عبر الأستاذ منذر الشارني الكاتب العام للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب وعضو الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية عن رفضه المساس بمراسيم الجمعيات والأحزاب السياسية والصحافة المكتوبة والإعلام السمعي والبصري في ظل سريان التدابير الاستثنائية التي تم إقرارها من قبل رئيس الجمهورية في إطار الأمر عدد 117 المؤرخ في 22 أكتوبر 2021. وقال في تصريح لـ"الصباح" إن الجرائم التي ارتكبتها بعض الجمعيات المشبوهة خاصة ما تعلق منها بالتمويل المقنع لأحزاب سياسية ولجماعات إرهابية لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال مبررا لمراجعة المراسيم المذكورة بجرة قلم وبطريقة أحادية من قبل السلطة التنفيذية، إذ يجب على حد تأكيده التريث. وفسر أنه بعد انتهاء الفترة الاستثنائية تتم استشارة المجتمع المدني بخصوص هذه المراسيم لأنه لا بد من تحويلها إلى قوانين أساسية، وبعد تلك الاستشارة، يقع عرض مشاريع القوانين على النقاش العام في برلمان منتخب من قبل الشعب انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة..
ونبه الشارني إلى أن انتهاز فترة التدابير الاستثنائية لتمرير قوانين تمس بالحقوق والحريات سيضرب صورة تونس لأن هناك مقررا خاصا تابعا للأمم المتحدة يراقب الدول، وذكر أنه لا يفهم سبب العداء الذي تبطنه السلطة التنفيذية للجمعيات والحال أن قطاع الجمعيات يساهم في التشغيل والتنمية كما أنه يعاضد جهود الدولة زمن الأزمات مثلما حصل خلال جائحة كوفيد، والأهم من ذلك أنه قطاع منظم يخضع للرقابة المالية من قبل المحاسبين ويدفع الضرائب ويقوم بخلاص مساهمات الضمان الاجتماعي، وذكر أنه خلافا لما يظنه البعض، فإن الأطراف المانحة ليست متساهلة البتة في تمويل الجمعيات فهي شديدة الحرص على مراقبة مآل التمويلات التي تسندها للمجتمع المدني ثم أن لجنة التحاليل المالية الراجعة بالنظر إلى البنك المركزي التونسي تلعب دورا رقابيا على تمويل الجمعيات ومن الهم جدا أن تقوم هذه اللجنة بدورها فمن يخطئ يجب أن يحاسب.
إنهاء حالة الاستثناء
وأشار الشارني إلى أن المطلوب هو إنهاء الحالة الاستثنائية في أقرب وقت ممكن والعودة إلى الوضع العادي، وبين أنه يجب تنظيم انتخابات نزيهة وما سيفرزه الصندوق من نتائج يتم الالتزام به من قبل الجميع لأنه ليست هناك طريقة أخرى لإنهاء الأزمة السياسية غير الانتخابات فكل الدول التي مرت بأزمات سياسية في العالم ذهبت إلى الانتخابات. وذكر أنه إضافة إلى الانتخابات فإن المراجعات التي تنوي السلطة السياسية القيام بها يجب أن تضمن نظاما سياسيا ديمقراطيا يحترم التوازن بين السلطات ولا يؤدي إلى تغول سلطة على أخرى ويجب أن تكون صلاحيات السلطة التنفيذية واضحة ويجب أن يلعب البرلمان دوره التشريعي والرقابي على الحكومة، وفسر أن تونس في حاجة كبيرة إلى نظام سياسي فيه استقرار واحترام للحقوق والحريات وفيه توازن لأن التجارب في العديد من البلدان أثبتت أنه في ظل الأنظمة الرئاسية وعندما يغيب التوازن بين السلطات فإن تلك الأنظمة تنحرف نحو الاستبداد والدكتاتورية والحكم الفردي وهو ما يحد من الاستقرار.
