إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

نددوا بحل المجلس الأعلى للقضاء: جامعيون من كليات الحقوق والعلوم القانونية يحذرون من التمادي في ضرب المؤسسات

تونس: الصباح 

للتعبير عن استنكارهم حل المجلس الأعلى للقضاء بادر الأساتذة سناء بن عاشور ووليد العربي ووحيد الفرشيشي بإطلاق عريضة لمطالبة رئيس الجمهورية قيس سعيد بالعدول عن هذا القرار وعملوا على تمريرها على الجامعيات والجامعيين من مختلف كليات ومعاهد الحقوق والعلوم القانونية التونسية. وفي وقت وجيز، تجاوز عدد الموقعين على هذه العريضة الأربعين وهو عدد مرشح للزيادة وذلك لسببين اثنين فسرها أستاذ القانون بجامعة قرطاج ومدير قسم القانون العام بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس وحيد الفرشيشي في تصريح لـ "الصباح". 

ويعود السبب الأول حسب قوله إلى أن الأساتذة الجامعيين ممثلون في المجلس الأعلى للقضاء، فتركيبة المجلس الأعلى فيها أستاذة جامعيين تم انتخابهم من قبل زملائهم سنة 2016 وحصل ذلك تحت إشراف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أما السبب الثاني فيتمثل في تأخر كليات الحقوق في بلورة موقف من الإعلان عن حل المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما جعل بعض الأساتذة يفكرون في المبادرة بصياغة مشروع العريضة وعرضه على الجامعيين في كليات الحقوق لإبداء الرأي فيها وإثرائها وتقديم ملاحظاتهم بشأنها. ثم وقع عليها أساتذة في القانون من مختلف كليات الحقوق وعلى رأسها كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية وكذلك كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس إضافة إلى كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة وكلية الحقوق بصفاقس والمعهد العالي للدراسات القانونية والسياسية بالقيروان وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والتصرف بجندوبة وغيرهم من الأساتذة الذين يدرسون القانون في كليات أخرى.. 

وأشار الفرشيشي إلى أنه تم تبني العريضة الرافضة لحل المجلس الأعلى للقضاء من قبل جامعيين يمثلون مختلف الأجيال إذ نجد من بين الموقعين عمداء كبار وفي مقدمتهم العميدة كلثوم مزيو كما نجد العميد عياض بن عاشور والعميد ناجي البكوش والعميد محمد رضا جنيح وكذلك العميدة الحالية لكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية نايلة شعبان كما وقع على العريضة الرافضة لحل المجلس الأعلى للقضاء أحد أبرز مؤسسي الجامعة التونسية وهو الحبيب العيادي وذلك إلى جانب أساتذة لهم خبرة طويلة في تدريس القانون وأساتذة جدد لم يمض زمن طويل على مباشرتهم نشاطهم الأكاديمي وبالتالي تم الحرص على أن تكون العريضة جامعة لكل أجيال الحقوقيين من مختلف الجامعات والمشارب والاتجاهات السياسية والفكرية والإيديولوجية.. 

