بعد واحد وعشرين عاما على رحيله في 6 افريل 2000 تعود ذكرى الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة لتخترق المشهد الذي لم يغب عنه تقريبا منذ وفاته، بل انه ومن المفارقات التي نسجلها أنه كلما تقدم التاريخ بهذه الذكرى كلما تجددت في العقول بل انها تدفع سنة بعد سنة كرها او طوعا الى التخلص من الزهايمر السياسي الذي يعبث بالعقول في زمن كورونا وتنفض عن الأبصار بعض من الجوائح السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي استبدت بالمجتمع وجعلته مكبلا بأزماته غارقا في صراعاته التي تأبى أن تجد طريقها إلى الحل وتدفع وهنا مربط الفرس واصل الداء، تدفع بالرأي العام كما مختلف مكونات الطبقة السياسية والثقافية والإعلامية إلى المقارنة بين بورقيبة وجيله الذي أسس للدولة الوطنية وبين مختلف النخب السياسية التي تواترت على السلطة.. مقارنة ستظل قائمة طالما استمرت النخب السياسية الراهنة غنية في أدائها الخطابي العبثي وفي المهاترات والصراعات الخاوية هزيلة في الانجازات والمكاسب وما يحسب لفائدة البلد والعباد..
لا نعتقد أن الأمر يتعلق بالحنين الى تلك المرحلة او برغبة الى العودة الى الماضي فمختلف التجارب الانسانية تؤكد ان عجلة التاريخ لا تسير إلى الوراء وان الشعوب محكومة بالتطلع إلى المستقبل ولكن في المقابل فان قناعتنا ان لهذه المقارنة أسبابها ودوافعها وهي تستند إلى منطق يعتبر ان السياسة ايضا تعني صناعة الحلول وتقديم الانجازات والمكاسب والنتائج وتعني فن إدارة الأزمات وتقديم الأفضل للشعوب والالتزام بجلب الحلول التي تحتاجها وهذا للأسف ما عجزت في تحقيقه الحكومات على مدى عقد كامل منذ 2011 ..إذ وباستثناء الانجازات المرتبطة بتنظيم الانتخابات الديموقراطية والشفافة وهي فعلا كذلك ولكن وجب التذكير أنها كانت بدعم وتمويل دولي مهم فان غير ذلك من الانجازات التي يتطلع اليها المواطن في حياته اليومية فإنها وللأسف لا تكاد تذكر... ومن هذا المنطلق ومهما تختلف التقييمات بشان الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة مؤسس الجمهورية بين انصاره او خصومه فان هناك شبه اجماع حول ما ينسب له بشأن التعليم العمومي والصحة ومحاربة الأمية وحماية حقوق المرأة والأسرة ومجلة الأحوال الشخصية والتنمية.. ولو لم يتحقق شيء من ذلك لما بقي عالقا في الذاكرة الوطنية ولما ظل بورقيبة حاضرا كلما ابتعدت ذكرى رحيله...
ذكرى رحيل الزعيم بورقيبة ازدحمت هذا العام وبفضل المواقع الاجتماعية التي باتت تحتل موقعا اساسيا في حياتنا جميعا بواحدة من الرسائل التاريخية التي بعث بها بورقيبة الى الزعيم صالح بن يوسف في 1951 والأمر لا يتعلق لا بالصراع بين الرجلين ولا بملابسات اغتيال بن يوسف في المانيا ولا بالمصالحة الوطنية المؤجلة ولكن بمحطة أساسية في بناء تونس الحداثة وموقع الزواتنة وتحديدا المحافظين منهم في معركة التحرير وتداعيات الصراعات الايديولوجية التي يمكن ان تدفع الى تقسيم المواطنين في مرحلة لا تقبل الانقسام والتشتت في الرؤى والأهداف وهي رسالة تختزل الكثير عن تلك المرحلة وقد يكون بين سطورها ايضا الكثير ما يتعين على الاسلاميين اليوم التوقف عنده ومراجعته في ظل ما يحدث من تحولات إقليمية ودولية حيث لا يبدو أن دستور 2014 الذي كتب بدماء الشهداء وما نص عليه بشان مدنية الدولة والفصل بين الدين والسياسة مسالة باتت خلفنا بل بالعكس فان كل يوم يجلب معه من الأحداث والصراعات ما يؤكد أن معركة الهوية لا تزال قائمة وان الانسياق وراء بحث جنس الملائكة مسالة طاغية وان هناك قوى تدفع باتجاه إحياء عقلية الخلافة السادسة وأسلمة المجتمع في إنكار غريب لثقافة وعقلية وتقاليد التونسي الذي ينفرد بهذا الانتماء الفسيفسائي الذي يجعله مغاربيا وإفريقيا ومتوسطيا وعربيا ومسلما بما يصنع تونسيته وخصوصيته التي ينكرونها عليه ..
