام غياب إستراتجية وطنية تراعي الطلبات الإضافية على استهلاك الموارد المائية في أوقات الذروة وتحاول ترشيد هذا الاستهلاك وتبحث عن حلول آنية لمشكلة نضوب المائدة المائية فإن الوضع المائي في البلاد سيزداد تعقيدا. وذكر أنه من بين الحلول العاجلة الممكنة التشجيع على بناء المواجل لجمع مياه الأمطار التي تتهاطل في فصل الشتاء وتخزينها بهدف استعمالها خلال فصل الصيف، فهذه العملية ليست صعبة وليست مكلفة وهي آلية جربها الأجداد وكانت ذات جدوى.
وفسر بن علي أن أسباب نقص المياه متعددة وهي تتمثل بالخصوص في قلة التساقطات وغياب إستراتيجية وطنية للتصرف في قطاع المياه وبالتالي عندما تنزل الأمطار هناك نسبة كبيرة من المياه تضيع في الأودية والأنهار ولا يقع التصرف فيها بالكيفية المطلوبة، وفضلا عن ذلك، فإن القطاع المؤسساتي حسب قوله، لا يستطيع القيام بدوره كما يجب خاصة بالنسبة إلى المجامع المائية. وبين الباحث أن المجامع المائية في الوسط الريفي أصبحت عنوان فشل لتوزيع الماء، إذ لا يوجد في تونس على مستوى توزيع المياه في الوسط الريفي أي نموذج ناجح لجمعية مائية، لذلك طالب المرصد التونسي للمياه بتصفية وضعية المجامع المائية وإحداث وكالة وطنية تعنى بالماء الصالح للشراب في الوسط الريفي.
وتعقيبا عن سؤال حول أهم المقترحات التي رفعها المرصد للحد من تبعات الأزمة المائية في تونس، أجاب رامي بن علي أن المرصد لديه مقترحات عديدة من بينها على سبيل الذكر لا الحصر معالجة معضلة الآبار العشوائية. وذكر أنه بسبب تنامي عدد الآبار العشوائية لاحظ المرصد ارتفاعا في نسبة ملوحة الماء خاصة في ولايتي تطاوين وقبلي. وبين أن ولاية قبلي فيها أكبر عدد من الآبار العشوائية إذ تم إحصاء أكثر من 7 آلاف بئر عشوائي مما أدى إلى نضوب المائدة المائية وارتفاع نسبة ملوحة المياه وتصل هذه النسبة إلى 25 غ في اللتر وهو ما أدى إلى تضرر غابات النخيل إذ يتم ريها بمياه تتراوح كميات الملح فيها بين 12 و14 غ في اللتر.
وأضاف بن علي أن المرصد التونسي للمياه ذهب إلى أبعد من ذلك واقترح اعتماد آلية الاستمطار الصناعي وهي تقنية معمول بها في جل الدول العربية التي تعاني من نقص الأمطار، وتتمثل هذه الآلية في عملية حقن السحب العابرة بمادة معينة تجعل السحب تمطر في تلك المنطقة.
جهر السدود مكلف
لدى حديثه عن السدود بين رامي بن علي الباحث في المرصد التونسي للمياه أن السدود موجودة في مناطق ممتازة لكن العمر المادي لجل السدود انتهى لأن التربة غمرتها وعندما تبلغ نسبة التربة المتراكمة في السد خمسين بالمائة تكون كلفة الجهر معادلة تقريبا لكلفة إنشاء سد جديد. وبين أن ما لا يعرفه الكثير من الناس هو أن كلفة إنشاء السدود مرتفعة جدا وتونس لا يمكنها توفير موارد مالية لإنشاء السدود إلا عبر الاقتراض، وهذه القروض هي من صنف القروض الكريهة..