وذكر الفرشيشي أن الكثير من الأساتذة اتصلوا به أمس وعبروا عن رغبتهم في إضافة أسمائهم إلى قائمة الموقعين على العريضة وهذا إن دل على شيء فهو يدل حسب اعتقاده على وجود تململ كبير لدى الجامعيين المختصين في القانون مما يحدث في تونس منذ 25 جويلية 2022. وقال إن هناك من الجامعيين من ساندوا 25 جويلية وهناك من اعتبروها انقلابا على الدستور لكن رغم اختلاف وجهات النظر فإن جميعهم يرفضون أن يتم توظيف الفترة الاستثنائية لضرب مؤسسات الدولة، فحتى من خيروا الصمت أومن كانوا يساندون المسار التصحيحي فهموا رويدا رويدا وبمرور الوقت أن المسار التصحيحي لا بد أن يخضع لضوابط، فمهما كانت النوايا فلا بد من إتباع منهج في الإصلاح ولا بد من أن يكون ذلك وفق ضوابط، لا أن يتم ضرب المجلس الأعلى للقضاء ومؤسسات الدولة بقرارات فردية ودون تقديم بديل. وذكر الجامعي أن رئيس الجمهورية بعد 25 جويلية أصبح صاحب الأمر والنهي وأصبح الشعب ينتظر كل يوم خميس ماذا سيقول الرئيس ثم ينتظر ماذا سيلحق كلامه من قرارات، ففي ظل غياب المعلومة وغياب التشاركية انعدمت الرؤية. وبين الفرشيشي أن الوضعية صارت مقلقة جدا بالنسبة لأساتذة القانون، وذكر أنه يشفق كثيرا على زملائه خاصة من يدرسون القانون الدستوري في كليات الحقوق فأي درس يقدمونه للطلبة في ظل دستور معلق. 

 

أين السلامة القانونية؟

 

وأشار الأستاذ وحيد الفرشيشي إلى أن أكثر ما أقلق الجامعيين هو الإعلان عن حل المجلس الأعلى للقضاء داخل مقر وزارة الداخلية بالذات، ثم أن هذا الإعلان تم في وقت متأخر من الليل فالرئيس خرق حظر التجول الذي تم إقراره في إطار مجابهة جائحة كورونا كما أن الإعلان عن حل المجلس كان في إطار تعبير الرئيس عن رأيه شفويا لكن هذا الرأي الشفوي سرعان ما تمت ترجمته بصفة آلية إلى أفعال حيث تم غلق مقر المجلس الأعلى وتطويقه بقوات الأمن ومنع أعضائه وأعوانه من الدخول إليه، وهو ما يدعو إلى التساؤل هل أصبحت الأوامر العليا في الدولة تقدم شفويا؟ وهل أننا في دولة قانون أم ماذا؟ لأن دولة القانون تقوم على نصوص قانونية وحتى هذا الشرط لا يكفي بل يجب أن تكون النصوص القانونية تلك عادلة. وتساءل الجامعي مستنكرا :"كيف يمكن غلق مقرات سيادية مثل المجلس الأعلى للقضاء بمجرد خطاب شفوي.. إننا في تونس قطعنا منذ 25 جويلية شوطا كبيرا في غياب دولة القانون وهو أمر خطير للغاية، فمن أغلق مجلس نواب الشعب والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والمجلس الأعلى للقضاء يمكنه غلق مؤسسات أخرى".

 وذكر الفرشيشي أن هناك أمرا مهما تم المساس به وهو السلامة القانونية، ففي مادة القانون هناك شرط أساسي لا بد من توفره وهو السلامة القانونية وذلك حتى يحس المواطن أنه آمن، لكن النصوص الشفوية تقضي على السلامة القانونية، فلا يمكن الحديث عن سلامة قانونية بعد ما حصل مع المجلس الأعلى للقضاء فرئيس الدولة تكلم في وزارة الداخلية وقال إن المجلس الأعلى أصبح في عداد الماضي لتتولى وزارة الداخلية صبيحة اليوم الموالي غلق مقر هذه المؤسسة في وجوه عمالها وموظفيها، ونفس الشيء سبق أن حصل يوم 25 جويلية فمجرد الإعلان عن تجميد البرلمان تم غلق المقر.

