العشرات من الشخصيات السياسية والأمنية والعسكرية وغيرها ممن تداولوا على الحكم في تونس وتقلدوا مناصب عليا وحقائب وزارية ذات علاقة بالأمن القومي منذ ثورة 2011 إلى اليوم ممن تسنى لهم، بحكم مواقعهم المهنية العليا والمختصة في الدولة، الإطلاع على أسرار الدولة وخبايا ومسالك إدارة دواليب الدولة ومنظومة الحكم.
ولكن السؤال المطروح اليوم هو إلى أي مدى التزم هؤلاء بواجب التحفظ وعدم إفشاء أسرار الدولة؟ وهل تم توظيف ذلك في المعارك والخصومات السياسية خلال نفس المرحلة لاسيما في ظل حالة التشرذم والصراعات والتجاذبات والمناكفات والشد والجذب التي طغت على المشهد السياسي في بلادنا في نفس الفترة من تاريخ تونس السياسي لتتعداه في عديد المناسبات إلى المراهنة على التدخل الأجنبي ودعم الخارج في المعارك الداخلية من قبل بعض الجهات الحزبية؟
فمدعاة طرح مثل هذه المسألة هو ما يتم تداوله اليوم بعد إعلان رئاسة الجمهورية عن إقالة مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة التي يعتبرها الجميع الصندوق الأسود لقصر قرطاج ويراهن خصوم سعيد على استدراجها إلى مربعهم لتكون عاملا قويا لقلب موازين القوى لفائدة الشق المعارض بقياد حركة النهضة، إضافة إلى حجم الخلافات وحدة الجدل والصراع المخيم على الوضع العام في تونس خلال العشرية الماضية ليشهد هذا الأمر منعرجا كبيرا وحاسما منذ دخول بلادنا في مسار استثنائي بداية من 25 جويلية بناء على قرارات وخيارات رئاسية، الأمر الذي يضع مسألة استقرار الدولة والمحافظة على أمنها وخصوصياتها اليوم في الميزان في ظل تشبث كل الشقوق الحزبية والسياسية بمواقفها المبنية في مجملها على رؤى وأجندات حزبية وشخصية ضيقة تنتفي عنها كل متعلقات المصلحة الوطنية.
وتجدر الإشارة إلى أن مجلس الأمن القومي الذي كان يسمى سابقا المجلس الوطني للأمن، هو هيئة تونسية تابعة لرئاسة الجمهورية. تأسس المجلس في 1990 تحت اسم المجلس الوطني الأمن، وأعيد تنظيمه في 2017 وأصبح يسمى باسمه الحالي. يتولى هذا المجلس التداول في المسائل التي تخص السياسات العامة في مختلف المجالات المتعلقة بالأمن القومي والاستراتيجيات الوطنية في المجالات المتعلقة بالأمن القومي. إضافة إلى الخيارات الإستراتيجية في مجال الاستعلامات والإستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف والإرهاب وتحيينها بصفة دورية وذلك بالتنسيق مع اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، فضلا عن الدراسات والتوصيات والمقترحات الصادرة عن اللجان.
كما يتولى المجلس تقييم التحديات الداخلية والخارجية وتدابير التعامل مع التهديدات ولو كانت متوقعة الحصول وتوجيه السياسة الخارجية وفق أولويات الأمن القومي. وينظر المجلس أيضا في كافة المسائل التي يعرضها عليه رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة. ويتركب مجلس الأمن القومي من رئيس الجمهورية الذي يتولى رئاسته إضافة إلى رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب ووزراء العدل والدفاع الوطني والداخلية والشؤون الخارجية والمالية، ويمكن للوزراء طلب حضور القادة أو المديرين العامين أو رؤساء الهياكل المختصة ذات العلاقة بمهام المجلس للمشاركة في أعماله.
فمنذ إسقاط منظمة حكم الراحل زين العابدين بن علي إلى اليوم تداول على اجتماعات هذا المجلس عدد كبير من الأسماء نظرا للديناميكية التي عرفتها الاختصاصات التي يخول لها حضور اجتماعات هذا المجلس نظرا لعدد الحكومات التي تعاقبت على الحكم خلال نفس المرحلة وما عرفته من تغيير للحقائب الوزارية المعنية بعضوية هذا المجلس الشأن نفسه تقريبا بالنسبة للمديرين العامين والقادة للهياكل المختصة أمنيا وعسكريا المعنية بنفس المجلس.
