تنتهي اليوم الزيارة الرسمية الاولى لرئيس الجمهورية قيس سعيد الى مصر والارجح ان الجدل حول هذا الزيارة لن يهدأ قريبا والامر لا يتوقف عند ردود فعل الفرقاء حول هذه الزيارة ولكن وهنا مربط الفرس عند الظروف والملابسات التي ارتبطت بها الزيارة وما اثارته من تساؤلات في غياب المعلومة والتواصل الذي دأبت عليه رئاسة الجمهورية حول ما اذا كان الرئيس سيتخلف عن احياء عيد الشهداء في ذكراه الثالثة والثمانين وتكرار ما حدث قبل اسابيع في عيد الاستقلال.. قبل ان تتضح الصورة ويكتشف الراي العام وجود الرؤساء الثلاثة في اجتماع غير رسمي في حضرة شهداء الوطن وهم يتأملون صورة رسم كاريكاتوري لبيرم التونسي على أعمدة صحيفة الشباب الساخرة سبقت بسنتين احداث 9 افريل 1938 في مشهد يختزل حال تونس اليوم وبما يفتح المجال مجددا لكل القراءات والتأويلات بشان الحاضر والمستقبل في ظل ما بلغته تعقيدات الأزمة السياسية والمحنة التي تعيش على وقعها البلاد..
تساؤلات قبل الزيارة
ولعله من المهم وقبل التوقف عند اسباب صمت النهضة وعدم اصدار ما يمكن اعتباره موقف الحركة من زيارة الرئيس سعيد الى مصر التوقف عند ما سبق هذه الزيارة من احداث قد تبدو للوهلة الاولى عابرة وغير ذات جدوى لولا انها تحولت من لقاء يحمل دلالات رمزية وتاريخية للرؤساء الثلاثة على هامش الاحتفال بعيد الشهداء الى قراءة كاريكاتورية اختلط فيها الاعلام الساخر بالتاريخ والسياسة والاتهامات المبطنة والتقريع لكل من مجلس نواب الشعب بانعدام الوطنية وللحكومة بالفشل مع اسقاطات الماضي والحاضر كل ذلك في اخراج للرئيس سعيد الذي يبدو ان لعبة النبش في كتب التاريخ والوثائق تستهويه كما تستهويه الرسائل المشفرة التي اعتمدها سلاحا له في مواجهة خصومه ومكنته حتى الان من تسجيل عديد النقاط في معركة سياسية غير مسبوقة بين الرؤساء الثلاثة وهي معركة ترفض ان تنتهي بما يجنب التونسيين مزيد الويلات والمعاناة..
ساعات قبل توجه سعيد الى القاهرة في زيارة رسمية اختار مجددا وضع رئيس الحكومة في موقف محرج بدفعه أمام الراي العام الى الاعلان عن مراجعة الإجراءات الوقائية لمواجهة كورونا مع حلول شهر رمضان التي تم إعلانها قبل يوم واحد وهو ما استجاب له مشيشي وأثار بذلك مزيد التساؤلات حول مدى قدرة رئيس الحكومة على إدارة المرحلة... وفي المقابل يكون سعيد الذي طار إلى القاهرة سجل نقطة إضافية لدى مختلف الفئات الشعبية الضعيفة الغاضبة بسبب القيود والإجراءات الجديدة.. وربما اعتبر مشيشي في قرارة نفسه أن كل هذا ليس سوى معركة أخرى في حرب أعصاب طويلة تحتاج للكثير من التحمل والصبر..
سكتت النهضة ونطق المرزوقي..
