د. سامي الجلولي الباحث في الأنظمة السياسية والعربية لـ"الصباح": خطابات الرئيس تحمل رسائل بأننا شعب مطحون، تحكمه المافيا، تسود فيه الفوضى ويداس فيه القانون
لا أعتقد أن الرئيس في حاجة إلى تنظيم استشارة إلا إذا كان المراد إضفاء مشروعية على الاستفتاء كمطلب شبابي لا شعبي
كان على الرئيس إنهاء مسألة البرلمان منذ الشهر الأول
إجراء انتخابات تشريعية بعد سنة، إهدار للوقت ومنح فرصة للبعض لاستجماع قواهم
تونس-الصباح
مثل خطاب الرئيس قيس سعيد الليلة قبل الماضية الحدث الذي انتظره جلّ التونسيين تقريبا، وجاء الخطاب سابقا لوقته المنتظر وهو يوم 17 ديسمبر..
خطاب الرئيس حمل عديد الإجراءات والقرارات الهامة جدا والتي من شانها ان تحدث الهزة السياسية الكبرى وتغير كليا المنظومة السياسية الراهنة وتفتح المجال لإمكانية المرور نحو جمهورية ثالثة عبر دستور جديد وتعديل القانون الانتخابي بعد استفتاء شعبي قبل المرور الى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.
حول خطاب الرئيس سعيد وما جاء فيه، كان لنا هذا اللقاء مع الدكتور سامي الجلّولي الباحث في الأنظمة السياسية والعربية ومدير وكالة Stratège Consulting المختصة في الاستشارات السياسية الدولية بجنيف.
فاجأ الرئيس قيس سعيد التونسيين بخطاب استبق به يوم 17 ديسمبر، خطاب انتظره الكثيرون وحمل الكثير من الاجراءات وكذلك العديد من الرسائل، فما تقييمكم للخطاب من حيث الشكل والمضمون؟
-خطاب لم يفاجئني. لم يخرج عن عادة مختلف خطب الرئيس. وهي عادة ما تتمحور حول شحن الجماهير بمفردات غاية في التنكيل بالمعارضين بالآخرين، أولئك الذين لا نعرف من هم تحديدا. فالرئيس كثيرا ما يتحدث عنهم بالإشارة دون ذكر أسمائهم.
إجمالا، يمكن تقسيم خطاب الرئيس إلى قسم اتهامي، تقزيمي للآخر مقابل تأليه وتصعيد للذات، للفردانية. هناك حالة من الإنكار والرفض واحتقار للآخر وهذا يتجلى تقريبا في مختلف مفرداته وقسم إجرائي متوسط المدى لكنه ضعيف وتائه بين مفردات الخطاب العنيفة. في علم النفس السياسي كل ما كان الخطاب غارقا في الاتهامات والشكوى والتذمر والرفض وتحميل الآخرين وزر الأوضاع كلما كانت الإجراءات المصاحبة ضعيفة. فهي تتآكل داخليا. فالناس لن يتعاطفوا ولن يتحمّسوا للإجراءات ولكن سيتعاطفون مع الرئيس الذي ما فتئ يدير ببراعة سيكولوجية الشكوى. وهكذا ندخل ما يمكن التعبير عنه بمنطقة "إدارة الانطباع" والتي لا تهدف إلى حشد الناس نحو فكرة أو رؤية أو برنامج بل حول حسن إدارة الشكوى والتذمر من أفعال الآخر سواء كانت صحيحة أو خاطئة لتعزيز موقف أو اتجاه أو كسب تعاطف سياسي ما، وهذا ما نجح فيه الرئيس، لكن يبقى أن ذلك التعاطف هو مجرد شحنة وجدانية سرعان ما يقع إفراغها في أول اصطدام مع إرهاصات الخارج... وكلما ضعف الوهج يخرج الرئيس بخطاب جديد لملء فراغات جديدة لمحطات قادمة.
