الاستراتيجيات وخطط الاتصال السياسي، تعد من بين معايير نجاح أو فشل الحكومات ومؤسسات الدولة.. بواسطتها يتم توضيح وتفسير المواقف، وإعلان المستجدات، وتفنيد الإشاعات، وإدارة الأزمات، واحتواء التجاوزات وبعث رسائل الطمأنة، فضلا عن الترويج للشخصيات والاختيارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للحكومات والمسؤولين السياسيين.. ولكن رغم هذه الأهمية للاتصال والتواصل كان ضمن آخر اهتمامات غالبية حكومات ما بعد الثورة، ففي مجمله غير مهيكل ويعاني من هزات وشغورات دورية.. ويطغى عليه الارتباك والخطابات السطحية المؤثثة بتصريحات غير المدروسة والتي تحمل في الكثير من الأحيان هفوات اتصالية عظمى، تثير الاحتقان والغضب أو تتضمن عبارات ترهيب وتهديد أو تقسم التونسيين بما تحمله من تمييز عنصري على أساس الانتماء أو النوع الاجتماعي..
ولم تحد مؤسسة رئاسة الجمهورية والرئيس قيس سعيد وحكومة نجلاء بودن ووزاراتها، عن مسار سابقاتها من الحكومات، بل أنها ذهبت ابعد من ذلك أين مالت إلى اعتماد نوع من الانغلاق على الذات، قطعت معه مع كل سياسة اتصالية أو تعامل مع وسائل الإعلام والإجابة عن أسئلة الصحفيين في ضرب حقيقي وواضح لحق التونسيين ولحق الصحفيين في المعلومة. ليقتصر تواصلهم على فيديوهات مسجلة أو بلاغات يتم نشرها بصفة دورية على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة أو صفحات وزاراتها.
وتدريجيا وأمام الضغط الذي مارسته النقابة الوطنية للصحفيين ومنظمات المجتمع المدني، بدأت تعرف الحكومة ووزرائها شيئا من الانفتاح عبر الحضور في برامج صحفية أو تنظيم نقاط إعلامية يمنع خلالها الصحفيون من طرح الأسئلة.
وتعتبر أميرة محمد نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، أن السياسة الاتصالية لكل من مؤسسة رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة حتى مع ما شهدته من تغيير طفيف، مازالت سياسة اتصالية عرجاء لا تكرس فعلا الانفتاح، ولا تحترم حق المواطن في المعلومة الآنية والدقيقة ولا حق الصحفي في الوصول إلى المعلومة، بدليل أن رئيس الجمهورية لم يعقد إلى غاية اليوم أي لقاء صحفي، كما لم يعط أي حوار باستثناء حوار الـ100 يوم لقناة التلفزة الوطنية أو عدد من التصريحات التي كانت له على هامش زياراته الميدانية. في نفس الوقت لم تتوجه إلى غاية اليوم رئيسة الحكومة بكلمة إلى التونسيين ولم تحضر ولو لقاء صحفي.. ليتواصل الصمت التام عن القضايا الكبرى التي تهم المواطن.
وتساءلت أميرة محمد، هل من المعقول أن تنطلق استشارة وطنية يقال أنها ستحدد السياسات الكبرى السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية للبلاد، دون أي معلومات واضحة حولها أو حول المشرفين عليها أو من سيقوم بقراءة ما سينتج عنها من معلومات وفي أي إطار سيتم استغلالها، وعديد الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها إلى غاية اليوم.. وهذا الفشل الاتصالي هو ما يمكن أن نفسر به ضعف الإقبال المسجل من قبل التونسيين على المشاركة وما سيجعل مخرجات الاستشارة غير تمثيلية.
وتشير في نفس السياق نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، فعليا وبعد 6 أشهر، انفتحت اضطراريا بعض الوزارات على الإعلام، مثل وزارة الصحة والتجارة ونسبيا المالية ووزارة الشباب والرياضة والداخلية..، لكن مازالت بقية الوزارات غير منفتحة دون أي معلومات جديدة في شانها.
وسيكون حسب أميرة محمد، في حال تواصلت السياسة الاتصالية الحالية لرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة على هذه الشاكلة، انعكاسات وخيمة على مستقبل الأشخاص في مرحلة أولى، وعلى الوضع العام بصفة عامة في مرحلة ثانية.
فمثلا حتى ولو كان لرئيس الجمهورية برنامج إنقاذ لتونس من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فان غياب سياسة اتصالية تروج لهذا المشروع وتوضح ملامحه وتفسر سبل تحقيق أهدافه، فلن يعرف قبولا لدى التونسيين وسيواجه عزوفا ورفضا من قبل جزء كبير منهم. كما سيعطي ذلك حسب محمد، فرصة للمعارضين له بالبروز أكثر، وتشويهه وحبك المغالطات حوله، فالفراغ الاتصالي هو مناخ ملائم لانتشار الشائعات والأخبار الزائفة.. والاهم من ذلك أن الضعف الاتصالي وانغلاق المؤسسات الرسمية للدولة على نفسها، ينتج عنه غياب نقاش عام جدي وحقيقي، سواء عبر وسائل الإعلام أو حتى في إطار الندوات الفكرية واللقاءات التفسيرية.. ليبقى النقاش العام على غرار ما هو موجود اليوم نقاش مبني على فرضيات واحتمالات قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة، وبالتالي لا تؤسس أو تقدم مقترحات جدية قادرة على إخراج البلاد من مشاكلها أو تغير واقع التونسيين. فمثلا وأمام التحديات المفروضة على الحكومة اليوم والإجراءات الاقتصادية والاجتماعية الموجعة التي عليها أن تتخذها تباعا من اجل الوصول إلى اتفاق مع الجهات المانحة وصندوق النقد الدولي، يمكن أن تتحول إلى مصدر لمزيد تأزيم الوضع العام ودخول البلاد في موجة من الاحتجاجات الاجتماعية والاحتقان وعدم الرضا، ما لم يتم مسبقا، في إطار سياسة اتصالية مدروسة لرأسي السلطة ـ رئيس الجمهورية ورئيسة الحكومة ـ مصارحة الشعب التونسي بحقيقة الوضع وتشريكه في الحلول المقترحة ومسار إيصال البلاد إلى بر الأمان، حتى إن ضعف الاتصال الحكومي الرسمي من شانه أن يصل بالبلاد إلى نتائج عكسية قد تودي برأسي السلطة على غرار ما وقع سابقا في أكثر من مناسبة خلال العشر سنوات الماضية.
وغياب السياسة الاتصالية للأزمات لدى السلطة، وتعاملها مع الوضع بصفة عادية، هو بصدد الإساءة لصورة تونس في الداخل والخارج وحتى انه أثر على علاقة تونس بعدد من المؤسسات الدولية الداعمة لها التي مازالت تطالب جميعها بمزيد الانفتاح والتوضيح وتشريك مختلف القوى الحية الداخلية.
ريم سوودي
هزات شغورات هفوات وتداعيات
تونس- الصباح
الاستراتيجيات وخطط الاتصال السياسي، تعد من بين معايير نجاح أو فشل الحكومات ومؤسسات الدولة.. بواسطتها يتم توضيح وتفسير المواقف، وإعلان المستجدات، وتفنيد الإشاعات، وإدارة الأزمات، واحتواء التجاوزات وبعث رسائل الطمأنة، فضلا عن الترويج للشخصيات والاختيارات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية للحكومات والمسؤولين السياسيين.. ولكن رغم هذه الأهمية للاتصال والتواصل كان ضمن آخر اهتمامات غالبية حكومات ما بعد الثورة، ففي مجمله غير مهيكل ويعاني من هزات وشغورات دورية.. ويطغى عليه الارتباك والخطابات السطحية المؤثثة بتصريحات غير المدروسة والتي تحمل في الكثير من الأحيان هفوات اتصالية عظمى، تثير الاحتقان والغضب أو تتضمن عبارات ترهيب وتهديد أو تقسم التونسيين بما تحمله من تمييز عنصري على أساس الانتماء أو النوع الاجتماعي..
ولم تحد مؤسسة رئاسة الجمهورية والرئيس قيس سعيد وحكومة نجلاء بودن ووزاراتها، عن مسار سابقاتها من الحكومات، بل أنها ذهبت ابعد من ذلك أين مالت إلى اعتماد نوع من الانغلاق على الذات، قطعت معه مع كل سياسة اتصالية أو تعامل مع وسائل الإعلام والإجابة عن أسئلة الصحفيين في ضرب حقيقي وواضح لحق التونسيين ولحق الصحفيين في المعلومة. ليقتصر تواصلهم على فيديوهات مسجلة أو بلاغات يتم نشرها بصفة دورية على الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية أو رئاسة الحكومة أو صفحات وزاراتها.
وتدريجيا وأمام الضغط الذي مارسته النقابة الوطنية للصحفيين ومنظمات المجتمع المدني، بدأت تعرف الحكومة ووزرائها شيئا من الانفتاح عبر الحضور في برامج صحفية أو تنظيم نقاط إعلامية يمنع خلالها الصحفيون من طرح الأسئلة.
وتعتبر أميرة محمد نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، أن السياسة الاتصالية لكل من مؤسسة رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة حتى مع ما شهدته من تغيير طفيف، مازالت سياسة اتصالية عرجاء لا تكرس فعلا الانفتاح، ولا تحترم حق المواطن في المعلومة الآنية والدقيقة ولا حق الصحفي في الوصول إلى المعلومة، بدليل أن رئيس الجمهورية لم يعقد إلى غاية اليوم أي لقاء صحفي، كما لم يعط أي حوار باستثناء حوار الـ100 يوم لقناة التلفزة الوطنية أو عدد من التصريحات التي كانت له على هامش زياراته الميدانية. في نفس الوقت لم تتوجه إلى غاية اليوم رئيسة الحكومة بكلمة إلى التونسيين ولم تحضر ولو لقاء صحفي.. ليتواصل الصمت التام عن القضايا الكبرى التي تهم المواطن.
وتساءلت أميرة محمد، هل من المعقول أن تنطلق استشارة وطنية يقال أنها ستحدد السياسات الكبرى السياسية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية للبلاد، دون أي معلومات واضحة حولها أو حول المشرفين عليها أو من سيقوم بقراءة ما سينتج عنها من معلومات وفي أي إطار سيتم استغلالها، وعديد الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها إلى غاية اليوم.. وهذا الفشل الاتصالي هو ما يمكن أن نفسر به ضعف الإقبال المسجل من قبل التونسيين على المشاركة وما سيجعل مخرجات الاستشارة غير تمثيلية.
وتشير في نفس السياق نائبة رئيس النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين، فعليا وبعد 6 أشهر، انفتحت اضطراريا بعض الوزارات على الإعلام، مثل وزارة الصحة والتجارة ونسبيا المالية ووزارة الشباب والرياضة والداخلية..، لكن مازالت بقية الوزارات غير منفتحة دون أي معلومات جديدة في شانها.
وسيكون حسب أميرة محمد، في حال تواصلت السياسة الاتصالية الحالية لرئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة على هذه الشاكلة، انعكاسات وخيمة على مستقبل الأشخاص في مرحلة أولى، وعلى الوضع العام بصفة عامة في مرحلة ثانية.
فمثلا حتى ولو كان لرئيس الجمهورية برنامج إنقاذ لتونس من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، فان غياب سياسة اتصالية تروج لهذا المشروع وتوضح ملامحه وتفسر سبل تحقيق أهدافه، فلن يعرف قبولا لدى التونسيين وسيواجه عزوفا ورفضا من قبل جزء كبير منهم. كما سيعطي ذلك حسب محمد، فرصة للمعارضين له بالبروز أكثر، وتشويهه وحبك المغالطات حوله، فالفراغ الاتصالي هو مناخ ملائم لانتشار الشائعات والأخبار الزائفة.. والاهم من ذلك أن الضعف الاتصالي وانغلاق المؤسسات الرسمية للدولة على نفسها، ينتج عنه غياب نقاش عام جدي وحقيقي، سواء عبر وسائل الإعلام أو حتى في إطار الندوات الفكرية واللقاءات التفسيرية.. ليبقى النقاش العام على غرار ما هو موجود اليوم نقاش مبني على فرضيات واحتمالات قد تكون صحيحة وقد تكون خاطئة، وبالتالي لا تؤسس أو تقدم مقترحات جدية قادرة على إخراج البلاد من مشاكلها أو تغير واقع التونسيين. فمثلا وأمام التحديات المفروضة على الحكومة اليوم والإجراءات الاقتصادية والاجتماعية الموجعة التي عليها أن تتخذها تباعا من اجل الوصول إلى اتفاق مع الجهات المانحة وصندوق النقد الدولي، يمكن أن تتحول إلى مصدر لمزيد تأزيم الوضع العام ودخول البلاد في موجة من الاحتجاجات الاجتماعية والاحتقان وعدم الرضا، ما لم يتم مسبقا، في إطار سياسة اتصالية مدروسة لرأسي السلطة ـ رئيس الجمهورية ورئيسة الحكومة ـ مصارحة الشعب التونسي بحقيقة الوضع وتشريكه في الحلول المقترحة ومسار إيصال البلاد إلى بر الأمان، حتى إن ضعف الاتصال الحكومي الرسمي من شانه أن يصل بالبلاد إلى نتائج عكسية قد تودي برأسي السلطة على غرار ما وقع سابقا في أكثر من مناسبة خلال العشر سنوات الماضية.
وغياب السياسة الاتصالية للأزمات لدى السلطة، وتعاملها مع الوضع بصفة عادية، هو بصدد الإساءة لصورة تونس في الداخل والخارج وحتى انه أثر على علاقة تونس بعدد من المؤسسات الدولية الداعمة لها التي مازالت تطالب جميعها بمزيد الانفتاح والتوضيح وتشريك مختلف القوى الحية الداخلية.