على غير ما اعتاد التونسيون منذ عقود صدر مؤخراعن رئاسة الجمهورية التونسية المرسوم 21 لسنة 2021 المؤرخ في 28 ديسمبر 2021 المتعلق بقانون المالية لسنة 2022 وذلك عملا بالأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق "بتدابير استثنائية "وخاصة الفصل 5 منه بعد ان تم عرضه على مجلس الوزراء للمداولة. وغير خاف عن العيان أن هذا القانون يأتي في سياقات سياسية اقتصادية استثنائية حرجة ناجمة عن عدة عوامل لعل أهمها أزمة المالية العمومية والتردد والارتباك الذي لاح ازاء الإصلاحات الضرورية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي والذي يرى عديد الخبراء أن الخيارات تجاهها تتقلص تدريجيا أمام بلادنا الخيار لتجنب بعض السيناريوهات السيئة التي ضربت بلدنا شبيهة لنا على غرار اليونان ولبنان الخ .. لذا علينا حتى نشق مسلكا مخالفا لما انتهت اليه هذه البلدان أن حسن الاستعداد للدخول في دورة جديدة من المفاوضات مع الصندوق فهو مفتاح مهم في حلحلة الازمة الهيكلية المركبة.
لم يثر القانون جدلا سياسيا وفكريا حادا على غرار ما الفنا ومع ذلك يمكن لغير المختصين ، من أمثالي ، ان يقف على بعض الملامح البارزة لهذا القانون والتي يمكن ايجازها في أمرين يتعلق الأول بالبعد الاجتماعي الذي حرص المشرع على ابرازه رغم الصعوبات الحادة التي تمر بها البلاد على غرار :
حريص القانون على الإعفاء من الأداء على القيمة المضافة للعمولات الراجعة مثلا لوكلاء أسواق الجملة المتعلقة بمنتجات الفلاحة والصيد البحري بالإضافة إلى الإعفاء من المعاليم الديوانية المستوجبة على توريد بعض مدخلات الأعلاف. هذا كما نص القانون على التحكم في أسعار منتجات الفلاحة والصيد البحري المبردة وترشيد منح الامتيازات الجبائية في مادة الأداء على القيمة المضافة للقطع والمواد المستعملة في الفلاحة والصيد البحري.
دعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة وخصوصا منها المتضررة من جائحة كوفيد 19كمسعى اجتماعي لتلطيف آثار الازمة الاقتصادية الخانقة التي خلفتها الجائحة واسناد الشرائح الاجتماعية الوسطى وذلك من خلال إحداث خطوط تمويل لفائدة أصحاب المشاريع والمهن الصغرى ومؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالإضافة إلى تكفّل الدولة بالفارق بين النسبة الموظفة على قروض الاستثمار ومعدل نسبة الفائدة في السوق النقدية لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة. أما فيما يخص القطاع السياحي فقد التزمت الدولة بالتكفل بمساهمات الأعراف في النظام القانوني للضمان الاجتماعي وتحديد منحة 200 دينار للأعوان العاملين وذلك بالنسبة للمؤسسات السياحية التي تعاني صعوبات جراء الجائحة.
تشجيع البدائل المستدامة على غرار اسناد "الاقتصاد الأخضر"تم اقرار دعم تمويل المؤسسات الناشطة في هذا القطاع تخفيف جباية العربات السيارة المجهزة بمحرك مزدوج حراري وكهربائي والعربات السيارة المجهزة بمحرك كهربائي والتخفيض في المعاليم الديوانية المستوجبة بعنوان توريد اللاقطات الشمسية ومراجعة نسبة المعلوم للمحافظة على البيئة. هذا كما سعى القانون إلى دعم مجهودات الرقمنة من خلال إعفاء العمولات المتعلّقة بالدفع الإلكتروني بواسطة المصارف والأنترنات والهاتف الجوال من الأداء على القيمة المضافة وتحسين رقمنة الخدمات الإدارية وتطوير طرق تأدية النفقات العمومية وترشيد تداول الأموال نقدا.
ونظرا لتردي جودة القطاع الصحي مثله مثل جل المرافق العامة فقد أفرد القانون قطاع الصحة بجملة من الاجراءات لعل من أبرزها دعم الصيدلية المركزية من أجل تسيير توريد الأدوية التي تحتاجها السوق المحلية بالإضافة إلى تخفيف جباية منتجات الحماية الفردية ومدخلاتها للتوقي من انتشار فيروس كورونا. وفي نفس التوجه الاجتماعي أولى القانون قطاع الطفولة مكانة خاصة من خلال تقديمه لمجموعة من التشجيعات من أجل دعم انخراط رياض الأطفال في برنامج"النهوض بالطفولة المبكرة".
