ـ بدر الدين القمودي: بعد 25 جويلية توفرت الإرادة السياسية لمكافحة الفساد لكنها غير كافية
تونس- الصباح
مئات التوصيات المتعلقة بسبل مكافحة الفساد في شتى القطاعات رفعتها مختلف الهيئات واللجان الرقابية لكن أغلبها مازال إلى اليوم حبرا على ورق، وهو ما فسره بدر الدين القمودي عضو مجلس نواب الشعب المعلقة أشغاله ورئيس لجنة مكافحة الفساد بسبب وحيد، ألا هو غياب الإرادة السياسية لدى مختلف الحكومات المتعاقبة على تونس بعد الثورة في مكافحة الفساد.. وأشار القمودي في تصريح لـ"الصباح" إلى أن هذه الإرادة لئن توفرت بعد 25 جويلية، لكنها غير كافية بل لا بد من ترجمتها في شكل إجراءات عملية ونصوص تشريعية نافذة. وأضاف أنه طيلة فترة ترأسه لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام بمجلس نواب الشعب لاحظ غياب تام للإرادة السياسية في مكافحة الفساد وفسر أن الحكومة لم تكن متعاونة مع اللجنة إطلاقا في متابعة بعض الملفات الشائكة والتدقيق فيها وذلك إضافة إلى وجود سياسة ممنهجة لتهميش الهيئات الرقابية وكل هذا إن دل على شيء فهو يدل على غياب إرادة سياسية حقيقية في التصدي للفساد نتيجة لدور لوبيات الفساد في تشكيل تلك الحكومات..
وبين القمودي أن اللجنة في إطار دورها الرقابي فتحت الكثير من الملفات وأمضت ساعات طويلة في نقاشها ودراستها ومنها على سبيل الذكر لا الحصر ملف الأملاك المصادرة والأموال المنهوبة ولكنها لم تر أي تعاون من قبل السلطة التنفيذية لمعالجة الإخلالات وتجاوز الإشكاليات القائمة، وأضاف أن وزير المالية السابق تعمد التغيب على جلسة هامة برمجتها اللجنة حول الملف المذكور وهو ما يؤكد مرة أخرى عدم توفر الإرادة السياسية، كما أن اللجنة لم تتوقف عند هذا الحد بل طالبت الحكومة بالقيام بتدقيق شامل في الممتلكات والأموال المصادرة لكن إلى غاية اليوم لم تقع الاستجابة لهذا الطلب..
وذكر القمودي أن نفس الشأن حصل مع ملف القطاع البنكي أو ملف البيئة وغيرها من الملفات الكثيرة التي تدارستها اللجنة إذ لم يكن هناك تعاون من قبل السلطة التنفيذية في متابعتها ولم تكن هناك جدية في معالجة النقائص ولم تكن هناك آذان صاغية للتوصيات فكل ما أمكن التأكد منه هو وجود إرادة سياسية لعدم فتح ملفات الفساد، وذكر أن اللجنة لم تجد تعاونا من السلطة التنفيذية الأمر الذي جعل المجهود الكبير الذي بذلته لا يحقق النتائج المرجوة فالكثير من التوصيات لم تفعل..