يقول بورقيبة في مطلع تلك الرسالة التي كانت اشبه بتحذير وجهه للزعيم صالح بن يوسف "توقفت طويلا عند المشكلة الزيتونية لأني اعتبر انها تتجاوز خلافاتنا مع الرجعيين وانه مشكل يتطور بشكل خطير وهو مشكل تتجاوز عناصره ما حدث في افريل 1950 انه مشكل يفرض نفسه في كل الدول الاسلامية التي وصلت إلى الاستقلال".. ويضيف بورقيبة في موقع آخر بقوله "سأنقل إليك كل الصعوبات التي تواجهها حكومات هذه الدول الاسلامية التي زرتها في مواجهة هذه العقلية المتشددة الرافضة للإسلام الحداثي وللتطورات في العالم المعاصر ومنها الرابطة الإسلامية بزعامة علي خان ودار الإسلام التي تتحكم في المشهد باندونيسيا وفدائئ الإسلام في إيران..
ويوضع بورقيبة في رسالته الى بن صالح ان الخطر في تونس أن في مواجهة هذا الأمر قبل استقلالنا وقبل استعادة سيادتنا فان هذه الاشكالية يمكن ان تقسم ابناء الشعب بما سيؤجل تحررنا".. وسيشير بورقيبة في جزء من الرسالة الى اهمية استقطاب الفاضل بن عاشور وحرمان الزواتنة الرجعيين منه باعتبار"أن بن عاشور الرأس الوحيد المفكر"، الذي يمكن أن يعتمده في تونس على حد تعبيره.. ويشدد بورقيبة على أن المشكل ذاته قائم في مصر وسوريا وباكستان واندونيسيا.. عقود طويلة مرت بين تلك الرسالة وبين ما يحدث اليوم في بلادنا من صراع مفتوح بين الحداثيين والعلمانيين وبين الإسلاميين وفي طليعتهم حركة النهضة وبقية الأحزاب التي تدور في فلكها وربما سيكون من المهم العودة إلى تلك الرسالة وإسقاطاتها على المشهد السياسي الذي بلغ مرحلة الانسداد في تونس اليوم أمام تكلس العقليات وغياب المؤشرات عن انفراج مرتقب يزيح بعض القتامة التي تغرقنا..
لا ندري ان كان هو القدر الذي يدفع في كل مرة بذكرى الزعيم لتفرض نفسها اكثر فأكثر بين خصومه وأعدائه قبل أنصاره ومريديه فينتقم وهو الذي غادر عالمنا منذ اكثر من عقدين من كل المحاولات والمساعي لطمس ذاكرته وتقزيم دوره وتغييب انجازاته وإلغاء مكانته وصورته أو ما إذا كان لفشل النخب المتلاحقة منذ أن دفع للانسحاب من المشهد والتخلي عن السلطة بعد الانقلاب الناعم الذي حمل توقيع فريق من الاطباء شهدوا بعجز الزعيم عن مواصلة القيام بمهامه والذي قاده الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي اشترك مع العديد من الوجوه السياسية التي ستتدافع على المشهد بعد الثورة في هذا التوجس والخوف من بورقيبة في حياته كما في موته فكان ان منعه من التواصل مع العالم الخارجي بعد عزله ثم كان ان منع نقل جنازته في التلفزة بعد وفاته.. ولكن شاءت الأقدار أن يحضر عددا من قادة ورؤساء العالم لتوديع الزعيم بورقيبة إلى مثواه الأخير وكان بينهم الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك والموريتاني ولد الطايع والجزائري بوتفليقة والفلسطيني ياسر عرفات وغيرهم وان تنقل التلفزة الوطنية بعد سنوات اطوار الجنازة التي لم يكتب لهم متابعتها يوم رحيله قبل واحد وعشرين عاما... لسنا نريد اليوم عودة لاستعراض مناقب بورقيبة السياسي والزعيم والخطيب الذي فرض نفسه بين زعماء العالم ولا أيضا لاستعراض عيوبه التي وسعت رقعة اعدائه ممن اعتبروه قد حاد عن الطريق وكما كان لبورقيبة مآثره وانجازاته كان له زلاته وأخطاؤه... ومع ذلك فقد كان ولا يزال عالما يستلهم الكتاب وعنوانا لعدد مهم من الكتب والدراسات على مدار السنوات من الباحثين والمؤرخين والسياسيين الذين كانوا حوله او الذين انسحبوا من دائرته..
