إشترك في النسخة الرقمية لجريدة الصباح و LE TEMPS

نزار الشعري لـ"الصباح": النهضة أكلت نفسها.. وهذا مصير عبير موسي وقيس سعيد

 

تونس – الصباح

أعلن نزار الشعري رسميا عن قراره الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة بعد دخول حزبه "حركة قرطاج الجديدة" مربع النشاط والتحرك في المشهد السياسي بشكل مباشر، ليطرح مشروعا سياسيا بديلا لمكونات المشهد الموجودة اليوم، جله على محك الرفض والتآكل والاندثار، حاملا لمشروع بدأ الإعداد له منذ سنوات، يستمد مقوماته من قربه من الشباب والنخبة والمثقفين والهامش التونسي. نزار الشعري صاحب 44 عاما القادم من الإعلام إلى إدارة الأعمال فالسياسة، تحدث لـ"الصباح" عن مشروعه السياسي وعن حقيقة دوره في "الكواليس" السياسية   وعلاقته برئيس الجمهورية قيس سعيد وما يروج عن دعم حملته الانتخابية. وتطرق إلى موقفه من النهضة و"الصراع" الخفي مع الدستوري الحر وشروط "الكاستينغ" السياسي لحركة "قرطاج الجديدة" وغيرها من المسائل الأخرى في الحوار التالي:

*وأخيرا أعلنت عن نيتك الجدية في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، هل أن نجاح سعيد القادم من خارج عالم السياسة وكره التونسيين للطيف السياسي هو الدافع الذي شجعك على خوض هذه التجربة؟

في الحقيقة قراري هذا ليس وليد الصدفة وليس نزعة أو ردة فعلية مستعجلة بل هو نابع من إرادة وقرار رصين ومدروس. فقد انطلقت في التحضير لهذه اللحظة منذ سنوات والتأسيس لعناصر نجاحها بعيدا عن الأضواء والضوضاء والغوغاء. ثم أني لا أقارن نفسي أو تجربتي بأي تجربة أخرى بما في ذلك تجربة قيس سعيد. فقد كنت سأترشح للانتخابات الرئاسية سنة 2019 ولكن وبعد دراسة الأمر مع الفريق الذي أعمل وأنشط معه ارتأينا إرجاء الأمر إلى موعد لاحق وأواصل دربتي في المجال. وأعتقد أنه حان الوقت اليوم لخوض هذه التجربة ليقيني بما يحمله مشروع حركتنا التي تأسست سنة 2019 من برامج جادة وهادفة للبلاد والمواطنين في جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

*كيف كانت ردود الفعل بعد هذا الإعلان؟

في البداية يضحكون ويستنكرون ثم يحاربون ولكني على يقين أنهم بعد ذلك سيتبعون.

*قلت إن مشروعك مخطط له منذ سنوات، كيف؟

نعم، سنة 2011 كنت على رأس مؤسسة "تونيفيزيون"، وهي الأقرب للشباب بين 18 و35 سنة، وبقطع النظر عن الدور الذي لعبته هذه المؤسسة في الثورة من خلال الشباب الذي كان يعمل معي فيها على غرار هيثم المكي ونادية الوسلاتي وغيرهما.. وقد انطلق الحلم "السياسي" الفاعل لإيماني بأن التغيير لا يتحقق إلا من داخل "الكابينة". فبدأت في إعداد العدة لذلك والتحضير لهذا المشروع بتأن. فأطلقت جولة "الشباب والمبادرة" في كامل جهات الجمهورية في إطار عمل المؤسسة الإعلامية وحاولنا الاقتراب من واقع ومشاغل الشباب. فكانت مناسبة لنقف على أن انتظارات التونسيين تختلف من جهة لأخرى وأن أحلام وطموحات هذه الفئة حبيسة عاملين، الأول عدم الثقة في النفس وفي الدولة والثاني غياب الأفق. ودخلت بعدها أي في 2015 الفضاءات الجامعية بأهداف فكرية واجتماعية وثقافية بالأساس واكتشفت أيضا أنه ليس هناك منظمة أو هيكل شبابي باستثناء نقابتين ومنظمات دولية. لأدخل بعد ذلك مجال المعاهد الثانوية والمدارس الابتدائية في تكوين نواد ونواة هياكل للشباب والأطفال والعمل على غرس روح الوطنية والنشاط المنظم وحب العمل والحلم والتعلق بالطموح وحب الحياة.