وشدد محدثنا على أهمية الإبقاء على الهيئات التعديلية وذكر أنه لا يمكن حذف هيئة حقوق الإنسان أو هيئة مكافحة الفساد أو الهيكا أو هيئة النفاذ إلى المعلومة أو هيئة حماية المعطيات الشخصية أو هيئة مقاومة التعذيب أو هيئة الانتخابات فهذه الهيئات غير مكلفة على الدولة كما أنها غير سياسية بل هي ذات طابع حقوقي إنساني يتمثل دورها في تعزيز الحقوق والحريات وحتى إن كانت هناك هنات فيمكن تجاوزها من خلال تطوير آليات انتخاب أعضائها بتشريك المجتمع المدني في اختيارهم، كما يجب في هذه الهيئات ضمان التنوع الفكري نظرا لطابعها الحقوقي الإنساني فهذا ما تشترطه المعايير الدولية مثل معايير لجنة باريس.
تواصل الاعتداءات
إجابة عن سؤال يتعلق بالتقرير الذي أصدرته المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب قبل يومين حول الانتهاكات المسجلة خلال شهر جانفي 2022 وإن كان هناك تطور لعدد الانتهاكات أو نقصان مقارنه بالأشهر والسنوات السابقة، بين منذر الشارني الكاتب العام للمنظمة أن انتهاكات حقوق الإنسان والاعتداءات على الحريات موجودة طيلة العشر سنوات الماضية وتواصلت حتى بعد 25 جويلية 2021 وهي تسجل نسقا تصاعديا في بعض المناسبات خاصة المظاهرات والتجمعات على غرار ما حصل يوم 14 جانفي الماضي.. فقبل 25 جويلية تم استهداف العديد من النشطاء ولوحظ خلال السنوات الأربع الماضية تشدد حيال نشطاء المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان واستمر الأمر بعد 25 جويلية، فرغم أن رئيس الجمهورية قيس سعيد قال في أكثر من مناسبة إنه ملتزم باحترام الحقوق والحريات فإن وزارة الداخلية لم تكن وفية لهذا الالتزام حيث تم الاعتداء على المتظاهرين والصحفيين وتم اقتيادهم إلى مراكز الأمن وضربهم وافتكاك هواتفهم، وذكر انه حتى فرضا لو أن الدولة قررت منع التظاهر لأسباب صحية فهذا لا يبرر التعاطي مع المتظاهرين بالماء والغاز والإيقافات والمحاكمات بتهم هضم جانب موظف والتجمع في الطريق العام ومخالفة التراتيب.
ولم يخف الشارني مخاوفه من تصاعد عدد الأحكام بالإعدام وبين أنه خلال شهر جانفي فقط تم تسجيل 13 حكما بالإعدام وهو تصاعد خطير بالنظر إلى ما يحدث في العالم حيث هناك توجه نحو إلغاء عقوبة الإعدام وهناك 130 دولة ألغت هذه العقوبة من قوانينها بما فيها بلدان افريقية، وذكر أن أحكام الإعدام في تونس صحيح أنها لم تنفذ منذ سنوات لكن وجود هذه العقوبة في التشريعات الوطنية مخيف والمطلوب هو التخلي عنها لأنها لا تؤدي إلى تراجع الجريمة والقضاء على الإرهاب وهو ما يمكن استنتاجه من إحصائيات البلدان التي مازالت تطبق عقوبة الإعدام.
الإفلات من العقاب
تعقيبا على استفسار حول ما إذا رصدت المنظمة تواصل التعذيب بعد 25 جويلية أم لا، بين الشارني أنه تم تسجيل بعض الحالات منها الاشتباه في وفاة مسترابة وقال إنه يعتقد أن العدد الحقيقي أكبر مما تم التبليغ عنه لأن ظاهرة الإفلات من العقاب جعلت المعتدى عليهم لا يبلغون وهذا إشكال كبير فلو كانت هناك محاسبة لما تم القضاء على التعذيب نهائيا وبالتالي حماية المواطنين منه وحماية الجلادين من أنفسهم لأن الذين يمارسون التعذيب سيأتي يوم يحاسبون فيه ويجدون أنفسهم مورطين في قضايا تعذيب لأن جريمة التعذيب لا تسقط بمرور الزمن.
ومن الاعتداءات الأخرى التي رصدتها المنظمة حسب الشارني ما يتعلق بمخالفات حظر الجولان وذكر أن هذه المخالفات استهدفت بدرجة أولى أناس فقراء اضطرتهم الظروف الاجتماعية القاهرة إلى الخروج ليلا للعمل، وبين أن التدابير التي تم اتخاذها لمجابهة كورونا كانت عبارة عن جنح استهدفت الفقراء فهي تجريم للفقر.