بالتأكيد لم يكن بورقيبة اسطورة مستوحاة من الخيال فهو شخصية سياسية جمعت من الخصوصيات ما أهلها لدور الزعامة والقيادة في اعقد واخطر المراحل فترك بصماته في سجل التاريخ الذي سيدون ما له وما عليه وسيسمح للأجيال المتعاقبة أن تقرأ عنه وان تنتقد فكره وتستهجنه وتتنكر له أو تتعلم منه وتستلهم من توجهاته ما يدفع الى إعادة قراءة الأحداث والى إصلاح ما يستوجب الاصلاح دون تعصب او مغالاة وفق مقتضيات العصر وبما تفرضه التطورات الحاصلة التي لا يمكن أن نكون بمعزل عنها.. والى أن يظهر زعيم سياسي تونسي قادر على جمع الصفوف بما يدفع إلى ملء الفراغ بالانجازات والمكاسب التي تحتاجها البلاد سيظل الفكر البورقيبي حاضر ليملأ الفراغ الذي أحدثته النخب الراهنة..، فلا تسالوا عن سبب عودة بورقيبة للحياة بعد واحد وعشرين عاما على وفاته ..
اسيا العتروس
بعد واحد وعشرين عاما على رحيله في 6 افريل 2000 تعود ذكرى الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة لتخترق المشهد الذي لم يغب عنه تقريبا منذ وفاته، بل انه ومن المفارقات التي نسجلها أنه كلما تقدم التاريخ بهذه الذكرى كلما تجددت في العقول بل انها تدفع سنة بعد سنة كرها او طوعا الى التخلص من الزهايمر السياسي الذي يعبث بالعقول في زمن كورونا وتنفض عن الأبصار بعض من الجوائح السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي استبدت بالمجتمع وجعلته مكبلا بأزماته غارقا في صراعاته التي تأبى أن تجد طريقها إلى الحل وتدفع وهنا مربط الفرس واصل الداء، تدفع بالرأي العام كما مختلف مكونات الطبقة السياسية والثقافية والإعلامية إلى المقارنة بين بورقيبة وجيله الذي أسس للدولة الوطنية وبين مختلف النخب السياسية التي تواترت على السلطة.. مقارنة ستظل قائمة طالما استمرت النخب السياسية الراهنة غنية في أدائها الخطابي العبثي وفي المهاترات والصراعات الخاوية هزيلة في الانجازات والمكاسب وما يحسب لفائدة البلد والعباد..