في ظل هذه الأحداث إذن تاتي زيارة رئيس الجمهورية الى مصر والتي تسجل بعد اسابيع على زيارة سعيد الى ليبيا وهي الاولى لرئيس عربي بعد تشكيل حكومة الدبيبة.. وقد وجب الاشارة الى ان زيارة سعيد الى مصر لن تمر دون ان تثير الجدل ودون ان تثير من حولها انتقادات الخصوم من انصار التيار الاسلامي وتيار الرئيس الراحل محمود مرسي كما من جانب من يعتبرونها معادية للثورة وانقلابا على مسار الديموقراطية. واذا كانت حركة النهضة اختارت التريث وعدم التعجيل باي موقف بشان هذه الزيارة فان الرئيس السابق المؤقت محمد المرزوقي لم يتوان عن انتقاد زيارة سعيد الى مصر الى درجة التبرؤ منه، وكتب المرزوقي في تدوينة تناقلتها مختلف المواقع الاعلامية نصا "مقدما اعتذاره إلى روح الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، وضحايا فض اعتصام رابعة العدوية بالقاهرة وأنصار ثورة 25 يوليو، والسجناء السياسيين في مصر...واعتبر المرزوقي أن سعيد لم يعد يمثله بعد أن أجرى هذه الزيارة إلى القاهرة.
كما رأى أن سعيد “لا يمثل الثورة التي سمحت له بالوصول للسلطة” و”لا يمثل استقلال تونس، ووحدة دولتها ومصالحها وقيمها، والأهم من هذا كله شرفها الذي هو أغلى ما يملكه إنسان أو شعب.. وهو موقف لم يصدر عن المرزوقي عندما زار الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي مصر للمشاركة في القمة العربية الأوروبية في شرم الشيخ في 2019 ولا عندما زار السيسي تونس للمشاركة في اشغال القمة العربية الثلاثين وهي في الحقيقة تصريحات مجانبة للصواب صدرت عن رئيس سابق في حق الرئيس الحالي وفي حق شريحة لا يستهان بها من التونسيين وفي حق العلاقات التاريخية بين تونس ومصر التي تحتاج الى المزيد من الدعم لا الى القطع الذي يؤسس للفراغ ويضيع الأولويات وربما يتجاهل المطالبون بالمقاطعة بسبب التطبيع إن الأمر يحتاج لإعادة تقييم وإعادة نظر لأنها تعني وبكل بساطة القبول بمقاطعة كل الدول الأوروبية والأمريكية والآسيوية والعربية والإفريقية التي لها علاقات مع إسرائيل وهذا غباء سياسي لا حدود له يخلق الفراغ ويمنح العدو فرصة التمدد والانتشار..
في المقابل اعتبرت عبير موسي زعيمة الدستوري أنه يتعين على سعيد استغلال الفرصة ومطالبة الرئيس السيسي بكل الملفات المتعلقة باتحاد القرضاوي اتحاد العالمي لعلماء المسلمين.. على انه سيكون من المهم التعاطي مع هذه الزيارة بالحد الادنى من الديبلوماسية المطلوبة في مثل هذه الظروف وبعيدا عن الشعبوية وبمنأى عن أي نظرة ضيقة ايضا للاحداث.
الاصل في الاشياء والمنطق يفترض اولا أن الحفاظ على علاقات تونس مع مختلف الدول وهذا هدف لا يختلف بشأنه اثنان فكيف عندما يتعلق الامر ببلد عربي وفي عالم تقوده لعبة المصالح والتحالفات الإقليمية والدولية والعسكرية والامنية.. لقد جاءت زيارة سعيد الى القاهرة بعد سلسلة من اللقاءات شملت وزير خارجية موريتانيا والجزائر ووزيرة خارجية ليبيا وقبل ذلك الامين العام للجامعة العربية وهو ما يؤشر الى استعادة الديبلوماسية التونسية نشاطها بعد جمود طويل وربما يؤشر ايضا الى تحول في توجهات رئيس الجمهورية بعد اكثر من سنة ونصف من وصوله الى قصر قرطاج اتصفت في كثير من الاحيان بالخطب الدغمائية وانعدام الوضوح والارتجال في المواقف..
لا نريد استباق الاحداث ولا نعرف ما ستثمره زيارة سعيد الى مصر وما اذا ستكون منعرجا في توجهات الديبلوماسية التونسية لاعادة بناء وتصحيح العلاقات مع الدول العربية بعد عشر سنوات على مسار الربيع العربي وبعد تجربة مصر مع الاخوان خلال حكم الرئيس الراحل محمد مرسي الذي كان لاخطائه المتواترة وكشفه المبكر لتعطشه للسلطة واعلان الدستور الجديد على المقاس وراء ربما انهاء تلك المرحلة وظهور السيسي على السطح.. وهذا لا يلغي باي حال من الاحوال مسالة الحقوق والحريات في مصر وما تشهده من تراجع خطير ولا يسقط ايضا اهمية ما تقوم به المنظمات الحقوقية في مصر من نضالات تحسب لها.. وقناعتنا انه لن يكون بامكان أي نظام مهما بلغ من القوة والجبروت اسقاط ورقة الحقوق في زمن العولمة والتكنولوجيا الحديثة..
والاكيد ان الزيارة تاتي فيما يشهد الاسلام السياسي افولا لا تخطؤه عين مراقب سواء كان ذلك في مصر او في السودان او في الجوار الليبي الذي يقتسم حدودا مهمة مع تونس ومصر.. وتاتي ايضا في خضم تحولات اقليمية ودولية لعل اهمها ما افرزته قمة العلا بالمملكة العربية السعودية من اجواء مصالحة خليجية خليجية بعد قطيعة استمرت ثلاث سنوات بكل ما يعنيه ذلك ايضا من تحولات في العلاقات بين القاهرة والدوحة وتراجع للخطاب العدائي وللحروب الاعلامية المفتوحة بين الجانبين فيما يستمر تهيئة المناخ لتنقية الاجواء بين القاهرة وانقرة وعودة العلاقات الى طبيعتها وهو ايضا ما تؤكده التصريحات الايجابية للمسؤولية في تركيا حول اهمية ومكانة مصر في المنطقة ومنها ايضا مبادرة وزير الخارجية التركي امس الى تهنئة الرئيس المصري بشهر رمضان وهي كلها اشارات ديبلوماسية ناعمة بتحولات في العلاقات على خلفية الاستعداد لطي صفحة الاسلام السياسي او على الاقل باعادة رسم مواقعه وتحديد حجمه بعد عودة قطر الحليف الاساسي للاسلاميين الى موقعها في دول التعاون الخليجي..
وهو ما يعني ان الملف الليبي وما يرتبط به من ملفات امنية سيكون العنوان الابرز والمحطة الاساسية لزيارة سعيد الى القاهرة بما يعني ايضا فتح كل الملفات المرتبطة بالجماعات الارهابية المسلحة وشبكات التسفير وعودة المرتزقة والمحاكمات المرتقبة للعائدين.. فقد كانت تونس من بادر باطلاق المبادرة الثلاثية التي جمعت تونس ومصر والجزائر والتي مهدت بشكل او باخر للتقريب بين الفرقاء في ليبيا ودفعهم إلى حوار وطني بدأت ملامحه تتضح.. والأكيد أن اتفاقية اغادير ستكون واحدة من الملفات المهمة في هذه الزيارة بالنظر إلى أهمية الأطراف المعنية بالاتفاقية المبرمة منذ 2005 والتي تهدف إلى إقامة منطقة للتبادل الحر بين الدول العربية المتوسطية والتي تضم تونس ومصر بالإضافة إلى الأردن والمغرب وفلسطين ولبنان والدول الاوروبية من اجل فرض الحد الأدنى من التوافق بشان أبعاد وأهداف الاتفاقية بين بلدان جنوب المتوسط الشريكة للاتحاد الأوروبي..
