تتجه الأنظار اليوم إلى تغيير سعيد لسياسته في التعاطي مع الوضع والقضايا الحارقة المطروحة اليوم، بعد أن استطاع أن يزيل ما يعتبرها "عقبات" تعرقل مساره الإصلاحي وتحول دون الوصول إلى تحقيق ما وعد به. وذلك بتركيز الاهتمام والعمل بمعية حكومته في المستقبل على المسائل الاجتماعية والتنموية والاقتصادية والمضي قدما في مقاومة الفساد والخروج من دائرة الشعارات إلى التفعيل والتنفيذ، وهو ما يجعله اليوم أمام محك الاختبار الحقيقي بالنسبة للتونسيين.
فبعد جملة القرارات الحازمة والإجراءات المفصلية والمتواترة التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ 25 جويلية وعلى امتداد المرحلة الاستثنائية التي قاربت على السبعة أشهر، وكان آخرها حل المجلس الأعلى للقضاء، أصبح قيس سعيد اليوم أمام اختبار حقيقي لإثبات مدى فاعلية ونجاعة خياراته وسياسته لإنجاح المسار الإصلاحي الذي لطالما وعد به وتعلقت هِمّة شق واسع من الشعب التونسي به، لاسيما في ظل الوعود التي ما انفك يقطعها مع كل مبادرة أو مناسبة يجدد فيها تعهده بعدم المساس بالحريات والمحافظة على المناخ الديمقراطي وعدم التدخل في القضاء وغيرها من الوعود و"التطمينات" للمتخوفين في الداخل والخارج من "الديكتاتورية"، حول عدم تغول سلطته وسطوته السياسية مثلما يروج لذلك معارضوه.
فخصوصية المرحلة تتيح لرئيس الجمهورية التصرف في دواليب تسيير الدولة بعد تفرده بالصلاحيات التنفيذية والتشريعية عبر المراسيم والقرارات في ظل التدابير الاستثنائية إثر قراره تجميد مجلس النواب وإقالة حكومة هشام مشيشي في مرحلة أولى في سياق تفعيل الفصل 80 وما ترتب عن ذلك من إجراءات وما تبعها من قرارات ومراسيم أخرى في مرحلة ثانية، لعل أبرزها المرسوم 117 الذي خلف جدلا كبيرا في أوساط عديدة وكان منطلقا لينفض من حول سعيد من كانوا من بين مؤيديه من سياسيين وأحزاب بالأساس من مختلف التيارات بعد أن تيقن الجميع أن مؤسسة رئاسة الجمهورية ماضية وحدها في تشكيل المسار دون الالتفات إلى المطالب المرفوعة وصيحات الفزع حول المرحلة وخياراتها التي ما انفك يطلقها البعض داخل تونس وخارجها منذ 22 سبتمبر تاريخ الإعلان عن هذا المرسوم إلى غاية اليوم.
ورغم الانتقادات الواسعة لسياسة سعيد في تعاطيه مع هذه المرحلة الاستثنائية ونزعته للتفرد بالسلطات والحكم بشكل يعيد إلى الأذهان مربع الحاكم الأوحد وما يحيل إليه من ديكتاتورية، مثلما ذهب إلى ذلك البعض، وسعي البعض الآخر للترويج لهذه الصورة في المحاولات المتكررة للاستنجاد والاستقواء بالأجنبي حكومات ومنظمات، إلا أن رئيس الجمهورية لم يبال بمثل تلك التحركات ولم يستكن ويتراجع عن المسار الإصلاحي الذي اختاره للدولة مثلما أكد ذلك في مناسبات عديدة. فيما نبه متابعون للشأن الوطني من خطورة تداعيات ذلك مستقبلا لاسيما في ظل الوضع المتردي وكومة الأزمات التي تتخبط فيها بلادنا في هذه المرحلة اقتصاديا وماليا واجتماعيا وسياسيا والتي تجمع القراءات على أنها نتيجة لتفشي الفساد وفشل الحكومات المتعاقبة خلال العشرية الأخيرة. خاصة أن بلادنا في حاجة إلى الدعم الخارجي وموافقة صندوق النقد الدولي على القروض التي تناشد بلادنا الحصول عليها في هذه الفترة للخروج من الأزمة المالية الصعبة.