لنعود الى فحوى الخطاب وما تضمنه من إجراءات، فبوصفكم خبيرا في القانون العام والعلوم السياسية، ما قراءتكم لتوجه الرئيس نحو خيار الاستفتاء الشعبي او ما عبر عنه بالاستشارة؟
-الرئيس خلط بين الاستفتاء والاستشارة، فإن كانت الاستشارة لتحديد ورسم السياسات فالاستفتاء تقنية تقريرية. لم يوضح الاستشارة حول ماذا ولم يذكر إن كان الاستفتاء مرتبطا بنتائج الاستشارة. كل متتبع لمسار الرئيس منذ توليه السلطة يعرف أن الرئيس متجه نحو تنظيم استفتاء على دستور جديد يقوم على النظام الرئاسي ويجمع أكثر ما يمكن من السلطات. فلا اعتقد تقنيا أن الرئيس في حاجة إلى تنظيم استشارة إلا إذا كان المراد من ذلك إضفاء مشروعية على الاستفتاء كمطلب شبابي لا شعبي.
الرئيس لا يتوجه للشعب بل للشباب وهذا في حذ ذاته تمييز خطير وإقصاء واضح لنسبة هامة من الشعب التونسي.
مواصلة تعليق البرلمان ومواصلة تجميده الى غاية إجراء انتخابات تسريعية يوم 17 ديسمبر 2022 ألا يعني ذلك رسميا حلا للبرلمان وهو ما يتعارض مع الدستور؟
-تعليق البرلمان أو المواصلة في تجميده لا يغير شيئا من الوضع الاقتصادي المتأزم، لا يوفر فرص عمل للعاطلين عن العمل، لا يوفر الخبز والدعم للمحتاجين. كان على الرئيس إنهاء مسألة البرلمان منذ الشهر الأول لكن أعتقد بعد خطابه الأخير ظهر أنه لحسابات سياسية حافظ على تعليقه ومدّد فيه مرارا وهذا لا يخدم الديمقراطية في شيء بل يتجه الاعتقاد إلى أنه ترتيب لداخل بيت الرئيس السياسي وتحصينه ثم إطلاق الكواسر أي خدمة مجموعة لا خدمة أمّة.
الاستفتاء الشعبي يمكن ان يتعلق بدستور جديد وتعديل المجلة الانتخابية وتغيير نظام الحكم وهو ما يعني ابطال السائد والتوجه نحو الجمهورية الثالثة.. فما رأيكم في هذا الخيار.. وهل تكفي سنة لكل هذا؟
-دستور جديد.. نعم جمهور واسع من القانونيين والسياسيين والمواطنين يدفعون حول إبطال العمل بالدستور الحالي القائم على تنازع السلطات وتداخل الاختصاصات ومتفقون حول ضرورة كتابة دستور جديد. لكن هذا لا يتطلب الانتظار لأشهر أخرى. كتابة دستور جديد لا يمكن أن يتجاوز شهرا من الزمن. بل يمكن الانتهاء منه خلال خمسة عشرة يوما. عوض الإسراع بذلك نمدد الفترة إلى حوالي 8 أشهر قادمة. لا اعتقد أن هذا الإجراء بريء. بل أغلب الظن أنه ورد وفق حسابات سياسية ذاتية. مجرد مسكّن لا غير حتى انتهاء الرئيس من وضع برنامجه ونظامه السياسي.
إجراء انتخابات تشريعية بعد سنة، إهدار للوقت ومنح فرصة جديدة لبعض الفاسدين لاستجماع قواهم. بل أرى مماطلة في المواصلة على نفس الوتيرة للوضع الحالي الذي يتجه نحو التعفن في غياب لحلول راديكالية، حينية وقوية. بعد سنة من الآن سينتج المشهد النيابي الجديد نفس الممارسات وان كانت بوجوه وأقنعة جديدة وسنعيد تكرار نفس المشهد.
في ظل كل هذا لاحظنا غيابا للخيارات الاقتصادية في خطاب رئيس الدولة بالرغم من ان الاقتصاد يعتبر اليوم حجر الزاوية في إعادة البناء وحاصة ان البلاد تمر بوضع اقتصادي اقل ما يقال عنه انه صعب وصعب جدا؟
-بالفعل لم يتحدث الرئيس عن الوضع الاقتصادي وهذا تقريبا في كل خطاباته وكأن الرئيس لا يعنيه ذلك فمجمل خطاباته موجهة نحو فئة محددة من الشعب يستمد منها شرعيته.. كل خطابات الرئيس تدور مفرداتها حول البؤس والفقر وكأن تونس بلدا منكوبا. هناك إسراف في التنكيل بالشعب وبمصلحة تونس العليا. فنحن نوجه رسائل بأننا شعب مطحون، تحكمه المافيا، تسود فيه الفوضى ويداس فيه القانون وهذا خطر على أمن الدولة العام.