السيسي وسعيد والإسلام السياسي؟
بالتزامن مع وجود سعيد في القاهرة وجه وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أمس إلى، نظيره المصري، سامح شكري، تهنئة بمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك، نقلتها وكالة الاناضول التركية، الملفت للانتباه ان التهنئة تأتي غداة أنباء عن تعليق القاهرة محادثات تطبيع العلاقات مع أنقرة على خلفية عدد من الملفات العالقة وأولها التباطؤ التركي في سحب المرتزقة من ليبيا، إلى جانب تعليق طلب أنقرة لعقد اجتماع موسع في القاهرة قبل نهاية الشهر الحالي إلى حين استجابة تركيا للمطالب المصرية وعلى رأسها التعجيل بإجراءات ضد قنوات الإخوان... ويبدو ان تركيا كانت تعهدت للقاهرة أيضا بتنفيذ مزيد من الإجراءات ضد قنوات الإخوان قبل نهاية رمضان وأن القاهرة أكدت ضرورة الانسحاب العسكري التركي من دول عربية احتراما لسيادتها. ويبدو أيضا أن تركيا أوقفت أنشطة خيرية لعناصر من الإخوان في تركيا لحين مراجعة مصادر أموالهم ..ومعلوم أن السلطات التركية أمرت بإيقاف البرامج السياسية بفضائيات تبث من إسطنبول وهي “وطن” و”الشرق” و”مكملين”، في إطار تهيئة المناخ نحو التقارب التركي المصري.. ليس من الواضح ان كان لقاء سعيد السيسي توقف عند مسالة التمويلات للجمعيات الخيرية في علاقة بحركة النهضة في تونس.. طبعا ليس كل ما يعرف يقال على الملإ ولكن قد يكون في هذا الملف أيضا ما يؤرق حركة النهضة أو بعض قياداتها في تونس خاصة بعد ما راج في الأيام الماضية بشان ممتلكات وثروات رئيسها وهو ما تنكره الحركة وتنفيه..
اسيا العتروس
تنتهي اليوم الزيارة الرسمية الاولى لرئيس الجمهورية قيس سعيد الى مصر والارجح ان الجدل حول هذا الزيارة لن يهدأ قريبا والامر لا يتوقف عند ردود فعل الفرقاء حول هذه الزيارة ولكن وهنا مربط الفرس عند الظروف والملابسات التي ارتبطت بها الزيارة وما اثارته من تساؤلات في غياب المعلومة والتواصل الذي دأبت عليه رئاسة الجمهورية حول ما اذا كان الرئيس سيتخلف عن احياء عيد الشهداء في ذكراه الثالثة والثمانين وتكرار ما حدث قبل اسابيع في عيد الاستقلال.. قبل ان تتضح الصورة ويكتشف الراي العام وجود الرؤساء الثلاثة في اجتماع غير رسمي في حضرة شهداء الوطن وهم يتأملون صورة رسم كاريكاتوري لبيرم التونسي على أعمدة صحيفة الشباب الساخرة سبقت بسنتين احداث 9 افريل 1938 في مشهد يختزل حال تونس اليوم وبما يفتح المجال مجددا لكل القراءات والتأويلات بشان الحاضر والمستقبل في ظل ما بلغته تعقيدات الأزمة السياسية والمحنة التي تعيش على وقعها البلاد..
تساؤلات قبل الزيارة
ولعله من المهم وقبل التوقف عند اسباب صمت النهضة وعدم اصدار ما يمكن اعتباره موقف الحركة من زيارة الرئيس سعيد الى مصر التوقف عند ما سبق هذه الزيارة من احداث قد تبدو للوهلة الاولى عابرة وغير ذات جدوى لولا انها تحولت من لقاء يحمل دلالات رمزية وتاريخية للرؤساء الثلاثة على هامش الاحتفال بعيد الشهداء الى قراءة كاريكاتورية اختلط فيها الاعلام الساخر بالتاريخ والسياسة والاتهامات المبطنة والتقريع لكل من مجلس نواب الشعب بانعدام الوطنية وللحكومة بالفشل مع اسقاطات الماضي والحاضر كل ذلك في اخراج للرئيس سعيد الذي يبدو ان لعبة النبش في كتب التاريخ والوثائق تستهويه كما تستهويه الرسائل المشفرة التي اعتمدها سلاحا له في مواجهة خصومه ومكنته حتى الان من تسجيل عديد النقاط في معركة سياسية غير مسبوقة بين الرؤساء الثلاثة وهي معركة ترفض ان تنتهي بما يجنب التونسيين مزيد الويلات والمعاناة..