*هل تعتقد أنك نجحت في تأسيس قاعدة لحزبك؟

ما أعترف به أنني توصلت إلى بناء جيل جديد من الكفاءات التونسية خلال هذه الفترة. ليقيني بأهمية التكوين في مختلف المهارات المطلوبة والعمل على تثمين فرص الاستثمار داخل الجهات. ثم أنه بداية من 2018 بدأ هذا الشباب يشارك في صنع القرار وذلك بعد أن تشكلت شبكة من الجمعيات الهادفة إلى تحضير الشباب للدخول في معترك الرأي العام والمساهمة في أخذ القرار. وهو ما دفعنا لتأسيس حركة قرطاج الجديدة في 2019.

*هل تعني أنه لم تكن هناك صلة بحركة جمهورية قرطاج؟

في الحقيقة اكتشفت مؤخرا أن هناك حركة فكرية أخرى هي حركة جمهورية قرطاج تنشط منذ سنة 2012. فقررنا استثمار التقارب في التوجهات والعمل خاصة أننا نتقاطع معها في إحياء قيم قرطاج وتاريخها ولِمَ لا إحياؤها كجمهورية فاعلة في المحيط الدولي خاصة أن فكرة قرطاج أصبحت في السنوات الأخيرة محور حديث ومطلبا لعدد كبير من السياسيين أمثال ناجي جلول والصافي سعيد. لذلك وحدنا نشاطنا مع هذه الحركة.

*هل يعني أن حركتم دخلت على خط المحاور والجبهات وأن "الكاستينغ" السياسي مفتوح الآن؟

في الحقيقة كان لتقارب الأفكار بين الحركتين دور في فتح باب النقاش والحوار الذي أفضى إلى إصدار بيان مشترك يتضمن الاتفاق حول جملة من المسائل والقضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية الحارقة. وهو ما سنعمل على فتح باب النقاش فيه في مؤتمر وطني للحوار بداية العام القادم سيكون مفتوحا لمختلف مكونات المشهد السياسي إضافة إلى مشاركة مختصين في مجالات السياسة والفكر والاقتصاد والمالية والصناعة وعلم الاجتماع وغيرها، من أجل تدارس فكرة إحياء قرطاج الجديدة. فعبد الفتاح السيسي وبهدف إعادة التفاف المصريين أخرج الفراعنة وكذلك فعل رجب طيب أردوغان من أجل لم شتات الأتراك بإعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية من سباتها ولِمَ لا نخرج نحن قرطاج العظيمة من سباتها لتجمع شتات التونسيين لاسيما في ظل حالة الانقسام والتفرقة والتشرذم التي عليها الوضع اليوم.

ولكن حركتنا هي فضاء مفتوح لكل الأطياف السياسية.

*هل يعني ذلك أن الغاية والهدف هو البدء بجمع الفرقاء السياسيين وتوسيع قاعدة الحركة بمقاييس جبهة؟

هدفنا الجمع وليس التفرقة وخطابنا وسياستنا مبنية على التجميع وتوحيد الصفوف. فبلادنا والوضع الراهن والمواطنون اليوم لم تعد لهم القدرة على تحمل مزيدا من التشرذم والخصومات و"العركات" التاريخية المتوارثة والمتواصلة. لأن مشكل تونس اليوم هو أنه لم تحدث مصالح تاريخية.

فحركتنا مفتوحة للكفاءات وكل من يأنس في نفسه القدرة والرغبة لتقديم الفائدة للبلاد من سياسيين وغيرهم ممن يؤمنون بمشروعنا ولكن المجال ليس متاحا لمن هب ودب.

*ماذا تعني بذلك؟

قصدي واضح، لأن الحركة دخلت في حوار يومي مع مختلف مكونات المشهد السياسي في المقابل وصلتنا عروض من بعض السياسيين للانضمام لمشروعنا ولكن هناك "فيتو" ضد بعض الأسماء ممن لا أراها تتماشى مع مشروعنا رغم قدرتها على "التلون" الحزبي. ولكني لا أخشى من التسرع لأني متابع للوضع والكل يعرف مدى نجاعتي في اللعبة السياسية "فخبزي سخون".

*هل كانت "الأنا" وشرط الزعاماتية مطروحة في هذه الحوارات؟

بكل تأكيد، فأنا لا أتعامل وفق الأنا المتضخمة ولكنها كانت أبرز نقطة يطرحها عدد من السياسيين الكلاسيكيين أو المخضرمين والجدد الذين لا يرون أنفسهم ضمن فريق بل يضعون أنفسهم "فوقه". فالطامعون كثر ولكني حريص على إيجاد الحماية وضمان الحوكمة الداخلية للحماية منهم لاسيما المتسللون والمتربصون.