لم يقدم الرئيس أي حلول اقتصادية ولم يشر إلى أي قرار أو تدابير اقتصادية في ظل وضع اقتصادي مأزوم ومحكوم بالخطابات السياسية الوجدانية العنيفة. رأس المال لا يبحث عن المآسي والاهتزازات والخطابات السيادية المبهمة والمتشنجة بل يبحث عن الاستقرار وعلى الإقبال على الحياة.
الرئيس اليوم له سلطات أقوى من أي سلطات قد يمنحها له الدستور ورغم ذلك الإجراءات بطيئة جدا. هو تجاهل المرور نحو إجراء حركة تصحيحية وتغييرية سريعة رغم كل السلطات التي في قبضته. فماذا سيزيد الاستفتاء على دستور جديد بنفس الصلاحيات التي تحت سلطته وأمرته؟
ما يمكن أن يعاب على خطاب الرئيس انه غارق في التذمر والسوداوية عوض البحث عن مفردات تبعث الأمل والشعور بالأمان في وضع محلي، إقليمي ودولي متغير. لا يمكن دفع الاستثمار وإرجاع الثقة وإرساء السلم الاجتماعية بخطاب مجمل معانيه تقوم على شعارات سياسية ومفردات مسقطة وعنيفة.
لم أر قرارات ولا تدابير جديدة وجريئة بإمكانها الخروج بتونس من وضعها الاقتصادي، السياسي والاجتماعي المتردي. مختلف القرارات التي وقع الإعلان عنها هي مجرد مواصلة وتمديد لقرارات سابقة. أما الإعلان عن إجراء استفتاء شعبي في عيد الجمهورية أو انتخابات تشريعية شهر ديسمبر القادم فتلك إجراءات منتظرة ولم تكن مفاجأة... إجراءات بطيئة ومتأخرة.
حاوره سفيان رجب
لا أعتقد أن الرئيس في حاجة إلى تنظيم استشارة إلا إذا كان المراد إضفاء مشروعية على الاستفتاء كمطلب شبابي لا شعبي
كان على الرئيس إنهاء مسألة البرلمان منذ الشهر الأول
إجراء انتخابات تشريعية بعد سنة، إهدار للوقت ومنح فرصة للبعض لاستجماع قواهم
تونس-الصباح
مثل خطاب الرئيس قيس سعيد الليلة قبل الماضية الحدث الذي انتظره جلّ التونسيين تقريبا، وجاء الخطاب سابقا لوقته المنتظر وهو يوم 17 ديسمبر..
خطاب الرئيس حمل عديد الإجراءات والقرارات الهامة جدا والتي من شانها ان تحدث الهزة السياسية الكبرى وتغير كليا المنظومة السياسية الراهنة وتفتح المجال لإمكانية المرور نحو جمهورية ثالثة عبر دستور جديد وتعديل القانون الانتخابي بعد استفتاء شعبي قبل المرور الى انتخابات تشريعية سابقة لأوانها.
حول خطاب الرئيس سعيد وما جاء فيه، كان لنا هذا اللقاء مع الدكتور سامي الجلّولي الباحث في الأنظمة السياسية والعربية ومدير وكالة Stratège Consulting المختصة في الاستشارات السياسية الدولية بجنيف.
فاجأ الرئيس قيس سعيد التونسيين بخطاب استبق به يوم 17 ديسمبر، خطاب انتظره الكثيرون وحمل الكثير من الاجراءات وكذلك العديد من الرسائل، فما تقييمكم للخطاب من حيث الشكل والمضمون؟
-خطاب لم يفاجئني. لم يخرج عن عادة مختلف خطب الرئيس. وهي عادة ما تتمحور حول شحن الجماهير بمفردات غاية في التنكيل بالمعارضين بالآخرين، أولئك الذين لا نعرف من هم تحديدا. فالرئيس كثيرا ما يتحدث عنهم بالإشارة دون ذكر أسمائهم.
إجمالا، يمكن تقسيم خطاب الرئيس إلى قسم اتهامي، تقزيمي للآخر مقابل تأليه وتصعيد للذات، للفردانية. هناك حالة من الإنكار والرفض واحتقار للآخر وهذا يتجلى تقريبا في مختلف مفرداته وقسم إجرائي متوسط المدى لكنه ضعيف وتائه بين مفردات الخطاب العنيفة. في علم النفس السياسي كل ما كان الخطاب غارقا في الاتهامات والشكوى والتذمر والرفض وتحميل الآخرين وزر الأوضاع كلما كانت الإجراءات المصاحبة ضعيفة. فهي تتآكل داخليا. فالناس لن يتعاطفوا ولن يتحمّسوا للإجراءات ولكن سيتعاطفون مع الرئيس الذي ما فتئ يدير ببراعة سيكولوجية الشكوى. وهكذا ندخل ما يمكن التعبير عنه بمنطقة "إدارة الانطباع" والتي لا تهدف إلى حشد الناس نحو فكرة أو رؤية أو برنامج بل حول حسن إدارة الشكوى والتذمر من أفعال الآخر سواء كانت صحيحة أو خاطئة لتعزيز موقف أو اتجاه أو كسب تعاطف سياسي ما، وهذا ما نجح فيه الرئيس، لكن يبقى أن ذلك التعاطف هو مجرد شحنة وجدانية سرعان ما يقع إفراغها في أول اصطدام مع إرهاصات الخارج... وكلما ضعف الوهج يخرج الرئيس بخطاب جديد لملء فراغات جديدة لمحطات قادمة.
لنعود الى فحوى الخطاب وما تضمنه من إجراءات، فبوصفكم خبيرا في القانون العام والعلوم السياسية، ما قراءتكم لتوجه الرئيس نحو خيار الاستفتاء الشعبي او ما عبر عنه بالاستشارة؟
-الرئيس خلط بين الاستفتاء والاستشارة، فإن كانت الاستشارة لتحديد ورسم السياسات فالاستفتاء تقنية تقريرية. لم يوضح الاستشارة حول ماذا ولم يذكر إن كان الاستفتاء مرتبطا بنتائج الاستشارة. كل متتبع لمسار الرئيس منذ توليه السلطة يعرف أن الرئيس متجه نحو تنظيم استفتاء على دستور جديد يقوم على النظام الرئاسي ويجمع أكثر ما يمكن من السلطات. فلا اعتقد تقنيا أن الرئيس في حاجة إلى تنظيم استشارة إلا إذا كان المراد من ذلك إضفاء مشروعية على الاستفتاء كمطلب شبابي لا شعبي.
الرئيس لا يتوجه للشعب بل للشباب وهذا في حذ ذاته تمييز خطير وإقصاء واضح لنسبة هامة من الشعب التونسي.
مواصلة تعليق البرلمان ومواصلة تجميده الى غاية إجراء انتخابات تسريعية يوم 17 ديسمبر 2022 ألا يعني ذلك رسميا حلا للبرلمان وهو ما يتعارض مع الدستور؟
-تعليق البرلمان أو المواصلة في تجميده لا يغير شيئا من الوضع الاقتصادي المتأزم، لا يوفر فرص عمل للعاطلين عن العمل، لا يوفر الخبز والدعم للمحتاجين. كان على الرئيس إنهاء مسألة البرلمان منذ الشهر الأول لكن أعتقد بعد خطابه الأخير ظهر أنه لحسابات سياسية حافظ على تعليقه ومدّد فيه مرارا وهذا لا يخدم الديمقراطية في شيء بل يتجه الاعتقاد إلى أنه ترتيب لداخل بيت الرئيس السياسي وتحصينه ثم إطلاق الكواسر أي خدمة مجموعة لا خدمة أمّة.