وما يعزز مواقف شقوق المعارضة هو أن قيس سعيد حاد عن وعوده التي قدمها للمواطنين الذين خرجوا للتظاهر في احتجاجات غاضبة في ذكرى عيد الجمهورية ضد الحكومة ومنظومة الحكم القائمة آنذاك وكانت من بين أوكد المطالب المرفوعة فيها بقطع النظر عن المطالبة بحل البرلمان ومحاكمة السياسيين، هي القضاء على الفساد وحق المواطن في الحياة والعلاج والعيش والتداوي بعد فتك فيروس كورونا بأكثر من 25 ألف مواطن، لكن سعيد اعتبر مثل تلك المطالب ثانوية واستغل المرحلة ليركز اهتمامه وسياسته على ما هو سياسي بحت، الأمر الذي ساهم في تردي الأوضاع الاجتماعية بالأساس.
فتكثيف الضغوط الداخلية والخارجية اليوم بدافع وتحريك من القوى والأحزاب المعارضة للمسار الذي اختاره رئيس الجمهورية، من شأنه أن يصعب مهمة سعيد وفريقه الحكومي في تسيير دواليب الدولة في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى، لاسيما في ظل تواصل تراخي سلطة الإشراف في معالجة وفتح بعض الملفات الحارقة التي وضع سعيد ورئيسة الحكومة نجلاء بودن ضمن أولويات عملهما خلال فترة التدابير الاستثنائية لعل من أبزرها استرجاع ثقة المواطن في الإدارة ومن ثمة الدولة ومقاومة الفساد ومراعاة معيشة المواطن.
فيما تبين كل المؤشرات والمعطيات أن سلطة الإشراف جانبت وعودها وحادت عن هذه الأهداف إن لم نقل تراخت وعجزت عن القيام بأدوارها في هذا السياق في ظل الوضع السائد الذي تحكمه نقص كبير في المواد الغذائية والاحتكار والتلاعب بالأسعار المسجل في المواد المدعمة والخضر والغلال والأعلاف إضافة إلى التأخر في صرف رواتب وجرايات الموظفين والعملة والمتقاعدين فضلا عن تواصل تردي الخدمات الإدارية والصحية والنقل والتضارب في القرارات وعدم اتضاح الرؤى الإصلاحية والتسييرية في مستوى التربية والتعليم العالي وغيرها من الملفات العالقة في علاقة بتسوية وضعيات مهنية واجتماعية وقطاعية ومحلية وجهوية.
ملفات حارقة في المجلس الوزاري
ويذكر أن سعيد كان قد أعلن منذ بداية هذا الأسبوع عن بعض محاور المجلس الوزاري المقرر عقده اليوم وذلك بتناول بعض القوانين والمراسيم المدرجة على جدول أعمال مجلس الوزراء خاصة منها ما يتعلق بالصلح الجزائي الذي أكد أنه أصبح جاهزا رغم تباين المواقف حوله، ومن المنتظر أن يدخل حيز التفعيل. إضافة إلى طرح مشروع القانون المتعلق بالتدقيق في القروض والهبات المالية التي تحصلت عليها بلادنا منذ 2011 وبحث مآلاتها في ظل ما تردده بعض الجهات حول غياب "آثار بعضها" فيما يعتبرها البعض الآخر ملف فساد من الوزن الثقيل، فضلا عن ملفات تتعلق بالقضاء ومسالك التوزيع والتصدي لاحتكار المواد الأساسية ولكل محاولات ضرب الدولة والمجتمع.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
تتجه الأنظار اليوم إلى تغيير سعيد لسياسته في التعاطي مع الوضع والقضايا الحارقة المطروحة اليوم، بعد أن استطاع أن يزيل ما يعتبرها "عقبات" تعرقل مساره الإصلاحي وتحول دون الوصول إلى تحقيق ما وعد به. وذلك بتركيز الاهتمام والعمل بمعية حكومته في المستقبل على المسائل الاجتماعية والتنموية والاقتصادية والمضي قدما في مقاومة الفساد والخروج من دائرة الشعارات إلى التفعيل والتنفيذ، وهو ما يجعله اليوم أمام محك الاختبار الحقيقي بالنسبة للتونسيين.