ضرب كيان الدولة
فحساسية وأهمية ما يتم تداوله في مثل تلك الاجتماعات التي تعقد بصفة دورية مرة كل ثلاثة أشهر أو أثناء الظروف الطارئة وفي الحالات الاستعجالية، يجعل الأمر على غاية من الخطورة خاصة أن النزاعات والمصالح الحزبية والشخصية الضيقة كانت العامل المتحكم في الصراعات والمعارك المطروحة في تونس بشكل عام وعنصر تحريك المشهد السياسي. وشكل نفس العامل أيضا العنصر المحرك والمتحكم في نزعة الأحزاب المكونة لمنظومة الحكم وفي مقدمتها حركة النهضة، للتغلغل في مفاصل الحكم والإدارة من أجل الإطاحة بالدولة وهز كيانها من الداخل من خلال والعمل على تحقيق معادلة جديدة قوامها دولة الحزب. وذلك بعد أن أصبحت كل المعطيات التي كانت تصنف من قبيل "السري جدا" في متناول الجميع. وهو ما علق عليه البعض بقوله "إن أسرار الدولة أصبحت في فترة ما على قارعة الطريق وفي متناول من هب ودب داخل تونس وخارجها".
فكل المعطيات والحقائق الخاصة بالدولة التي يتم تداولها وطرحها في مجلس الأمن القومي تظل بمنأى وبعيدة المنال عما يتم تصنيفه تحت خانة الحق في المعلومة وحرية التعبير وحق الجميع في الولوج إلى المعلومة وغيرها من النصوص القانونية والهياكل المختصة التي تعمل على حفظها وضمان النفاذ إليها عدة هياكل ومؤسسات ومنظمات وطنية ودولية، ليقين الجميع بأهمية وقيمة تلك المعطيات وسرّيتها حتى أن البعض يكنى عليها بحقائق الصندوق الأسود للدولة.
خرق واجب التحفظ
وتم في فترات متفاوتة تداول أخبار حول خرق بعض الشخصيات، ممن كانوا أعضاء في نفس المجلس بحكم مهامهم في فترة معينة، لواجب التحفظ وإفشاء أسرار الدولة لفائدة جهة معينة لعل أبرزها ما توجه به وزير الدفاع السابق والمترشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة عبد الكريم الزبيدي من اتهام ليوسف الشاهد رئيس الحكومة السابق، مفاده أن هذا الأخير تولى إفشاء أسرار الدولة المتعلقة بالأمن القومي لفائدة حركة النهضة. وهو ما استنكرته عديد الجهات السياسية والمدنية على اعتبار أن إفشاء أسرار الدولة يرتقي إلى مرتبة الخيانة العظمى التي تتطلب الملاحقة القضائية والتحقيق في شأنها.
ويذكر في نفس السياق أن نقابة السلك الدبلوماسي طالبت سلطة الإشراف في نوفمبر الماضي بضرورة مقاضاة عبد الرؤوف بالطبيب المستشار السابق لرئيس الجمهورية قيس سعيد ورفع قضية جزائية ضده بسبب عدم التزامه واجب التحفظ وإخلاله بهذا المبدأ بعد التحاقه بالشق المعارض لمسار سعيد وما قدمه من تصريحات في الغرض تؤكد خرقه لهذا الواجب.
والأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل سبق أن شكلت مسألة التعاطي مع أسرار الدولة والاختراقات الحزبية لقصري قرطاج والقصبة عنوانا كبيرا لمراحل سياسية مختلفة في تونس في العشرية الماضية، ويكفي التوقف في الغرض عند حادثة تعرض وزير الداخلية السابق فرحات الراجحي إلى محاولة اعتداء والسرقة. إضافة إلى عمليات تهريب إرهابيين وإخفاء أو تسريب بعض المعطيات الهامة في علاقة بعمليات إرهابية غيرها زمن حكم "الترويكا" أو التسريبات في عهد رئاسة الراحل الباجي قائد السبسي للجمهورية بعد الانقسامات والتشرذم التي عرفها حزبه نداء تونس إثر تحالفه مع النهضة.
ووجهت بعض الجهات في فترات سابقة اتهامات إلى رئيس الجمهورية المؤقت السابق محمد منصف المرزوقي بعدم التزامه واجب التحفظ تجاه خصوصيات هذا الوطن وإفشائه أسرار الدولة. وهذا العامل جعل البعض يعتبر بلادنا مجالا مستباحا للمخابرات الأجنبية. الأمر الذي دفع بعض القراءات تذهب إلى أن منظومة الحكم في تونس هي بيد جهات أجنبية. وهو تقريبا ما جعل بعض هذه الجهات السياسية والحزبية تراهن على الدعم الخارجي في معاركها الداخلية.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
العشرات من الشخصيات السياسية والأمنية والعسكرية وغيرها ممن تداولوا على الحكم في تونس وتقلدوا مناصب عليا وحقائب وزارية ذات علاقة بالأمن القومي منذ ثورة 2011 إلى اليوم ممن تسنى لهم، بحكم مواقعهم المهنية العليا والمختصة في الدولة، الإطلاع على أسرار الدولة وخبايا ومسالك إدارة دواليب الدولة ومنظومة الحكم.