وبين أن حظر الجولان تم بعد التمديد في حالة الطوارئ بمقتضى الأمر عدد خمسين وهو أمر يجب إلغاؤه لأنه يمنح صلاحيات واسعة للولاة في غياب الرقابة من حظر للجولان ووضع تحت الإقامة الجبرية ومنع التظاهر فالأمر لا يحمي الحقوق والحريات وفي صورة تواصل العمل به فسيكون مضرا بالمجتمع. وخلص إلى أنه لا بد من وضع قانون جديد ينظم حالة الطوارئ وذلك بالتشاور مع المجتمع المدني وأن يراعي النص الجديد المعايير الدولية.. وبين أن منظمته أعدت مقترح قانون كامل لتنظيم حالة الطوارئ وعرضته على رئيس الجمهورية لكن لم يقع أخذه بعين الاعتبار، وبين الشارني أنه إضافة على الأمر المتعلق بحالة الطوارئ لا بد من مراجعة قانون 69 المتعلق بالتجمعات والتظاهرات بهدف وضع حد نهائي لحالات القمع مثلما يجب مراجعة بعض أحكام المجلة الجزائية ومنها خاصة الفصل 125 المتعلقة بتهمة هضم جانب موظف عمومي فهو غير دستوري لكنه مطبق بصفة ملحوظة من قبل الأمنيين، وعبر محدثنا عن أمله في أن يتم أخذ مقترحات المجتمع المدني مأخذ الجد لأنها في النهاية في صالح تونس وفسر أن الدولة ستكون مطالبة في شهر أكتوبر المقبل في إطار الاستعراض الدوري لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بتقديم تقرير للمجلس وسيقدم المجتمع المدني تقارير موازية وفي صورة تواصل الانتهاكات فإن ذلك سيضر بسمعة تونس وصورتها بين الأمم وهو ما من شأنه أن يؤثر على التمويل والاستثمار.
لا للعودة إلى الوراء
وبين منذر الشارني أن المطلوب من الدولة احترام حقوق الإنسان فهو ضمانة للاستقرار الاجتماعي والسياسي، كما أن التدابير التي يتم اتخاذها في وضع الاستثناء عندما يكون فيها مساس من الحقوق والحريات فهذا سيؤدي إلى العودة إلى الوراء والتراجع عن المكاسب. وخلص إلى أنه في صورة وجود إخلالات فإن من أخل هو الذي يحاسب لا أن يقع وضع الكل في سلة واحدة وتسليط عقوبات جماعية.
وللتذكير ومثلما دأبت عليه في الأشهر الماضية، أصدرت المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب تقريرا مفصلا وثقت من خلاله مختلف الانتهاكات التي حصلت خلال شهر جانفي 2022 سواء المتعلقة منها بالإيقافات التي تمت طبقا للأمر عدد 50 لسنة 1978 المنظم لحالة الطوارئ الذي يعطي وزير الداخلية صلاحية وضع بعض الأشخاص قيد الإقامة الجبرية إذا كانوا يمثلون خطرا على الأمن العام، أو بالإيقافات التي تمت بناء على قرار حظر الجولان بتاريخ 13 جانفي في إطار مجابهة كورونا، أو بالإيقافات والاعتداءات الأمنية بواسطة استعمال الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والقنابل الصوتية والعصي خلال مظاهرات 14 جانفي أو بمنع سياسيين ونواب من السفر أو بالاعتداءات على الصحفيين من خلال المطالبة التعسفية بترخيص التصوير في الأماكن العامة، وهو الترخيص غير الموجود ، وحجز وثائق الهوية والإيقاف بمراكز الأمن وإغلاق أدوات التصوير أو حجزها والتهديد بتحرير محاضر بحث والاعتداء بالعنف البدني والسب والشتم والمطالبة بالتصوير في مكان آخر والاطلاع على المعطيات الشخصية المخزنة بالهواتف وطلب الاطلاع على الصور والفيديوهات ومطالبة الصحفيين بفسخها..