فبعد جملة القرارات الحازمة والإجراءات المفصلية والمتواترة التي اتخذها رئيس الجمهورية قيس سعيد منذ 25 جويلية وعلى امتداد المرحلة الاستثنائية التي قاربت على السبعة أشهر، وكان آخرها حل المجلس الأعلى للقضاء، أصبح قيس سعيد اليوم أمام اختبار حقيقي لإثبات مدى فاعلية ونجاعة خياراته وسياسته لإنجاح المسار الإصلاحي الذي لطالما وعد به وتعلقت هِمّة شق واسع من الشعب التونسي به، لاسيما في ظل الوعود التي ما انفك يقطعها مع كل مبادرة أو مناسبة يجدد فيها تعهده بعدم المساس بالحريات والمحافظة على المناخ الديمقراطي وعدم التدخل في القضاء وغيرها من الوعود و"التطمينات" للمتخوفين في الداخل والخارج من "الديكتاتورية"، حول عدم تغول سلطته وسطوته السياسية مثلما يروج لذلك معارضوه.
فخصوصية المرحلة تتيح لرئيس الجمهورية التصرف في دواليب تسيير الدولة بعد تفرده بالصلاحيات التنفيذية والتشريعية عبر المراسيم والقرارات في ظل التدابير الاستثنائية إثر قراره تجميد مجلس النواب وإقالة حكومة هشام مشيشي في مرحلة أولى في سياق تفعيل الفصل 80 وما ترتب عن ذلك من إجراءات وما تبعها من قرارات ومراسيم أخرى في مرحلة ثانية، لعل أبرزها المرسوم 117 الذي خلف جدلا كبيرا في أوساط عديدة وكان منطلقا لينفض من حول سعيد من كانوا من بين مؤيديه من سياسيين وأحزاب بالأساس من مختلف التيارات بعد أن تيقن الجميع أن مؤسسة رئاسة الجمهورية ماضية وحدها في تشكيل المسار دون الالتفات إلى المطالب المرفوعة وصيحات الفزع حول المرحلة وخياراتها التي ما انفك يطلقها البعض داخل تونس وخارجها منذ 22 سبتمبر تاريخ الإعلان عن هذا المرسوم إلى غاية اليوم.
ورغم الانتقادات الواسعة لسياسة سعيد في تعاطيه مع هذه المرحلة الاستثنائية ونزعته للتفرد بالسلطات والحكم بشكل يعيد إلى الأذهان مربع الحاكم الأوحد وما يحيل إليه من ديكتاتورية، مثلما ذهب إلى ذلك البعض، وسعي البعض الآخر للترويج لهذه الصورة في المحاولات المتكررة للاستنجاد والاستقواء بالأجنبي حكومات ومنظمات، إلا أن رئيس الجمهورية لم يبال بمثل تلك التحركات ولم يستكن ويتراجع عن المسار الإصلاحي الذي اختاره للدولة مثلما أكد ذلك في مناسبات عديدة. فيما نبه متابعون للشأن الوطني من خطورة تداعيات ذلك مستقبلا لاسيما في ظل الوضع المتردي وكومة الأزمات التي تتخبط فيها بلادنا في هذه المرحلة اقتصاديا وماليا واجتماعيا وسياسيا والتي تجمع القراءات على أنها نتيجة لتفشي الفساد وفشل الحكومات المتعاقبة خلال العشرية الأخيرة. خاصة أن بلادنا في حاجة إلى الدعم الخارجي وموافقة صندوق النقد الدولي على القروض التي تناشد بلادنا الحصول عليها في هذه الفترة للخروج من الأزمة المالية الصعبة.