لا نعتقد أن الأمر يتعلق بالحنين الى تلك المرحلة او برغبة الى العودة الى الماضي فمختلف التجارب الانسانية تؤكد ان عجلة التاريخ لا تسير إلى الوراء وان الشعوب محكومة بالتطلع إلى المستقبل ولكن في المقابل فان قناعتنا ان لهذه المقارنة أسبابها ودوافعها وهي تستند إلى منطق يعتبر ان السياسة ايضا تعني صناعة الحلول وتقديم الانجازات والمكاسب والنتائج وتعني فن إدارة الأزمات وتقديم الأفضل للشعوب والالتزام بجلب الحلول التي تحتاجها وهذا للأسف ما عجزت في تحقيقه الحكومات على مدى عقد كامل منذ 2011 ..إذ وباستثناء الانجازات المرتبطة بتنظيم الانتخابات الديموقراطية والشفافة وهي فعلا كذلك ولكن وجب التذكير أنها كانت بدعم وتمويل دولي مهم فان غير ذلك من الانجازات التي يتطلع اليها المواطن في حياته اليومية فإنها وللأسف لا تكاد تذكر... ومن هذا المنطلق ومهما تختلف التقييمات بشان الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة مؤسس الجمهورية بين انصاره او خصومه فان هناك شبه اجماع حول ما ينسب له بشأن التعليم العمومي والصحة ومحاربة الأمية وحماية حقوق المرأة والأسرة ومجلة الأحوال الشخصية والتنمية.. ولو لم يتحقق شيء من ذلك لما بقي عالقا في الذاكرة الوطنية ولما ظل بورقيبة حاضرا كلما ابتعدت ذكرى رحيله...
ذكرى رحيل الزعيم بورقيبة ازدحمت هذا العام وبفضل المواقع الاجتماعية التي باتت تحتل موقعا اساسيا في حياتنا جميعا بواحدة من الرسائل التاريخية التي بعث بها بورقيبة الى الزعيم صالح بن يوسف في 1951 والأمر لا يتعلق لا بالصراع بين الرجلين ولا بملابسات اغتيال بن يوسف في المانيا ولا بالمصالحة الوطنية المؤجلة ولكن بمحطة أساسية في بناء تونس الحداثة وموقع الزواتنة وتحديدا المحافظين منهم في معركة التحرير وتداعيات الصراعات الايديولوجية التي يمكن ان تدفع الى تقسيم المواطنين في مرحلة لا تقبل الانقسام والتشتت في الرؤى والأهداف وهي رسالة تختزل الكثير عن تلك المرحلة وقد يكون بين سطورها ايضا الكثير ما يتعين على الاسلاميين اليوم التوقف عنده ومراجعته في ظل ما يحدث من تحولات إقليمية ودولية حيث لا يبدو أن دستور 2014 الذي كتب بدماء الشهداء وما نص عليه بشان مدنية الدولة والفصل بين الدين والسياسة مسالة باتت خلفنا بل بالعكس فان كل يوم يجلب معه من الأحداث والصراعات ما يؤكد أن معركة الهوية لا تزال قائمة وان الانسياق وراء بحث جنس الملائكة مسالة طاغية وان هناك قوى تدفع باتجاه إحياء عقلية الخلافة السادسة وأسلمة المجتمع في إنكار غريب لثقافة وعقلية وتقاليد التونسي الذي ينفرد بهذا الانتماء الفسيفسائي الذي يجعله مغاربيا وإفريقيا ومتوسطيا وعربيا ومسلما بما يصنع تونسيته وخصوصيته التي ينكرونها عليه ..
يقول بورقيبة في مطلع تلك الرسالة التي كانت اشبه بتحذير وجهه للزعيم صالح بن يوسف "توقفت طويلا عند المشكلة الزيتونية لأني اعتبر انها تتجاوز خلافاتنا مع الرجعيين وانه مشكل يتطور بشكل خطير وهو مشكل تتجاوز عناصره ما حدث في افريل 1950 انه مشكل يفرض نفسه في كل الدول الاسلامية التي وصلت إلى الاستقلال".. ويضيف بورقيبة في موقع آخر بقوله "سأنقل إليك كل الصعوبات التي تواجهها حكومات هذه الدول الاسلامية التي زرتها في مواجهة هذه العقلية المتشددة الرافضة للإسلام الحداثي وللتطورات في العالم المعاصر ومنها الرابطة الإسلامية بزعامة علي خان ودار الإسلام التي تتحكم في المشهد باندونيسيا وفدائئ الإسلام في إيران..
ويوضع بورقيبة في رسالته الى بن صالح ان الخطر في تونس أن في مواجهة هذا الأمر قبل استقلالنا وقبل استعادة سيادتنا فان هذه الاشكالية يمكن ان تقسم ابناء الشعب بما سيؤجل تحررنا".. وسيشير بورقيبة في جزء من الرسالة الى اهمية استقطاب الفاضل بن عاشور وحرمان الزواتنة الرجعيين منه باعتبار"أن بن عاشور الرأس الوحيد المفكر"، الذي يمكن أن يعتمده في تونس على حد تعبيره.. ويشدد بورقيبة على أن المشكل ذاته قائم في مصر وسوريا وباكستان واندونيسيا.. عقود طويلة مرت بين تلك الرسالة وبين ما يحدث اليوم في بلادنا من صراع مفتوح بين الحداثيين والعلمانيين وبين الإسلاميين وفي طليعتهم حركة النهضة وبقية الأحزاب التي تدور في فلكها وربما سيكون من المهم العودة إلى تلك الرسالة وإسقاطاتها على المشهد السياسي الذي بلغ مرحلة الانسداد في تونس اليوم أمام تكلس العقليات وغياب المؤشرات عن انفراج مرتقب يزيح بعض القتامة التي تغرقنا..
لا ندري ان كان هو القدر الذي يدفع في كل مرة بذكرى الزعيم لتفرض نفسها اكثر فأكثر بين خصومه وأعدائه قبل أنصاره ومريديه فينتقم وهو الذي غادر عالمنا منذ اكثر من عقدين من كل المحاولات والمساعي لطمس ذاكرته وتقزيم دوره وتغييب انجازاته وإلغاء مكانته وصورته أو ما إذا كان لفشل النخب المتلاحقة منذ أن دفع للانسحاب من المشهد والتخلي عن السلطة بعد الانقلاب الناعم الذي حمل توقيع فريق من الاطباء شهدوا بعجز الزعيم عن مواصلة القيام بمهامه والذي قاده الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي اشترك مع العديد من الوجوه السياسية التي ستتدافع على المشهد بعد الثورة في هذا التوجس والخوف من بورقيبة في حياته كما في موته فكان ان منعه من التواصل مع العالم الخارجي بعد عزله ثم كان ان منع نقل جنازته في التلفزة بعد وفاته.. ولكن شاءت الأقدار أن يحضر عددا من قادة ورؤساء العالم لتوديع الزعيم بورقيبة إلى مثواه الأخير وكان بينهم الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك والموريتاني ولد الطايع والجزائري بوتفليقة والفلسطيني ياسر عرفات وغيرهم وان تنقل التلفزة الوطنية بعد سنوات اطوار الجنازة التي لم يكتب لهم متابعتها يوم رحيله قبل واحد وعشرين عاما... لسنا نريد اليوم عودة لاستعراض مناقب بورقيبة السياسي والزعيم والخطيب الذي فرض نفسه بين زعماء العالم ولا أيضا لاستعراض عيوبه التي وسعت رقعة اعدائه ممن اعتبروه قد حاد عن الطريق وكما كان لبورقيبة مآثره وانجازاته كان له زلاته وأخطاؤه... ومع ذلك فقد كان ولا يزال عالما يستلهم الكتاب وعنوانا لعدد مهم من الكتب والدراسات على مدار السنوات من الباحثين والمؤرخين والسياسيين الذين كانوا حوله او الذين انسحبوا من دائرته..
بالتأكيد لم يكن بورقيبة اسطورة مستوحاة من الخيال فهو شخصية سياسية جمعت من الخصوصيات ما أهلها لدور الزعامة والقيادة في اعقد واخطر المراحل فترك بصماته في سجل التاريخ الذي سيدون ما له وما عليه وسيسمح للأجيال المتعاقبة أن تقرأ عنه وان تنتقد فكره وتستهجنه وتتنكر له أو تتعلم منه وتستلهم من توجهاته ما يدفع الى إعادة قراءة الأحداث والى إصلاح ما يستوجب الاصلاح دون تعصب او مغالاة وفق مقتضيات العصر وبما تفرضه التطورات الحاصلة التي لا يمكن أن نكون بمعزل عنها.. والى أن يظهر زعيم سياسي تونسي قادر على جمع الصفوف بما يدفع إلى ملء الفراغ بالانجازات والمكاسب التي تحتاجها البلاد سيظل الفكر البورقيبي حاضر ليملأ الفراغ الذي أحدثته النخب الراهنة..، فلا تسالوا عن سبب عودة بورقيبة للحياة بعد واحد وعشرين عاما على وفاته ..
اسيا العتروس