 وبين الفرشيشي أن الحقيقة المرة التي لم يستوعبها البعض هي أن هناك قاعدة تقول إن من أمكنه الأكثر أمكنه الأقل وهو ما يعني أنه بعد ضرب مجلس نواب الشعب يوم 25 جويلية فإن كل المؤسسات انتهت، وهذا يبعث على الخوف لأن الشعب التونسي انتخب رئيس الجمهورية كفرد لكن انتخب معه مؤسسة وهي مجلس نواب الشعب وليس من حقه غلق المؤسسة التشريعية وغيرها من مؤسسات الدولة، وعبر محدثنا عن خشيته من تمادي رئيس الجمهورية في عمليات حل المؤسسات، وذكر أنه يعتقد أن الخطوة القادمة ستكون في اتجاه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لأن رئيس الجمهورية سبق أن انتقدها وقال وهو يتحدث عنها عبارة "الهيئة التي تدعي أنها مستقلة" وهو ما يبعث على الاعتقاد بأنه عند اقتراب موعد الانتخابات الذي ورد في خارطة طريقه سيطل على التونسيين وسيعلمهم في خطابه أن هيئة الانتخابات غير مستقلة وبالتالي لا يمكنها أن تشرف على تنظيم الانتخابات المنتظرة.

وخلص الأستاذ وحيد الفرشيشي إلى أن حل المجلس الأعلى للقضاء بتلك الكيفية التي قام بها رئيس الجمهورية أمر على غاية من الخطورة، وبين أن القضاء فعلا يشكو من هنات لكن إصلاحه لا يمكن أن يكون بقرارات أحادية مسقطة. وأضاف قائلا:" إن مطالبنا الدنيا هي أن يتم تشريك الأطراف المعنية بالشأن القضائي في عملية إصلاح القضاء وفي مقدمة هذه الأطراف القضاة وبقية أجنحة العدالة من محامين وعدول تنفيذ وخبراء وغيرهم، فلا يمكن إصلاح القضاء في غياب تشريك المجلس الأعلى للقضاء وجمعية القضاة التونسيين ونقابة القضاة التونسيين والهيئة الوطنية للمحامين وجمعية القضاة الشبان وجمعية المحامين الشبان واتحاد القضاة الإداريين". ويرى الجامعي أنه لا يمكن لأي شخص بمفرده حتى وإن كانت لديه قدرات خارقة للعادة أن يقوم بإصلاح القضاء بمفرده.

 

لا للحل 

 

وجاء في العريضة التي حدثنا عنها الأستاذ الفرشيشي ما يلي :" لا لحلّ المجلس الأعلى للقضاء! على إثر إعلان رئيس الدولة وإقراره شفويا، خلال الأيام الفاصلة بين  6 - 7 فيفري 2022، حلّ المجلس الأعلى للقضاء"، وبعد تطويق مقر المجلس من قِبَل قوات الأمن صباح الاثنين 7 فيفري 2022 نحن الجامعيات والجامعيون من كليات ومعاهد الحقوق والعلوم القانونية، والمنتمون لسلك المدرِّسين الباحثين بالتعليم العالي، باختلاف أصنافنا المهنية ورُتبِنا الإدارية والعلمية، وعلى اختلاف انتماءاتنا الإيديولوجية واتجاهاتنا السياسية والثقافية والمجتمعية، الممضيات والممضين أسفل هذه، وإن كنّا مدركين أن القضاء يقتضي إصلاحا عميقا وشاملا نظرا لما يشوب تنظيمه وسيره من ضعف ونظرا لما آل إليه من تدهور ومن فقدان لثقة المتقاضين فيه، علما أن محنة القضاء هي محنة المتقاضين باعتبار استقلال القضاء حق للمتقاضي قبل أن يكون ضمانا للقاض، فإننانعبر عن: أولا، رفضنا ذهاب رئيس الجمهورية نحو القيام بهذه الإصلاحات بصفة منفردة بواسطة مراسيم وأوامر رئاسية وبتدابير استثنائية وفي ظلّ حالة الاستثناء، ثانيا: تمسكانا بمبادئ دولة القانون وبقيم النظام الجمهوري الديمقراطي، في إطار دولة مدنية قائمة على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون، وعلى مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها كضمانة أساسية لحماية حقوق المواطنات والمواطنين وحرياتهم والمساواة بينهم، وكتجسيد لمبدأ الديمقراطية، ثالثا، تعلقنا باستقلالية القضاء كسلطة "تضمن إقامة العدل، وعلوية الدستور، وسيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات" (الفصل 102 من الدستور)، وبالمجلس الأعلى للقضاء بصفته الضامن لـ "حُسن سير القضاء واحترام استقلاله"، رابعا، رفضنا المطلق لقرار رئيس الدولة بحلّ المجلس الأعلى للقضاء معتبرين ذلك انتهاكا صارخا لمبدإ فصل السلط، خامسا، استنكارنا لإعلان قراره ذاك من مقرّ وزارة الداخلية بما يحمل ذلك من دلالات الاستقواء بالقوة المسلّحة على المدنيين، ضاربا بذلك عرض الحائط أحد وجوه مدنية الدولة، سادسا، شجبنا غلق مقرّ المجلس الأعلى للقضاء من قِبَل قوات الأمن دون الاستناد في ذلك إلى أيّ نصٍّ قانوني رسمي، سابعا، إدانتنا اعتبار الرئيس خطابه الشفوي قانونا واجب الاتباع، ثامنا، رفضنا بصفة عامة لسياسة الأمر الواقع التي يتمادى الرئيس في فرضها يوما بعد يوم، ولنهجه الانفرادي بالحكم. وبناء على ما تقدّم فإننا ندعو رئيس الجمهورية إلى الرجوع عن قرار حلّ المجلس الأعلى للقضاء. ونتمسك بان سبل الإصلاح الجذري والكامل للمنظومة القضائية لا يتم الا بتشريك كل الأطراف المعنية بالشأن القضائي".