سعيدة بوهلال
ـ انتهاكات حقوق الإنسان تواصلت حتى بعد 25 جويلية
تونس- الصباح
عبر الأستاذ منذر الشارني الكاتب العام للمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب وعضو الهيئة العليا لحقوق الإنسان والحريات الأساسية عن رفضه المساس بمراسيم الجمعيات والأحزاب السياسية والصحافة المكتوبة والإعلام السمعي والبصري في ظل سريان التدابير الاستثنائية التي تم إقرارها من قبل رئيس الجمهورية في إطار الأمر عدد 117 المؤرخ في 22 أكتوبر 2021. وقال في تصريح لـ"الصباح" إن الجرائم التي ارتكبتها بعض الجمعيات المشبوهة خاصة ما تعلق منها بالتمويل المقنع لأحزاب سياسية ولجماعات إرهابية لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال مبررا لمراجعة المراسيم المذكورة بجرة قلم وبطريقة أحادية من قبل السلطة التنفيذية، إذ يجب على حد تأكيده التريث. وفسر أنه بعد انتهاء الفترة الاستثنائية تتم استشارة المجتمع المدني بخصوص هذه المراسيم لأنه لا بد من تحويلها إلى قوانين أساسية، وبعد تلك الاستشارة، يقع عرض مشاريع القوانين على النقاش العام في برلمان منتخب من قبل الشعب انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة..
ونبه الشارني إلى أن انتهاز فترة التدابير الاستثنائية لتمرير قوانين تمس بالحقوق والحريات سيضرب صورة تونس لأن هناك مقررا خاصا تابعا للأمم المتحدة يراقب الدول، وذكر أنه لا يفهم سبب العداء الذي تبطنه السلطة التنفيذية للجمعيات والحال أن قطاع الجمعيات يساهم في التشغيل والتنمية كما أنه يعاضد جهود الدولة زمن الأزمات مثلما حصل خلال جائحة كوفيد، والأهم من ذلك أنه قطاع منظم يخضع للرقابة المالية من قبل المحاسبين ويدفع الضرائب ويقوم بخلاص مساهمات الضمان الاجتماعي، وذكر أنه خلافا لما يظنه البعض، فإن الأطراف المانحة ليست متساهلة البتة في تمويل الجمعيات فهي شديدة الحرص على مراقبة مآل التمويلات التي تسندها للمجتمع المدني ثم أن لجنة التحاليل المالية الراجعة بالنظر إلى البنك المركزي التونسي تلعب دورا رقابيا على تمويل الجمعيات ومن الهم جدا أن تقوم هذه اللجنة بدورها فمن يخطئ يجب أن يحاسب.
إنهاء حالة الاستثناء
وأشار الشارني إلى أن المطلوب هو إنهاء الحالة الاستثنائية في أقرب وقت ممكن والعودة إلى الوضع العادي، وبين أنه يجب تنظيم انتخابات نزيهة وما سيفرزه الصندوق من نتائج يتم الالتزام به من قبل الجميع لأنه ليست هناك طريقة أخرى لإنهاء الأزمة السياسية غير الانتخابات فكل الدول التي مرت بأزمات سياسية في العالم ذهبت إلى الانتخابات. وذكر أنه إضافة إلى الانتخابات فإن المراجعات التي تنوي السلطة السياسية القيام بها يجب أن تضمن نظاما سياسيا ديمقراطيا يحترم التوازن بين السلطات ولا يؤدي إلى تغول سلطة على أخرى ويجب أن تكون صلاحيات السلطة التنفيذية واضحة ويجب أن يلعب البرلمان دوره التشريعي والرقابي على الحكومة، وفسر أن تونس في حاجة كبيرة إلى نظام سياسي فيه استقرار واحترام للحقوق والحريات وفيه توازن لأن التجارب في العديد من البلدان أثبتت أنه في ظل الأنظمة الرئاسية وعندما يغيب التوازن بين السلطات فإن تلك الأنظمة تنحرف نحو الاستبداد والدكتاتورية والحكم الفردي وهو ما يحد من الاستقرار.
وشدد محدثنا على أهمية الإبقاء على الهيئات التعديلية وذكر أنه لا يمكن حذف هيئة حقوق الإنسان أو هيئة مكافحة الفساد أو الهيكا أو هيئة النفاذ إلى المعلومة أو هيئة حماية المعطيات الشخصية أو هيئة مقاومة التعذيب أو هيئة الانتخابات فهذه الهيئات غير مكلفة على الدولة كما أنها غير سياسية بل هي ذات طابع حقوقي إنساني يتمثل دورها في تعزيز الحقوق والحريات وحتى إن كانت هناك هنات فيمكن تجاوزها من خلال تطوير آليات انتخاب أعضائها بتشريك المجتمع المدني في اختيارهم، كما يجب في هذه الهيئات ضمان التنوع الفكري نظرا لطابعها الحقوقي الإنساني فهذا ما تشترطه المعايير الدولية مثل معايير لجنة باريس.
تواصل الاعتداءات
إجابة عن سؤال يتعلق بالتقرير الذي أصدرته المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب قبل يومين حول الانتهاكات المسجلة خلال شهر جانفي 2022 وإن كان هناك تطور لعدد الانتهاكات أو نقصان مقارنه بالأشهر والسنوات السابقة، بين منذر الشارني الكاتب العام للمنظمة أن انتهاكات حقوق الإنسان والاعتداءات على الحريات موجودة طيلة العشر سنوات الماضية وتواصلت حتى بعد 25 جويلية 2021 وهي تسجل نسقا تصاعديا في بعض المناسبات خاصة المظاهرات والتجمعات على غرار ما حصل يوم 14 جانفي الماضي.. فقبل 25 جويلية تم استهداف العديد من النشطاء ولوحظ خلال السنوات الأربع الماضية تشدد حيال نشطاء المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان واستمر الأمر بعد 25 جويلية، فرغم أن رئيس الجمهورية قيس سعيد قال في أكثر من مناسبة إنه ملتزم باحترام الحقوق والحريات فإن وزارة الداخلية لم تكن وفية لهذا الالتزام حيث تم الاعتداء على المتظاهرين والصحفيين وتم اقتيادهم إلى مراكز الأمن وضربهم وافتكاك هواتفهم، وذكر انه حتى فرضا لو أن الدولة قررت منع التظاهر لأسباب صحية فهذا لا يبرر التعاطي مع المتظاهرين بالماء والغاز والإيقافات والمحاكمات بتهم هضم جانب موظف والتجمع في الطريق العام ومخالفة التراتيب.
ولم يخف الشارني مخاوفه من تصاعد عدد الأحكام بالإعدام وبين أنه خلال شهر جانفي فقط تم تسجيل 13 حكما بالإعدام وهو تصاعد خطير بالنظر إلى ما يحدث في العالم حيث هناك توجه نحو إلغاء عقوبة الإعدام وهناك 130 دولة ألغت هذه العقوبة من قوانينها بما فيها بلدان افريقية، وذكر أن أحكام الإعدام في تونس صحيح أنها لم تنفذ منذ سنوات لكن وجود هذه العقوبة في التشريعات الوطنية مخيف والمطلوب هو التخلي عنها لأنها لا تؤدي إلى تراجع الجريمة والقضاء على الإرهاب وهو ما يمكن استنتاجه من إحصائيات البلدان التي مازالت تطبق عقوبة الإعدام.
الإفلات من العقاب
تعقيبا على استفسار حول ما إذا رصدت المنظمة تواصل التعذيب بعد 25 جويلية أم لا، بين الشارني أنه تم تسجيل بعض الحالات منها الاشتباه في وفاة مسترابة وقال إنه يعتقد أن العدد الحقيقي أكبر مما تم التبليغ عنه لأن ظاهرة الإفلات من العقاب جعلت المعتدى عليهم لا يبلغون وهذا إشكال كبير فلو كانت هناك محاسبة لما تم القضاء على التعذيب نهائيا وبالتالي حماية المواطنين منه وحماية الجلادين من أنفسهم لأن الذين يمارسون التعذيب سيأتي يوم يحاسبون فيه ويجدون أنفسهم مورطين في قضايا تعذيب لأن جريمة التعذيب لا تسقط بمرور الزمن.
ومن الاعتداءات الأخرى التي رصدتها المنظمة حسب الشارني ما يتعلق بمخالفات حظر الجولان وذكر أن هذه المخالفات استهدفت بدرجة أولى أناس فقراء اضطرتهم الظروف الاجتماعية القاهرة إلى الخروج ليلا للعمل، وبين أن التدابير التي تم اتخاذها لمجابهة كورونا كانت عبارة عن جنح استهدفت الفقراء فهي تجريم للفقر.