*هل يعني أنك تدعم فكرة السياحة الحزبية؟

السياحة الحزبية تعكس ثقافة نسبة هامة من الشعب التونسي، وأنا لست ضد من يحملون مشروعا سياسيا هادفا، وهم قادرون على تقديم الإضافة في أي حزب وتيار أو جهة سياسية ولكني ضد من يبحثون عن دائرة ضوء وفضاء حزبي لممارسة "الشعوذة" السياسية بما تحمله من فساد وتلاعب ومخاتلة.

*أنت تعلم أن الجميع تقريبا مل وكره سياسة التوافق، وهو ما كان سببا للهبة الشعبية الغاضبة يوم 25 جويلية ضد المنظومة المبنية على ذلك، هل تعتقد أنك ستنجح في إعادة صياغة هذا الأمر من جديد؟

-       صحيح أني ضد سياسة التوافق التي كانت مبنية ليس على مصلحة الشعب وإنما مصلحة أحزاب وفئة معينة وهذا ما أعيبه على من قادوا البلاد طيلة عشر سنوات الأخيرة. وأنا مع قيس سعيد في قوله إن هذه التوافقات كانت مغشوشة. ولكن أتحدث عن توافق في مفهومه الحقيقي بما يعنيه من تحقيق الفائدة للبلاد والمواطن على حد السواء بعيدا عن مبدأ الإقصاء والتفرقة. وذلك بتشريك الجميع في التفكير والنقاش والمصارحة وإيجاد آليات سياسية وسيادة تجعل الجميع يشارك في القرار وصياغة الحلول ومناهج التطوير.

*حديثك يقودنا للسؤال عن موقفك من حراك 25 جويلية؟

في تقديري 25 جويلية كان حدثا خارقا ومصححا للتاريخ. فهو لم يحدث في إطار مجهود وطني ولكن كانت فيه شجاعة وقوة إرادة لقيس سعيد. والمطلوب منه اليوم وبعد إضاعة الكثير من الوقت والفرص العودة إلى طاولة حوار وطني حقيقي تشارك فيه جميع الأطراف وفي مقدمتها المنظمات الوطنية الكبرى وتنبثق عنه آليات حكم وحوكمة تضمن العدالة ومصلحة الجميع وليس تفرد جهة معينة بالحكم.

*تداول البعض أنك كنت وراء حملة الدعاية في الأوساط الشبابية ونجاح قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية، هل تؤكد ذلك؟

هذا شرف لا أدعيه، ولكن لست أنا من يجيب عن هذا السؤال بل المعني بالأمر.

*عمليات سبر الآراء في الفترة الأخيرة أسفرت عن نتائج تضع حزب "قيس سعيد" المفترض في المركز الثاني، فما هي علاقتكم بهذا الحزب؟

في الحقيقة هذا أمر يفرحنا داخل الحركة خاصة أن كل قياداتها من الكفاءات الشبابية التي تكونت وتنشط ضمن هياكل ونواد وتنسيقيات في كامل جهات الجمهورية ثم أن نصف المجتمع التونسي من الشباب.

*قلت انك كنت حاضرا في الكواليس السياسية طيلة الفترة الماضية، فكيف تقيم الوضع؟

صحيح كنت حاضرا وفاعلا في الكواليس السياسية وأضع ذلك في خانة الدربة والبحث عن آليات الكياسة المطلوبة. ولكن ما لاحظته هو التشنج المخيم على المشهد ومواقع القرار وهذا ليس في مصلحة البلاد. لأنه في قناعتي هناك معارك تُرْبَح قبل أن تُخَاض. فالقوى السياسية اليوم تتمثل في الأحزاب وراءها لوبيات داخلية وإقليمية تحكمها مصالح وعلاقات والصدام يمكن أن يقود البلاد إلى الإفلاس أو حرب أهلية.

*ماذا تقصد؟

إذا واصل قيس سعيد شن الحرب مع حاشيته وخارجها وغلق الأفق على نفسه فالأكيد أن لحظة نجاحه وبقائه ستكون متعلقة بما "هو يريد". وأنا أحذر مما يحدث اليوم سياسيا حتى لا تكون نهايته وخيمة.

*هل يعني أنك ضد مشروع قيس سعيد؟

لا أتحدث بلغة مع أو ضد. لأني كنت من الداعمين لهذا الرجل. ولكن ما أقوله الآن أن رئيس الجمهورية انتصر في مرحلة أولى ولكنه لا أقول فشل وإنما لم يتخط بعد المرحلة الثانية التي يجب أن تكون للبناء والإصلاح. ورغم عدم امتلاكه لمشروع أو رؤية واضحة المعالم سقط سعيد في خطاب متشنج وقسم المواطنين بين "النحن والهُمْ". وهو في تقديري نفس الخطاب الذي تعتمده عبير موسي رئيسة حزب الدستوري الحر وكذلك قيادات النهضة. لذلك أعتقد أن هذا الخطاب التفريقي المتطرف المبني على بث الكراهية والتفرد بالرأي من العوامل التي ستعجل بنهاية هؤلاء قريبا.

