سقف انتظارات الفاعلين الاجتماعين التي رافقت سنوات الثورة ومختلف المحطات السياسية التي عاشت على وقعها البلاد على امتداد العشر سنوات الماضية، كان عاليا وارتبط في كل مرة بآمال كبيرة في التغيير.. ورغم مرور السنوات وتتالي الاستحقاقات الانتخابية بقي الملف الاجتماعي يبارح مكانه، تصدره كل حكومة للتي تليها، يرتطم بتنكر للوعود والاتفاقات، في مواجهة غلق لباب الانتداب في الوظيفة العمومية واملاءات الجهات المانحة وأزمة اقتصادية تأبى الانفراج بل تزداد حدة..
وتمضي 11 سنة عن خروج التونسيين ومطالبتهم بحقهم في التشغيل والقطع مع كل أشكال التشغيل الهش، والحق في التنمية والحق في الماء الصالح للشراب والحق في بيئة سليمة والحق في التعليم والصحة والقطع مع الهشاشة والفقر والفساد، دون أن تتوفر لهم إجابات واضحة أو سقف زمني لتحقيق مطالبهم.
ولم يخل واقع السنوات التي تلت ثورة 17 ديسمبر -14 جانفي 2011، يوما من التظاهر والغضب والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية وإضرابات الجوع، أين ظل التحرك والاحتجاج سمة ملازمة لعدة جهات وفئات وحتى قطاعات. فشلت مختلف الحكومات في حلحلتها وانتهجت في غالبيتها مسار الترقيع والتخدير والتسويف والمماطلة الأمر الذي زاد في تعكير الوضع أكثر وفقد معه الفاعلون الاجتماعيون كل ثقة في المسؤولين.
وبالعودة إلى تقارير الحركات الاحتجاجية للمرصد الاجتماعي التونسي بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، نجد أن السبع سنوات الأخيرة قد عرفت وتيرة عالية من التحركات والمطلبية، تراوحت بين الـ8562 تحركا سنة 2015 لتبلغ الـ12025 تحركا سنة 2021. وكانت المطالب الاجتماعية والاقتصادية على رأس التحركات المسجلة في حصيلة عمل المرصد خلال سنة 2021 فمثلت وحسب الأرقام 70 % من التحركات المسجلة، في الوقت الذي كان فيه مطلب التشغيل الطاغي على الشعارات المرفوعة وشهدتها أكثر من 80% من جملة التحركات المسجلة. هذا وعرفت السنة 1258 يوم إضراب و6780 يوم اعتصام.
وعلى غرار السنوات السابقة كانت ولاية قفصة (التشغيل والتنمية والبنية التحتية) وولاية تونس العاصمة (تحركات أمام مقرات السيادة) ولاية القيروان (مشاكل التزود بالماء الصالح للشرب) وولاية القصرين وسيدي بوزيد (مطالب التشغيل) ولاية تطاوين (احتجاجات الكامور)، الإطار الأكثر تسجيلا للاحتجاجات. يليها في ذلك ولايات سوسة وصفاقس (تحركات عقارب البيئية) ومدنين وقابس (مشاكل بيئية) لتأتي بعدهم ولايات باجة وجندوبة ومنوبة والكاف وأريانة..
في نفس الوقت تمسكت قطاعات بمطالبها وضربت موعدا دوريا مع الاحتجاج والمطلبية وكان من أبرزها سلسلة التحركات التي خاضها عمال وعاملات الحضائر والتي تواصلت على امتداد 10 سنوات، انطلقت مع بدايات سنة 2012 ومازالت متواصلة إلى غاية اليوم في جزء منها مع الفئة التي تجاوز سنهم الـ45 سنة ولم يشمل اتفاق الحكومة الأخيرة بالتسوية.
قطاع المعلمين والأساتذة النواب، ملف قديم يتجدد، تأبى وزارة التربية أن تضع حدا له، فتصر في كل سنة على مواصلة اعتماد آلية العمل الهش لسد الشغورات التي تشكو منها مؤسساتها التربوية. وفي كل مرة يتم عقد اتفاق تسوية يتم العودة بالملف بنقطة البداية مع دفعة جديدة من المعلمين والأساتذة النواب الذين يتم اعتمادهم.
وبالوصول إلى ملف التشغيل، يمكن القول انه كان الملف الأكبر والأثقل على الإطلاق طيلة السنوات الماضية، مثل احد دوافع الثورة وشعاراتها، لكن رغم ذلك لم يتحقق أي جديد فيما يتصل به. وتجزأت التحركات المطالبة بالتشغيل إلى أكثر من طرف، واصلوا التحرك على امتداد السنوات العشر السابقة، ومنهم بالأخص تحرك التشغيل أو الانتداب حقي، وهو تحرك يتوزع فاعلوه تقريبا على مختلف ولايات الجمهورية. وتحرك هرمنا بولاية سيدي بوزيد الخاص بحاملي الشهائد العليا ممن طالت بطالتهم لأكثر من 10 سنوات والدكاترة المعطلين عن العمل ومجموعة الـ64 في سيدي بوزيد.. وهي كلها حركات احتجاجية واصلت تحركها منذ الثورة والى غاية الآن، واجهت الإحباط وإعادة الأمل وفي كل مرة تعاود التحرك تشبثا بمطالبها وحقها في التشغيل والعيش الكريم.
