حسم رئيس الجمهورية الجدل والتخمينات والتوقعات بشأن مصير البرلمان المجمّد حيث أكد أنه سيتم الإبقاء على عمل المجلس النيابي معلقا الى تاريخ الانتخابات التشريعية المبكرة والتي قرر سعيّد أن تكون بتاريخ 17 ديسمبر 2022، كما أعلن قيس سعيد عن جملة من الإجراءات ستكون خلال هذه السنة وقبل موعد الانتخابات وأبرزها، تنظيم استثارة شعبية او استفتاء الكتروني بداية من الأول من شهر جانفي القادم على أن تنتهي يوم 20 مارس وبعد ذلك تنكب لجنة سيعلن عنها لاحقا التأليف بين مختلف الآراء والأفكار، لتطرح بعد ذلك على الاستفتاء الشعبي في شكل أسئلة يوم عيد الجمهورية الموافق لـ 25 جويلية 2022.
ولكن في الخطاب الذي كان ألقاه رئيس الجمهورية بالمناسبة هناك مسألتان لافتتان، أولهما قوله أن هناك إصلاحات أخرى تهم تنظيم الانتخابات سيتم الإعلان عنها وستكون دون تدخل من أي جهة كانت وبعيدا عن القوانين السابقة..، بالإضافة إلى إشارته بأنه «سيتم تنظيم استشارات مباشرة بكل معتمدية،على أن تنتهي هذه الاستشارات في 20 مارس 2022»..، فهل يعني ذلك أن رئيس الجمهورية تخلى في مرحلة التسقيف الزمني عن هيئة الانتخابات كما أرجع الإدارة من خلال المعتمديات وبالتالي وزارة الداخلية الى الاشراف على هذا المسار الانتخابي من خلال اجراء الاستشارة الشعبية بشكل مباشر مع المواطنين؟
سطو على صلاحيات الهيئة
تكمن أهمية وخطورة كذلك ما أشار اليه رئيس الجمهورية هو تجاهله التام لوجود الهيئة العليا للانتخابات والتي كان يفترض ان تشرف هي على عملية الاستفتاء كما ينص على ذلك القانون الانتخابي ولكن الرئيس أكد ان الانتخابات المزمع تنظيمها ومسارها سيكون بعيد عن القوانين السابقة.
فالاستفتاء الالكتروني او الاستشارة الشعبية التي ستكون على منصات الكترونية بإشراف من وزارة تكنلوجيا الاتصال عبر التطبيقات الذكية والاستشارات الميدانية ستسند الى المعتمديات وسيكون ذلك تحت الاشراف المباشر لوزارة الداخلية.. وبذلك لن يكون لهيئة الانتخابات دور يذكر في المسار المؤدي الى انتخابات 17 ديسمبر رغم أن دستور 2014 والقانون الانتخابي نظم مسألة الاستفتاء بالمعنى الدستوري بطريقة واضحة وصريحة ولا تقبل التأويل باعتبار أهمية وخطورة هذه الآلية في آثارها ونتائجها، علما وان هذا الدستور ما زال جاريا العمل به الا في بابي السلطة التشريعية والتنفيذية وقد أكد عضو هيئة الانتخابات نبيل العزيزي أن : »الاستفتاء الالكتروني وفي علاقة بالقوانين الموجودة والسارية المفعول لا يرتب أي اثار قانونية، ويمكن لرئيس الجمهورية ان يسميه استشارة ولكن لا يمكن الحديث عن استفتاء كما نص عليه الدستور والقانون الانتخابي، وانا اعتقد ان ما يتم تسميته اليوم بالاستفتاء والدعوة اليه عبر الوسائط الالكترونية هو خارج القانون ولكن أنا أؤكد انه يجب دائما تحكيم القوانين حتى تكون في النهاية النتائج المتحصل عليها ذات مصداقية«.
وتجاوز هيئة الانتخابات اعتبره النائب المجّمد حسونة الناصفي، دخولا لرئيس الجمهورية في مرحلة الاعتداء على بعض صلاحيات الهيئات الدستورية مثل هيئة الانتخابات... وبدوره أكد الناطق باسم حراك "مواطنون ضد الانقلاب" جوهر بن مبارك أن هناك إرادة للسطو على قاعدة معطيات الهيئة العليا المستقلة لانتخابات في علاقة بالناخبين.
ولا يتعلق الاشكال هنا بالانتخابات المبكرة في حد ذاتها بل بالهيئة حيث دعت عدة قوى منها الحزب الدستوري الحرّ إلى أولوية تنقية المناخ الانتخابي وتنقية هيئة الانتخابات ليتمّ المرور إلى انتخابات تشريعية كما دعت حركة النهضة بدورها الى انتخابات سابقة لأوانها والى تنقيح القانون الانتخابي.