ساعات قبل توجه سعيد الى القاهرة في زيارة رسمية اختار مجددا وضع رئيس الحكومة في موقف محرج بدفعه أمام الراي العام الى الاعلان عن مراجعة الإجراءات الوقائية لمواجهة كورونا مع حلول شهر رمضان التي تم إعلانها قبل يوم واحد وهو ما استجاب له مشيشي وأثار بذلك مزيد التساؤلات حول مدى قدرة رئيس الحكومة على إدارة المرحلة... وفي المقابل يكون سعيد الذي طار إلى القاهرة سجل نقطة إضافية لدى مختلف الفئات الشعبية الضعيفة الغاضبة بسبب القيود والإجراءات الجديدة.. وربما اعتبر مشيشي في قرارة نفسه أن كل هذا ليس سوى معركة أخرى في حرب أعصاب طويلة تحتاج للكثير من التحمل والصبر..
سكتت النهضة ونطق المرزوقي..
في ظل هذه الأحداث إذن تاتي زيارة رئيس الجمهورية الى مصر والتي تسجل بعد اسابيع على زيارة سعيد الى ليبيا وهي الاولى لرئيس عربي بعد تشكيل حكومة الدبيبة.. وقد وجب الاشارة الى ان زيارة سعيد الى مصر لن تمر دون ان تثير الجدل ودون ان تثير من حولها انتقادات الخصوم من انصار التيار الاسلامي وتيار الرئيس الراحل محمود مرسي كما من جانب من يعتبرونها معادية للثورة وانقلابا على مسار الديموقراطية. واذا كانت حركة النهضة اختارت التريث وعدم التعجيل باي موقف بشان هذه الزيارة فان الرئيس السابق المؤقت محمد المرزوقي لم يتوان عن انتقاد زيارة سعيد الى مصر الى درجة التبرؤ منه، وكتب المرزوقي في تدوينة تناقلتها مختلف المواقع الاعلامية نصا "مقدما اعتذاره إلى روح الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، وضحايا فض اعتصام رابعة العدوية بالقاهرة وأنصار ثورة 25 يوليو، والسجناء السياسيين في مصر...واعتبر المرزوقي أن سعيد لم يعد يمثله بعد أن أجرى هذه الزيارة إلى القاهرة.
كما رأى أن سعيد “لا يمثل الثورة التي سمحت له بالوصول للسلطة” و”لا يمثل استقلال تونس، ووحدة دولتها ومصالحها وقيمها، والأهم من هذا كله شرفها الذي هو أغلى ما يملكه إنسان أو شعب.. وهو موقف لم يصدر عن المرزوقي عندما زار الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي مصر للمشاركة في القمة العربية الأوروبية في شرم الشيخ في 2019 ولا عندما زار السيسي تونس للمشاركة في اشغال القمة العربية الثلاثين وهي في الحقيقة تصريحات مجانبة للصواب صدرت عن رئيس سابق في حق الرئيس الحالي وفي حق شريحة لا يستهان بها من التونسيين وفي حق العلاقات التاريخية بين تونس ومصر التي تحتاج الى المزيد من الدعم لا الى القطع الذي يؤسس للفراغ ويضيع الأولويات وربما يتجاهل المطالبون بالمقاطعة بسبب التطبيع إن الأمر يحتاج لإعادة تقييم وإعادة نظر لأنها تعني وبكل بساطة القبول بمقاطعة كل الدول الأوروبية والأمريكية والآسيوية والعربية والإفريقية التي لها علاقات مع إسرائيل وهذا غباء سياسي لا حدود له يخلق الفراغ ويمنح العدو فرصة التمدد والانتشار..