*تتقاطع مواقفك مع "اليمين"، ألا تخشى أن يقود هذا مشروعك السياسي إلى السقوط في خانة الأدلجة؟

صحيح أني يميني أكثر مني يساري تقدمي ومن هواة التجديد والتطور والابتكار. ولا أعتبر أن إقحام ما هو إيديولوجي في السياسي ذا جدوى.

*لاحظت في حديثك تكرارك لـ"حلول للأزمات" و"حل الأزمة الاقتصادية" هل هذا ممكن؟

الوضع اليوم لم يعد يحتمل الانتظار بل يجب العمل في كنف التشاركية على إيجاد الحلول. وهذا ممكن لأن بلادنا غنية بالأفق الممكن ذلك بأن تفتح الدولة المجال للكفاءات التونسية خاصة منها الشبابية في الاقتصاد والصحة والصناعة.. وذلك بعد "تنظيف" بعض القطاعات الحيوية في الدولة من اللوبيات التي تسيطر عليها بشكل أضر بالاقتصاد. والمسألة تتطلب ثورة تشريعية وثقافية وقيمية. ولا ننسى أن بلادنا مصنع للعقول المهاجرة.

*حضورك في الحقل السياسي يجعلك قادرا على تقييم الوضع فماهي آفاق تطوره بعد هذه المرحلة؟

من خلال تجربتي في الحوار مع مكونات المشهد السياسي مؤخرا في محاولات البحث عن سبل الخروج من الأزمة التي تتخبط فيها البلاد اليوم، أصبحت على يقين أن الطبقة السياسية هذه بجميع مكوناتها عاجزة على أن تكون جزءا من الحل. لأنها لم تغير من أفكارها وسياساتها وطريقة تعاطيها مع القضايا والشأنين العام والخاص بل لا تزال متشبثة بنفس الأسباب التي كانت وراء نهايتها أو تهدد بذلك. وهو ما دفعني رفقة الفريق الذي أعمل وأنشط معه للعمل على بلورة مشروع خاص هدفه بناء الدولة وصناعة الثروة بعيدا عن منطق وسياسة المخاتلة.

*وهل تعني أن الأمر نفسه بالنسبة لحركة النهضة؟

في تقديري حرك النهضة انتهت وهي سبب انتهاء واندثار عديد الأحزاب السياسية. فقد أكلت نفسها من الداخل ومرشحة للتشرذم إلى خمسة أحزاب إن لم تكن أكثر. والمسألة اليوم رهينة ما يمكن أن تسفر عنه بعض إجراءات قيس سعيد. لكن ما أعيبه على الحركة أنها كانت تحكم متخفية دون أن تظهر ذلك في العلن ودون أن تحاسِب أو تحاسَب. لذلك يجب وضع حد لكل منظومة أو نظام مبني على المخاتلة.

*إذن "النهضة" لم تكن ضمن دائرة الحوار التي تحدثت عنها؟

مثلما أسلفت الذكر باب الحوار والتواصل مفتوح مع جميع مكونات المشهد السياسي ونحن في حركة قرطاج الجديد لا نقصي إلا من يقصي نفسه. ومن لا يؤمن بمبدأ التداول على السلطة والديمقراطية داخل حزبه لا يمكن أن يكون بيننا. ثم أننا لنا قيادات شبابية كفأة تلقت تكوينيا شاملا طيلة عشر سنوات وهو ما يجعلنا في غنى عن السياسيين الذين يحاولون اختراقنا.

*بِمَ تفسر توجهك "للنخبة" بالأساس؟

في الحقيقة أسعى للاستفادة من الأخطاء التاريخية التي كانت سببا في فشل المنظومة وانهيارها خلال السنوات العشر الأخيرة. وأهمها انسحاب "النخبة" والكفاءات في مختلف المجالات الفكرية والثقافية والاقتصادية والصحية والعلمية من الشأن العام وهو ما فتح المجال للشعبوية والعشوائية. وفتح الآفاق للانضمام والمساهمة في البناء على أسس صحيحة تبدأ بمشاركة وإعادة الاعتبار لدور هذه النخبة.