وبخصوص آلية تحلية مياه البحر، بين أنها كتقنية لا يمكن اعتمادها كثيرا في تونس، لأنها مكلفة جدا وتكفي الإشارة إلى أن كلفة المتر المكعب الواحد من مياه البحر المحلاة تصل إلى دينارين اثنين، وليس هذا فحسب، بل هناك تجهيزات ثقيلة لا بد من توفرها وهي باهظة الثمن. وأضاف الباحث أنه من الأفضل التوجه نحو الحلول العملية المنطقية التي تناسب قدرات البلاد وتكون لها آثار فعالة، ومن أبرز هذه الحلول التحكم في التصرف في الموارد المائية. وفسر بن علي أن شبكة توزيع المياه في الوقت الراهن مهترئة وهو ما يؤدي إلى بلوغ نسبة ضياع تصل إلى 35 بالمائة حسب تقديرات محكمة المحاسبات بمناسبة قيامها بمهمة رقابية قامت بها في الغرض، ولكن لو يتم إصلاح شبكة توزيع المياه فإنه سيقع توفير تلك النسبة الضائعة، وبهذه الكيفية يمكن ضمان البقاء في نفس المستوى أي 400 متر مكعب من الماء للفرد في السنة ولا يقع النزول إلى مستويات أقل. وأشار إلى أنه يجب أن تتجه تونس أكثر فأكثر نحو ترشيد استهلاك المياه في القطاع الفلاحي..
فهذا القطاع على حد قوله يستهلك في الوقت الراهن قرابة 80 بالمائة من الموارد المائية وهي كمية مرتفعة ولا بد من التحكم فيها، ويتم ذلك من خلال وضع خارطة وطنية للإنتاج الفلاحي والتخلي عن الزراعات المستهلكة لكميات كبيرة من المياه خاصة عندما تكون هذه المنتوجات موجهة للتصدير وليس للاستهلاك المحلي ومن بين هذه الزراعات على سبيل الذكر الفراولة والخص. وذكر أنه من الضروري اقتصاد المياه وتحديد استعمالاتها في المنتوجات الموجهة للسوق المحلية بدرجة أولى كالحبوب وليس لري المنتوجات المستنزفة للمائدة المائية والموجهة للتصدير.
وأشار الباحث إلى معضلة أخرى برزت بأكثر حدة خلال السنوات الأخيرة وهي ناجمة عن تزايد عدد الشركات الخاصة للمياه المعلبة، وبين في هذا الخصوص أن المرصد التونسي للمياه أصدر خلال سنة 2021 دراسة حول قطاع المياه المعلبة في تونس ونبه من خلال هذه الدراسة إلى أن مشكلة بعث المزيد من الشركات الخاصة للمياه المعدنية سيحرم نسبة كبيرة من التونسيين من حقهم في الحصول على مياه شرب بالجودة المطلوبة لأن هناك استنزاف للمائدة المائية بما ينجر عنه تملح المياه ثم أنه ليس بإمكان جميع التونسيين اقتناء المياه المعدنية.
وإضافة إلى الإستراتجية الوطنية للتحكم في المياه والخارطة الوطنية للإنتاج الفلاحي، أوصى المرصد بتطبيق مبدأ العهدة على الملوث، وأفاد بن علي أن المقصود بعبارة العهدة على الملوث هو أن كل من يقوم بتلويث المائدة المائية والموارد المائية يتكفل بخلاص قيمة الأضرار الناجمة عن ذلك التلوث ويتعهد بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه.
مجلة المياه
ولدى حديثه عن مجلة المياه، بين الباحث في المرصد التونسي للمياه أن هذه المجلة تعود إلى سنة 1975 وهي لا تستجيب لمتطلبات المرحلة، وغلب عليها الطابع التقني، وجل فصولها تحيل على أوامر تطبيقية، لكن أغلب هذه الأوامر لم تصدر إلى حد الآن. وبين أنه لتجنب الوقوع في نفس المشكل حرص المرصد بمناسبة نقاش مشروع المجلة الجديدة على الابتعاد قدر الإمكان على الإحالات على الأوامر التطبيقية وذلك حتى تدخل فصول المجلة حيز النفاذ مباشرة وحال صدورها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
وذكر أن مشروع مجلة المياه لسنة 2019 الذي تمت إحالته على مجلس نواب الشعب ونقاشه خلال الجلسة العامة تم سحبه بعد ضغط كبير من المجتمع المدني لأنه ما هو إلا محاولة لفتح الباب لتحرير الخدمات المائية وخوصصتها، وذكر أن النواب الذين دافعوا على مشروع القانون قالوا إنه لن تقع خوصصة المنشآت المائية ولكن ما الفائدة من ذلك لأن المهم بالنسبة إلى المواطن هي الخدمات المائية والتوجه نحو خوصصة هذه الخدمات سيتسبب في تكرار نفس ما حدث مع قطاع التعليم وقطاع الصحة إذ هناك قطاع عمومي منهك ويعاني وقطاع خاص يقدم خدمات ذات جودة عالية. وبين أن المرصد التونسي للمياه يرى أن الماء حق لا يمكن تجزئته أو إدخاله في شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص بل يجب أن يبقى دائما تحت تصرف الدولة كمرفق عمومي.
سعيدة بوهلال
* لا بد من إستراتيجية وطنية للتصرف في مواردنا المائية والكف نهائيا عن إنتاج الغراسات المستنزفة لها
* مشاريع التحلية مكلفة جدا والأفضل اعتماد آلية الاستمطار الصناعي
* فلنعد إلى تخزين مياه الأمطار في المواجل
* تونس تعيش مرحلة فقر مائي وفترة ندرة مائية
تونس: الصباح
قال رامي بن علي الباحث بالمرصد التونسي للمياه والمكلف بالشؤون القانونية بجمعية نوماد 8 إنه في صورة عدم التسريع في بلورة إستراتيجية وطنية للتصرف في المياه وعدم وضع خارطة جديدة للإنتاج الفلاحي وعدم تطبيق مبدأ العهدة على الملوث وعدم مراجعة مجلة المياه فإن إشكاليات المياه في تونس ستتفاقم وستؤدي إلى تصاعد وتيرة الحركات الاحتجاجية خاصة في فصل الصيف.
وأضاف في تصريح لـ "الصباح" أن وضعية المياه في تونس في الوقت الراهن تعاني من أزمة هيكلية يمكن ملاحظتها من خلال المتابعة الميدانية لمشاكل المياه في جل جهات البلاد، وذكر أن تونس تعيش مرحلة فقر مائي وفترة ندرة مائية، حيث نجد نصيب الفرد من المواد المائية تراجع إلى أقل من 400 متر مكعب في السنة، في حين أن المعدل المعتمد من قبل منظمة الأمم المتحدة يتراوح بين 900 و1000 متر مكعب للفرد في العام.
وأشار الباحث إلى أن المرصد التونسي للمياه كان في السابق يلاحظ أن إشكاليات نقص المياه موجودة أساسا في جنوب البلاد نظرا إلى طبيعة التضاريس وقلة التساقطات المطرية، لكن خلال العشرية الأخيرة أصبحت الإشكاليات موجودة في كامل الجمهورية بما فيها المناطق المنتجة للمياه وخاصة ولايات الشمال الغربي، وحتى ولاية زغوان التي كانت رمزا لوفرة المياه العذبة أصبحت هي الأخرى تعاني من مشكل قلة المياه.
وتسبب نقص المياه على حد قوله في تكرر الانقطاعات، وهو ما يؤدي إلى الاحتجاجات الاجتماعية لأن الانقطاع المتكرر لماء الشرب يجعل المواطن يشعر بالغبن والغضب، ونبه محدثنا إلى أنه في صورة عدم اتخاذ إجراءات عاجلة من شأنها الحد من ظاهرة الانقطاعات المتكررة للمياه فإن الوضع الاجتماعي سيزداد تعكرا خاصة في فصل الصيف فترة ذروة استهلاك الموارد المائية. ولاحظ أنه بداية من سنة 2019 أصبحت انقطاعات الماء تتم في بنزرت وتونس الكبرى وولايات الساحل الأمر الذي ضاعف منسوب الاحتقان الاجتماعي وأدى إلى اتساع رقعة الحركات الاحتجاجية وهذا دليل على وجود أزمة هيكلية حقيقية يعاني منها قطاع المياه. وذكر أنهم كمجتمع مدني من دورهم لفت انتباه السلط المعنية للمشاكل الموجودة لتلافي الاحتقان الاجتماعي. وأكد أن الحراك الاجتماعي بسبب نقص المياه زاد في السنوات الأخيرة بشكل لافت خاصة في المناطق الساحلية، وبين أنه خلال شهري سبتمبر وأكتوبر الماضيين كانت ولاية المهدية في صدارة ولايات الجمهورية الأكثر معاناة من نقص المياه والانقطاعات المتكررة.
وأضاف أنه أمام غياب إستراتجية وطنية تراعي الطلبات الإضافية على استهلاك الموارد المائية في أوقات الذروة وتحاول ترشيد هذا الاستهلاك وتبحث عن حلول آنية لمشكلة نضوب المائدة المائية فإن الوضع المائي في البلاد سيزداد تعقيدا. وذكر أنه من بين الحلول العاجلة الممكنة التشجيع على بناء المواجل لجمع مياه الأمطار التي تتهاطل في فصل الشتاء وتخزينها بهدف استعمالها خلال فصل الصيف، فهذه العملية ليست صعبة وليست مكلفة وهي آلية جربها الأجداد وكانت ذات جدوى.