ولكن السؤال المطروح اليوم هو إلى أي مدى التزم هؤلاء بواجب التحفظ وعدم إفشاء أسرار الدولة؟ وهل تم توظيف ذلك في المعارك والخصومات السياسية خلال نفس المرحلة لاسيما في ظل حالة التشرذم والصراعات والتجاذبات والمناكفات والشد والجذب التي طغت على المشهد السياسي في بلادنا في نفس الفترة من تاريخ تونس السياسي لتتعداه في عديد المناسبات إلى المراهنة على التدخل الأجنبي ودعم الخارج في المعارك الداخلية من قبل بعض الجهات الحزبية؟
فمدعاة طرح مثل هذه المسألة هو ما يتم تداوله اليوم بعد إعلان رئاسة الجمهورية عن إقالة مديرة الديوان الرئاسي نادية عكاشة التي يعتبرها الجميع الصندوق الأسود لقصر قرطاج ويراهن خصوم سعيد على استدراجها إلى مربعهم لتكون عاملا قويا لقلب موازين القوى لفائدة الشق المعارض بقياد حركة النهضة، إضافة إلى حجم الخلافات وحدة الجدل والصراع المخيم على الوضع العام في تونس خلال العشرية الماضية ليشهد هذا الأمر منعرجا كبيرا وحاسما منذ دخول بلادنا في مسار استثنائي بداية من 25 جويلية بناء على قرارات وخيارات رئاسية، الأمر الذي يضع مسألة استقرار الدولة والمحافظة على أمنها وخصوصياتها اليوم في الميزان في ظل تشبث كل الشقوق الحزبية والسياسية بمواقفها المبنية في مجملها على رؤى وأجندات حزبية وشخصية ضيقة تنتفي عنها كل متعلقات المصلحة الوطنية.
وتجدر الإشارة إلى أن مجلس الأمن القومي الذي كان يسمى سابقا المجلس الوطني للأمن، هو هيئة تونسية تابعة لرئاسة الجمهورية. تأسس المجلس في 1990 تحت اسم المجلس الوطني الأمن، وأعيد تنظيمه في 2017 وأصبح يسمى باسمه الحالي. يتولى هذا المجلس التداول في المسائل التي تخص السياسات العامة في مختلف المجالات المتعلقة بالأمن القومي والاستراتيجيات الوطنية في المجالات المتعلقة بالأمن القومي. إضافة إلى الخيارات الإستراتيجية في مجال الاستعلامات والإستراتيجية الوطنية لمكافحة التطرف والإرهاب وتحيينها بصفة دورية وذلك بالتنسيق مع اللجنة الوطنية لمكافحة الإرهاب، فضلا عن الدراسات والتوصيات والمقترحات الصادرة عن اللجان.
كما يتولى المجلس تقييم التحديات الداخلية والخارجية وتدابير التعامل مع التهديدات ولو كانت متوقعة الحصول وتوجيه السياسة الخارجية وفق أولويات الأمن القومي. وينظر المجلس أيضا في كافة المسائل التي يعرضها عليه رئيس الجمهورية أو رئيس الحكومة. ويتركب مجلس الأمن القومي من رئيس الجمهورية الذي يتولى رئاسته إضافة إلى رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب ووزراء العدل والدفاع الوطني والداخلية والشؤون الخارجية والمالية، ويمكن للوزراء طلب حضور القادة أو المديرين العامين أو رؤساء الهياكل المختصة ذات العلاقة بمهام المجلس للمشاركة في أعماله.
فمنذ إسقاط منظمة حكم الراحل زين العابدين بن علي إلى اليوم تداول على اجتماعات هذا المجلس عدد كبير من الأسماء نظرا للديناميكية التي عرفتها الاختصاصات التي يخول لها حضور اجتماعات هذا المجلس نظرا لعدد الحكومات التي تعاقبت على الحكم خلال نفس المرحلة وما عرفته من تغيير للحقائب الوزارية المعنية بعضوية هذا المجلس الشأن نفسه تقريبا بالنسبة للمديرين العامين والقادة للهياكل المختصة أمنيا وعسكريا المعنية بنفس المجلس.
ضرب كيان الدولة
فحساسية وأهمية ما يتم تداوله في مثل تلك الاجتماعات التي تعقد بصفة دورية مرة كل ثلاثة أشهر أو أثناء الظروف الطارئة وفي الحالات الاستعجالية، يجعل الأمر على غاية من الخطورة خاصة أن النزاعات والمصالح الحزبية والشخصية الضيقة كانت العامل المتحكم في الصراعات والمعارك المطروحة في تونس بشكل عام وعنصر تحريك المشهد السياسي. وشكل نفس العامل أيضا العنصر المحرك والمتحكم في نزعة الأحزاب المكونة لمنظومة الحكم وفي مقدمتها حركة النهضة، للتغلغل في مفاصل الحكم والإدارة من أجل الإطاحة بالدولة وهز كيانها من الداخل من خلال والعمل على تحقيق معادلة جديدة قوامها دولة الحزب. وذلك بعد أن أصبحت كل المعطيات التي كانت تصنف من قبيل "السري جدا" في متناول الجميع. وهو ما علق عليه البعض بقوله "إن أسرار الدولة أصبحت في فترة ما على قارعة الطريق وفي متناول من هب ودب داخل تونس وخارجها".
فكل المعطيات والحقائق الخاصة بالدولة التي يتم تداولها وطرحها في مجلس الأمن القومي تظل بمنأى وبعيدة المنال عما يتم تصنيفه تحت خانة الحق في المعلومة وحرية التعبير وحق الجميع في الولوج إلى المعلومة وغيرها من النصوص القانونية والهياكل المختصة التي تعمل على حفظها وضمان النفاذ إليها عدة هياكل ومؤسسات ومنظمات وطنية ودولية، ليقين الجميع بأهمية وقيمة تلك المعطيات وسرّيتها حتى أن البعض يكنى عليها بحقائق الصندوق الأسود للدولة.
خرق واجب التحفظ
وتم في فترات متفاوتة تداول أخبار حول خرق بعض الشخصيات، ممن كانوا أعضاء في نفس المجلس بحكم مهامهم في فترة معينة، لواجب التحفظ وإفشاء أسرار الدولة لفائدة جهة معينة لعل أبرزها ما توجه به وزير الدفاع السابق والمترشح للانتخابات الرئاسية الأخيرة عبد الكريم الزبيدي من اتهام ليوسف الشاهد رئيس الحكومة السابق، مفاده أن هذا الأخير تولى إفشاء أسرار الدولة المتعلقة بالأمن القومي لفائدة حركة النهضة. وهو ما استنكرته عديد الجهات السياسية والمدنية على اعتبار أن إفشاء أسرار الدولة يرتقي إلى مرتبة الخيانة العظمى التي تتطلب الملاحقة القضائية والتحقيق في شأنها.
ويذكر في نفس السياق أن نقابة السلك الدبلوماسي طالبت سلطة الإشراف في نوفمبر الماضي بضرورة مقاضاة عبد الرؤوف بالطبيب المستشار السابق لرئيس الجمهورية قيس سعيد ورفع قضية جزائية ضده بسبب عدم التزامه واجب التحفظ وإخلاله بهذا المبدأ بعد التحاقه بالشق المعارض لمسار سعيد وما قدمه من تصريحات في الغرض تؤكد خرقه لهذا الواجب.
والأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل سبق أن شكلت مسألة التعاطي مع أسرار الدولة والاختراقات الحزبية لقصري قرطاج والقصبة عنوانا كبيرا لمراحل سياسية مختلفة في تونس في العشرية الماضية، ويكفي التوقف في الغرض عند حادثة تعرض وزير الداخلية السابق فرحات الراجحي إلى محاولة اعتداء والسرقة. إضافة إلى عمليات تهريب إرهابيين وإخفاء أو تسريب بعض المعطيات الهامة في علاقة بعمليات إرهابية غيرها زمن حكم "الترويكا" أو التسريبات في عهد رئاسة الراحل الباجي قائد السبسي للجمهورية بعد الانقسامات والتشرذم التي عرفها حزبه نداء تونس إثر تحالفه مع النهضة.
ووجهت بعض الجهات في فترات سابقة اتهامات إلى رئيس الجمهورية المؤقت السابق محمد منصف المرزوقي بعدم التزامه واجب التحفظ تجاه خصوصيات هذا الوطن وإفشائه أسرار الدولة. وهذا العامل جعل البعض يعتبر بلادنا مجالا مستباحا للمخابرات الأجنبية. الأمر الذي دفع بعض القراءات تذهب إلى أن منظومة الحكم في تونس هي بيد جهات أجنبية. وهو تقريبا ما جعل بعض هذه الجهات السياسية والحزبية تراهن على الدعم الخارجي في معاركها الداخلية.