 

حاورته: نزيهة الغضباني

نزار الشعري لـ"الصباح": النهضة أكلت نفسها.. وهذا مصير عبير موسي وقيس سعيد

 

تونس – الصباح

أعلن نزار الشعري رسميا عن قراره الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة بعد دخول حزبه "حركة قرطاج الجديدة" مربع النشاط والتحرك في المشهد السياسي بشكل مباشر، ليطرح مشروعا سياسيا بديلا لمكونات المشهد الموجودة اليوم، جله على محك الرفض والتآكل والاندثار، حاملا لمشروع بدأ الإعداد له منذ سنوات، يستمد مقوماته من قربه من الشباب والنخبة والمثقفين والهامش التونسي. نزار الشعري صاحب 44 عاما القادم من الإعلام إلى إدارة الأعمال فالسياسة، تحدث لـ"الصباح" عن مشروعه السياسي وعن حقيقة دوره في "الكواليس" السياسية   وعلاقته برئيس الجمهورية قيس سعيد وما يروج عن دعم حملته الانتخابية. وتطرق إلى موقفه من النهضة و"الصراع" الخفي مع الدستوري الحر وشروط "الكاستينغ" السياسي لحركة "قرطاج الجديدة" وغيرها من المسائل الأخرى في الحوار التالي:

*وأخيرا أعلنت عن نيتك الجدية في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة، هل أن نجاح سعيد القادم من خارج عالم السياسة وكره التونسيين للطيف السياسي هو الدافع الذي شجعك على خوض هذه التجربة؟

في الحقيقة قراري هذا ليس وليد الصدفة وليس نزعة أو ردة فعلية مستعجلة بل هو نابع من إرادة وقرار رصين ومدروس. فقد انطلقت في التحضير لهذه اللحظة منذ سنوات والتأسيس لعناصر نجاحها بعيدا عن الأضواء والضوضاء والغوغاء. ثم أني لا أقارن نفسي أو تجربتي بأي تجربة أخرى بما في ذلك تجربة قيس سعيد. فقد كنت سأترشح للانتخابات الرئاسية سنة 2019 ولكن وبعد دراسة الأمر مع الفريق الذي أعمل وأنشط معه ارتأينا إرجاء الأمر إلى موعد لاحق وأواصل دربتي في المجال. وأعتقد أنه حان الوقت اليوم لخوض هذه التجربة ليقيني بما يحمله مشروع حركتنا التي تأسست سنة 2019 من برامج جادة وهادفة للبلاد والمواطنين في جميع المستويات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

*كيف كانت ردود الفعل بعد هذا الإعلان؟

في البداية يضحكون ويستنكرون ثم يحاربون ولكني على يقين أنهم بعد ذلك سيتبعون.

*قلت إن مشروعك مخطط له منذ سنوات، كيف؟

نعم، سنة 2011 كنت على رأس مؤسسة "تونيفيزيون"، وهي الأقرب للشباب بين 18 و35 سنة، وبقطع النظر عن الدور الذي لعبته هذه المؤسسة في الثورة من خلال الشباب الذي كان يعمل معي فيها على غرار هيثم المكي ونادية الوسلاتي وغيرهما.. وقد انطلق الحلم "السياسي" الفاعل لإيماني بأن التغيير لا يتحقق إلا من داخل "الكابينة". فبدأت في إعداد العدة لذلك والتحضير لهذا المشروع بتأن. فأطلقت جولة "الشباب والمبادرة" في كامل جهات الجمهورية في إطار عمل المؤسسة الإعلامية وحاولنا الاقتراب من واقع ومشاغل الشباب. فكانت مناسبة لنقف على أن انتظارات التونسيين تختلف من جهة لأخرى وأن أحلام وطموحات هذه الفئة حبيسة عاملين، الأول عدم الثقة في النفس وفي الدولة والثاني غياب الأفق. ودخلت بعدها أي في 2015 الفضاءات الجامعية بأهداف فكرية واجتماعية وثقافية بالأساس واكتشفت أيضا أنه ليس هناك منظمة أو هيكل شبابي باستثناء نقابتين ومنظمات دولية. لأدخل بعد ذلك مجال المعاهد الثانوية والمدارس الابتدائية في تكوين نواد ونواة هياكل للشباب والأطفال والعمل على غرس روح الوطنية والنشاط المنظم وحب العمل والحلم والتعلق بالطموح وحب الحياة.