وفسر بن علي أن أسباب نقص المياه متعددة وهي تتمثل بالخصوص في قلة التساقطات وغياب إستراتيجية وطنية للتصرف في قطاع المياه وبالتالي عندما تنزل الأمطار هناك نسبة كبيرة من المياه تضيع في الأودية والأنهار ولا يقع التصرف فيها بالكيفية المطلوبة، وفضلا عن ذلك، فإن القطاع المؤسساتي حسب قوله، لا يستطيع القيام بدوره كما يجب خاصة بالنسبة إلى المجامع المائية. وبين الباحث أن المجامع المائية في الوسط الريفي أصبحت عنوان فشل لتوزيع الماء، إذ لا يوجد في تونس على مستوى توزيع المياه في الوسط الريفي أي نموذج ناجح لجمعية مائية، لذلك طالب المرصد التونسي للمياه بتصفية وضعية المجامع المائية وإحداث وكالة وطنية تعنى بالماء الصالح للشراب في الوسط الريفي.
وتعقيبا عن سؤال حول أهم المقترحات التي رفعها المرصد للحد من تبعات الأزمة المائية في تونس، أجاب رامي بن علي أن المرصد لديه مقترحات عديدة من بينها على سبيل الذكر لا الحصر معالجة معضلة الآبار العشوائية. وذكر أنه بسبب تنامي عدد الآبار العشوائية لاحظ المرصد ارتفاعا في نسبة ملوحة الماء خاصة في ولايتي تطاوين وقبلي. وبين أن ولاية قبلي فيها أكبر عدد من الآبار العشوائية إذ تم إحصاء أكثر من 7 آلاف بئر عشوائي مما أدى إلى نضوب المائدة المائية وارتفاع نسبة ملوحة المياه وتصل هذه النسبة إلى 25 غ في اللتر وهو ما أدى إلى تضرر غابات النخيل إذ يتم ريها بمياه تتراوح كميات الملح فيها بين 12 و14 غ في اللتر.
وأضاف بن علي أن المرصد التونسي للمياه ذهب إلى أبعد من ذلك واقترح اعتماد آلية الاستمطار الصناعي وهي تقنية معمول بها في جل الدول العربية التي تعاني من نقص الأمطار، وتتمثل هذه الآلية في عملية حقن السحب العابرة بمادة معينة تجعل السحب تمطر في تلك المنطقة.
جهر السدود مكلف
لدى حديثه عن السدود بين رامي بن علي الباحث في المرصد التونسي للمياه أن السدود موجودة في مناطق ممتازة لكن العمر المادي لجل السدود انتهى لأن التربة غمرتها وعندما تبلغ نسبة التربة المتراكمة في السد خمسين بالمائة تكون كلفة الجهر معادلة تقريبا لكلفة إنشاء سد جديد. وبين أن ما لا يعرفه الكثير من الناس هو أن كلفة إنشاء السدود مرتفعة جدا وتونس لا يمكنها توفير موارد مالية لإنشاء السدود إلا عبر الاقتراض، وهذه القروض هي من صنف القروض الكريهة..
وبخصوص آلية تحلية مياه البحر، بين أنها كتقنية لا يمكن اعتمادها كثيرا في تونس، لأنها مكلفة جدا وتكفي الإشارة إلى أن كلفة المتر المكعب الواحد من مياه البحر المحلاة تصل إلى دينارين اثنين، وليس هذا فحسب، بل هناك تجهيزات ثقيلة لا بد من توفرها وهي باهظة الثمن. وأضاف الباحث أنه من الأفضل التوجه نحو الحلول العملية المنطقية التي تناسب قدرات البلاد وتكون لها آثار فعالة، ومن أبرز هذه الحلول التحكم في التصرف في الموارد المائية. وفسر بن علي أن شبكة توزيع المياه في الوقت الراهن مهترئة وهو ما يؤدي إلى بلوغ نسبة ضياع تصل إلى 35 بالمائة حسب تقديرات محكمة المحاسبات بمناسبة قيامها بمهمة رقابية قامت بها في الغرض، ولكن لو يتم إصلاح شبكة توزيع المياه فإنه سيقع توفير تلك النسبة الضائعة، وبهذه الكيفية يمكن ضمان البقاء في نفس المستوى أي 400 متر مكعب من الماء للفرد في السنة ولا يقع النزول إلى مستويات أقل. وأشار إلى أنه يجب أن تتجه تونس أكثر فأكثر نحو ترشيد استهلاك المياه في القطاع الفلاحي..