أما الأمر الثاني الذي نقف عليه فهو التنقيحات التي أدخلت على المنظومة الجبائية وأساليب المراقبة والتمديد في آجال تسوية الديون من أجل الاقتراب من عدالة جبائية أكثر انصافا فقد شمل القانون عدة تحيينات بالزيادة في معاليم الأداءات وأبرزها إتاوة الدعم الموظف على الملاهي، إضافة إلى تحيين تعريفة تعاطي تجارة المشروبات الكحولية المحمولة وتوظيف 100 مليم على كل عمليّة شراء من المغازات الكبرى. لقد قُدرت ميزانية الدولة التونسية لسنة 2022 بـ بـ166 47 مليار دينار، مقابل مداخيل بقيمة 618 38 مليار دينار، أي بعجز في الميزانية قيمته 548 8 مليار دينار.
ومع ذلك ظل القانون حملا لتوترات داخلية يصعب في ظل الصعوبات المختلفة التي لا زالت على اشدها فيما يتعلق بايجاد تمويلات مباشرة للميزانية في ظل تردد / تلكا صندوق النقد الدولي و"اشتراطاته" المؤلمة ، لقد قُدرت ميزانية الدولة التونسية لسنة 2022 بـ 166 47 مليار دينار، مقابل مداخيل بقيمة 618 38 مليار دينار، أي بعجز في الميزانية قيمته 548 8 مليار دينار. هل يمكن ان تحتفظ الميزانية بسعيها الاجتماعي أم ستضطر الى التنازل عنه حتى تكون اكثر واقعية ولو على حساب تلك النوايا الطيبة خصوصا وان رئاسة الجمهورية تظل هي المسؤولة الاولى والوحيدة على ما سيترتب عن هذه التوترات ان لم تجد حلا منصفا للجميع خصوصا في ظل بوادر أزمة ثقة في مدى قدرة الدولة على الايفاء بالتزاماتها تجاه مؤجريها والمستفيدين من خدمات مرفقها العمومي رغم طمأنة صندوق النقد الدولي بأن تونس ليست في وارد الافلاس مطلقا والحمد لله..
مهدي مبروك
على غير ما اعتاد التونسيون منذ عقود صدر مؤخراعن رئاسة الجمهورية التونسية المرسوم 21 لسنة 2021 المؤرخ في 28 ديسمبر 2021 المتعلق بقانون المالية لسنة 2022 وذلك عملا بالأمر الرئاسي عدد 117 لسنة 2021 المؤرخ في 22 سبتمبر 2021 المتعلق "بتدابير استثنائية "وخاصة الفصل 5 منه بعد ان تم عرضه على مجلس الوزراء للمداولة. وغير خاف عن العيان أن هذا القانون يأتي في سياقات سياسية اقتصادية استثنائية حرجة ناجمة عن عدة عوامل لعل أهمها أزمة المالية العمومية والتردد والارتباك الذي لاح ازاء الإصلاحات الضرورية التي يطالب بها صندوق النقد الدولي والذي يرى عديد الخبراء أن الخيارات تجاهها تتقلص تدريجيا أمام بلادنا الخيار لتجنب بعض السيناريوهات السيئة التي ضربت بلدنا شبيهة لنا على غرار اليونان ولبنان الخ .. لذا علينا حتى نشق مسلكا مخالفا لما انتهت اليه هذه البلدان أن حسن الاستعداد للدخول في دورة جديدة من المفاوضات مع الصندوق فهو مفتاح مهم في حلحلة الازمة الهيكلية المركبة.
لم يثر القانون جدلا سياسيا وفكريا حادا على غرار ما الفنا ومع ذلك يمكن لغير المختصين ، من أمثالي ، ان يقف على بعض الملامح البارزة لهذا القانون والتي يمكن ايجازها في أمرين يتعلق الأول بالبعد الاجتماعي الذي حرص المشرع على ابرازه رغم الصعوبات الحادة التي تمر بها البلاد على غرار :
حريص القانون على الإعفاء من الأداء على القيمة المضافة للعمولات الراجعة مثلا لوكلاء أسواق الجملة المتعلقة بمنتجات الفلاحة والصيد البحري بالإضافة إلى الإعفاء من المعاليم الديوانية المستوجبة على توريد بعض مدخلات الأعلاف. هذا كما نص القانون على التحكم في أسعار منتجات الفلاحة والصيد البحري المبردة وترشيد منح الامتيازات الجبائية في مادة الأداء على القيمة المضافة للقطع والمواد المستعملة في الفلاحة والصيد البحري.