*هل تعتقد أنك نجحت في تأسيس قاعدة لحزبك؟

ما أعترف به أنني توصلت إلى بناء جيل جديد من الكفاءات التونسية خلال هذه الفترة. ليقيني بأهمية التكوين في مختلف المهارات المطلوبة والعمل على تثمين فرص الاستثمار داخل الجهات. ثم أنه بداية من 2018 بدأ هذا الشباب يشارك في صنع القرار وذلك بعد أن تشكلت شبكة من الجمعيات الهادفة إلى تحضير الشباب للدخول في معترك الرأي العام والمساهمة في أخذ القرار. وهو ما دفعنا لتأسيس حركة قرطاج الجديدة في 2019.

*هل تعني أنه لم تكن هناك صلة بحركة جمهورية قرطاج؟

في الحقيقة اكتشفت مؤخرا أن هناك حركة فكرية أخرى هي حركة جمهورية قرطاج تنشط منذ سنة 2012. فقررنا استثمار التقارب في التوجهات والعمل خاصة أننا نتقاطع معها في إحياء قيم قرطاج وتاريخها ولِمَ لا إحياؤها كجمهورية فاعلة في المحيط الدولي خاصة أن فكرة قرطاج أصبحت في السنوات الأخيرة محور حديث ومطلبا لعدد كبير من السياسيين أمثال ناجي جلول والصافي سعيد. لذلك وحدنا نشاطنا مع هذه الحركة.

*هل يعني أن حركتم دخلت على خط المحاور والجبهات وأن "الكاستينغ" السياسي مفتوح الآن؟

في الحقيقة كان لتقارب الأفكار بين الحركتين دور في فتح باب النقاش والحوار الذي أفضى إلى إصدار بيان مشترك يتضمن الاتفاق حول جملة من المسائل والقضايا الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية الحارقة. وهو ما سنعمل على فتح باب النقاش فيه في مؤتمر وطني للحوار بداية العام القادم سيكون مفتوحا لمختلف مكونات المشهد السياسي إضافة إلى مشاركة مختصين في مجالات السياسة والفكر والاقتصاد والمالية والصناعة وعلم الاجتماع وغيرها، من أجل تدارس فكرة إحياء قرطاج الجديدة. فعبد الفتاح السيسي وبهدف إعادة التفاف المصريين أخرج الفراعنة وكذلك فعل رجب طيب أردوغان من أجل لم شتات الأتراك بإعادة إحياء الإمبراطورية العثمانية من سباتها ولِمَ لا نخرج نحن قرطاج العظيمة من سباتها لتجمع شتات التونسيين لاسيما في ظل حالة الانقسام والتفرقة والتشرذم التي عليها الوضع اليوم.

ولكن حركتنا هي فضاء مفتوح لكل الأطياف السياسية.

*هل يعني ذلك أن الغاية والهدف هو البدء بجمع الفرقاء السياسيين وتوسيع قاعدة الحركة بمقاييس جبهة؟

هدفنا الجمع وليس التفرقة وخطابنا وسياستنا مبنية على التجميع وتوحيد الصفوف. فبلادنا والوضع الراهن والمواطنون اليوم لم تعد لهم القدرة على تحمل مزيدا من التشرذم والخصومات و"العركات" التاريخية المتوارثة والمتواصلة. لأن مشكل تونس اليوم هو أنه لم تحدث مصالح تاريخية.

فحركتنا مفتوحة للكفاءات وكل من يأنس في نفسه القدرة والرغبة لتقديم الفائدة للبلاد من سياسيين وغيرهم ممن يؤمنون بمشروعنا ولكن المجال ليس متاحا لمن هب ودب.

*ماذا تعني بذلك؟

قصدي واضح، لأن الحركة دخلت في حوار يومي مع مختلف مكونات المشهد السياسي في المقابل وصلتنا عروض من بعض السياسيين للانضمام لمشروعنا ولكن هناك "فيتو" ضد بعض الأسماء ممن لا أراها تتماشى مع مشروعنا رغم قدرتها على "التلون" الحزبي. ولكني لا أخشى من التسرع لأني متابع للوضع والكل يعرف مدى نجاعتي في اللعبة السياسية "فخبزي سخون".

*هل كانت "الأنا" وشرط الزعاماتية مطروحة في هذه الحوارات؟

بكل تأكيد، فأنا لا أتعامل وفق الأنا المتضخمة ولكنها كانت أبرز نقطة يطرحها عدد من السياسيين الكلاسيكيين أو المخضرمين والجدد الذين لا يرون أنفسهم ضمن فريق بل يضعون أنفسهم "فوقه". فالطامعون كثر ولكني حريص على إيجاد الحماية وضمان الحوكمة الداخلية للحماية منهم لاسيما المتسللون والمتربصون.

