إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

سعيد يمدّد في حالة الطوارئ المتواصلة دون انقطاع منذ 2015

* الإقامة الجبرية.. إجراء "تٌحبه" السلطة و"يستفز" الحقوقيين!

تونس- الصباح

منذ العملية الإرهابية التي استهدفت حافلة الأمن الرئاسي بشارع محمد الخامس في نوفمبر 2015، والبلاد تحت حالة الطوارئ ، حيث تم تمديدها لأول مرة بعد الهجوم الإرهابي المسلح على مدينة بن قردان، ليصبح بعد ذلك تمديدها بشكل آلي ومتواتر إلى اليوم .

ورغم أن رئيس الجمهورية، قيس سعيد، كان من الرافضين لأمر الطوارئ وهو الإطار التشريعي الذي ينظّم هذه الحالة الاستثنائية بل ويعتبره أمرا غير دستوري ولا ينسجم مع ما أقرّه دستور 2014 في حماية الحقوق والحريات، إلا أنه ومنذ وصل إلى قرطاج كرئيس للجمهورية، حافظ على عادة التمديد في حالة الطوارئ.. ورغم أن رئيس الجمهورية دأب على التمديد في حالة الطوارئ لمدد قصيرة في الغالب تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر إلا أنه في التمديد الأخير الذي بدأ من يوم أمس، تم التمديد في حالة الطوارئ إلى غاية شهر ديسمبر القادم، وبمدة زمنية تناهز عشرة أشهر .

ومنذ عام  1978، يجيز القانون التونسي "إعلان حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية أو ببعضه، إما في حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير من النظام العام وإما في (حال) حصول أحداث تكتسي بخطورتها صبغة كارثة عامة. ومن الانتقادات الكبيرة التي تلاحق قانون الطوارئ وتعتبره غير دستوري وكذلك غير منسجم مع المناخ الديمقراطي بعد الثورة ويعتبر تهديدا مباشرا لمنظومة الحقوق والحريات هو أن هذا القانون يمنح وزير الداخلية صلاحيات واسعة وخطيرة في غياب أي رقابة وخاصة منها الرقابة القضائية حيث يجوز لوزير الداخلية وضع الأشخاص تحت الإقامة الجبرية وتحجير الاجتماعات وحظر التجوّل وتفتيش المحلات ليلا ونهارا ومراقبة الصحافة والمنشورات والبث الإذاعي والعروض السينمائية والمسرحية دون موجوب إذن مسبق من القضاء، كما يعطي نفس الأمر صلاحيات استثنائية للوالي تجيز له فرض حظر التجوّل في ولاياته ومنع التحركات النقابية أو الإضرابات العمالية .

ومنذ الثورة، وتحديدا يوم 14 جانفي أي قبل سويعات من مغادرة بن علي، دخلت البلاد إلى فترات طويلة تحت حالة الطوارئ ورغم أن رئيس الجمهورية الأسبق المنصف المرزوقي رفعها في 5 مارس 2014 إلا أن العمليات الإرهابية الخطيرة التي شهدتها تونس بعد ذلك سواء الهجوم المسلح على متحف باردو أو نزل الامبريال بسوسة، وفي وقت لاحق تفجير حافلة الأمن الرئاسي بشارع محمد الخامس، أعادت فرض حالة الطوارئ مجددا وبشكل متواصل منذ 2015 .

 تنديد حقوقي محلي ودولي

رغم كل الانتهاكات الحقوقية التي يتضمنها قانون الطوارئ إلا انه ومنذ المجلس التأسيسي تاريخ 25 جويلية المنقضي عندما تم تجميد أعمال البرلمان لم تبادر أي قوى سياسية برلمانية سواء ديموقراطية تقدمية او رجعية أصولية الى التقدم بمقترح أو مبادرة تشريعية لتعديل قانون الطوارئ وتعزيزه بضمانات قضائية تحمي منظومة الحقوق والحريات وحتى تلك المبادرة التي اقترحتها الرئاسة في أواخر أيام حكم الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي لم تجد أدنى تفاعل برلماني وكان مصيرها الأدراج المهملة بمكاتب اللجان البرلمانية .

غير انه ومن سخرية القدر نجد اليوم أكبر قوة برلمانية خلال العشر سنوات الماضية والتي أهملت مبادرة تعديل قانون الطوارئ التي طرحها الباجي قايد السبسيفي أواخر سنة 2018 ، تكتوي اليوم بهذا القانون.. حيث ان حالة الطوارئ ورغم تواصلها دون انقطاع منذ 2015 إلا انه لم يتم تفعيل إجراءاتها بشكل كامل ولكن منذ إعلان مرحلة التدابير الاستثنائية عمل وزير الداخلية على تفعيل إجراء الإقامة الجبرية بشكل متواتر رغم كل الاحتجاجات الحقوقية وخاصة احتجاج حركة النهضة المتواصل منذ شهر بعد وضع نائب رئيس الحركة ورئيس كتلتها نور الدين البحيري تحت الإقامة الجبرية والتي تم إخضاع العشرات لها منذ إعلان إجراءات 25 جويلية وسط احتجاجات حقوقية واسعة .

ومنذ أيام اعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن السلطة في تونس تستخدم ما تسميه "الإقامة الجبرية" لإخفاء ما وصفته المنظمة بـ"الاعتقالات السرية" بذريعة حالة الطوارئ. وأكدت مديرة المنظمة سلسبيل الشلالي أن عدم كشف مكان احتجاز شخص ما يعتبر خطوة مقلقة نحو دولة ينعدم فيها القانون، ولا يمكن تبريره مطلقا بحالة الطوارئ التي مددت بشكل متكرر منذ 2015 ، على حدّ تعبيرها، كما شددت مديرة المنظمة على ضرورة إنهاء هذه الاعتقالات التي وصفتها بالتعسفية في تونس وعلى ضرورة استخدام السبيل القانوني والشفاف بالكامل للسماح بالطعن القضائي .

ويذكر أن الإجراءات المتخذة وفق قانون الطوارئ لا يطعن فيها أمام القضاء وحتى وان طُعن فيها أمام المحكمة الإدارية وأصدرت حكما ينصف المتضرر بهذه الإجراءات فان السلطة وخاصة وزارة الداخلية ترفض الامتثال الى القرار القضائي وهذا تكرر أكثر من مرة مع المشتبه بهم في قضايا إرهابية وكذلك في علاقة ببعض الشخصيات العامة والمسؤولين السياسيين بعد إجراءات 25 جويلية.. ويبقى إجراء الإقامة الجبرية الذي أحبت تنفيذه السلطة في مختلف الأزمنة والعهود وكان الإجراء الأكثر استعمالا من بين كل إجراءات حالة الطوارئ، يستفز الحقوقيين في الداخل وفي الخارج ويثير احتجاجهم ومطالبتهم المستمرة بوضع حد له باعتباره يضرب منظومة الحقوق والحريات في عمق .

 

منية العرفاوي

تصوير: منير بن إبراهيم

سعيد يمدّد في حالة الطوارئ المتواصلة دون انقطاع منذ 2015

* الإقامة الجبرية.. إجراء "تٌحبه" السلطة و"يستفز" الحقوقيين!

تونس- الصباح

منذ العملية الإرهابية التي استهدفت حافلة الأمن الرئاسي بشارع محمد الخامس في نوفمبر 2015، والبلاد تحت حالة الطوارئ ، حيث تم تمديدها لأول مرة بعد الهجوم الإرهابي المسلح على مدينة بن قردان، ليصبح بعد ذلك تمديدها بشكل آلي ومتواتر إلى اليوم .

ورغم أن رئيس الجمهورية، قيس سعيد، كان من الرافضين لأمر الطوارئ وهو الإطار التشريعي الذي ينظّم هذه الحالة الاستثنائية بل ويعتبره أمرا غير دستوري ولا ينسجم مع ما أقرّه دستور 2014 في حماية الحقوق والحريات، إلا أنه ومنذ وصل إلى قرطاج كرئيس للجمهورية، حافظ على عادة التمديد في حالة الطوارئ.. ورغم أن رئيس الجمهورية دأب على التمديد في حالة الطوارئ لمدد قصيرة في الغالب تتراوح بين شهر وثلاثة أشهر إلا أنه في التمديد الأخير الذي بدأ من يوم أمس، تم التمديد في حالة الطوارئ إلى غاية شهر ديسمبر القادم، وبمدة زمنية تناهز عشرة أشهر .

ومنذ عام  1978، يجيز القانون التونسي "إعلان حالة الطوارئ بكامل تراب الجمهورية أو ببعضه، إما في حالة خطر داهم ناتج عن نيل خطير من النظام العام وإما في (حال) حصول أحداث تكتسي بخطورتها صبغة كارثة عامة. ومن الانتقادات الكبيرة التي تلاحق قانون الطوارئ وتعتبره غير دستوري وكذلك غير منسجم مع المناخ الديمقراطي بعد الثورة ويعتبر تهديدا مباشرا لمنظومة الحقوق والحريات هو أن هذا القانون يمنح وزير الداخلية صلاحيات واسعة وخطيرة في غياب أي رقابة وخاصة منها الرقابة القضائية حيث يجوز لوزير الداخلية وضع الأشخاص تحت الإقامة الجبرية وتحجير الاجتماعات وحظر التجوّل وتفتيش المحلات ليلا ونهارا ومراقبة الصحافة والمنشورات والبث الإذاعي والعروض السينمائية والمسرحية دون موجوب إذن مسبق من القضاء، كما يعطي نفس الأمر صلاحيات استثنائية للوالي تجيز له فرض حظر التجوّل في ولاياته ومنع التحركات النقابية أو الإضرابات العمالية .