مشاكل هيئة الانتخابات
انتهت عهدة رئيس هيئة الانتخابات نبيل بفون بالقانون منذ شهر جانفي 2020 وكان يفترض ان ينتخب البرلمان رئيسا جديدا لهيئة الانتخابات، ولكن اليوم تجاوزنا الآجال وتاريخ انتهاء عهدة بفون بحوالي 18 شهرا دون انتخاب رئيس جديد للهيئة وما زال نبيل بفون يواصل مهامه ورغم ان القانون ينص على ان الأعضاء المنتهية عهدتهم يواصلون أداء مهامهم الى حين انتخاب أعضاء جدد الا انه كان يفترض بالبرلمان ان ينتخب رئيسا جديدا للهيئة حتى لا يتواصل الشغور بهذا الشكل وبالنسبة لهيئة مؤتمنة على مصير البلاد السياسي.
ويذكر ان نبيل بفون تم انتخابه في ماي2011 من قبل "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي"، عضوا في أول هيئة مستقلة أشرفت على انتخابات المجلس التأسيسي وأعيد انتخابه مرة أخرى في 8 جانفي 2014 عضوا في الهيئة، إلى أن انتخب في 30 جانفي 2018 رئيسا للهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وقد انتهت ولاية بفون وعضوين آخرين، بحسب القانون، في جانفي 2020، وذلك في إطار التداول والتجديد الدوري كل سنتين لثلث تركيبة هيئة الانتخابات، التي تضم تسعة أعضاء، بهدف ضمان حيادها واستقلاليتها.
وكان مكتب البرلمان، برئاسة راشد الغنوشي، قد قرر السنة الماضية فتح باب الترشح لتجديد ثلث أعضاء الهيئة العليا للانتخابات التسعة، وانتخاب رئيس جديد خلفاً لبفون مع تحديد أقصى أجل لتقديم الترشيحات نهاية شهر أوت 2020.. ولكن تعطل مسار تجديد الشغور الحاصل في الهيئة لأسباب غير معروفة ومثيرة للارتياب وبما يُفهم منه ان أغلبية الكتل البرلمانية أهملت وتجاهلت سد الشغور وذلك خوفا من الانتخابات المبكرة..، ولكن هذه المخاوف تحولت اليوم الى كوابيس بالنسبة لهذه الأحزاب خاصة اذا استفردت الإدارة من خلال وزارتي الداخلية وتكنولوجيات الاتصال بتأمين هذا المسار الانتخابي بعيدا عن هيئة الانتخابات والتي تبقى رغم ما تشهده من مشاكل داخلية ومن شغورات ضمانة قوية في البناء الديمقراطي ومنجز ثوري تاريخي لا يجب القفز عليه بجرة قلم.
منية العرفاوي
تونس- الصباح
حسم رئيس الجمهورية الجدل والتخمينات والتوقعات بشأن مصير البرلمان المجمّد حيث أكد أنه سيتم الإبقاء على عمل المجلس النيابي معلقا الى تاريخ الانتخابات التشريعية المبكرة والتي قرر سعيّد أن تكون بتاريخ 17 ديسمبر 2022، كما أعلن قيس سعيد عن جملة من الإجراءات ستكون خلال هذه السنة وقبل موعد الانتخابات وأبرزها، تنظيم استثارة شعبية او استفتاء الكتروني بداية من الأول من شهر جانفي القادم على أن تنتهي يوم 20 مارس وبعد ذلك تنكب لجنة سيعلن عنها لاحقا التأليف بين مختلف الآراء والأفكار، لتطرح بعد ذلك على الاستفتاء الشعبي في شكل أسئلة يوم عيد الجمهورية الموافق لـ 25 جويلية 2022.
ولكن في الخطاب الذي كان ألقاه رئيس الجمهورية بالمناسبة هناك مسألتان لافتتان، أولهما قوله أن هناك إصلاحات أخرى تهم تنظيم الانتخابات سيتم الإعلان عنها وستكون دون تدخل من أي جهة كانت وبعيدا عن القوانين السابقة..، بالإضافة إلى إشارته بأنه «سيتم تنظيم استشارات مباشرة بكل معتمدية،على أن تنتهي هذه الاستشارات في 20 مارس 2022»..، فهل يعني ذلك أن رئيس الجمهورية تخلى في مرحلة التسقيف الزمني عن هيئة الانتخابات كما أرجع الإدارة من خلال المعتمديات وبالتالي وزارة الداخلية الى الاشراف على هذا المسار الانتخابي من خلال اجراء الاستشارة الشعبية بشكل مباشر مع المواطنين؟
سطو على صلاحيات الهيئة
تكمن أهمية وخطورة كذلك ما أشار اليه رئيس الجمهورية هو تجاهله التام لوجود الهيئة العليا للانتخابات والتي كان يفترض ان تشرف هي على عملية الاستفتاء كما ينص على ذلك القانون الانتخابي ولكن الرئيس أكد ان الانتخابات المزمع تنظيمها ومسارها سيكون بعيد عن القوانين السابقة.