فهذا القطاع على حد قوله يستهلك في الوقت الراهن قرابة 80 بالمائة من الموارد المائية وهي كمية مرتفعة ولا بد من التحكم فيها، ويتم ذلك من خلال وضع خارطة وطنية للإنتاج الفلاحي والتخلي عن الزراعات المستهلكة لكميات كبيرة من المياه خاصة عندما تكون هذه المنتوجات موجهة للتصدير وليس للاستهلاك المحلي ومن بين هذه الزراعات على سبيل الذكر الفراولة والخص. وذكر أنه من الضروري اقتصاد المياه وتحديد استعمالاتها في المنتوجات الموجهة للسوق المحلية بدرجة أولى كالحبوب وليس لري المنتوجات المستنزفة للمائدة المائية والموجهة للتصدير.
وأشار الباحث إلى معضلة أخرى برزت بأكثر حدة خلال السنوات الأخيرة وهي ناجمة عن تزايد عدد الشركات الخاصة للمياه المعلبة، وبين في هذا الخصوص أن المرصد التونسي للمياه أصدر خلال سنة 2021 دراسة حول قطاع المياه المعلبة في تونس ونبه من خلال هذه الدراسة إلى أن مشكلة بعث المزيد من الشركات الخاصة للمياه المعدنية سيحرم نسبة كبيرة من التونسيين من حقهم في الحصول على مياه شرب بالجودة المطلوبة لأن هناك استنزاف للمائدة المائية بما ينجر عنه تملح المياه ثم أنه ليس بإمكان جميع التونسيين اقتناء المياه المعدنية.
وإضافة إلى الإستراتجية الوطنية للتحكم في المياه والخارطة الوطنية للإنتاج الفلاحي، أوصى المرصد بتطبيق مبدأ العهدة على الملوث، وأفاد بن علي أن المقصود بعبارة العهدة على الملوث هو أن كل من يقوم بتلويث المائدة المائية والموارد المائية يتكفل بخلاص قيمة الأضرار الناجمة عن ذلك التلوث ويتعهد بإرجاع الحالة إلى ما كانت عليه.
مجلة المياه
ولدى حديثه عن مجلة المياه، بين الباحث في المرصد التونسي للمياه أن هذه المجلة تعود إلى سنة 1975 وهي لا تستجيب لمتطلبات المرحلة، وغلب عليها الطابع التقني، وجل فصولها تحيل على أوامر تطبيقية، لكن أغلب هذه الأوامر لم تصدر إلى حد الآن. وبين أنه لتجنب الوقوع في نفس المشكل حرص المرصد بمناسبة نقاش مشروع المجلة الجديدة على الابتعاد قدر الإمكان على الإحالات على الأوامر التطبيقية وذلك حتى تدخل فصول المجلة حيز النفاذ مباشرة وحال صدورها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية.
وذكر أن مشروع مجلة المياه لسنة 2019 الذي تمت إحالته على مجلس نواب الشعب ونقاشه خلال الجلسة العامة تم سحبه بعد ضغط كبير من المجتمع المدني لأنه ما هو إلا محاولة لفتح الباب لتحرير الخدمات المائية وخوصصتها، وذكر أن النواب الذين دافعوا على مشروع القانون قالوا إنه لن تقع خوصصة المنشآت المائية ولكن ما الفائدة من ذلك لأن المهم بالنسبة إلى المواطن هي الخدمات المائية والتوجه نحو خوصصة هذه الخدمات سيتسبب في تكرار نفس ما حدث مع قطاع التعليم وقطاع الصحة إذ هناك قطاع عمومي منهك ويعاني وقطاع خاص يقدم خدمات ذات جودة عالية. وبين أن المرصد التونسي للمياه يرى أن الماء حق لا يمكن تجزئته أو إدخاله في شراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص بل يجب أن يبقى دائما تحت تصرف الدولة كمرفق عمومي.