وبين أن حظر الجولان تم بعد التمديد في حالة الطوارئ بمقتضى الأمر عدد خمسين وهو أمر يجب إلغاؤه لأنه يمنح صلاحيات واسعة للولاة في غياب الرقابة من حظر للجولان ووضع تحت الإقامة الجبرية ومنع التظاهر فالأمر لا يحمي الحقوق والحريات وفي صورة تواصل العمل به فسيكون مضرا بالمجتمع. وخلص إلى أنه لا بد من وضع قانون جديد ينظم حالة الطوارئ وذلك بالتشاور مع المجتمع المدني وأن يراعي النص الجديد المعايير الدولية.. وبين أن منظمته أعدت مقترح قانون كامل لتنظيم حالة الطوارئ وعرضته على رئيس الجمهورية لكن لم يقع أخذه بعين الاعتبار، وبين الشارني أنه إضافة على الأمر المتعلق بحالة الطوارئ لا بد من مراجعة قانون 69 المتعلق بالتجمعات والتظاهرات بهدف وضع حد نهائي لحالات القمع مثلما يجب مراجعة بعض أحكام المجلة الجزائية ومنها خاصة الفصل 125 المتعلقة بتهمة هضم جانب موظف عمومي فهو غير دستوري لكنه مطبق بصفة ملحوظة من قبل الأمنيين، وعبر محدثنا عن أمله في أن يتم أخذ مقترحات المجتمع المدني مأخذ الجد لأنها في النهاية في صالح تونس وفسر أن الدولة ستكون مطالبة في شهر أكتوبر المقبل في إطار الاستعراض الدوري لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة بتقديم تقرير للمجلس وسيقدم المجتمع المدني تقارير موازية وفي صورة تواصل الانتهاكات فإن ذلك سيضر بسمعة تونس وصورتها بين الأمم وهو ما من شأنه أن يؤثر على التمويل والاستثمار.
لا للعودة إلى الوراء
وبين منذر الشارني أن المطلوب من الدولة احترام حقوق الإنسان فهو ضمانة للاستقرار الاجتماعي والسياسي، كما أن التدابير التي يتم اتخاذها في وضع الاستثناء عندما يكون فيها مساس من الحقوق والحريات فهذا سيؤدي إلى العودة إلى الوراء والتراجع عن المكاسب. وخلص إلى أنه في صورة وجود إخلالات فإن من أخل هو الذي يحاسب لا أن يقع وضع الكل في سلة واحدة وتسليط عقوبات جماعية.
وللتذكير ومثلما دأبت عليه في الأشهر الماضية، أصدرت المنظمة التونسية لمناهضة التعذيب تقريرا مفصلا وثقت من خلاله مختلف الانتهاكات التي حصلت خلال شهر جانفي 2022 سواء المتعلقة منها بالإيقافات التي تمت طبقا للأمر عدد 50 لسنة 1978 المنظم لحالة الطوارئ الذي يعطي وزير الداخلية صلاحية وضع بعض الأشخاص قيد الإقامة الجبرية إذا كانوا يمثلون خطرا على الأمن العام، أو بالإيقافات التي تمت بناء على قرار حظر الجولان بتاريخ 13 جانفي في إطار مجابهة كورونا، أو بالإيقافات والاعتداءات الأمنية بواسطة استعمال الغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه والقنابل الصوتية والعصي خلال مظاهرات 14 جانفي أو بمنع سياسيين ونواب من السفر أو بالاعتداءات على الصحفيين من خلال المطالبة التعسفية بترخيص التصوير في الأماكن العامة، وهو الترخيص غير الموجود ، وحجز وثائق الهوية والإيقاف بمراكز الأمن وإغلاق أدوات التصوير أو حجزها والتهديد بتحرير محاضر بحث والاعتداء بالعنف البدني والسب والشتم والمطالبة بالتصوير في مكان آخر والاطلاع على المعطيات الشخصية المخزنة بالهواتف وطلب الاطلاع على الصور والفيديوهات ومطالبة الصحفيين بفسخها..