*هل يعني أنك تدعم فكرة السياحة الحزبية؟

السياحة الحزبية تعكس ثقافة نسبة هامة من الشعب التونسي، وأنا لست ضد من يحملون مشروعا سياسيا هادفا، وهم قادرون على تقديم الإضافة في أي حزب وتيار أو جهة سياسية ولكني ضد من يبحثون عن دائرة ضوء وفضاء حزبي لممارسة "الشعوذة" السياسية بما تحمله من فساد وتلاعب ومخاتلة.

*أنت تعلم أن الجميع تقريبا مل وكره سياسة التوافق، وهو ما كان سببا للهبة الشعبية الغاضبة يوم 25 جويلية ضد المنظومة المبنية على ذلك، هل تعتقد أنك ستنجح في إعادة صياغة هذا الأمر من جديد؟

-       صحيح أني ضد سياسة التوافق التي كانت مبنية ليس على مصلحة الشعب وإنما مصلحة أحزاب وفئة معينة وهذا ما أعيبه على من قادوا البلاد طيلة عشر سنوات الأخيرة. وأنا مع قيس سعيد في قوله إن هذه التوافقات كانت مغشوشة. ولكن أتحدث عن توافق في مفهومه الحقيقي بما يعنيه من تحقيق الفائدة للبلاد والمواطن على حد السواء بعيدا عن مبدأ الإقصاء والتفرقة. وذلك بتشريك الجميع في التفكير والنقاش والمصارحة وإيجاد آليات سياسية وسيادة تجعل الجميع يشارك في القرار وصياغة الحلول ومناهج التطوير.

*حديثك يقودنا للسؤال عن موقفك من حراك 25 جويلية؟

في تقديري 25 جويلية كان حدثا خارقا ومصححا للتاريخ. فهو لم يحدث في إطار مجهود وطني ولكن كانت فيه شجاعة وقوة إرادة لقيس سعيد. والمطلوب منه اليوم وبعد إضاعة الكثير من الوقت والفرص العودة إلى طاولة حوار وطني حقيقي تشارك فيه جميع الأطراف وفي مقدمتها المنظمات الوطنية الكبرى وتنبثق عنه آليات حكم وحوكمة تضمن العدالة ومصلحة الجميع وليس تفرد جهة معينة بالحكم.

*تداول البعض أنك كنت وراء حملة الدعاية في الأوساط الشبابية ونجاح قيس سعيد في الانتخابات الرئاسية، هل تؤكد ذلك؟

هذا شرف لا أدعيه، ولكن لست أنا من يجيب عن هذا السؤال بل المعني بالأمر.

*عمليات سبر الآراء في الفترة الأخيرة أسفرت عن نتائج تضع حزب "قيس سعيد" المفترض في المركز الثاني، فما هي علاقتكم بهذا الحزب؟

في الحقيقة هذا أمر يفرحنا داخل الحركة خاصة أن كل قياداتها من الكفاءات الشبابية التي تكونت وتنشط ضمن هياكل ونواد وتنسيقيات في كامل جهات الجمهورية ثم أن نصف المجتمع التونسي من الشباب.

*قلت انك كنت حاضرا في الكواليس السياسية طيلة الفترة الماضية، فكيف تقيم الوضع؟

صحيح كنت حاضرا وفاعلا في الكواليس السياسية وأضع ذلك في خانة الدربة والبحث عن آليات الكياسة المطلوبة. ولكن ما لاحظته هو التشنج المخيم على المشهد ومواقع القرار وهذا ليس في مصلحة البلاد. لأنه في قناعتي هناك معارك تُرْبَح قبل أن تُخَاض. فالقوى السياسية اليوم تتمثل في الأحزاب وراءها لوبيات داخلية وإقليمية تحكمها مصالح وعلاقات والصدام يمكن أن يقود البلاد إلى الإفلاس أو حرب أهلية.

*ماذا تقصد؟

إذا واصل قيس سعيد شن الحرب مع حاشيته وخارجها وغلق الأفق على نفسه فالأكيد أن لحظة نجاحه وبقائه ستكون متعلقة بما "هو يريد". وأنا أحذر مما يحدث اليوم سياسيا حتى لا تكون نهايته وخيمة.

*هل يعني أنك ضد مشروع قيس سعيد؟

لا أتحدث بلغة مع أو ضد. لأني كنت من الداعمين لهذا الرجل. ولكن ما أقوله الآن أن رئيس الجمهورية انتصر في مرحلة أولى ولكنه لا أقول فشل وإنما لم يتخط بعد المرحلة الثانية التي يجب أن تكون للبناء والإصلاح. ورغم عدم امتلاكه لمشروع أو رؤية واضحة المعالم سقط سعيد في خطاب متشنج وقسم المواطنين بين "النحن والهُمْ". وهو في تقديري نفس الخطاب الذي تعتمده عبير موسي رئيسة حزب الدستوري الحر وكذلك قيادات النهضة. لذلك أعتقد أن هذا الخطاب التفريقي المتطرف المبني على بث الكراهية والتفرد بالرأي من العوامل التي ستعجل بنهاية هؤلاء قريبا.