توفر الإرادة ولكن؟
وأشار بدر الدين القمودي رئيس لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام بمجلس نواب الشعب المعلقة أشغاله إلى أنه بعد 25 جويلية 2021 أمكن الحديث عن توفر الإرادة السياسية في مكافحة الفساد لكن هذه الإرادة لم تتحول إلى منجز عملي.. إذ يجب على حد ذكره أن تترجم الإرادة السياسية إلى إجراءات فعلية لدهم هياكل الرقابة وتوحيدها ليكون دورها أكثر نجاعة ولكي تكون مردوديتها في مكافحة الفساد أفضل، كما أن الإرادة السياسية يجب أن تترجم على مستوى القطب القضائي والمالي، إذ يجب تطوير هذا القطب وتمكينه من جميع الوسائل البشرية والمادية واللوجستية لكي يقوم بدوره على أكمل وجه.. وأضاف القمودي أنه في علاقة بملف الأملاك المصادرة على سبيل الذكر لا الحصر فإن العنصر الأهم الذي باستطاعته مقاومة الفساد فيه هو الجهاز القضائي لكنه لم يفعل. وبين محدثنا أن كل ملفات الفساد في النهاية يكون مآلها القضاء ولكن القضاء وإلى هذه اللحظة مازال على حاله الأمر الذي يستوجب إيجاد حلول عاجلة وجذرية تتصل بالجهاز القضائي لكي يضطلع القضاء بدوره في معالجة ملفات الفساد. وبين أنه بعد 25 جويلية هناك تقدم طفيف في مكافحة الفساد من قبل القضاء لكن لم يتحقق المطلوب بعد.
ويرى القمودي أنه إضافة إلى القضاء فلا بد من القيام بإصلاح الجانب التشريعي وفسر أنه لا بد من تفعيل قانون من أين لك هذا؟ وهذا يستوجب إصدار الأوامر الترتيبية لهذا القانون حتى يتسنى تطبيقه على النحو المطلوب وحتى لا يظل حبرا على ورق. وذكر أنه يجب أيضا مراجعة النصوص التشريعية المنظمة للقطب القضائي والمالي وإعادة النظر في النصوص القانونية المتعلقة بالهيئات الرقابية ومراجعة النصوص التشريعية الخاصة بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد حتى تضطلع بالمهام المناطة بعهدتها، وشدد محدثنا على ضرورة مراجعة النصوص القانونية المتعلقة بالصفقات العمومية وغيرها من النصوص المنظمة للحياة الاقتصادية وذلك لتضييق الخناق على ناهبي المال العام ولسد المنافذ أمام لوبيات الفساد.
تقارير في الرفوف
هكذا إذن بقيت الكثير من توصيات لجنة مكافحة الفساد، حبيسة تقارير ضخمة ملأت الرفوف وقد تعلق بعضها بتعصير الإدارة وإصلاح الوظيفة العمومية والحوكمة الرشيدة والبعض الآخر بمراقبة التصرف في المال العام ومكافحة الفساد الإداري والمالي وبالبنوك العمومية والمؤسسات والمنشآت العمومية وباسترجاع الأموال المنهوبة والتصرف في الأموال والأملاك المصادرة. ونقرأ في أحد التقارير الضخمة للجنة مكافحة الفساد كما هائلا من التوصيات منها على سبيل الذكر لا الحصر ما يتعلق بمنظومة المصادرة والتصرف واسترجاع الأموال المنهوبة، إذ لاحظت اللجنة عدم ملائمة الإطار القانوني الحالي لخصوصيات عملية المصادرة والتصرف والاسترجاع وعدم نجاعة الهيكلة الخاصة بهذه المنظومة وغياب نظام معلومات يوفّر معلومات محيّنة وشاملة حول الأموال والممتلكات المصادرة، وأوصت بمراجعة منظومة المصادرة وتطوير الإطار القانوني المتعلق بها وتوضيح مقتضيات تطبيق الفرع الثاني للأشخاص المعنيين بالمصادرة وتلافي الإشكاليات التي حالت دون التفويت في العقارات.
كما أوصت بإحكام توزيع المهام بين جميع الأطراف المتدخلة في ملف المصادرة خاصة منها لجنة المصادرة ولجنة التصرف وبتوفير الإمكانيات المادية والموارد البشرية المتخصّصة في التصرف في الأملاك المصادرة، وأوصت بتوفير مقومات السير العادي للشركات المصادرة واتخاذ التدابير الكفيلة بتجنيب الدّولة مواصلة تحمل أعباء إضافية غير مجدية بعنوان دعم الشركات التي تمر بصعوبات مالية.. ومن أبرز التوصيات الأخرى إجراء تقييم شامل لمنظومة مصادرة الأموال والممتلكات والتصرف فيها وإبراز الاخلالات الإجرائية والمؤسساتية المسجلة كما دعت إلى تفعيل المجلس الأعلى للتصدي للفساد واسترداد أموال وممتلكات الدولة والتصرف فيها.
وبالنسبة إلى قطاع الفسفاط نجد من بين توصيات اللجنة مراجعة الإطار التشريعي المنظم لهذا القطاع ولمجالات الطاقة والصناعات الاستخراجية بصفة عامة خاصة مجلة المناجم ومجلة المحروقات.. ومن التوصيات الأخرى التي بقت حبرا على ورق ما يتعلق بالتمويل العمومي للجمعيات وتمثلت هذه التوصيات بالخصوص في مراجعة الإطار التشريعي والترتيبي المنظم للجمعيات وفي فتح ملف تمويل الجمعيات بجدية وفي تفعيل الآليات القانونية لمراقبة مصادر التمويل واعتماد تصنيف واضح للجمعيات وإفراد كل صنف بمنظومة تمويل ورقابة خاصة به.
توصيات معلقة
وليست توصيات لجنة مكافحة الفساد الوحيدة التي بقي الكثير منها حبرا على ورق.. إذ تمخضت عن أشغال الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد توصيات كثيرة لو تم تفعيلها بالكيفية المطلوبة ربما كانت تونس ستتفوق على البلدان الاسكندينافية في مجال الشفافية وحسن التصرف في المال العام.. ونجد من بين تلك التوصيات مراجعة التشريع المتعلق بتمويل الأحزاب السياسية والجمعيات لضمان الشفافية ولتحقيق النزاهة في الحياة العامة كما تطرقت في توصياتها إلى أهمية الرقمنة في القطاع الصحي ومساهمته في التصدي لسرقة الأدوية..
كما انتهت هيئة الحقيقة والكرامة في تقريرها الختامي إلى صياغة كم كبير من التوصيات سواء تعلق الأمر بالمجال العقاري أو بالمجال البنكي والمالي وحماية الثروات الطبيعية والحوكمة العمومية وخوصصة المؤسسات العمومية والجباية والديوانية لكن هذه التوصيات بقيت حبيسة الأرشيف لأنه لم يقع تفعيل الفصل 70 من قانون العدالة الانتقالية الذي نص على أن تتولى الحكومة خلال سنة من تاريخ صدور التقرير الشامل عن هيئة الحقيقة والكرامة إعداد خطة وبرامج عمل لتنفيذ التوصيات والمقترحات التي قدمتها الهيئة وتقدم الخطة والبرنامج إلى المجلس المكلف بالتشريع لمناقشتها. ويتولى المجلس مراقبة مدى تنفيذ الهيئة للخطة وبرنامج العمل من خلال إحداث لجنة برلمانية خاصة للغرض تستعين بالجمعيات ذات الصلة من أجل تفعيل توصيات ومقترحات الهيئة.
ونجد على سبيل الذكر لا الحصر أن هيئة الحقيقة والكرامة أوصت بعدم إدخال تعديلات وتغييرات على أمثلة التهيئة العمرانية وصبغة الأراضي حيز التنفيذ إلا بعد مدة معقولة من إقرارها أي ثلاث سنوات على أقل تقدير وأوصت بالقطع مع سياسة الإفلات من العقاب والتأسيسي للمساءلة والمحاسبة من خلال إقرار التشاريع والإجراءات المؤسسة للمسؤولية الجزائية للمكلفين بتسيير المؤسسات العمومية العقارية أي الوكالة العقارية للسكنى والوكالة العقارية للصناعة والوكالة العقارية للسياحة، ومثلما أوصت بوضع نظام جزائي صارم ومشدد في خصوص عملية تسريب معلومات بنكية سرية ممتازة وإستراتيجية وتفعيل عقوبة مصادرة الأملاك في حق كل شخص ثبت في حقه حكم وبحكم وظيفته تسريب هذا الصنف هذا الصنف من المعلومات ودعت إلى تفعيل دور لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي من خلال توسيع صلاحياتها وتدعيم دورها الرقابي وتكريس استقلاليتها عن البنك المركزي. وفي علاقة بحماية الثروات الطبيعية نجد من بين توصيات هيئة الحقيقة والكرامة إدخال تحويرات على مجلة المحروقات تهدف إلى فرض تدقيق سنوي من قبل هياكل مستقلة في مصاريف شركات الاستكشاف والبحث والاستغلال للتثبت من حقيقة العمليات المنجزة ومن قيمتها مع نشر تقارير التدقيق للعموم.. كما أوصت بمراجعة اتفاقيات استغلال النفط والغاز السابقة وفرض نشر القوائم المالية للشركات الناشطة في مجال التنقيب والاستكشاف في تونس وإحداث هيكل عمومي رقابي مستقل يتكفل بمراقبة المداخيل الجبائية للشركات الناشطة في مجال استكشاف الطاقة والتنقيب عليها.
أما في مجال الحوكمة العمومية فقد كانت هيئة الحقيقة والكرامة قد أوصت بنشر تقارير الرقابة والتفقد ومتابعة تنفيذ التوصيات التي خلصت إليها الفرق الرقابية وتتبع المسؤولين بالإدارة العمومية الذين ثبت تورطهم أو لوحظ تراخيهم أو تغاضيهم من إحالة مشبوه فيهم على مجالس التأديب والقضاء، وشددت كذلك على أهمية تدعيم الإدارة الرقمية وتركزي منظومة تقييم ومتابعة الكرتونية لتقدم انجاز الخدمات في المجالات المحددة.. وفي علاقة بالمؤسسات العمومية أوصت الهيئة بتغيير النصوص القانونية ذات العلاقة بالتفويت في المؤسسات العمومية واتخاذ الإجراءات الإدارية اللازمة لنشر القوائم المالية للمؤسسات المزمع خوصصتها للعشر سنوات السابقة بكل الوسائل المتاحة ومراجعة مجلة الشركات التجارية ومجلة التجارة في اتجاه إحداث مؤسسات تقييم تقدم أعمالها سنويا للمؤسسات المعنية للنظر في الوضعية المالية والمخاطر المتعلقة بمواصلة النشاط حسب الطرق المتعارف عليها دوليا.. ومن التوصيات الأخرى المتعلقة بالجباية نجد على سبيل الذكر إقرار عقوبات سجنية لكل تهرب ضريبي أو تصريح مغلوط وتعميم الضرائب والأداءات لتشمل الثروة وتفعيل دور المواطنين في منظومة الرقابة الجبائية وتقييم الامتيازات الجبائية الممنوحة.. ولتدارك تشتت الأجهزة الرقابية أوصت الهيئة بتجميع الهياكل الرقابية في هيكل وحيد يتمتع بالاستقلالية وينشر تقارير دورية بصفة وجوبية. ومن التوصيات الأخرى التي تقدمت بها الهيئة بهدف مكافحة الفساد ما يتعلق بمراجعة شاملة للتشريع الديواني إضافة إلى إحكام الرقابة على المؤسسات المصدرة كليا للحيلولة دون التهريب وفرض مراقبة مستمرة على دفاتر الوسطاء وغيرها..
كما تضمنت مختلف التقارير الصادرة عن محكمة المحاسبات مئات التوصيات المتعلقة بمختلف المجالات التي شملتها المهمات الرقابية المنجزة من قبل قضاة المحكمة، وهناك منها ما تم أخذه بعين الاعتبار في حين هناك توصيات لم تنفذ بعد منها على سبيل الذكر ما تعلق بالمادة الانتخابية وإجراءات مراقبة تمويل الحملات الانتخابية..
سعيدة بوهلال
ـ بدر الدين القمودي: بعد 25 جويلية توفرت الإرادة السياسية لمكافحة الفساد لكنها غير كافية
تونس- الصباح
مئات التوصيات المتعلقة بسبل مكافحة الفساد في شتى القطاعات رفعتها مختلف الهيئات واللجان الرقابية لكن أغلبها مازال إلى اليوم حبرا على ورق، وهو ما فسره بدر الدين القمودي عضو مجلس نواب الشعب المعلقة أشغاله ورئيس لجنة مكافحة الفساد بسبب وحيد، ألا هو غياب الإرادة السياسية لدى مختلف الحكومات المتعاقبة على تونس بعد الثورة في مكافحة الفساد.. وأشار القمودي في تصريح لـ"الصباح" إلى أن هذه الإرادة لئن توفرت بعد 25 جويلية، لكنها غير كافية بل لا بد من ترجمتها في شكل إجراءات عملية ونصوص تشريعية نافذة. وأضاف أنه طيلة فترة ترأسه لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام بمجلس نواب الشعب لاحظ غياب تام للإرادة السياسية في مكافحة الفساد وفسر أن الحكومة لم تكن متعاونة مع اللجنة إطلاقا في متابعة بعض الملفات الشائكة والتدقيق فيها وذلك إضافة إلى وجود سياسة ممنهجة لتهميش الهيئات الرقابية وكل هذا إن دل على شيء فهو يدل على غياب إرادة سياسية حقيقية في التصدي للفساد نتيجة لدور لوبيات الفساد في تشكيل تلك الحكومات..
وبين القمودي أن اللجنة في إطار دورها الرقابي فتحت الكثير من الملفات وأمضت ساعات طويلة في نقاشها ودراستها ومنها على سبيل الذكر لا الحصر ملف الأملاك المصادرة والأموال المنهوبة ولكنها لم تر أي تعاون من قبل السلطة التنفيذية لمعالجة الإخلالات وتجاوز الإشكاليات القائمة، وأضاف أن وزير المالية السابق تعمد التغيب على جلسة هامة برمجتها اللجنة حول الملف المذكور وهو ما يؤكد مرة أخرى عدم توفر الإرادة السياسية، كما أن اللجنة لم تتوقف عند هذا الحد بل طالبت الحكومة بالقيام بتدقيق شامل في الممتلكات والأموال المصادرة لكن إلى غاية اليوم لم تقع الاستجابة لهذا الطلب..
وذكر القمودي أن نفس الشأن حصل مع ملف القطاع البنكي أو ملف البيئة وغيرها من الملفات الكثيرة التي تدارستها اللجنة إذ لم يكن هناك تعاون من قبل السلطة التنفيذية في متابعتها ولم تكن هناك جدية في معالجة النقائص ولم تكن هناك آذان صاغية للتوصيات فكل ما أمكن التأكد منه هو وجود إرادة سياسية لعدم فتح ملفات الفساد، وذكر أن اللجنة لم تجد تعاونا من السلطة التنفيذية الأمر الذي جعل المجهود الكبير الذي بذلته لا يحقق النتائج المرجوة فالكثير من التوصيات لم تفعل..
توفر الإرادة ولكن؟
وأشار بدر الدين القمودي رئيس لجنة الإصلاح الإداري والحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد ومراقبة التصرف في المال العام بمجلس نواب الشعب المعلقة أشغاله إلى أنه بعد 25 جويلية 2021 أمكن الحديث عن توفر الإرادة السياسية في مكافحة الفساد لكن هذه الإرادة لم تتحول إلى منجز عملي.. إذ يجب على حد ذكره أن تترجم الإرادة السياسية إلى إجراءات فعلية لدهم هياكل الرقابة وتوحيدها ليكون دورها أكثر نجاعة ولكي تكون مردوديتها في مكافحة الفساد أفضل، كما أن الإرادة السياسية يجب أن تترجم على مستوى القطب القضائي والمالي، إذ يجب تطوير هذا القطب وتمكينه من جميع الوسائل البشرية والمادية واللوجستية لكي يقوم بدوره على أكمل وجه.. وأضاف القمودي أنه في علاقة بملف الأملاك المصادرة على سبيل الذكر لا الحصر فإن العنصر الأهم الذي باستطاعته مقاومة الفساد فيه هو الجهاز القضائي لكنه لم يفعل. وبين محدثنا أن كل ملفات الفساد في النهاية يكون مآلها القضاء ولكن القضاء وإلى هذه اللحظة مازال على حاله الأمر الذي يستوجب إيجاد حلول عاجلة وجذرية تتصل بالجهاز القضائي لكي يضطلع القضاء بدوره في معالجة ملفات الفساد. وبين أنه بعد 25 جويلية هناك تقدم طفيف في مكافحة الفساد من قبل القضاء لكن لم يتحقق المطلوب بعد.
ويرى القمودي أنه إضافة إلى القضاء فلا بد من القيام بإصلاح الجانب التشريعي وفسر أنه لا بد من تفعيل قانون من أين لك هذا؟ وهذا يستوجب إصدار الأوامر الترتيبية لهذا القانون حتى يتسنى تطبيقه على النحو المطلوب وحتى لا يظل حبرا على ورق. وذكر أنه يجب أيضا مراجعة النصوص التشريعية المنظمة للقطب القضائي والمالي وإعادة النظر في النصوص القانونية المتعلقة بالهيئات الرقابية ومراجعة النصوص التشريعية الخاصة بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد حتى تضطلع بالمهام المناطة بعهدتها، وشدد محدثنا على ضرورة مراجعة النصوص القانونية المتعلقة بالصفقات العمومية وغيرها من النصوص المنظمة للحياة الاقتصادية وذلك لتضييق الخناق على ناهبي المال العام ولسد المنافذ أمام لوبيات الفساد.
تقارير في الرفوف
هكذا إذن بقيت الكثير من توصيات لجنة مكافحة الفساد، حبيسة تقارير ضخمة ملأت الرفوف وقد تعلق بعضها بتعصير الإدارة وإصلاح الوظيفة العمومية والحوكمة الرشيدة والبعض الآخر بمراقبة التصرف في المال العام ومكافحة الفساد الإداري والمالي وبالبنوك العمومية والمؤسسات والمنشآت العمومية وباسترجاع الأموال المنهوبة والتصرف في الأموال والأملاك المصادرة. ونقرأ في أحد التقارير الضخمة للجنة مكافحة الفساد كما هائلا من التوصيات منها على سبيل الذكر لا الحصر ما يتعلق بمنظومة المصادرة والتصرف واسترجاع الأموال المنهوبة، إذ لاحظت اللجنة عدم ملائمة الإطار القانوني الحالي لخصوصيات عملية المصادرة والتصرف والاسترجاع وعدم نجاعة الهيكلة الخاصة بهذه المنظومة وغياب نظام معلومات يوفّر معلومات محيّنة وشاملة حول الأموال والممتلكات المصادرة، وأوصت بمراجعة منظومة المصادرة وتطوير الإطار القانوني المتعلق بها وتوضيح مقتضيات تطبيق الفرع الثاني للأشخاص المعنيين بالمصادرة وتلافي الإشكاليات التي حالت دون التفويت في العقارات.
كما أوصت بإحكام توزيع المهام بين جميع الأطراف المتدخلة في ملف المصادرة خاصة منها لجنة المصادرة ولجنة التصرف وبتوفير الإمكانيات المادية والموارد البشرية المتخصّصة في التصرف في الأملاك المصادرة، وأوصت بتوفير مقومات السير العادي للشركات المصادرة واتخاذ التدابير الكفيلة بتجنيب الدّولة مواصلة تحمل أعباء إضافية غير مجدية بعنوان دعم الشركات التي تمر بصعوبات مالية.. ومن أبرز التوصيات الأخرى إجراء تقييم شامل لمنظومة مصادرة الأموال والممتلكات والتصرف فيها وإبراز الاخلالات الإجرائية والمؤسساتية المسجلة كما دعت إلى تفعيل المجلس الأعلى للتصدي للفساد واسترداد أموال وممتلكات الدولة والتصرف فيها.
وبالنسبة إلى قطاع الفسفاط نجد من بين توصيات اللجنة مراجعة الإطار التشريعي المنظم لهذا القطاع ولمجالات الطاقة والصناعات الاستخراجية بصفة عامة خاصة مجلة المناجم ومجلة المحروقات.. ومن التوصيات الأخرى التي بقت حبرا على ورق ما يتعلق بالتمويل العمومي للجمعيات وتمثلت هذه التوصيات بالخصوص في مراجعة الإطار التشريعي والترتيبي المنظم للجمعيات وفي فتح ملف تمويل الجمعيات بجدية وفي تفعيل الآليات القانونية لمراقبة مصادر التمويل واعتماد تصنيف واضح للجمعيات وإفراد كل صنف بمنظومة تمويل ورقابة خاصة به.
توصيات معلقة
وليست توصيات لجنة مكافحة الفساد الوحيدة التي بقي الكثير منها حبرا على ورق.. إذ تمخضت عن أشغال الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد توصيات كثيرة لو تم تفعيلها بالكيفية المطلوبة ربما كانت تونس ستتفوق على البلدان الاسكندينافية في مجال الشفافية وحسن التصرف في المال العام.. ونجد من بين تلك التوصيات مراجعة التشريع المتعلق بتمويل الأحزاب السياسية والجمعيات لضمان الشفافية ولتحقيق النزاهة في الحياة العامة كما تطرقت في توصياتها إلى أهمية الرقمنة في القطاع الصحي ومساهمته في التصدي لسرقة الأدوية..
كما انتهت هيئة الحقيقة والكرامة في تقريرها الختامي إلى صياغة كم كبير من التوصيات سواء تعلق الأمر بالمجال العقاري أو بالمجال البنكي والمالي وحماية الثروات الطبيعية والحوكمة العمومية وخوصصة المؤسسات العمومية والجباية والديوانية لكن هذه التوصيات بقيت حبيسة الأرشيف لأنه لم يقع تفعيل الفصل 70 من قانون العدالة الانتقالية الذي نص على أن تتولى الحكومة خلال سنة من تاريخ صدور التقرير الشامل عن هيئة الحقيقة والكرامة إعداد خطة وبرامج عمل لتنفيذ التوصيات والمقترحات التي قدمتها الهيئة وتقدم الخطة والبرنامج إلى المجلس المكلف بالتشريع لمناقشتها. ويتولى المجلس مراقبة مدى تنفيذ الهيئة للخطة وبرنامج العمل من خلال إحداث لجنة برلمانية خاصة للغرض تستعين بالجمعيات ذات الصلة من أجل تفعيل توصيات ومقترحات الهيئة.
ونجد على سبيل الذكر لا الحصر أن هيئة الحقيقة والكرامة أوصت بعدم إدخال تعديلات وتغييرات على أمثلة التهيئة العمرانية وصبغة الأراضي حيز التنفيذ إلا بعد مدة معقولة من إقرارها أي ثلاث سنوات على أقل تقدير وأوصت بالقطع مع سياسة الإفلات من العقاب والتأسيسي للمساءلة والمحاسبة من خلال إقرار التشاريع والإجراءات المؤسسة للمسؤولية الجزائية للمكلفين بتسيير المؤسسات العمومية العقارية أي الوكالة العقارية للسكنى والوكالة العقارية للصناعة والوكالة العقارية للسياحة، ومثلما أوصت بوضع نظام جزائي صارم ومشدد في خصوص عملية تسريب معلومات بنكية سرية ممتازة وإستراتيجية وتفعيل عقوبة مصادرة الأملاك في حق كل شخص ثبت في حقه حكم وبحكم وظيفته تسريب هذا الصنف هذا الصنف من المعلومات ودعت إلى تفعيل دور لجنة التحاليل المالية بالبنك المركزي من خلال توسيع صلاحياتها وتدعيم دورها الرقابي وتكريس استقلاليتها عن البنك المركزي. وفي علاقة بحماية الثروات الطبيعية نجد من بين توصيات هيئة الحقيقة والكرامة إدخال تحويرات على مجلة المحروقات تهدف إلى فرض تدقيق سنوي من قبل هياكل مستقلة في مصاريف شركات الاستكشاف والبحث والاستغلال للتثبت من حقيقة العمليات المنجزة ومن قيمتها مع نشر تقارير التدقيق للعموم.. كما أوصت بمراجعة اتفاقيات استغلال النفط والغاز السابقة وفرض نشر القوائم المالية للشركات الناشطة في مجال التنقيب والاستكشاف في تونس وإحداث هيكل عمومي رقابي مستقل يتكفل بمراقبة المداخيل الجبائية للشركات الناشطة في مجال استكشاف الطاقة والتنقيب عليها.
أما في مجال الحوكمة العمومية فقد كانت هيئة الحقيقة والكرامة قد أوصت بنشر تقارير الرقابة والتفقد ومتابعة تنفيذ التوصيات التي خلصت إليها الفرق الرقابية وتتبع المسؤولين بالإدارة العمومية الذين ثبت تورطهم أو لوحظ تراخيهم أو تغاضيهم من إحالة مشبوه فيهم على مجالس التأديب والقضاء، وشددت كذلك على أهمية تدعيم الإدارة الرقمية وتركزي منظومة تقييم ومتابعة الكرتونية لتقدم انجاز الخدمات في المجالات المحددة.. وفي علاقة بالمؤسسات العمومية أوصت الهيئة بتغيير النصوص القانونية ذات العلاقة بالتفويت في المؤسسات العمومية واتخاذ الإجراءات الإدارية اللازمة لنشر القوائم المالية للمؤسسات المزمع خوصصتها للعشر سنوات السابقة بكل الوسائل المتاحة ومراجعة مجلة الشركات التجارية ومجلة التجارة في اتجاه إحداث مؤسسات تقييم تقدم أعمالها سنويا للمؤسسات المعنية للنظر في الوضعية المالية والمخاطر المتعلقة بمواصلة النشاط حسب الطرق المتعارف عليها دوليا.. ومن التوصيات الأخرى المتعلقة بالجباية نجد على سبيل الذكر إقرار عقوبات سجنية لكل تهرب ضريبي أو تصريح مغلوط وتعميم الضرائب والأداءات لتشمل الثروة وتفعيل دور المواطنين في منظومة الرقابة الجبائية وتقييم الامتيازات الجبائية الممنوحة.. ولتدارك تشتت الأجهزة الرقابية أوصت الهيئة بتجميع الهياكل الرقابية في هيكل وحيد يتمتع بالاستقلالية وينشر تقارير دورية بصفة وجوبية. ومن التوصيات الأخرى التي تقدمت بها الهيئة بهدف مكافحة الفساد ما يتعلق بمراجعة شاملة للتشريع الديواني إضافة إلى إحكام الرقابة على المؤسسات المصدرة كليا للحيلولة دون التهريب وفرض مراقبة مستمرة على دفاتر الوسطاء وغيرها..
كما تضمنت مختلف التقارير الصادرة عن محكمة المحاسبات مئات التوصيات المتعلقة بمختلف المجالات التي شملتها المهمات الرقابية المنجزة من قبل قضاة المحكمة، وهناك منها ما تم أخذه بعين الاعتبار في حين هناك توصيات لم تنفذ بعد منها على سبيل الذكر ما تعلق بالمادة الانتخابية وإجراءات مراقبة تمويل الحملات الانتخابية..