وتعليقا على ما جاء في هذه العريضة هناك من أساتذة القانون من عبروا عن استغرابهم من عدم تحميل المجلس الأعلى للقضاء أي مسؤولية ومن إبراز المجلس الأعلى في موقع الضحية والحال أن هذا الأخير ليس كذلك. 

سعيدة بوهلال

 نددوا بحل المجلس الأعلى للقضاء: جامعيون من كليات الحقوق والعلوم القانونية يحذرون من التمادي في ضرب المؤسسات

تونس: الصباح 

للتعبير عن استنكارهم حل المجلس الأعلى للقضاء بادر الأساتذة سناء بن عاشور ووليد العربي ووحيد الفرشيشي بإطلاق عريضة لمطالبة رئيس الجمهورية قيس سعيد بالعدول عن هذا القرار وعملوا على تمريرها على الجامعيات والجامعيين من مختلف كليات ومعاهد الحقوق والعلوم القانونية التونسية. وفي وقت وجيز، تجاوز عدد الموقعين على هذه العريضة الأربعين وهو عدد مرشح للزيادة وذلك لسببين اثنين فسرها أستاذ القانون بجامعة قرطاج ومدير قسم القانون العام بكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية بتونس وحيد الفرشيشي في تصريح لـ "الصباح". 

ويعود السبب الأول حسب قوله إلى أن الأساتذة الجامعيين ممثلون في المجلس الأعلى للقضاء، فتركيبة المجلس الأعلى فيها أستاذة جامعيين تم انتخابهم من قبل زملائهم سنة 2016 وحصل ذلك تحت إشراف الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، أما السبب الثاني فيتمثل في تأخر كليات الحقوق في بلورة موقف من الإعلان عن حل المجلس الأعلى للقضاء، وهو ما جعل بعض الأساتذة يفكرون في المبادرة بصياغة مشروع العريضة وعرضه على الجامعيين في كليات الحقوق لإبداء الرأي فيها وإثرائها وتقديم ملاحظاتهم بشأنها. ثم وقع عليها أساتذة في القانون من مختلف كليات الحقوق وعلى رأسها كلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية وكذلك كلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس إضافة إلى كلية الحقوق والعلوم السياسية بسوسة وكلية الحقوق بصفاقس والمعهد العالي للدراسات القانونية والسياسية بالقيروان وكلية العلوم القانونية والاقتصادية والتصرف بجندوبة وغيرهم من الأساتذة الذين يدرسون القانون في كليات أخرى.. 