الاستفتاء الشعبي يمكن ان يتعلق بدستور جديد وتعديل المجلة الانتخابية وتغيير نظام الحكم وهو ما يعني ابطال السائد والتوجه نحو الجمهورية الثالثة.. فما رأيكم في هذا الخيار.. وهل تكفي سنة لكل هذا؟
-دستور جديد.. نعم جمهور واسع من القانونيين والسياسيين والمواطنين يدفعون حول إبطال العمل بالدستور الحالي القائم على تنازع السلطات وتداخل الاختصاصات ومتفقون حول ضرورة كتابة دستور جديد. لكن هذا لا يتطلب الانتظار لأشهر أخرى. كتابة دستور جديد لا يمكن أن يتجاوز شهرا من الزمن. بل يمكن الانتهاء منه خلال خمسة عشرة يوما. عوض الإسراع بذلك نمدد الفترة إلى حوالي 8 أشهر قادمة. لا اعتقد أن هذا الإجراء بريء. بل أغلب الظن أنه ورد وفق حسابات سياسية ذاتية. مجرد مسكّن لا غير حتى انتهاء الرئيس من وضع برنامجه ونظامه السياسي.
إجراء انتخابات تشريعية بعد سنة، إهدار للوقت ومنح فرصة جديدة لبعض الفاسدين لاستجماع قواهم. بل أرى مماطلة في المواصلة على نفس الوتيرة للوضع الحالي الذي يتجه نحو التعفن في غياب لحلول راديكالية، حينية وقوية. بعد سنة من الآن سينتج المشهد النيابي الجديد نفس الممارسات وان كانت بوجوه وأقنعة جديدة وسنعيد تكرار نفس المشهد.
في ظل كل هذا لاحظنا غيابا للخيارات الاقتصادية في خطاب رئيس الدولة بالرغم من ان الاقتصاد يعتبر اليوم حجر الزاوية في إعادة البناء وحاصة ان البلاد تمر بوضع اقتصادي اقل ما يقال عنه انه صعب وصعب جدا؟
-بالفعل لم يتحدث الرئيس عن الوضع الاقتصادي وهذا تقريبا في كل خطاباته وكأن الرئيس لا يعنيه ذلك فمجمل خطاباته موجهة نحو فئة محددة من الشعب يستمد منها شرعيته.. كل خطابات الرئيس تدور مفرداتها حول البؤس والفقر وكأن تونس بلدا منكوبا. هناك إسراف في التنكيل بالشعب وبمصلحة تونس العليا. فنحن نوجه رسائل بأننا شعب مطحون، تحكمه المافيا، تسود فيه الفوضى ويداس فيه القانون وهذا خطر على أمن الدولة العام.
لم يقدم الرئيس أي حلول اقتصادية ولم يشر إلى أي قرار أو تدابير اقتصادية في ظل وضع اقتصادي مأزوم ومحكوم بالخطابات السياسية الوجدانية العنيفة. رأس المال لا يبحث عن المآسي والاهتزازات والخطابات السيادية المبهمة والمتشنجة بل يبحث عن الاستقرار وعلى الإقبال على الحياة.
الرئيس اليوم له سلطات أقوى من أي سلطات قد يمنحها له الدستور ورغم ذلك الإجراءات بطيئة جدا. هو تجاهل المرور نحو إجراء حركة تصحيحية وتغييرية سريعة رغم كل السلطات التي في قبضته. فماذا سيزيد الاستفتاء على دستور جديد بنفس الصلاحيات التي تحت سلطته وأمرته؟
ما يمكن أن يعاب على خطاب الرئيس انه غارق في التذمر والسوداوية عوض البحث عن مفردات تبعث الأمل والشعور بالأمان في وضع محلي، إقليمي ودولي متغير. لا يمكن دفع الاستثمار وإرجاع الثقة وإرساء السلم الاجتماعية بخطاب مجمل معانيه تقوم على شعارات سياسية ومفردات مسقطة وعنيفة.
لم أر قرارات ولا تدابير جديدة وجريئة بإمكانها الخروج بتونس من وضعها الاقتصادي، السياسي والاجتماعي المتردي. مختلف القرارات التي وقع الإعلان عنها هي مجرد مواصلة وتمديد لقرارات سابقة. أما الإعلان عن إجراء استفتاء شعبي في عيد الجمهورية أو انتخابات تشريعية شهر ديسمبر القادم فتلك إجراءات منتظرة ولم تكن مفاجأة... إجراءات بطيئة ومتأخرة.