في المقابل اعتبرت عبير موسي زعيمة الدستوري أنه يتعين على سعيد استغلال الفرصة ومطالبة الرئيس السيسي بكل الملفات المتعلقة باتحاد القرضاوي اتحاد العالمي لعلماء المسلمين.. على انه سيكون من المهم التعاطي مع هذه الزيارة بالحد الادنى من الديبلوماسية المطلوبة في مثل هذه الظروف وبعيدا عن الشعبوية وبمنأى عن أي نظرة ضيقة ايضا للاحداث.
الاصل في الاشياء والمنطق يفترض اولا أن الحفاظ على علاقات تونس مع مختلف الدول وهذا هدف لا يختلف بشأنه اثنان فكيف عندما يتعلق الامر ببلد عربي وفي عالم تقوده لعبة المصالح والتحالفات الإقليمية والدولية والعسكرية والامنية.. لقد جاءت زيارة سعيد الى القاهرة بعد سلسلة من اللقاءات شملت وزير خارجية موريتانيا والجزائر ووزيرة خارجية ليبيا وقبل ذلك الامين العام للجامعة العربية وهو ما يؤشر الى استعادة الديبلوماسية التونسية نشاطها بعد جمود طويل وربما يؤشر ايضا الى تحول في توجهات رئيس الجمهورية بعد اكثر من سنة ونصف من وصوله الى قصر قرطاج اتصفت في كثير من الاحيان بالخطب الدغمائية وانعدام الوضوح والارتجال في المواقف..
لا نريد استباق الاحداث ولا نعرف ما ستثمره زيارة سعيد الى مصر وما اذا ستكون منعرجا في توجهات الديبلوماسية التونسية لاعادة بناء وتصحيح العلاقات مع الدول العربية بعد عشر سنوات على مسار الربيع العربي وبعد تجربة مصر مع الاخوان خلال حكم الرئيس الراحل محمد مرسي الذي كان لاخطائه المتواترة وكشفه المبكر لتعطشه للسلطة واعلان الدستور الجديد على المقاس وراء ربما انهاء تلك المرحلة وظهور السيسي على السطح.. وهذا لا يلغي باي حال من الاحوال مسالة الحقوق والحريات في مصر وما تشهده من تراجع خطير ولا يسقط ايضا اهمية ما تقوم به المنظمات الحقوقية في مصر من نضالات تحسب لها.. وقناعتنا انه لن يكون بامكان أي نظام مهما بلغ من القوة والجبروت اسقاط ورقة الحقوق في زمن العولمة والتكنولوجيا الحديثة..
والاكيد ان الزيارة تاتي فيما يشهد الاسلام السياسي افولا لا تخطؤه عين مراقب سواء كان ذلك في مصر او في السودان او في الجوار الليبي الذي يقتسم حدودا مهمة مع تونس ومصر.. وتاتي ايضا في خضم تحولات اقليمية ودولية لعل اهمها ما افرزته قمة العلا بالمملكة العربية السعودية من اجواء مصالحة خليجية خليجية بعد قطيعة استمرت ثلاث سنوات بكل ما يعنيه ذلك ايضا من تحولات في العلاقات بين القاهرة والدوحة وتراجع للخطاب العدائي وللحروب الاعلامية المفتوحة بين الجانبين فيما يستمر تهيئة المناخ لتنقية الاجواء بين القاهرة وانقرة وعودة العلاقات الى طبيعتها وهو ايضا ما تؤكده التصريحات الايجابية للمسؤولية في تركيا حول اهمية ومكانة مصر في المنطقة ومنها ايضا مبادرة وزير الخارجية التركي امس الى تهنئة الرئيس المصري بشهر رمضان وهي كلها اشارات ديبلوماسية ناعمة بتحولات في العلاقات على خلفية الاستعداد لطي صفحة الاسلام السياسي او على الاقل باعادة رسم مواقعه وتحديد حجمه بعد عودة قطر الحليف الاساسي للاسلاميين الى موقعها في دول التعاون الخليجي..
وهو ما يعني ان الملف الليبي وما يرتبط به من ملفات امنية سيكون العنوان الابرز والمحطة الاساسية لزيارة سعيد الى القاهرة بما يعني ايضا فتح كل الملفات المرتبطة بالجماعات الارهابية المسلحة وشبكات التسفير وعودة المرتزقة والمحاكمات المرتقبة للعائدين.. فقد كانت تونس من بادر باطلاق المبادرة الثلاثية التي جمعت تونس ومصر والجزائر والتي مهدت بشكل او باخر للتقريب بين الفرقاء في ليبيا ودفعهم إلى حوار وطني بدأت ملامحه تتضح.. والأكيد أن اتفاقية اغادير ستكون واحدة من الملفات المهمة في هذه الزيارة بالنظر إلى أهمية الأطراف المعنية بالاتفاقية المبرمة منذ 2005 والتي تهدف إلى إقامة منطقة للتبادل الحر بين الدول العربية المتوسطية والتي تضم تونس ومصر بالإضافة إلى الأردن والمغرب وفلسطين ولبنان والدول الاوروبية من اجل فرض الحد الأدنى من التوافق بشان أبعاد وأهداف الاتفاقية بين بلدان جنوب المتوسط الشريكة للاتحاد الأوروبي..
السيسي وسعيد والإسلام السياسي؟
بالتزامن مع وجود سعيد في القاهرة وجه وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو، أمس إلى، نظيره المصري، سامح شكري، تهنئة بمناسبة قرب حلول شهر رمضان المبارك، نقلتها وكالة الاناضول التركية، الملفت للانتباه ان التهنئة تأتي غداة أنباء عن تعليق القاهرة محادثات تطبيع العلاقات مع أنقرة على خلفية عدد من الملفات العالقة وأولها التباطؤ التركي في سحب المرتزقة من ليبيا، إلى جانب تعليق طلب أنقرة لعقد اجتماع موسع في القاهرة قبل نهاية الشهر الحالي إلى حين استجابة تركيا للمطالب المصرية وعلى رأسها التعجيل بإجراءات ضد قنوات الإخوان... ويبدو ان تركيا كانت تعهدت للقاهرة أيضا بتنفيذ مزيد من الإجراءات ضد قنوات الإخوان قبل نهاية رمضان وأن القاهرة أكدت ضرورة الانسحاب العسكري التركي من دول عربية احتراما لسيادتها. ويبدو أيضا أن تركيا أوقفت أنشطة خيرية لعناصر من الإخوان في تركيا لحين مراجعة مصادر أموالهم ..ومعلوم أن السلطات التركية أمرت بإيقاف البرامج السياسية بفضائيات تبث من إسطنبول وهي “وطن” و”الشرق” و”مكملين”، في إطار تهيئة المناخ نحو التقارب التركي المصري.. ليس من الواضح ان كان لقاء سعيد السيسي توقف عند مسالة التمويلات للجمعيات الخيرية في علاقة بحركة النهضة في تونس.. طبعا ليس كل ما يعرف يقال على الملإ ولكن قد يكون في هذا الملف أيضا ما يؤرق حركة النهضة أو بعض قياداتها في تونس خاصة بعد ما راج في الأيام الماضية بشان ممتلكات وثروات رئيسها وهو ما تنكره الحركة وتنفيه..
اسيا العتروس