تعيش حركة النهضة على وقع أحداث ومستجدات متسارعة تكشف في تفاصيلها ومتسبباتها وأبعادها راهن الحركة الذي أصبح أشبه "برمال متحركة" أو بركان خامد بصدد التحرك مهددا بالانفجار لتجرف حممه ما بقي داخلها خاصة أما إصرار رئيسها راشد الغنوشي وحاشيته المقربة على مواصلة سياسة التفرد بالحكم والقرار والهروب إلى الأمام دون الاستجابة لدعوات المراجعة وإعادة الهيكلة.. وهو ما يؤكد ما تذهب إليه عديد القراءات لسياسيين وغيرهم من المتابعين للشأن السياسي بأن النهضة في حجمها وشكلها المتنفذ انتهت، بعد 25 جويلية، ولم يعد لها الوزن والفاعلية بالثقل الذي كانت عليه خلال السنوات العشر الأخيرة. لتدخل في دوامة من المشاكل والعواصف والخلافات و"الهزات" الداخلية والخارجية وآخرها ما كشفت عنه حادثة انتحار أحد أبنائها في عقر مقرها حرقا، ليفتح ملفا آخر داخل الحركة ظل مسكوتا عنه يتمثل في تحرك وانتفاضة "المهمشين" داخلها وغياب العدالة والشفافية والمساواة في سياسة تعاطي النهضة مع قيادييها ومناضليها وأبنائها. لتضاف لقائمة الملفات المفتوحة التي تحاصر الحركة وبعض قياداتها وفي مقدمتهم رئيسها راشد الغنوشي، في هذه المرحلة بالأساس لعل أبرزها ما هو مطروح في أروقة المحاكم والقضاء من قبيل ملف الجهاز السري وتسفير الشباب إلى سوريا والتمويلات الأجنبية والتجاوزات المسجلة في الانتخابات الشريعية 2019 وقضية اللوبيينغ" والاستنجاد بالقوى الأجنبية في مسائل وطنية بحتة، إضافة إلى القضايا والخلافات الداخلية والصراع على مواقع القرار داخل الحركة مقابل تفرد رئيس الحركة بالرأي والقرار دون تشريك بقية قيادات الحركة مقابل التفاف شق محدد من المقربين من الغنوشي على تقاسم القرار و"الغنيمة"، فضلا عن تغييب للمرأة والشباب الذين كان حضورهم في الحركة مجرد رقما شكليا لا غير.
كلها من العوامل الذي غذت الأزمة القائمة داخل الحركة على نحو غير مسبوق خاصة أمام إجماع عديد الجهات على أن النهضة وحدها تتحمل مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإنسانية ويجمعون على دورها في أنهاك الإدارة والمؤسسات الوطنية من خلال خياراتها في إرساء ظواهر وثقافات الفساد والإرهاب والمحسوبية والولاءات الحزبية.
"السيفي" يفجر قضية المهمشين
حادثة انتحار الراحل سامي السيفي فجرت قضية من نوع آخر تهم فئة أخرى من أبناء الحركة وتبين أن "النضال" داخل الحركة درجات، ألا وهي قضية المهمشين الذين لم ينالوا حظهم من "غنيمة" النضال كورقة راهنت عليها النهضة في استقطاب "المناضلين" والقواعد تحت عناوين مختلفة. وبالعودة إلى ما أكده أحد أصدقاء الراحل أثناء مداخلته في إحدى الإذاعات الخاصة يتبين الجميع أن مسألة "التعويض" التي راهنت عليها النهضة واستفاد منها بعض قياداتها وقواعدها خلال السنوات العشر الأخيرة كانت "وقودا" للنار التي أضرمها الراحل في جسده داخل مقر حركة النهضة يوم الخميس الماضي، معلنة وجود أزمة أخرى قد تأتي على ما تبقى من قواعد وأبناء الحركة ممن يعيشون على أمل ووعود التعويضات لينفضوا من حولها. وذلك بعد أن سبق وغادرها عدد كبير من القياديين من مختلف الصفوف والأجنحة وآخرهم قائمة 113 الذين أعلنوا استقالتهم. إذ أكد صديق السيفي أن الراحل كان يعاني من التجاهل وسوء المعاملة من قبل قيادات الحركة"، وفق تعبيره وأن ما يروج بخصوص الحادثة هي مغالطات. موضحا في نفس المداخلة الإذاعية أن "صديقه لا علاقة له بما يُعرف بـ"قضية باب سويقة" خلافا لكل ما قيل وأنه قضّى حكما بالسجن لمدّة 15 سنة على خلفية حرق المعهد الفني بتونس بإيعاز من بعض قيادات النهضة". وأوضح "أنه تحصّل على منحة مالية من مكتب شؤون المناضلين للحركة قبل أن يتم التراجع عنها، وتوظيفه كحارس وتكليفه ببعض "الأعمال المُهينة على غرار تنظيف السيارات وهو ما رفضه". مشيرا أيضا إلى أنه قد دخل منذ سنة في إضراب جوع داخل مقر الحركة قبل أن يتم "طرده بصورة مسيئة وعن طريق الأمن"، حسب تعبيره، جوبه باللامبالاة. وهو تقريبا ما أكده بعض أقارب الهالك الذي عانى من التجاهل ومل الوعود. وهو أمر لا يقتصر على "السيفي" وإنما يشمل مجموعة أخرى من القواعد و"المناضلين" المهمشين. وقد علق الناشط السياسي مبروك كورشيد عن الحادثة بتساؤله" هل السيفي ضحية عدم التعويض أم ضحية وهم التعويض؟ باعتبار أن النهضة مثلما كافأت بعض قياداتها بتعويضات مالية كبيرة فإنها "باعت" أو سوقت ولا تزال، وهم التعويض لفئة أخرى من أبنائها.
وإذا نجحت الحركة في التعتيم على المشاكل والخلافات والصراعات القائمة داخلها مقابل التسويق لصورة الانضباط والاستقرار وتشاركية القرارات وثقافة الديمقراطية والإيمان "بالمدنية" في أبعادها العملية والفكرية والسياسية، إلا أنها لم تكن تعلم أن ذلك التعتيم ومصادرة الرأي و"التقمص" والتظاهر بعكس ما هو حقيقي وواقعي يمكن أن ينكشف سريعا أمام هزات الواقع القوية وارتدادات التمويه والمغالطات. لتتحول مراكمة تلك المشاكل والخلافات إلى كومة ثلج قاربت على الذوبان.
ويذكر أن عددا كبيرا من السياسيين أكدوا أن "النهضة" انتهت وأصبح مآلها مآل أغلب الأحزاب التي دخلت معها في وفاقات وتحالفات فـ"أكلتها" لتأكل نفسها من الداخل. وهو ما أكدته أول أمس عبير موسي رئيسة حزب الدستور الحر التي قالت: "النهضة انتهت والتحضيرات جارية لإنشاء حزب وتنظيم جديد. وأن الغنوشي وزمرته الضيقة في عداد المنتهين سياسيا".
المؤتمر بين الحقيقة والوعود
شكل الخلاف حول تاريخ عقد المؤتمر 11 للحركة خاصة ما تعلق بمحاولة تنقيح الفصل 31 للقانون الداخلي للحركة سنة 2020، النقطة التي أفاضت الكأس وليخرج عدد من قيادات الحركة عن صمتهم معلنين رفضهم لتجديد الغنوشي ترشحه لرئاسة الحركة بعد أن قضى على رأسها ما يقارب أربعة عقود، وهو ما جسدته رسالة المائة قيادي التي خرجت للعلن. ليتواصل الحديث عن عقد هذا "المؤتمر" المنتظر ليكون حمّال حلول وخيارات تستجيب لتطلعات شق من قيادات وقواعد النهضة لكن دون تسقيف زمني أو كشف لموعده. لتكتفي الحركة في كل مناسبة بتوظيف "الإشارة إلى هذا المؤتمر الهلامي" لشد قواعدها ومريديها الذين بدأوا ينفضوا من حولها. وقد تناول البيان الأخير للحركة الصادر أمس في إحدى نقاطه أن المكتب التنفيذي للحركة يدعو "مجلس شورى الحركة ولجان إعداد المؤتمر 11 إلى مضاعفة الجهود للتسريع بعقد المؤتمر وجعله محطة حزبية ووطنية ذات إضافة نوعية في المشهد السياسي".
البديل
ولم يعد حديث بعض القياديين المستقيلين من النهضة عن المضي في التأسيس لحزب جديد من قبيل المخفي أو السري، وهو ما يؤكد أن تمسك الغنوشي بالتفرد بالقرار والحكم داخل الحزب وأن ما يروج حول مغادرته لذلك بعد تنظيم مؤتمر يعد من قبيل الوهم والوعود الوهمية التي سبق أن سوقها للتونسيين ولشق من مناضلي الحركة. فسمير ديلو أكد أن الاتصالات جارية بشأن التأسيس لحزب جديد، ثم أن سياسيين من تيارات حزبية وسياسية يؤكدون أن حزب "السعادة" الذي يرفض القياديين "النهضويين" المستقلين ذكره بدأ فعلا في النشاط وهو بصدد استقطاب قواعد وقياديي الحركة وأحزاب أخرى تتقاطع معهم في التوجه والأهداف. ومن المنتظر يتم الإعلان عن ذلك رسميا قريبا.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
تعيش حركة النهضة على وقع أحداث ومستجدات متسارعة تكشف في تفاصيلها ومتسبباتها وأبعادها راهن الحركة الذي أصبح أشبه "برمال متحركة" أو بركان خامد بصدد التحرك مهددا بالانفجار لتجرف حممه ما بقي داخلها خاصة أما إصرار رئيسها راشد الغنوشي وحاشيته المقربة على مواصلة سياسة التفرد بالحكم والقرار والهروب إلى الأمام دون الاستجابة لدعوات المراجعة وإعادة الهيكلة.. وهو ما يؤكد ما تذهب إليه عديد القراءات لسياسيين وغيرهم من المتابعين للشأن السياسي بأن النهضة في حجمها وشكلها المتنفذ انتهت، بعد 25 جويلية، ولم يعد لها الوزن والفاعلية بالثقل الذي كانت عليه خلال السنوات العشر الأخيرة. لتدخل في دوامة من المشاكل والعواصف والخلافات و"الهزات" الداخلية والخارجية وآخرها ما كشفت عنه حادثة انتحار أحد أبنائها في عقر مقرها حرقا، ليفتح ملفا آخر داخل الحركة ظل مسكوتا عنه يتمثل في تحرك وانتفاضة "المهمشين" داخلها وغياب العدالة والشفافية والمساواة في سياسة تعاطي النهضة مع قيادييها ومناضليها وأبنائها. لتضاف لقائمة الملفات المفتوحة التي تحاصر الحركة وبعض قياداتها وفي مقدمتهم رئيسها راشد الغنوشي، في هذه المرحلة بالأساس لعل أبرزها ما هو مطروح في أروقة المحاكم والقضاء من قبيل ملف الجهاز السري وتسفير الشباب إلى سوريا والتمويلات الأجنبية والتجاوزات المسجلة في الانتخابات الشريعية 2019 وقضية اللوبيينغ" والاستنجاد بالقوى الأجنبية في مسائل وطنية بحتة، إضافة إلى القضايا والخلافات الداخلية والصراع على مواقع القرار داخل الحركة مقابل تفرد رئيس الحركة بالرأي والقرار دون تشريك بقية قيادات الحركة مقابل التفاف شق محدد من المقربين من الغنوشي على تقاسم القرار و"الغنيمة"، فضلا عن تغييب للمرأة والشباب الذين كان حضورهم في الحركة مجرد رقما شكليا لا غير.
كلها من العوامل الذي غذت الأزمة القائمة داخل الحركة على نحو غير مسبوق خاصة أمام إجماع عديد الجهات على أن النهضة وحدها تتحمل مسؤولية تردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والإنسانية ويجمعون على دورها في أنهاك الإدارة والمؤسسات الوطنية من خلال خياراتها في إرساء ظواهر وثقافات الفساد والإرهاب والمحسوبية والولاءات الحزبية.
"السيفي" يفجر قضية المهمشين
حادثة انتحار الراحل سامي السيفي فجرت قضية من نوع آخر تهم فئة أخرى من أبناء الحركة وتبين أن "النضال" داخل الحركة درجات، ألا وهي قضية المهمشين الذين لم ينالوا حظهم من "غنيمة" النضال كورقة راهنت عليها النهضة في استقطاب "المناضلين" والقواعد تحت عناوين مختلفة. وبالعودة إلى ما أكده أحد أصدقاء الراحل أثناء مداخلته في إحدى الإذاعات الخاصة يتبين الجميع أن مسألة "التعويض" التي راهنت عليها النهضة واستفاد منها بعض قياداتها وقواعدها خلال السنوات العشر الأخيرة كانت "وقودا" للنار التي أضرمها الراحل في جسده داخل مقر حركة النهضة يوم الخميس الماضي، معلنة وجود أزمة أخرى قد تأتي على ما تبقى من قواعد وأبناء الحركة ممن يعيشون على أمل ووعود التعويضات لينفضوا من حولها. وذلك بعد أن سبق وغادرها عدد كبير من القياديين من مختلف الصفوف والأجنحة وآخرهم قائمة 113 الذين أعلنوا استقالتهم. إذ أكد صديق السيفي أن الراحل كان يعاني من التجاهل وسوء المعاملة من قبل قيادات الحركة"، وفق تعبيره وأن ما يروج بخصوص الحادثة هي مغالطات. موضحا في نفس المداخلة الإذاعية أن "صديقه لا علاقة له بما يُعرف بـ"قضية باب سويقة" خلافا لكل ما قيل وأنه قضّى حكما بالسجن لمدّة 15 سنة على خلفية حرق المعهد الفني بتونس بإيعاز من بعض قيادات النهضة". وأوضح "أنه تحصّل على منحة مالية من مكتب شؤون المناضلين للحركة قبل أن يتم التراجع عنها، وتوظيفه كحارس وتكليفه ببعض "الأعمال المُهينة على غرار تنظيف السيارات وهو ما رفضه". مشيرا أيضا إلى أنه قد دخل منذ سنة في إضراب جوع داخل مقر الحركة قبل أن يتم "طرده بصورة مسيئة وعن طريق الأمن"، حسب تعبيره، جوبه باللامبالاة. وهو تقريبا ما أكده بعض أقارب الهالك الذي عانى من التجاهل ومل الوعود. وهو أمر لا يقتصر على "السيفي" وإنما يشمل مجموعة أخرى من القواعد و"المناضلين" المهمشين. وقد علق الناشط السياسي مبروك كورشيد عن الحادثة بتساؤله" هل السيفي ضحية عدم التعويض أم ضحية وهم التعويض؟ باعتبار أن النهضة مثلما كافأت بعض قياداتها بتعويضات مالية كبيرة فإنها "باعت" أو سوقت ولا تزال، وهم التعويض لفئة أخرى من أبنائها.
وإذا نجحت الحركة في التعتيم على المشاكل والخلافات والصراعات القائمة داخلها مقابل التسويق لصورة الانضباط والاستقرار وتشاركية القرارات وثقافة الديمقراطية والإيمان "بالمدنية" في أبعادها العملية والفكرية والسياسية، إلا أنها لم تكن تعلم أن ذلك التعتيم ومصادرة الرأي و"التقمص" والتظاهر بعكس ما هو حقيقي وواقعي يمكن أن ينكشف سريعا أمام هزات الواقع القوية وارتدادات التمويه والمغالطات. لتتحول مراكمة تلك المشاكل والخلافات إلى كومة ثلج قاربت على الذوبان.
ويذكر أن عددا كبيرا من السياسيين أكدوا أن "النهضة" انتهت وأصبح مآلها مآل أغلب الأحزاب التي دخلت معها في وفاقات وتحالفات فـ"أكلتها" لتأكل نفسها من الداخل. وهو ما أكدته أول أمس عبير موسي رئيسة حزب الدستور الحر التي قالت: "النهضة انتهت والتحضيرات جارية لإنشاء حزب وتنظيم جديد. وأن الغنوشي وزمرته الضيقة في عداد المنتهين سياسيا".
المؤتمر بين الحقيقة والوعود
شكل الخلاف حول تاريخ عقد المؤتمر 11 للحركة خاصة ما تعلق بمحاولة تنقيح الفصل 31 للقانون الداخلي للحركة سنة 2020، النقطة التي أفاضت الكأس وليخرج عدد من قيادات الحركة عن صمتهم معلنين رفضهم لتجديد الغنوشي ترشحه لرئاسة الحركة بعد أن قضى على رأسها ما يقارب أربعة عقود، وهو ما جسدته رسالة المائة قيادي التي خرجت للعلن. ليتواصل الحديث عن عقد هذا "المؤتمر" المنتظر ليكون حمّال حلول وخيارات تستجيب لتطلعات شق من قيادات وقواعد النهضة لكن دون تسقيف زمني أو كشف لموعده. لتكتفي الحركة في كل مناسبة بتوظيف "الإشارة إلى هذا المؤتمر الهلامي" لشد قواعدها ومريديها الذين بدأوا ينفضوا من حولها. وقد تناول البيان الأخير للحركة الصادر أمس في إحدى نقاطه أن المكتب التنفيذي للحركة يدعو "مجلس شورى الحركة ولجان إعداد المؤتمر 11 إلى مضاعفة الجهود للتسريع بعقد المؤتمر وجعله محطة حزبية ووطنية ذات إضافة نوعية في المشهد السياسي".
البديل
ولم يعد حديث بعض القياديين المستقيلين من النهضة عن المضي في التأسيس لحزب جديد من قبيل المخفي أو السري، وهو ما يؤكد أن تمسك الغنوشي بالتفرد بالقرار والحكم داخل الحزب وأن ما يروج حول مغادرته لذلك بعد تنظيم مؤتمر يعد من قبيل الوهم والوعود الوهمية التي سبق أن سوقها للتونسيين ولشق من مناضلي الحركة. فسمير ديلو أكد أن الاتصالات جارية بشأن التأسيس لحزب جديد، ثم أن سياسيين من تيارات حزبية وسياسية يؤكدون أن حزب "السعادة" الذي يرفض القياديين "النهضويين" المستقلين ذكره بدأ فعلا في النشاط وهو بصدد استقطاب قواعد وقياديي الحركة وأحزاب أخرى تتقاطع معهم في التوجه والأهداف. ومن المنتظر يتم الإعلان عن ذلك رسميا قريبا.