وأشار الفرشيشي إلى أنه تم تبني العريضة الرافضة لحل المجلس الأعلى للقضاء من قبل جامعيين يمثلون مختلف الأجيال إذ نجد من بين الموقعين عمداء كبار وفي مقدمتهم العميدة كلثوم مزيو كما نجد العميد عياض بن عاشور والعميد ناجي البكوش والعميد محمد رضا جنيح وكذلك العميدة الحالية لكلية العلوم القانونية والسياسية والاجتماعية نايلة شعبان كما وقع على العريضة الرافضة لحل المجلس الأعلى للقضاء أحد أبرز مؤسسي الجامعة التونسية وهو الحبيب العيادي وذلك إلى جانب أساتذة لهم خبرة طويلة في تدريس القانون وأساتذة جدد لم يمض زمن طويل على مباشرتهم نشاطهم الأكاديمي وبالتالي تم الحرص على أن تكون العريضة جامعة لكل أجيال الحقوقيين من مختلف الجامعات والمشارب والاتجاهات السياسية والفكرية والإيديولوجية.. 

وذكر الفرشيشي أن الكثير من الأساتذة اتصلوا به أمس وعبروا عن رغبتهم في إضافة أسمائهم إلى قائمة الموقعين على العريضة وهذا إن دل على شيء فهو يدل حسب اعتقاده على وجود تململ كبير لدى الجامعيين المختصين في القانون مما يحدث في تونس منذ 25 جويلية 2022. وقال إن هناك من الجامعيين من ساندوا 25 جويلية وهناك من اعتبروها انقلابا على الدستور لكن رغم اختلاف وجهات النظر فإن جميعهم يرفضون أن يتم توظيف الفترة الاستثنائية لضرب مؤسسات الدولة، فحتى من خيروا الصمت أومن كانوا يساندون المسار التصحيحي فهموا رويدا رويدا وبمرور الوقت أن المسار التصحيحي لا بد أن يخضع لضوابط، فمهما كانت النوايا فلا بد من إتباع منهج في الإصلاح ولا بد من أن يكون ذلك وفق ضوابط، لا أن يتم ضرب المجلس الأعلى للقضاء ومؤسسات الدولة بقرارات فردية ودون تقديم بديل. وذكر الجامعي أن رئيس الجمهورية بعد 25 جويلية أصبح صاحب الأمر والنهي وأصبح الشعب ينتظر كل يوم خميس ماذا سيقول الرئيس ثم ينتظر ماذا سيلحق كلامه من قرارات، ففي ظل غياب المعلومة وغياب التشاركية انعدمت الرؤية. وبين الفرشيشي أن الوضعية صارت مقلقة جدا بالنسبة لأساتذة القانون، وذكر أنه يشفق كثيرا على زملائه خاصة من يدرسون القانون الدستوري في كليات الحقوق فأي درس يقدمونه للطلبة في ظل دستور معلق. 

 

أين السلامة القانونية؟

 

وأشار الأستاذ وحيد الفرشيشي إلى أن أكثر ما أقلق الجامعيين هو الإعلان عن حل المجلس الأعلى للقضاء داخل مقر وزارة الداخلية بالذات، ثم أن هذا الإعلان تم في وقت متأخر من الليل فالرئيس خرق حظر التجول الذي تم إقراره في إطار مجابهة جائحة كورونا كما أن الإعلان عن حل المجلس كان في إطار تعبير الرئيس عن رأيه شفويا لكن هذا الرأي الشفوي سرعان ما تمت ترجمته بصفة آلية إلى أفعال حيث تم غلق مقر المجلس الأعلى وتطويقه بقوات الأمن ومنع أعضائه وأعوانه من الدخول إليه، وهو ما يدعو إلى التساؤل هل أصبحت الأوامر العليا في الدولة تقدم شفويا؟ وهل أننا في دولة قانون أم ماذا؟ لأن دولة القانون تقوم على نصوص قانونية وحتى هذا الشرط لا يكفي بل يجب أن تكون النصوص القانونية تلك عادلة. وتساءل الجامعي مستنكرا :"كيف يمكن غلق مقرات سيادية مثل المجلس الأعلى للقضاء بمجرد خطاب شفوي.. إننا في تونس قطعنا منذ 25 جويلية شوطا كبيرا في غياب دولة القانون وهو أمر خطير للغاية، فمن أغلق مجلس نواب الشعب والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والمجلس الأعلى للقضاء يمكنه غلق مؤسسات أخرى".