وبالتوازي مع مطالب الانتداب والقطع مع التشغيل الهش، عرف عدد من ولايات الجمهورية على امتداد السنوات الماضية تحركات بيئة تصاعدت وتيرتها كل فترة وأبرزها تحرك "ستوب بولوشن" في ولاية قابس و"سكر المصب" في معتمدية عقارب والذي عرف احتقانا واعتداءات بوليسية في الأشهر الأخيرة. وتحركات للصيادين طالبت بتحسين وضعهم الاجتماعي وتحركات للفلاحين فيما يتصل بالأعلاف ومياه الري..
ولم تنجح كما يبدو تونس في الخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها منذ سنوات، فلم يتحسن الوضع حتى بعد المرور إلى الانتخابات سنة 2014 وتواصل الأمر في الانحدار إلى غاية سنة 2021، أين ارتفع حجم الدين العمومي أكثر (92.7%من إجمالي الناتج الداخلي الخام) وتعكر وضع الميزان التجاري وزادت نسبة التضخم ( 5.7% وتوقعات أن تصل إلى 6.8 % السنة الجارية )، وظلت نسبة النمو دون ال 1%.. وهي نسب لا تخلق ثروة وغير قادرة على توفير مواطن شغل جديدة ، حتى أنها يمكن أن تكون سببا مهددا لمواطن شغل هشة مزيد ارتفاع لنسبة البطالة التي وصلت حسب آخر تحيين إلى الـ18.4% .
وضع لا يبدو انه سيحمل الجديد لجملة الملفات الاجتماعية السابق عرضها، وعلى الأرجح وبعد أن تنكرت الحكومة ورئيس الجمهورية للقانون عدد 38 لسنة 2020 المتعلق بتشغيل من طالت بطالتهم ومع الشكل الذي ورد عليه قانون المالية لسنة 2022 من دحض لكل فرضية انتدابات جديدة في الوظيفة العمومية، فالسنة الجارية والحكومة الحالية لن تحمل معها أي حلول تذكر لتلك الملفات العالقة منذ 11 سنة.
ريم سوودي
تونس-الصباح
سقف انتظارات الفاعلين الاجتماعين التي رافقت سنوات الثورة ومختلف المحطات السياسية التي عاشت على وقعها البلاد على امتداد العشر سنوات الماضية، كان عاليا وارتبط في كل مرة بآمال كبيرة في التغيير.. ورغم مرور السنوات وتتالي الاستحقاقات الانتخابية بقي الملف الاجتماعي يبارح مكانه، تصدره كل حكومة للتي تليها، يرتطم بتنكر للوعود والاتفاقات، في مواجهة غلق لباب الانتداب في الوظيفة العمومية واملاءات الجهات المانحة وأزمة اقتصادية تأبى الانفراج بل تزداد حدة..
وتمضي 11 سنة عن خروج التونسيين ومطالبتهم بحقهم في التشغيل والقطع مع كل أشكال التشغيل الهش، والحق في التنمية والحق في الماء الصالح للشراب والحق في بيئة سليمة والحق في التعليم والصحة والقطع مع الهشاشة والفقر والفساد، دون أن تتوفر لهم إجابات واضحة أو سقف زمني لتحقيق مطالبهم.
ولم يخل واقع السنوات التي تلت ثورة 17 ديسمبر -14 جانفي 2011، يوما من التظاهر والغضب والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية وإضرابات الجوع، أين ظل التحرك والاحتجاج سمة ملازمة لعدة جهات وفئات وحتى قطاعات. فشلت مختلف الحكومات في حلحلتها وانتهجت في غالبيتها مسار الترقيع والتخدير والتسويف والمماطلة الأمر الذي زاد في تعكير الوضع أكثر وفقد معه الفاعلون الاجتماعيون كل ثقة في المسؤولين.
وبالعودة إلى تقارير الحركات الاحتجاجية للمرصد الاجتماعي التونسي بالمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، نجد أن السبع سنوات الأخيرة قد عرفت وتيرة عالية من التحركات والمطلبية، تراوحت بين الـ8562 تحركا سنة 2015 لتبلغ الـ12025 تحركا سنة 2021. وكانت المطالب الاجتماعية والاقتصادية على رأس التحركات المسجلة في حصيلة عمل المرصد خلال سنة 2021 فمثلت وحسب الأرقام 70 % من التحركات المسجلة، في الوقت الذي كان فيه مطلب التشغيل الطاغي على الشعارات المرفوعة وشهدتها أكثر من 80% من جملة التحركات المسجلة. هذا وعرفت السنة 1258 يوم إضراب و6780 يوم اعتصام.
وعلى غرار السنوات السابقة كانت ولاية قفصة (التشغيل والتنمية والبنية التحتية) وولاية تونس العاصمة (تحركات أمام مقرات السيادة) ولاية القيروان (مشاكل التزود بالماء الصالح للشرب) وولاية القصرين وسيدي بوزيد (مطالب التشغيل) ولاية تطاوين (احتجاجات الكامور)، الإطار الأكثر تسجيلا للاحتجاجات. يليها في ذلك ولايات سوسة وصفاقس (تحركات عقارب البيئية) ومدنين وقابس (مشاكل بيئية) لتأتي بعدهم ولايات باجة وجندوبة ومنوبة والكاف وأريانة..
في نفس الوقت تمسكت قطاعات بمطالبها وضربت موعدا دوريا مع الاحتجاج والمطلبية وكان من أبرزها سلسلة التحركات التي خاضها عمال وعاملات الحضائر والتي تواصلت على امتداد 10 سنوات، انطلقت مع بدايات سنة 2012 ومازالت متواصلة إلى غاية اليوم في جزء منها مع الفئة التي تجاوز سنهم الـ45 سنة ولم يشمل اتفاق الحكومة الأخيرة بالتسوية.
قطاع المعلمين والأساتذة النواب، ملف قديم يتجدد، تأبى وزارة التربية أن تضع حدا له، فتصر في كل سنة على مواصلة اعتماد آلية العمل الهش لسد الشغورات التي تشكو منها مؤسساتها التربوية. وفي كل مرة يتم عقد اتفاق تسوية يتم العودة بالملف بنقطة البداية مع دفعة جديدة من المعلمين والأساتذة النواب الذين يتم اعتمادهم.
وبالوصول إلى ملف التشغيل، يمكن القول انه كان الملف الأكبر والأثقل على الإطلاق طيلة السنوات الماضية، مثل احد دوافع الثورة وشعاراتها، لكن رغم ذلك لم يتحقق أي جديد فيما يتصل به. وتجزأت التحركات المطالبة بالتشغيل إلى أكثر من طرف، واصلوا التحرك على امتداد السنوات العشر السابقة، ومنهم بالأخص تحرك التشغيل أو الانتداب حقي، وهو تحرك يتوزع فاعلوه تقريبا على مختلف ولايات الجمهورية. وتحرك هرمنا بولاية سيدي بوزيد الخاص بحاملي الشهائد العليا ممن طالت بطالتهم لأكثر من 10 سنوات والدكاترة المعطلين عن العمل ومجموعة الـ64 في سيدي بوزيد.. وهي كلها حركات احتجاجية واصلت تحركها منذ الثورة والى غاية الآن، واجهت الإحباط وإعادة الأمل وفي كل مرة تعاود التحرك تشبثا بمطالبها وحقها في التشغيل والعيش الكريم.
وبالتوازي مع مطالب الانتداب والقطع مع التشغيل الهش، عرف عدد من ولايات الجمهورية على امتداد السنوات الماضية تحركات بيئة تصاعدت وتيرتها كل فترة وأبرزها تحرك "ستوب بولوشن" في ولاية قابس و"سكر المصب" في معتمدية عقارب والذي عرف احتقانا واعتداءات بوليسية في الأشهر الأخيرة. وتحركات للصيادين طالبت بتحسين وضعهم الاجتماعي وتحركات للفلاحين فيما يتصل بالأعلاف ومياه الري..
ولم تنجح كما يبدو تونس في الخروج من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعيشها منذ سنوات، فلم يتحسن الوضع حتى بعد المرور إلى الانتخابات سنة 2014 وتواصل الأمر في الانحدار إلى غاية سنة 2021، أين ارتفع حجم الدين العمومي أكثر (92.7%من إجمالي الناتج الداخلي الخام) وتعكر وضع الميزان التجاري وزادت نسبة التضخم ( 5.7% وتوقعات أن تصل إلى 6.8 % السنة الجارية )، وظلت نسبة النمو دون ال 1%.. وهي نسب لا تخلق ثروة وغير قادرة على توفير مواطن شغل جديدة ، حتى أنها يمكن أن تكون سببا مهددا لمواطن شغل هشة مزيد ارتفاع لنسبة البطالة التي وصلت حسب آخر تحيين إلى الـ18.4% .
وضع لا يبدو انه سيحمل الجديد لجملة الملفات الاجتماعية السابق عرضها، وعلى الأرجح وبعد أن تنكرت الحكومة ورئيس الجمهورية للقانون عدد 38 لسنة 2020 المتعلق بتشغيل من طالت بطالتهم ومع الشكل الذي ورد عليه قانون المالية لسنة 2022 من دحض لكل فرضية انتدابات جديدة في الوظيفة العمومية، فالسنة الجارية والحكومة الحالية لن تحمل معها أي حلول تذكر لتلك الملفات العالقة منذ 11 سنة.