ومنذ الثورة، وتحديدا يوم 14 جانفي أي قبل سويعات من مغادرة بن علي، دخلت البلاد إلى فترات طويلة تحت حالة الطوارئ ورغم أن رئيس الجمهورية الأسبق المنصف المرزوقي رفعها في 5 مارس 2014 إلا أن العمليات الإرهابية الخطيرة التي شهدتها تونس بعد ذلك سواء الهجوم المسلح على متحف باردو أو نزل الامبريال بسوسة، وفي وقت لاحق تفجير حافلة الأمن الرئاسي بشارع محمد الخامس، أعادت فرض حالة الطوارئ مجددا وبشكل متواصل منذ 2015 .

 تنديد حقوقي محلي ودولي

رغم كل الانتهاكات الحقوقية التي يتضمنها قانون الطوارئ إلا انه ومنذ المجلس التأسيسي تاريخ 25 جويلية المنقضي عندما تم تجميد أعمال البرلمان لم تبادر أي قوى سياسية برلمانية سواء ديموقراطية تقدمية او رجعية أصولية الى التقدم بمقترح أو مبادرة تشريعية لتعديل قانون الطوارئ وتعزيزه بضمانات قضائية تحمي منظومة الحقوق والحريات وحتى تلك المبادرة التي اقترحتها الرئاسة في أواخر أيام حكم الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي لم تجد أدنى تفاعل برلماني وكان مصيرها الأدراج المهملة بمكاتب اللجان البرلمانية .

غير انه ومن سخرية القدر نجد اليوم أكبر قوة برلمانية خلال العشر سنوات الماضية والتي أهملت مبادرة تعديل قانون الطوارئ التي طرحها الباجي قايد السبسيفي أواخر سنة 2018 ، تكتوي اليوم بهذا القانون.. حيث ان حالة الطوارئ ورغم تواصلها دون انقطاع منذ 2015 إلا انه لم يتم تفعيل إجراءاتها بشكل كامل ولكن منذ إعلان مرحلة التدابير الاستثنائية عمل وزير الداخلية على تفعيل إجراء الإقامة الجبرية بشكل متواتر رغم كل الاحتجاجات الحقوقية وخاصة احتجاج حركة النهضة المتواصل منذ شهر بعد وضع نائب رئيس الحركة ورئيس كتلتها نور الدين البحيري تحت الإقامة الجبرية والتي تم إخضاع العشرات لها منذ إعلان إجراءات 25 جويلية وسط احتجاجات حقوقية واسعة .

ومنذ أيام اعتبرت منظمة هيومن رايتس ووتش أن السلطة في تونس تستخدم ما تسميه "الإقامة الجبرية" لإخفاء ما وصفته المنظمة بـ"الاعتقالات السرية" بذريعة حالة الطوارئ. وأكدت مديرة المنظمة سلسبيل الشلالي أن عدم كشف مكان احتجاز شخص ما يعتبر خطوة مقلقة نحو دولة ينعدم فيها القانون، ولا يمكن تبريره مطلقا بحالة الطوارئ التي مددت بشكل متكرر منذ 2015 ، على حدّ تعبيرها، كما شددت مديرة المنظمة على ضرورة إنهاء هذه الاعتقالات التي وصفتها بالتعسفية في تونس وعلى ضرورة استخدام السبيل القانوني والشفاف بالكامل للسماح بالطعن القضائي .

ويذكر أن الإجراءات المتخذة وفق قانون الطوارئ لا يطعن فيها أمام القضاء وحتى وان طُعن فيها أمام المحكمة الإدارية وأصدرت حكما ينصف المتضرر بهذه الإجراءات فان السلطة وخاصة وزارة الداخلية ترفض الامتثال الى القرار القضائي وهذا تكرر أكثر من مرة مع المشتبه بهم في قضايا إرهابية وكذلك في علاقة ببعض الشخصيات العامة والمسؤولين السياسيين بعد إجراءات 25 جويلية.. ويبقى إجراء الإقامة الجبرية الذي أحبت تنفيذه السلطة في مختلف الأزمنة والعهود وكان الإجراء الأكثر استعمالا من بين كل إجراءات حالة الطوارئ، يستفز الحقوقيين في الداخل وفي الخارج ويثير احتجاجهم ومطالبتهم المستمرة بوضع حد له باعتباره يضرب منظومة الحقوق والحريات في عمق .

 

منية العرفاوي

تصوير: منير بن إبراهيم

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews