هل نجحت في استعادة "الثقة" ومكافحة الفساد و"ملء" قفة المواطن؟
تونس – الصباح
رغم مضي أكثر من مائة يوم منذ مباشرة مهامها، لا تزال انتظارات التونسيين لإعلان نجلاء بودن عن برنامج حكومتها خلال المرحلة الاستثنائية وتحديد أولويات مهامها مثلما وعدت بذلك سابقا ليكون بعد مائة يوم من العمل، في حين أنها تجاوزت هذه المدة بعشرة أيام إلى حد الآن ولم تحدد بعد موعد هذا اللقاء الإعلامي، الذي سبق أن أعلن عنه مؤخرا نصر الدين النصيبي وزير التشغيل والتكوين المهني باعتباره الناطق الرسمي لنفس الحكومة، خاصة أن هذا البرنامج يأتي خارج سياق التقييم الذي يفترض العمل به ولكن تزامن المرحلة مع الظروف والوضعية الاستثنائية التي "ولدت" فيها هذه الحكومة يحول دون ذلك.
تأتي هذه الانتظارات في ظل مناخ سياسي متقلب وظروف اجتماعية واقتصادية صعبة بالتزامن مع مواصلة الشق المعارض لمسار قيس سعيد التحرك والتصدي لكل محاولات التغيير والإصلاح والدفع لفرض الضغوط داخليا وخارجيا والعمل من أجل إفشال مشروعه ووضع حد للمسار الاستثنائي والإصرار على العودة إلى مسار 24 جويلية، فضلا عن توسع دائرة المطلبية الاجتماعية والكم الكبير من الصعوبات والأزمات الاجتماعية المتراكمة نتيجة فشل حكومات ما بعد 2011 في التعاطي مع الاستحقاقات والوضع الاجتماعي ودورها في تأزيم الوضع.
ويذكر أن نجلاء بودن كانت قد وعدت أثناء أدائها لليمين أمام رئيس الجمهورية صحبة فريقها الوزاري يوم11 أكتوبر الماضي بأن من أولويات عمل حكومتها التركيز على ثلاثة خطوط عريضة يتمثل أولها في رهان كسب الثقة وذلك عبر السعي لإرجاع ثقة المواطن في الإدارة والعمل الحكومي وثقة الخارج في بلادنا. إضافة إلى مكافحة الفساد الذي وضعته من بين أبرز أهداف حكومتها وسياسة سعيد. وأكدت أثناء نفس المناسبة على عملها على إعادة الأمل للمواطن ''في مستقبل نتمناه أفضل واعتماد الكفاءة والخبرة كأساس لتحقيق هذه الأهداف وأن نحقق النجاعة للمؤسسات العمومية وتجسيد مبدأ المراقبة والمحاسبة''، وفق تصريحها الأول والأخير منذ توليها نفس المهمة.
كما وعدت في نفس المناسبة بـ''التسريع في تنشيط الدورة الاقتصادية وفتح مجال المبادرة وتحسين ظروف عيش المواطن وقدرته الشرائية بالعمل على توفير خدمات ذات جودة'.
وفي سياق متصل كانت بودن قد أصدرت أوامرها إلى الفريق الوزاري بالعودة إلى برامج ومشاريع الحكومات السابقة التي ظلت عالقة أو لم تكتمل بعد، وذلك بموازاة مع التحضير والتنسيق للمضي عمليا في تنفيذ البرنامج الخاص بها، في تناغم صريح وعملي مع سياسية رئيس الجمهورية وتوجهاته وحرصه على المضي قُدُما في وعوده التي قطعها بمكافحة الفساد ومراعاة حاجة وإمكانيات الطبقات المهمشة والكادحة بما يتماشى مع المقدرة الشرائية والقضاء على آليات ومظاهر التلاعب بالأسعار والاحتكار والتهريب.
كما شكلت بعض هذه النقاط محور لقاءات ومباحثات رئيسة الحكومة وبعض الوزارات المعنية مع الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف في عديد المناسبات لتطرح معها بالبحث والنقاش معالجة عدة قضايا ومسائل حارقة من قبيل مسألة تسوية الوضعيات المهنية الهشة والزيادات السنوية في الرواتب في مختلف السياقات التي جمعت الطرفين الأخيرين بالحكومة، على اعتبار أن هذه المطالب تتنزل في إطار ضمان أمن وكرامة المواطن في هذه المرحلة الاستثنائية الصعبة.
ورغم تأكيد عدد من المختصين في الاقتصاد والمالية على تداعيات الصعوبات الاقتصادية والوضعية المالية الصعبة التي تمر بها بلادنا في هذه المرحلة على البرنامج الحكومي المنتظر، فإن الجميع على يقين بأن الحسم في هذا البرنامج مرتبط بالأساس بموافقة صندوق النقد الدولي على حصول تونس على قروض وتمويلات خارجية والتي تشترط أيضا ضرورة قيام الدولة بجملة من الإصلاحات العميقة ليتسنى لها ذلك. وهذا العامل من شأنه التأثير على برنامج عمل هذه الحكومة لاسيما في ظل الانتقادات الواسعة التي لاقاها قانون المالية الخاص بالعام 2022 وما فرضه على الحكومة من شروط تقر عديد الجهات أنها مجحفة، من شأنها التحكم في مسارات الإصلاح وإعادة التهيئة المنتظرة من قبيل التحكم في سوق الشغل والانتدابات في القطاعين العمومي والخاص نظرا للتداعيات السلبية للأزمة الصحية "كوفيد 19" على الاقتصاد الوطني والاستثمار خلال السنوات الأخيرة أيضا وما خلفه من بطالة وأزمات صحية واجتماعية واسعة.
لذلك تخامر الجميع تساؤلات عديدة حول طبيعة هذا البرنامج ومدى قدرته على استيعاب المشاغل والحاجيات الأساسية للدولة اليوم في مستويات عديدة تصب في إطار الاستفسار عن مدى علاقته بالبرامج والمشاريع العالقة للحكومات السابقة ومدى القدرة على الإيفاء بالالتزامات تجاهها خاصة أن جلها ممول من منظمات وجهات أجنبية فضلا عن مدى قدرة حكومة بودن على تحويل بعض الوعود إلى أهداف حقيقية في علاقة بمقاومة الفساد والتهريب في مسالك المواد الاستهلاكية والخضر والغلال والأدوية بما يدفع لتحقيق معادلات مطلوبة في مستوى الأسعار، إضافة إلى مدى القدرة على الاستجابة إلى المطالب المرفوعة في مستويات قطاعية وهيكلية للتمكن من إيجاد حلول ومخارج من الأزمات التي تعيش على وقعها جل مؤسسات الدولة اليوم، وغيرها من الاستفسارات الأخرى ذات علاقة بهذا البرنامج المرتقب.
وتجدر الإشارة إلى أن الناطق الرسمي باسم الحكومة أكد أثناء حضوره في برنامج حواري تلفزي منذ أيام أن رئيسة الحكومة نجلاء بودن ستكشف عن برنامج حكومتها قريبا لتكون مناسبة للتواصل مع الإعلام التونسي مبينا أن قرارها الظهور والحديث في وسائل الإعلام لا يكون إلا بعد الانتهاء من إعداد وتقديم برنامجها. ولكن لا يتخفي بعض القراءات دور المستجدات وتطورات الأوضاع في تونس خلال الأشهر الأخيرة وغيرها من العوامل السياسية والاقتصادية في التأثير على هذا البرنامج وفي مقدمتها عدم التوصل بعد إلى اتفاق نهائي مع المانحين الدوليين من ناحية وإكراهات الميزانية والضغوط الداخلية والخارجية مقابل الانتظارات والمطلبية الواسعة من ناحية أخرى.
نزيهة الغضباني
هل نجحت في استعادة "الثقة" ومكافحة الفساد و"ملء" قفة المواطن؟
تونس – الصباح
رغم مضي أكثر من مائة يوم منذ مباشرة مهامها، لا تزال انتظارات التونسيين لإعلان نجلاء بودن عن برنامج حكومتها خلال المرحلة الاستثنائية وتحديد أولويات مهامها مثلما وعدت بذلك سابقا ليكون بعد مائة يوم من العمل، في حين أنها تجاوزت هذه المدة بعشرة أيام إلى حد الآن ولم تحدد بعد موعد هذا اللقاء الإعلامي، الذي سبق أن أعلن عنه مؤخرا نصر الدين النصيبي وزير التشغيل والتكوين المهني باعتباره الناطق الرسمي لنفس الحكومة، خاصة أن هذا البرنامج يأتي خارج سياق التقييم الذي يفترض العمل به ولكن تزامن المرحلة مع الظروف والوضعية الاستثنائية التي "ولدت" فيها هذه الحكومة يحول دون ذلك.
تأتي هذه الانتظارات في ظل مناخ سياسي متقلب وظروف اجتماعية واقتصادية صعبة بالتزامن مع مواصلة الشق المعارض لمسار قيس سعيد التحرك والتصدي لكل محاولات التغيير والإصلاح والدفع لفرض الضغوط داخليا وخارجيا والعمل من أجل إفشال مشروعه ووضع حد للمسار الاستثنائي والإصرار على العودة إلى مسار 24 جويلية، فضلا عن توسع دائرة المطلبية الاجتماعية والكم الكبير من الصعوبات والأزمات الاجتماعية المتراكمة نتيجة فشل حكومات ما بعد 2011 في التعاطي مع الاستحقاقات والوضع الاجتماعي ودورها في تأزيم الوضع.
ويذكر أن نجلاء بودن كانت قد وعدت أثناء أدائها لليمين أمام رئيس الجمهورية صحبة فريقها الوزاري يوم11 أكتوبر الماضي بأن من أولويات عمل حكومتها التركيز على ثلاثة خطوط عريضة يتمثل أولها في رهان كسب الثقة وذلك عبر السعي لإرجاع ثقة المواطن في الإدارة والعمل الحكومي وثقة الخارج في بلادنا. إضافة إلى مكافحة الفساد الذي وضعته من بين أبرز أهداف حكومتها وسياسة سعيد. وأكدت أثناء نفس المناسبة على عملها على إعادة الأمل للمواطن ''في مستقبل نتمناه أفضل واعتماد الكفاءة والخبرة كأساس لتحقيق هذه الأهداف وأن نحقق النجاعة للمؤسسات العمومية وتجسيد مبدأ المراقبة والمحاسبة''، وفق تصريحها الأول والأخير منذ توليها نفس المهمة.
كما وعدت في نفس المناسبة بـ''التسريع في تنشيط الدورة الاقتصادية وفتح مجال المبادرة وتحسين ظروف عيش المواطن وقدرته الشرائية بالعمل على توفير خدمات ذات جودة'.
وفي سياق متصل كانت بودن قد أصدرت أوامرها إلى الفريق الوزاري بالعودة إلى برامج ومشاريع الحكومات السابقة التي ظلت عالقة أو لم تكتمل بعد، وذلك بموازاة مع التحضير والتنسيق للمضي عمليا في تنفيذ البرنامج الخاص بها، في تناغم صريح وعملي مع سياسية رئيس الجمهورية وتوجهاته وحرصه على المضي قُدُما في وعوده التي قطعها بمكافحة الفساد ومراعاة حاجة وإمكانيات الطبقات المهمشة والكادحة بما يتماشى مع المقدرة الشرائية والقضاء على آليات ومظاهر التلاعب بالأسعار والاحتكار والتهريب.
كما شكلت بعض هذه النقاط محور لقاءات ومباحثات رئيسة الحكومة وبعض الوزارات المعنية مع الاتحاد العام التونسي للشغل ومنظمة الأعراف في عديد المناسبات لتطرح معها بالبحث والنقاش معالجة عدة قضايا ومسائل حارقة من قبيل مسألة تسوية الوضعيات المهنية الهشة والزيادات السنوية في الرواتب في مختلف السياقات التي جمعت الطرفين الأخيرين بالحكومة، على اعتبار أن هذه المطالب تتنزل في إطار ضمان أمن وكرامة المواطن في هذه المرحلة الاستثنائية الصعبة.
ورغم تأكيد عدد من المختصين في الاقتصاد والمالية على تداعيات الصعوبات الاقتصادية والوضعية المالية الصعبة التي تمر بها بلادنا في هذه المرحلة على البرنامج الحكومي المنتظر، فإن الجميع على يقين بأن الحسم في هذا البرنامج مرتبط بالأساس بموافقة صندوق النقد الدولي على حصول تونس على قروض وتمويلات خارجية والتي تشترط أيضا ضرورة قيام الدولة بجملة من الإصلاحات العميقة ليتسنى لها ذلك. وهذا العامل من شأنه التأثير على برنامج عمل هذه الحكومة لاسيما في ظل الانتقادات الواسعة التي لاقاها قانون المالية الخاص بالعام 2022 وما فرضه على الحكومة من شروط تقر عديد الجهات أنها مجحفة، من شأنها التحكم في مسارات الإصلاح وإعادة التهيئة المنتظرة من قبيل التحكم في سوق الشغل والانتدابات في القطاعين العمومي والخاص نظرا للتداعيات السلبية للأزمة الصحية "كوفيد 19" على الاقتصاد الوطني والاستثمار خلال السنوات الأخيرة أيضا وما خلفه من بطالة وأزمات صحية واجتماعية واسعة.
لذلك تخامر الجميع تساؤلات عديدة حول طبيعة هذا البرنامج ومدى قدرته على استيعاب المشاغل والحاجيات الأساسية للدولة اليوم في مستويات عديدة تصب في إطار الاستفسار عن مدى علاقته بالبرامج والمشاريع العالقة للحكومات السابقة ومدى القدرة على الإيفاء بالالتزامات تجاهها خاصة أن جلها ممول من منظمات وجهات أجنبية فضلا عن مدى قدرة حكومة بودن على تحويل بعض الوعود إلى أهداف حقيقية في علاقة بمقاومة الفساد والتهريب في مسالك المواد الاستهلاكية والخضر والغلال والأدوية بما يدفع لتحقيق معادلات مطلوبة في مستوى الأسعار، إضافة إلى مدى القدرة على الاستجابة إلى المطالب المرفوعة في مستويات قطاعية وهيكلية للتمكن من إيجاد حلول ومخارج من الأزمات التي تعيش على وقعها جل مؤسسات الدولة اليوم، وغيرها من الاستفسارات الأخرى ذات علاقة بهذا البرنامج المرتقب.
وتجدر الإشارة إلى أن الناطق الرسمي باسم الحكومة أكد أثناء حضوره في برنامج حواري تلفزي منذ أيام أن رئيسة الحكومة نجلاء بودن ستكشف عن برنامج حكومتها قريبا لتكون مناسبة للتواصل مع الإعلام التونسي مبينا أن قرارها الظهور والحديث في وسائل الإعلام لا يكون إلا بعد الانتهاء من إعداد وتقديم برنامجها. ولكن لا يتخفي بعض القراءات دور المستجدات وتطورات الأوضاع في تونس خلال الأشهر الأخيرة وغيرها من العوامل السياسية والاقتصادية في التأثير على هذا البرنامج وفي مقدمتها عدم التوصل بعد إلى اتفاق نهائي مع المانحين الدوليين من ناحية وإكراهات الميزانية والضغوط الداخلية والخارجية مقابل الانتظارات والمطلبية الواسعة من ناحية أخرى.