عبد الجليل البدوي: "السلطة القائمة تحرص على الالتزام بشروط النقد الدولي وتأكيد تميزها على السلطات الفارطة "
تونس-الصباح
لم تقدم الى غاية اليوم الحكومة التونسية اية رسائل طمأنة او حتى عناصر مناورة فيما يتعلق بقانون المالية 2022، تؤكد من خلالها أن لها حلولا ثانية وفرضيات جديدة لملء خزينتها وتحقيق نوع من السيطرة على الازمة الاقتصادية التي تعيشها، غير جيوب المواطنين التونسيين ولقمة الفقراء منهم.
ورسميا يعتبر خبراء اقتصاديون أن تونس قد انطلقت فعليا في تطبيق خطتها لرفع الدعم، حيث بدأت منذ أكثر من سنة في رفع تدريجي في أسعار المواد المدعمة. فقامت بإقرار زيادات في مادة السكر السائب الذي ارتفع من 1150 مليم الى 1400 مليم. وزيادة في أسعار النقل العمومي بـ20 مليما مع تغيير في صبغة التذاكر. وزيادة في أسعار الماء الصالح للشرب في مناسبتين خلال السنة الماضية وفي أسعار بيع الكهرباء والغاز وفي أسعار الحليب..
وتعتزم الحكومة حسب آخر المعطيات المتداولة، الترفيع مع بداية السنة في أسعار المحروقات وتمثل في حد ذاتها عنوانا كبيرا لسلسة من الزيادات الضرورية في أسعار عدد لا باس به من المواد الغذائية المصنعة التي تمثل المحروقات احدى عناصر انتاجها.
كما يتوقع ان تشهد الفترة القادمة إعلانا لزيادات في أسعار المعجنات (الخبز والمقرونة والكسكسي) كخطوة محددة للوصول الى الرفع الكلي للدعم.
نوايا جدية
هذا وتتزامن هذه الزيادات مع نوايا جدية من قبل حكومة نجلاء بودن الزيادة في المعاليم الديوانية لـ1335 مادة استهلاكية، لتكون 50% بدل 35% من قيمتها. وهذا سينعكس مباشرة على أسعارها في الأسواق التونسية وتشمل هذه الزيادات حسب الوثيقة المسربة، مواد غذائية جاهزة وأخرى قابلة للتحويل وتجهيزات منزلية وأثاثا ومفروشات وأدوات مدرسية ومواد أولية تهم قطاعات مصدرة.. ويتوقع ان يتسبب هذا الاجراء في قفزة نوعية للأسعار قد تصل إلى مضاعفتها..
وتوضح ايمان بلعربي محللة اقتصادية، ان الدولة التونسية لا تملك خيارات او هوامش مناورة فيما يتعلق بقانون المالية 2022، فجميع المعطيات تؤكد ان وزيرة المالية التي تنتمي الى إدارة الجباية والمدرسة الكلاسيكية لوزارة المالية، ستلجأ في كل الحالات الى حلول قديمة بزيادة الضغط الجبائي على الافراد والشركات. وهي حلول تتعارض مع كل وعود السلطة ما بعد 25 جويلية التي رفعت شعارات تحسين المقدرة الشرائية للتونسيين والتعديل من الأسعار. سيما ان الملاحظ منذ ذلك التاريخ هو فشل كل محاولات كبح الأسعار والتي كان اخرها الترفيع بنسبة 14% في أسعار الحديد التي تم الإعلان عنها أول أمس الاثنين. علما وان مادة الحديد كانت على راس قائمة من المواد المحتكرة التي اطلق بها الرئيس قيس سعيد حملته ضد المحتكرين والمضاربين غداة 25 جويلية.
عوامل خطر
ووفقا لإيمان بلعربي يمثل ارتفاع أسعار المواد الأساسية في السوق العالمية وخاصة المحروقات والحبوب، أيضا عوامل خطر لميزانية 2022. وهو ما يؤكد الاستنتاج الأول بان الحكومة ذاهبة بما لا شك فيه الى زيادات في الأسعار مع بداية العام الجديد خاصة انه يتم منذ تقريبا 8 أشهر تعطيل التعديل الآلي لأسعار المحروقات وهو تعطيل سياسي بامتياز لكن سياسة الهروب للأمام لن تستمر طويلا.
والحكومة مطالبة حسب بلعربي، بالكشف سريعا عن برنامجها الاقتصادي وخاصة الاجتماعي لاحتواء الغضب المرجح للتصاعد في الأشهر القادمة، وتوجيه رسائل طمأنة للطبقات الضعيفة والمتوسطة التي تعاني من تآكل الأجور وتداعيات الارتفاع المتواصل لنسبة التضخم التي بلغت 6.4% وفق اخر احصائيات المعهد الوطني للإحصاء مسجلة ارتفاعا للشهر الثالث على التوالي.
استجابة للشروط المملاة
واعتبر الخبير وأستاذ علم الاقتصادي عبد الجليل بدوي، في تصريحه لـ"الصباح" ان كل هذه الإجراءات وما جاء في قانون المالية التكميلي، جميعها تتنزل في سياق استجابة للشروط المملاة من قبل صندوق النقد الدولي. ورسالة قوية تؤكد بها الحكومة التونسية الحالية على استعدادها للعودة للمفاوضات والتعجيل بها.
وذكر البدوي ان السلطات التونسية لم تقتصر فقط على تمشي التراجع عن الدعم، بل أيضا هي أعلنت خلال الأيام الأخيرة تخليها عن القانون 38 الخاص بتشغيل المعطلين على العمل من حاملي الشهائد العليا وهي خطوة تندرج في اطار حرص السلطة القائمة على التحكم والتقليص من نفقات الأجور.
وفي نفس السياق بدأت السلطة القائمة حملتها على الشركات والمؤسسات العمومية في اتجاه تحضير الراي العام لما يسمى رسميا بإعادة هيكلة لها ويبدأ بتخلّ جزئي عن مساهماتها في تلك المؤسسات. وهي مرحلة أولى تقول المؤشرات انها ستكون بداية التوجه نحو التخلي الكلي عن رأسمالها.
ويقول عبد الجليل بدوي في قراءته لمجمل المؤشرات السالف ذكرها، ان الاطار العام اكثره يدل على ان السلطة القائمة تحرص على الالتزام بتطبيق الشروط المملاة مع التأكيد على تميزها عن السلطات الفارطة التي اخلت بالتزاماتها، وتقول انها سلطة جدية قادرة على الالتزام. وهو الطريق الذي عبره أيضا تضمن التخفيف من الضغط عليها سياسيا من قبل المجتمع الدولي لتحديد الفترة الاستثنائية والعودة الى الشرعية او المشروعية..
إجراءات قاسية
ورجح الخبير الاقتصادي ان نشهد خلل الفترة القادمة إجراءات قاسية على المستوى الاجتماعي يتم خلالها تأجيل حل مشكلة التشغيل بصفة عامة، فلا وجود لنوايا انتدابات جديدة وحتى التعهدات القديمة تم التخلي عنها. كما سيقع التخلي التدريجي عن الدعم ليكون الرفع النهائي سنة 2024 (وردت في وثيقة لحكومة هشام المشيشي المتخلية) مع توجيه الدعم لمستحقيه.
ويشير في هذا السياق عبد الجليل البدوي الى ان السلطة الحالية، غير عارفة بحجم مستحقي الدعم، فهو عدد غير ثابت وبصدد التطور يوميا على خلفية الازمة الاقتصادية التي نعيشها والتداعيات العميقة الاجتماعية والاقتصادية لجائحة فيروس كورونا المستجد.
وبين البدوي اننا في مواجهة أولا، مشكل تقدير حجم الطبقة الفقيرة التي تستحق التعويض والتي ستعرف توسع ملحوظ مع هذه الإجراءات المؤلمة وتدحرج للشريحة السفلى للطبقة المتوسطة. ثم ثانيا مشكلة متعلقة بالشريحة المتوسطة للطبقة المتوسطة التي ستكون دون تعويض وضحية لتدهور مقدرتها الشرائية التي قد تصل حتى الانهيار.
غياب كلّي للعدالة الاجتماعية
وأكد البدوي أن سنة 2022 ستكون سنة صعبة اجتماعيا. فلم نر إلى غاية الآن أي ملامح لقانون المالية الجديد غير ما ورد من تحضير له في قانون المالية التكميلي. كانت أولوية الحكومة من خلاله طمأنة صندوق النقد الدولي. في نفس الوقت تتجه فيه السلطة القائمة مرة أخرى للترفيع في مواردها الذاتية عبر جيوب التونسيين والترفيع في الجباية غير المباشرة (الترفيه في نسبة القيمة المضافة أو المعاليم الجمركية) الأمر الذي يخلف غيابا كليا للعدالة الاجتماعية يزداد معه الغني غنا ويزداد الفقير فقرا. في وقت لم نسمع فيه أي كلام على إقرار مثلا ضريبة على الممتلكات او ضريبة استثنائية على القطاعات والأنشطة التي استفادت من جائحة كورونا او إقرار حد ادنى من الضريبة على الشركات، على غرار ما تم اقراره في عديد الدول الأخرى. وذكر على سيبل المثال قطاع الصناعات الغذائية والصيادلة والمصحات الخاصة.. وبالتالي ضمان حسن توجيه تلك الموارد لحماية القطاع المتضررة وضمان عدم اضمحلالها وتدعيم الطبقة الشغيلة من العمال.
ريم سوودي
عبد الجليل البدوي: "السلطة القائمة تحرص على الالتزام بشروط النقد الدولي وتأكيد تميزها على السلطات الفارطة "
تونس-الصباح
لم تقدم الى غاية اليوم الحكومة التونسية اية رسائل طمأنة او حتى عناصر مناورة فيما يتعلق بقانون المالية 2022، تؤكد من خلالها أن لها حلولا ثانية وفرضيات جديدة لملء خزينتها وتحقيق نوع من السيطرة على الازمة الاقتصادية التي تعيشها، غير جيوب المواطنين التونسيين ولقمة الفقراء منهم.
ورسميا يعتبر خبراء اقتصاديون أن تونس قد انطلقت فعليا في تطبيق خطتها لرفع الدعم، حيث بدأت منذ أكثر من سنة في رفع تدريجي في أسعار المواد المدعمة. فقامت بإقرار زيادات في مادة السكر السائب الذي ارتفع من 1150 مليم الى 1400 مليم. وزيادة في أسعار النقل العمومي بـ20 مليما مع تغيير في صبغة التذاكر. وزيادة في أسعار الماء الصالح للشرب في مناسبتين خلال السنة الماضية وفي أسعار بيع الكهرباء والغاز وفي أسعار الحليب..
وتعتزم الحكومة حسب آخر المعطيات المتداولة، الترفيع مع بداية السنة في أسعار المحروقات وتمثل في حد ذاتها عنوانا كبيرا لسلسة من الزيادات الضرورية في أسعار عدد لا باس به من المواد الغذائية المصنعة التي تمثل المحروقات احدى عناصر انتاجها.
كما يتوقع ان تشهد الفترة القادمة إعلانا لزيادات في أسعار المعجنات (الخبز والمقرونة والكسكسي) كخطوة محددة للوصول الى الرفع الكلي للدعم.
نوايا جدية
هذا وتتزامن هذه الزيادات مع نوايا جدية من قبل حكومة نجلاء بودن الزيادة في المعاليم الديوانية لـ1335 مادة استهلاكية، لتكون 50% بدل 35% من قيمتها. وهذا سينعكس مباشرة على أسعارها في الأسواق التونسية وتشمل هذه الزيادات حسب الوثيقة المسربة، مواد غذائية جاهزة وأخرى قابلة للتحويل وتجهيزات منزلية وأثاثا ومفروشات وأدوات مدرسية ومواد أولية تهم قطاعات مصدرة.. ويتوقع ان يتسبب هذا الاجراء في قفزة نوعية للأسعار قد تصل إلى مضاعفتها..
وتوضح ايمان بلعربي محللة اقتصادية، ان الدولة التونسية لا تملك خيارات او هوامش مناورة فيما يتعلق بقانون المالية 2022، فجميع المعطيات تؤكد ان وزيرة المالية التي تنتمي الى إدارة الجباية والمدرسة الكلاسيكية لوزارة المالية، ستلجأ في كل الحالات الى حلول قديمة بزيادة الضغط الجبائي على الافراد والشركات. وهي حلول تتعارض مع كل وعود السلطة ما بعد 25 جويلية التي رفعت شعارات تحسين المقدرة الشرائية للتونسيين والتعديل من الأسعار. سيما ان الملاحظ منذ ذلك التاريخ هو فشل كل محاولات كبح الأسعار والتي كان اخرها الترفيع بنسبة 14% في أسعار الحديد التي تم الإعلان عنها أول أمس الاثنين. علما وان مادة الحديد كانت على راس قائمة من المواد المحتكرة التي اطلق بها الرئيس قيس سعيد حملته ضد المحتكرين والمضاربين غداة 25 جويلية.
عوامل خطر
ووفقا لإيمان بلعربي يمثل ارتفاع أسعار المواد الأساسية في السوق العالمية وخاصة المحروقات والحبوب، أيضا عوامل خطر لميزانية 2022. وهو ما يؤكد الاستنتاج الأول بان الحكومة ذاهبة بما لا شك فيه الى زيادات في الأسعار مع بداية العام الجديد خاصة انه يتم منذ تقريبا 8 أشهر تعطيل التعديل الآلي لأسعار المحروقات وهو تعطيل سياسي بامتياز لكن سياسة الهروب للأمام لن تستمر طويلا.
والحكومة مطالبة حسب بلعربي، بالكشف سريعا عن برنامجها الاقتصادي وخاصة الاجتماعي لاحتواء الغضب المرجح للتصاعد في الأشهر القادمة، وتوجيه رسائل طمأنة للطبقات الضعيفة والمتوسطة التي تعاني من تآكل الأجور وتداعيات الارتفاع المتواصل لنسبة التضخم التي بلغت 6.4% وفق اخر احصائيات المعهد الوطني للإحصاء مسجلة ارتفاعا للشهر الثالث على التوالي.
استجابة للشروط المملاة
واعتبر الخبير وأستاذ علم الاقتصادي عبد الجليل بدوي، في تصريحه لـ"الصباح" ان كل هذه الإجراءات وما جاء في قانون المالية التكميلي، جميعها تتنزل في سياق استجابة للشروط المملاة من قبل صندوق النقد الدولي. ورسالة قوية تؤكد بها الحكومة التونسية الحالية على استعدادها للعودة للمفاوضات والتعجيل بها.
وذكر البدوي ان السلطات التونسية لم تقتصر فقط على تمشي التراجع عن الدعم، بل أيضا هي أعلنت خلال الأيام الأخيرة تخليها عن القانون 38 الخاص بتشغيل المعطلين على العمل من حاملي الشهائد العليا وهي خطوة تندرج في اطار حرص السلطة القائمة على التحكم والتقليص من نفقات الأجور.
وفي نفس السياق بدأت السلطة القائمة حملتها على الشركات والمؤسسات العمومية في اتجاه تحضير الراي العام لما يسمى رسميا بإعادة هيكلة لها ويبدأ بتخلّ جزئي عن مساهماتها في تلك المؤسسات. وهي مرحلة أولى تقول المؤشرات انها ستكون بداية التوجه نحو التخلي الكلي عن رأسمالها.
ويقول عبد الجليل بدوي في قراءته لمجمل المؤشرات السالف ذكرها، ان الاطار العام اكثره يدل على ان السلطة القائمة تحرص على الالتزام بتطبيق الشروط المملاة مع التأكيد على تميزها عن السلطات الفارطة التي اخلت بالتزاماتها، وتقول انها سلطة جدية قادرة على الالتزام. وهو الطريق الذي عبره أيضا تضمن التخفيف من الضغط عليها سياسيا من قبل المجتمع الدولي لتحديد الفترة الاستثنائية والعودة الى الشرعية او المشروعية..
إجراءات قاسية
ورجح الخبير الاقتصادي ان نشهد خلل الفترة القادمة إجراءات قاسية على المستوى الاجتماعي يتم خلالها تأجيل حل مشكلة التشغيل بصفة عامة، فلا وجود لنوايا انتدابات جديدة وحتى التعهدات القديمة تم التخلي عنها. كما سيقع التخلي التدريجي عن الدعم ليكون الرفع النهائي سنة 2024 (وردت في وثيقة لحكومة هشام المشيشي المتخلية) مع توجيه الدعم لمستحقيه.
ويشير في هذا السياق عبد الجليل البدوي الى ان السلطة الحالية، غير عارفة بحجم مستحقي الدعم، فهو عدد غير ثابت وبصدد التطور يوميا على خلفية الازمة الاقتصادية التي نعيشها والتداعيات العميقة الاجتماعية والاقتصادية لجائحة فيروس كورونا المستجد.
وبين البدوي اننا في مواجهة أولا، مشكل تقدير حجم الطبقة الفقيرة التي تستحق التعويض والتي ستعرف توسع ملحوظ مع هذه الإجراءات المؤلمة وتدحرج للشريحة السفلى للطبقة المتوسطة. ثم ثانيا مشكلة متعلقة بالشريحة المتوسطة للطبقة المتوسطة التي ستكون دون تعويض وضحية لتدهور مقدرتها الشرائية التي قد تصل حتى الانهيار.
غياب كلّي للعدالة الاجتماعية
وأكد البدوي أن سنة 2022 ستكون سنة صعبة اجتماعيا. فلم نر إلى غاية الآن أي ملامح لقانون المالية الجديد غير ما ورد من تحضير له في قانون المالية التكميلي. كانت أولوية الحكومة من خلاله طمأنة صندوق النقد الدولي. في نفس الوقت تتجه فيه السلطة القائمة مرة أخرى للترفيع في مواردها الذاتية عبر جيوب التونسيين والترفيع في الجباية غير المباشرة (الترفيه في نسبة القيمة المضافة أو المعاليم الجمركية) الأمر الذي يخلف غيابا كليا للعدالة الاجتماعية يزداد معه الغني غنا ويزداد الفقير فقرا. في وقت لم نسمع فيه أي كلام على إقرار مثلا ضريبة على الممتلكات او ضريبة استثنائية على القطاعات والأنشطة التي استفادت من جائحة كورونا او إقرار حد ادنى من الضريبة على الشركات، على غرار ما تم اقراره في عديد الدول الأخرى. وذكر على سيبل المثال قطاع الصناعات الغذائية والصيادلة والمصحات الخاصة.. وبالتالي ضمان حسن توجيه تلك الموارد لحماية القطاع المتضررة وضمان عدم اضمحلالها وتدعيم الطبقة الشغيلة من العمال.