لأول مرة ما بعد الاطاحة بنظام الرئيس الاسبق زين العابدين بن علي يحيي الشعب التونسي اليوم 17 ديسمبر ثورته في موعد مختلف غير يوم 14 جانفي وهو التاريخ الذي خرج فيه بن علي من تونس على متن طائرة خاصة باتجاه المملكة العربية السعودية لتبدأ تونس مرحلة جديدة حلم الشعب بان تكون مرحلة الازدهار والتحرر وتحقيق الاهداف التي قامت من اجلها الثورة الا وهي الحرية والكرامة والتشغيل وهو الشعار الذي ما زال رافعوه بانتظار تحقيقه بعد 11 سنة من اندلاع ثورة انحنى امامها كل العالم تقديرا واجلالا.
هذا العام وبمرسوم رئاسي، تم تعديل تاريخ عيد الثورة من يوم انتهائها وتحقيق هدفها الى يوم انطلاقتها حيث أكد الرئيس قيس سعيد خلال اجتماع وزاري إن يوم 17 ديسمبر هو يوم عيد الثورة وليس يوم 14 جانفي كما تم الإعلان عن ذلك في العام 2011.
وبعيدا عن رمزية الموعد والتاريخ، فان الذكرى 11 للثورة حلت كسابقاتها في سياق أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية عميقة بل اخطر واشمل من السنوات السابقة في ظل وضع سياسي متعفن وانعدام رؤية واضحة وبرلمان مجمد وملفات فساد ضربت حتى رموزا من الدولة من وزراء ونواب ويمكن ان تمتد الى شخصيات أخرى ما زالت أصابع الاتهام بالفساد تتجه إليهم هذا في انتظار إمكانية فتح ملفات الإرهاب وحتى حل أحزاب بتهم التمويل الممنوع...
ذكرى الثورة حلت كذلك وسط أزمة اقتصادية عميقة تجسدت في عجز كبير في الميزانية وانعدام الموارد وتعطل المفاوضات مع صندوق النقد مع مؤشرات باحتمالات التوجه نحو نادي باريس. وضع اقتصادي خطير وافاقه مبهمة في ظل تعثر الاستثمارات وصعوبات داخل المؤسسات الاقتصادية الكبرى التي تحولت إلى عبء كبير بعد أن كانت المزود الرئيسي لموارد الدولة. أظف إلى ذلك تعطل العمل والنشاط وانهيار التصدير وازدهار السوق الموازية والتهريب مما اضطر عديد المؤسسات الصناعية الى غلق أبوابها وتسريح اعوانها..
ذكرى الثورة، تحل اليوم كذلك وسط مناخ اجتماعي صعب في ظل تدهور المقدرة الشرائية وارتفاع الأسعار وانسداد افق التشغيل والفقر والجريمة وزيادة في نسب التهميش وسوء عدالة في التنمية لترتفع نسب البطالة في الجهات الداخلية في ظل انعدام المشاريع التنموية وانعدام التشجيعات الحكومية للاستثمار وما زاد الوضع الاجتماعي تأزما هو ازمة كورونا التي ضربت المنظومة الصحية والمنظومة التعليمية...
لقد كان هذا الشعب يأمل من ثورته في تغير حاله إلى الأفضل وفي تحقيق مطالب رفعها زمن ثورة 17 ديسمبر/14 جانفي، لكنه وجد نفسه اليوم في وضع أكثر سوءا، عاجزا عن تأمين عيشه وتوفير أبسط ضرورياته الغذائية والصحية وغيرها.. بسبب من مروا على كراسي الحكم من قرطاج الى القصبة الى باردو..
لقد تحولت البلاد ما بعد الثورة الى جهاز طيع بيد مافيات تتحكم في القرار السياسي والاقتصادي لا همّ لها سوى الكرسي والسلطة والغنيمة والاثراء وهو ما يمكن ان يجعلنا نقر بفشل الثورة في تحقيق أهدافها وهو ما يتحمله "ساسة" غابت عنهم الوطنية والحكمة والقدرة على تسيير شؤون الدولة.. فثورتنا أبعدت عشرات من الفاسدين ولكنها أنجبت الآلاف من الفاسدين والمتمعشين الجدد..
والمطلوب اليوم العمل على إيقاف الانهيار في كل المجالات ووقف النزيف والوقوف لتونس التي لا تستحق من ابنائها ما يجري لها اليوم، فهذه البلاد وهذا الشعب الذي قاد ثورة صفق لها العالم يستحقان وضعا أفضل وأحسن بعيدا عن فساد السياسيين والمتمعشين وغير الوطنيين.
سفيان رجب