وما يعزز مواقف شقوق المعارضة هو أن قيس سعيد حاد عن وعوده التي قدمها للمواطنين الذين خرجوا للتظاهر في احتجاجات غاضبة في ذكرى عيد الجمهورية ضد الحكومة ومنظومة الحكم القائمة آنذاك وكانت من بين أوكد المطالب المرفوعة فيها بقطع النظر عن المطالبة بحل البرلمان ومحاكمة السياسيين، هي القضاء على الفساد وحق المواطن في الحياة والعلاج والعيش والتداوي بعد فتك فيروس كورونا بأكثر من 25 ألف مواطن، لكن سعيد اعتبر مثل تلك المطالب ثانوية واستغل المرحلة ليركز اهتمامه وسياسته على ما هو سياسي بحت، الأمر الذي ساهم في تردي الأوضاع الاجتماعية بالأساس.
فتكثيف الضغوط الداخلية والخارجية اليوم بدافع وتحريك من القوى والأحزاب المعارضة للمسار الذي اختاره رئيس الجمهورية، من شأنه أن يصعب مهمة سعيد وفريقه الحكومي في تسيير دواليب الدولة في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى، لاسيما في ظل تواصل تراخي سلطة الإشراف في معالجة وفتح بعض الملفات الحارقة التي وضع سعيد ورئيسة الحكومة نجلاء بودن ضمن أولويات عملهما خلال فترة التدابير الاستثنائية لعل من أبزرها استرجاع ثقة المواطن في الإدارة ومن ثمة الدولة ومقاومة الفساد ومراعاة معيشة المواطن.
فيما تبين كل المؤشرات والمعطيات أن سلطة الإشراف جانبت وعودها وحادت عن هذه الأهداف إن لم نقل تراخت وعجزت عن القيام بأدوارها في هذا السياق في ظل الوضع السائد الذي تحكمه نقص كبير في المواد الغذائية والاحتكار والتلاعب بالأسعار المسجل في المواد المدعمة والخضر والغلال والأعلاف إضافة إلى التأخر في صرف رواتب وجرايات الموظفين والعملة والمتقاعدين فضلا عن تواصل تردي الخدمات الإدارية والصحية والنقل والتضارب في القرارات وعدم اتضاح الرؤى الإصلاحية والتسييرية في مستوى التربية والتعليم العالي وغيرها من الملفات العالقة في علاقة بتسوية وضعيات مهنية واجتماعية وقطاعية ومحلية وجهوية.
ملفات حارقة في المجلس الوزاري
ويذكر أن سعيد كان قد أعلن منذ بداية هذا الأسبوع عن بعض محاور المجلس الوزاري المقرر عقده اليوم وذلك بتناول بعض القوانين والمراسيم المدرجة على جدول أعمال مجلس الوزراء خاصة منها ما يتعلق بالصلح الجزائي الذي أكد أنه أصبح جاهزا رغم تباين المواقف حوله، ومن المنتظر أن يدخل حيز التفعيل. إضافة إلى طرح مشروع القانون المتعلق بالتدقيق في القروض والهبات المالية التي تحصلت عليها بلادنا منذ 2011 وبحث مآلاتها في ظل ما تردده بعض الجهات حول غياب "آثار بعضها" فيما يعتبرها البعض الآخر ملف فساد من الوزن الثقيل، فضلا عن ملفات تتعلق بالقضاء ومسالك التوزيع والتصدي لاحتكار المواد الأساسية ولكل محاولات ضرب الدولة والمجتمع.