دعم المؤسسات الصغرى والمتوسطة وخصوصا منها المتضررة من جائحة كوفيد 19كمسعى اجتماعي لتلطيف آثار الازمة الاقتصادية الخانقة التي خلفتها الجائحة واسناد الشرائح الاجتماعية الوسطى وذلك من خلال إحداث خطوط تمويل لفائدة أصحاب المشاريع والمهن الصغرى ومؤسسات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني بالإضافة إلى تكفّل الدولة بالفارق بين النسبة الموظفة على قروض الاستثمار ومعدل نسبة الفائدة في السوق النقدية لفائدة المؤسسات الصغرى والمتوسطة. أما فيما يخص القطاع السياحي فقد التزمت الدولة بالتكفل بمساهمات الأعراف في النظام القانوني للضمان الاجتماعي وتحديد منحة 200 دينار للأعوان العاملين وذلك بالنسبة للمؤسسات السياحية التي تعاني صعوبات جراء الجائحة.
تشجيع البدائل المستدامة على غرار اسناد "الاقتصاد الأخضر"تم اقرار دعم تمويل المؤسسات الناشطة في هذا القطاع تخفيف جباية العربات السيارة المجهزة بمحرك مزدوج حراري وكهربائي والعربات السيارة المجهزة بمحرك كهربائي والتخفيض في المعاليم الديوانية المستوجبة بعنوان توريد اللاقطات الشمسية ومراجعة نسبة المعلوم للمحافظة على البيئة. هذا كما سعى القانون إلى دعم مجهودات الرقمنة من خلال إعفاء العمولات المتعلّقة بالدفع الإلكتروني بواسطة المصارف والأنترنات والهاتف الجوال من الأداء على القيمة المضافة وتحسين رقمنة الخدمات الإدارية وتطوير طرق تأدية النفقات العمومية وترشيد تداول الأموال نقدا.
ونظرا لتردي جودة القطاع الصحي مثله مثل جل المرافق العامة فقد أفرد القانون قطاع الصحة بجملة من الاجراءات لعل من أبرزها دعم الصيدلية المركزية من أجل تسيير توريد الأدوية التي تحتاجها السوق المحلية بالإضافة إلى تخفيف جباية منتجات الحماية الفردية ومدخلاتها للتوقي من انتشار فيروس كورونا. وفي نفس التوجه الاجتماعي أولى القانون قطاع الطفولة مكانة خاصة من خلال تقديمه لمجموعة من التشجيعات من أجل دعم انخراط رياض الأطفال في برنامج"النهوض بالطفولة المبكرة".
أما الأمر الثاني الذي نقف عليه فهو التنقيحات التي أدخلت على المنظومة الجبائية وأساليب المراقبة والتمديد في آجال تسوية الديون من أجل الاقتراب من عدالة جبائية أكثر انصافا فقد شمل القانون عدة تحيينات بالزيادة في معاليم الأداءات وأبرزها إتاوة الدعم الموظف على الملاهي، إضافة إلى تحيين تعريفة تعاطي تجارة المشروبات الكحولية المحمولة وتوظيف 100 مليم على كل عمليّة شراء من المغازات الكبرى. لقد قُدرت ميزانية الدولة التونسية لسنة 2022 بـ بـ166 47 مليار دينار، مقابل مداخيل بقيمة 618 38 مليار دينار، أي بعجز في الميزانية قيمته 548 8 مليار دينار.
ومع ذلك ظل القانون حملا لتوترات داخلية يصعب في ظل الصعوبات المختلفة التي لا زالت على اشدها فيما يتعلق بايجاد تمويلات مباشرة للميزانية في ظل تردد / تلكا صندوق النقد الدولي و"اشتراطاته" المؤلمة ، لقد قُدرت ميزانية الدولة التونسية لسنة 2022 بـ 166 47 مليار دينار، مقابل مداخيل بقيمة 618 38 مليار دينار، أي بعجز في الميزانية قيمته 548 8 مليار دينار. هل يمكن ان تحتفظ الميزانية بسعيها الاجتماعي أم ستضطر الى التنازل عنه حتى تكون اكثر واقعية ولو على حساب تلك النوايا الطيبة خصوصا وان رئاسة الجمهورية تظل هي المسؤولة الاولى والوحيدة على ما سيترتب عن هذه التوترات ان لم تجد حلا منصفا للجميع خصوصا في ظل بوادر أزمة ثقة في مدى قدرة الدولة على الايفاء بالتزاماتها تجاه مؤجريها والمستفيدين من خدمات مرفقها العمومي رغم طمأنة صندوق النقد الدولي بأن تونس ليست في وارد الافلاس مطلقا والحمد لله..