*تتقاطع مواقفك مع "اليمين"، ألا تخشى أن يقود هذا مشروعك السياسي إلى السقوط في خانة الأدلجة؟

صحيح أني يميني أكثر مني يساري تقدمي ومن هواة التجديد والتطور والابتكار. ولا أعتبر أن إقحام ما هو إيديولوجي في السياسي ذا جدوى.

*لاحظت في حديثك تكرارك لـ"حلول للأزمات" و"حل الأزمة الاقتصادية" هل هذا ممكن؟

الوضع اليوم لم يعد يحتمل الانتظار بل يجب العمل في كنف التشاركية على إيجاد الحلول. وهذا ممكن لأن بلادنا غنية بالأفق الممكن ذلك بأن تفتح الدولة المجال للكفاءات التونسية خاصة منها الشبابية في الاقتصاد والصحة والصناعة.. وذلك بعد "تنظيف" بعض القطاعات الحيوية في الدولة من اللوبيات التي تسيطر عليها بشكل أضر بالاقتصاد. والمسألة تتطلب ثورة تشريعية وثقافية وقيمية. ولا ننسى أن بلادنا مصنع للعقول المهاجرة.

*حضورك في الحقل السياسي يجعلك قادرا على تقييم الوضع فماهي آفاق تطوره بعد هذه المرحلة؟

من خلال تجربتي في الحوار مع مكونات المشهد السياسي مؤخرا في محاولات البحث عن سبل الخروج من الأزمة التي تتخبط فيها البلاد اليوم، أصبحت على يقين أن الطبقة السياسية هذه بجميع مكوناتها عاجزة على أن تكون جزءا من الحل. لأنها لم تغير من أفكارها وسياساتها وطريقة تعاطيها مع القضايا والشأنين العام والخاص بل لا تزال متشبثة بنفس الأسباب التي كانت وراء نهايتها أو تهدد بذلك. وهو ما دفعني رفقة الفريق الذي أعمل وأنشط معه للعمل على بلورة مشروع خاص هدفه بناء الدولة وصناعة الثروة بعيدا عن منطق وسياسة المخاتلة.

*وهل تعني أن الأمر نفسه بالنسبة لحركة النهضة؟

في تقديري حرك النهضة انتهت وهي سبب انتهاء واندثار عديد الأحزاب السياسية. فقد أكلت نفسها من الداخل ومرشحة للتشرذم إلى خمسة أحزاب إن لم تكن أكثر. والمسألة اليوم رهينة ما يمكن أن تسفر عنه بعض إجراءات قيس سعيد. لكن ما أعيبه على الحركة أنها كانت تحكم متخفية دون أن تظهر ذلك في العلن ودون أن تحاسِب أو تحاسَب. لذلك يجب وضع حد لكل منظومة أو نظام مبني على المخاتلة.

*إذن "النهضة" لم تكن ضمن دائرة الحوار التي تحدثت عنها؟

مثلما أسلفت الذكر باب الحوار والتواصل مفتوح مع جميع مكونات المشهد السياسي ونحن في حركة قرطاج الجديد لا نقصي إلا من يقصي نفسه. ومن لا يؤمن بمبدأ التداول على السلطة والديمقراطية داخل حزبه لا يمكن أن يكون بيننا. ثم أننا لنا قيادات شبابية كفأة تلقت تكوينيا شاملا طيلة عشر سنوات وهو ما يجعلنا في غنى عن السياسيين الذين يحاولون اختراقنا.

*بِمَ تفسر توجهك "للنخبة" بالأساس؟

في الحقيقة أسعى للاستفادة من الأخطاء التاريخية التي كانت سببا في فشل المنظومة وانهيارها خلال السنوات العشر الأخيرة. وأهمها انسحاب "النخبة" والكفاءات في مختلف المجالات الفكرية والثقافية والاقتصادية والصحية والعلمية من الشأن العام وهو ما فتح المجال للشعبوية والعشوائية. وفتح الآفاق للانضمام والمساهمة في البناء على أسس صحيحة تبدأ بمشاركة وإعادة الاعتبار لدور هذه النخبة.

 

حاورته: نزيهة الغضباني

  Conception & Réalisation  Alpha Studios Copyright © 2023  assabahnews