 وذكر الفرشيشي أن هناك أمرا مهما تم المساس به وهو السلامة القانونية، ففي مادة القانون هناك شرط أساسي لا بد من توفره وهو السلامة القانونية وذلك حتى يحس المواطن أنه آمن، لكن النصوص الشفوية تقضي على السلامة القانونية، فلا يمكن الحديث عن سلامة قانونية بعد ما حصل مع المجلس الأعلى للقضاء فرئيس الدولة تكلم في وزارة الداخلية وقال إن المجلس الأعلى أصبح في عداد الماضي لتتولى وزارة الداخلية صبيحة اليوم الموالي غلق مقر هذه المؤسسة في وجوه عمالها وموظفيها، ونفس الشيء سبق أن حصل يوم 25 جويلية فمجرد الإعلان عن تجميد البرلمان تم غلق المقر.

 وبين الفرشيشي أن الحقيقة المرة التي لم يستوعبها البعض هي أن هناك قاعدة تقول إن من أمكنه الأكثر أمكنه الأقل وهو ما يعني أنه بعد ضرب مجلس نواب الشعب يوم 25 جويلية فإن كل المؤسسات انتهت، وهذا يبعث على الخوف لأن الشعب التونسي انتخب رئيس الجمهورية كفرد لكن انتخب معه مؤسسة وهي مجلس نواب الشعب وليس من حقه غلق المؤسسة التشريعية وغيرها من مؤسسات الدولة، وعبر محدثنا عن خشيته من تمادي رئيس الجمهورية في عمليات حل المؤسسات، وذكر أنه يعتقد أن الخطوة القادمة ستكون في اتجاه الهيئة العليا المستقلة للانتخابات لأن رئيس الجمهورية سبق أن انتقدها وقال وهو يتحدث عنها عبارة "الهيئة التي تدعي أنها مستقلة" وهو ما يبعث على الاعتقاد بأنه عند اقتراب موعد الانتخابات الذي ورد في خارطة طريقه سيطل على التونسيين وسيعلمهم في خطابه أن هيئة الانتخابات غير مستقلة وبالتالي لا يمكنها أن تشرف على تنظيم الانتخابات المنتظرة.

وخلص الأستاذ وحيد الفرشيشي إلى أن حل المجلس الأعلى للقضاء بتلك الكيفية التي قام بها رئيس الجمهورية أمر على غاية من الخطورة، وبين أن القضاء فعلا يشكو من هنات لكن إصلاحه لا يمكن أن يكون بقرارات أحادية مسقطة. وأضاف قائلا:" إن مطالبنا الدنيا هي أن يتم تشريك الأطراف المعنية بالشأن القضائي في عملية إصلاح القضاء وفي مقدمة هذه الأطراف القضاة وبقية أجنحة العدالة من محامين وعدول تنفيذ وخبراء وغيرهم، فلا يمكن إصلاح القضاء في غياب تشريك المجلس الأعلى للقضاء وجمعية القضاة التونسيين ونقابة القضاة التونسيين والهيئة الوطنية للمحامين وجمعية القضاة الشبان وجمعية المحامين الشبان واتحاد القضاة الإداريين". ويرى الجامعي أنه لا يمكن لأي شخص بمفرده حتى وإن كانت لديه قدرات خارقة للعادة أن يقوم بإصلاح القضاء بمفرده.