فالاستفتاء الالكتروني او الاستشارة الشعبية التي ستكون على منصات الكترونية بإشراف من وزارة تكنلوجيا الاتصال عبر التطبيقات الذكية والاستشارات الميدانية ستسند الى المعتمديات وسيكون ذلك تحت الاشراف المباشر لوزارة الداخلية.. وبذلك لن يكون لهيئة الانتخابات دور يذكر في المسار المؤدي الى انتخابات 17 ديسمبر رغم أن دستور 2014 والقانون الانتخابي نظم مسألة الاستفتاء بالمعنى الدستوري بطريقة واضحة وصريحة ولا تقبل التأويل باعتبار أهمية وخطورة هذه الآلية في آثارها ونتائجها، علما وان هذا الدستور ما زال جاريا العمل به الا في بابي السلطة التشريعية والتنفيذية وقد أكد عضو هيئة الانتخابات نبيل العزيزي أن : »الاستفتاء الالكتروني وفي علاقة بالقوانين الموجودة والسارية المفعول لا يرتب أي اثار قانونية، ويمكن لرئيس الجمهورية ان يسميه استشارة ولكن لا يمكن الحديث عن استفتاء كما نص عليه الدستور والقانون الانتخابي، وانا اعتقد ان ما يتم تسميته اليوم بالاستفتاء والدعوة اليه عبر الوسائط الالكترونية هو خارج القانون ولكن أنا أؤكد انه يجب دائما تحكيم القوانين حتى تكون في النهاية النتائج المتحصل عليها ذات مصداقية«.
وتجاوز هيئة الانتخابات اعتبره النائب المجّمد حسونة الناصفي، دخولا لرئيس الجمهورية في مرحلة الاعتداء على بعض صلاحيات الهيئات الدستورية مثل هيئة الانتخابات... وبدوره أكد الناطق باسم حراك "مواطنون ضد الانقلاب" جوهر بن مبارك أن هناك إرادة للسطو على قاعدة معطيات الهيئة العليا المستقلة لانتخابات في علاقة بالناخبين.
ولا يتعلق الاشكال هنا بالانتخابات المبكرة في حد ذاتها بل بالهيئة حيث دعت عدة قوى منها الحزب الدستوري الحرّ إلى أولوية تنقية المناخ الانتخابي وتنقية هيئة الانتخابات ليتمّ المرور إلى انتخابات تشريعية كما دعت حركة النهضة بدورها الى انتخابات سابقة لأوانها والى تنقيح القانون الانتخابي.
مشاكل هيئة الانتخابات
انتهت عهدة رئيس هيئة الانتخابات نبيل بفون بالقانون منذ شهر جانفي 2020 وكان يفترض ان ينتخب البرلمان رئيسا جديدا لهيئة الانتخابات، ولكن اليوم تجاوزنا الآجال وتاريخ انتهاء عهدة بفون بحوالي 18 شهرا دون انتخاب رئيس جديد للهيئة وما زال نبيل بفون يواصل مهامه ورغم ان القانون ينص على ان الأعضاء المنتهية عهدتهم يواصلون أداء مهامهم الى حين انتخاب أعضاء جدد الا انه كان يفترض بالبرلمان ان ينتخب رئيسا جديدا للهيئة حتى لا يتواصل الشغور بهذا الشكل وبالنسبة لهيئة مؤتمنة على مصير البلاد السياسي.
ويذكر ان نبيل بفون تم انتخابه في ماي2011 من قبل "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي"، عضوا في أول هيئة مستقلة أشرفت على انتخابات المجلس التأسيسي وأعيد انتخابه مرة أخرى في 8 جانفي 2014 عضوا في الهيئة، إلى أن انتخب في 30 جانفي 2018 رئيسا للهيئة العليا المستقلة للانتخابات. وقد انتهت ولاية بفون وعضوين آخرين، بحسب القانون، في جانفي 2020، وذلك في إطار التداول والتجديد الدوري كل سنتين لثلث تركيبة هيئة الانتخابات، التي تضم تسعة أعضاء، بهدف ضمان حيادها واستقلاليتها.
وكان مكتب البرلمان، برئاسة راشد الغنوشي، قد قرر السنة الماضية فتح باب الترشح لتجديد ثلث أعضاء الهيئة العليا للانتخابات التسعة، وانتخاب رئيس جديد خلفاً لبفون مع تحديد أقصى أجل لتقديم الترشيحات نهاية شهر أوت 2020.. ولكن تعطل مسار تجديد الشغور الحاصل في الهيئة لأسباب غير معروفة ومثيرة للارتياب وبما يُفهم منه ان أغلبية الكتل البرلمانية أهملت وتجاهلت سد الشغور وذلك خوفا من الانتخابات المبكرة..، ولكن هذه المخاوف تحولت اليوم الى كوابيس بالنسبة لهذه الأحزاب خاصة اذا استفردت الإدارة من خلال وزارتي الداخلية وتكنولوجيات الاتصال بتأمين هذا المسار الانتخابي بعيدا عن هيئة الانتخابات والتي تبقى رغم ما تشهده من مشاكل داخلية ومن شغورات ضمانة قوية في البناء الديمقراطي ومنجز ثوري تاريخي لا يجب القفز عليه بجرة قلم.