 

لا للحل 

 

وجاء في العريضة التي حدثنا عنها الأستاذ الفرشيشي ما يلي :" لا لحلّ المجلس الأعلى للقضاء! على إثر إعلان رئيس الدولة وإقراره شفويا، خلال الأيام الفاصلة بين  6 - 7 فيفري 2022، حلّ المجلس الأعلى للقضاء"، وبعد تطويق مقر المجلس من قِبَل قوات الأمن صباح الاثنين 7 فيفري 2022 نحن الجامعيات والجامعيون من كليات ومعاهد الحقوق والعلوم القانونية، والمنتمون لسلك المدرِّسين الباحثين بالتعليم العالي، باختلاف أصنافنا المهنية ورُتبِنا الإدارية والعلمية، وعلى اختلاف انتماءاتنا الإيديولوجية واتجاهاتنا السياسية والثقافية والمجتمعية، الممضيات والممضين أسفل هذه، وإن كنّا مدركين أن القضاء يقتضي إصلاحا عميقا وشاملا نظرا لما يشوب تنظيمه وسيره من ضعف ونظرا لما آل إليه من تدهور ومن فقدان لثقة المتقاضين فيه، علما أن محنة القضاء هي محنة المتقاضين باعتبار استقلال القضاء حق للمتقاضي قبل أن يكون ضمانا للقاض، فإننانعبر عن: أولا، رفضنا ذهاب رئيس الجمهورية نحو القيام بهذه الإصلاحات بصفة منفردة بواسطة مراسيم وأوامر رئاسية وبتدابير استثنائية وفي ظلّ حالة الاستثناء، ثانيا: تمسكانا بمبادئ دولة القانون وبقيم النظام الجمهوري الديمقراطي، في إطار دولة مدنية قائمة على المواطنة وإرادة الشعب وعلوية القانون، وعلى مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها كضمانة أساسية لحماية حقوق المواطنات والمواطنين وحرياتهم والمساواة بينهم، وكتجسيد لمبدأ الديمقراطية، ثالثا، تعلقنا باستقلالية القضاء كسلطة "تضمن إقامة العدل، وعلوية الدستور، وسيادة القانون، وحماية الحقوق والحريات" (الفصل 102 من الدستور)، وبالمجلس الأعلى للقضاء بصفته الضامن لـ "حُسن سير القضاء واحترام استقلاله"، رابعا، رفضنا المطلق لقرار رئيس الدولة بحلّ المجلس الأعلى للقضاء معتبرين ذلك انتهاكا صارخا لمبدإ فصل السلط، خامسا، استنكارنا لإعلان قراره ذاك من مقرّ وزارة الداخلية بما يحمل ذلك من دلالات الاستقواء بالقوة المسلّحة على المدنيين، ضاربا بذلك عرض الحائط أحد وجوه مدنية الدولة، سادسا، شجبنا غلق مقرّ المجلس الأعلى للقضاء من قِبَل قوات الأمن دون الاستناد في ذلك إلى أيّ نصٍّ قانوني رسمي، سابعا، إدانتنا اعتبار الرئيس خطابه الشفوي قانونا واجب الاتباع، ثامنا، رفضنا بصفة عامة لسياسة الأمر الواقع التي يتمادى الرئيس في فرضها يوما بعد يوم، ولنهجه الانفرادي بالحكم. وبناء على ما تقدّم فإننا ندعو رئيس الجمهورية إلى الرجوع عن قرار حلّ المجلس الأعلى للقضاء. ونتمسك بان سبل الإصلاح الجذري والكامل للمنظومة القضائية لا يتم الا بتشريك كل الأطراف المعنية بالشأن القضائي".

وتعليقا على ما جاء في هذه العريضة هناك من أساتذة القانون من عبروا عن استغرابهم من عدم تحميل المجلس الأعلى للقضاء أي مسؤولية ومن إبراز المجلس الأعلى في موقع الضحية والحال أن هذا الأخير ليس كذلك. 

سعيدة بوهلال

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews