بعد فشل كل محاولات التصدي والحيلولة دون نجاح حراك 25 جويلية وعدم نجاعة وجدوى كل المبادرات والتحركات والضغوط التي انتهجها معارضو رئيس الجمهورية قيس سعيد داخل تونس وخارجها، بهدف لإبطال قراراته القاضية بوضع حد لسير المنظومة التي حكمت البلاد طيلة السنوات العشر الأخيرة والقاضية أيضا بتجميد الأحزاب السياسي المكنة للمشهد السياسي بشكل غير مباشر بعد قرار تجميد عمل البرلمان، عاد التداول في "الكواليس" الحزبية والسياسية عن بوادر وتحركات لتغيير المشهد السياسي في المرحلة القادمة.
ويؤكد عدد من المتابعين للشأن السياسي أن رجة 25 جويلية كشفت مدى عجز وهشاشة مكونات المشهد السياسي في تونس وذهبوا إلى أن فشل الأحزاب في أي تحرك وعدم قدرتها على استقطاب الرأيين العام والخاص في الفترة الأخيرة يعود إلى هشاشتها وعدم امتلاكها لمشروع أو برامج واضحة المعالم ومحددة الأهداف وهو ما كان سببا في فشل المنظومة ككل بأيسر وأسرع ما يكون، وكان عاملا أيضا لنجاح سعيد هز عرش المشهد السياسي وتقويضه وفي المضي في تنفيذ مشروعه وما يحمله من أفكار ورؤى سياسية واجتماعية واقتصادية، رغم معارضة عديد الجهات لذلك على اعتبار أن بعض هذه التصورات والرؤى لا تتماشى مع خصوصية الاقتصاد التونسي وإمكانيات بلادنا من ناحية ولا يتماشى أيضا مع متطلبات المرحلة ومستلزمات الإصلاح والتوجه العالمي من ناحية أخرى.
استفاقة أم تغيير
وبدأ الحديث في بعض الأوساط الحزبية والسياسية عن وجود بعض المبادرات بحثا عن التعديل ومحاولة لإعادة ترتيب الأوراق من جديد في مستوى بعض الأحزاب والتيارات والقوى السياسية على نحو يضمن بقاءها وفعاليتها في المشهد السياسي بعد أن تبين للجميع أن تأكيد سعيد على عدم العودة إلى مربع ما قبل 25 جويلية ليس مجرد تخمين وإنما حقيقة تؤيده في منحاها عديد الجهات والمنظمات لعل أبرزها الاتحاد العام التونسي للشغل وتصريح أمينه العام نورالدين الطبوبي في عديد المناسبات على أن المنظمة الشغيلة ترفض مبدأ العودة إلى الوراء شأنها شان عديد المنظمات والجمعيات والأحزاب والقوى السياسية والمدنية.
رغم أن أغلب الأحزاب والسياسيين هبوا مباشرة بعد قرارات رئاسة الجمهورية في الصائفة الماضية التي غيرت المشهد السياسي في البلاد، لتكوين تكتلات وجبهات وقوى إما مناهضة ورافضة لتمشي سعيد أو داعمة ومساندة لتلك القرارات بقطع النظر عن موقفها من خيارات وتوجه رئيس الجمهورية وما يكتنفه من غموض وضبابية وعدم انفتاح على مكونات المشهد السياسي والمدني والمنظمات الكبرى. ولم يقتصر الأمر في هذا المستوى على الأحزاب المكونة للمنظومة الحاكمة أو البرلمان المجمدة اختصاصاته وإنما شملت أيضا أحزاب وأسماء سياسية أخرى عادت وخرجت من "النسيان" والجمود إلى دائرة الضوء والتحرك بحثا عن موضع قدم أو "دور" ومكانة من أجل إعادة التموضع في المشهد العام من جديد، سواء تعلق الأمر بالأحزاب "الكلاسيكية" أو الفتية والسياسيين الكلاسيكيين أو غيرهم.
فعدم نجاح التحالفات والجبهات في قلب موازين القوى لفائدتها وتحقيق الهدف الذي انبت من أجله والمتمثل في إثناء سعيد عن قراراته ودفعه للتراجع عن "الاستثنائي" أو السعي للتقرب من قصر قرطاج ومن ثمة ضمان المشاركة مع سعيد في هندسة سياسة وتسيير دواليب الدولة خلال الأشهر الأربع الماضية، دفع بعض السياسيين إلى العودة إلى البحث عن أشكال تحالفات وجبهات أخرى من المنتظر أن يتم الإعلان عنها مع بداية العام الجديد خاصة أن الجميع في انتظار ما سيتم الإعلان عنه من مراسيم جديدة في عيد الثورة بعد أسبوعين. وأبرز مثال على ذلك ما أكده العياشي زمال القيادي في حزب "تحيا تونس" من استعدادات للإعلان عن جبهة سياسية جديدة أو ما أعلن عنه كل من حرك قرطاج الجديدة بقيادة نزار الشعري أو حركة جمهورية قرطاج في البيان المشترك الذي صدر مؤخرا ومفاده أن الطرفين بصدد تدارس الوضع والقيام باتصالات ومشاورات في مجالات سياسية واقتصادية واجتماعية بهدف المساهمة في بلورة توجه أو استراتيجيا جديدة كفيلة بالمساهمة في الإصلاحات اللازمة والخروج من الأزمات والغموض التي تكتنف المشهد العام في تونس في ظل ضبابية القرارات وموجة الرفض وأزمة الثقة التي تخيم على الوضع العام اليوم. ويذكر أن حزب الدستوري الحر هدد برفع قضايا ضد كل من مؤسستي سبر الآراء "سيقما كنساي" و"أمرود" بسبب تكرار استخدام حزب قيس سعيد في عمليات سبر الأراء على اعتبار أن في ذلك تمويه ومغالطة في حين يرى البعض أن القصد بهذا الحزب هو الحركة التي يترأسها نزار الشعري وخرجت مؤخرا للنشاط السياسي في العلن.
كما هو الشأن بالنسبة لحركة النهضة وما عرفته من تصدعات وانشقاقات واستقالات وخلافات، تبين عديد المعطيات أن التوجه إلى تشكيل "أجسام" حزبية جديدة على أنقاضها كنتيجة حتمية لانعدام التواصل وتوسع هوة الخلاف داخل الحركة، هو بصدد التحضير والتكون.
لذلك تلوح البوادر والمؤشرات إلى حدوث تغييرات مرتقبة في مستوى الأحزاب ومكونات المشهد السياسي خاصة بعد أن تبين عطالة وعجز "الماكينة" القديمة والمتعارف عليها داخل الأحزاب من ناحية وعدم القدرة على التغيير والقيام بالمراجعات البناءة والهادفة داخل بعض الأحزاب والتيارات.
نزيهة الغضباني
تونس – الصباح
بعد فشل كل محاولات التصدي والحيلولة دون نجاح حراك 25 جويلية وعدم نجاعة وجدوى كل المبادرات والتحركات والضغوط التي انتهجها معارضو رئيس الجمهورية قيس سعيد داخل تونس وخارجها، بهدف لإبطال قراراته القاضية بوضع حد لسير المنظومة التي حكمت البلاد طيلة السنوات العشر الأخيرة والقاضية أيضا بتجميد الأحزاب السياسي المكنة للمشهد السياسي بشكل غير مباشر بعد قرار تجميد عمل البرلمان، عاد التداول في "الكواليس" الحزبية والسياسية عن بوادر وتحركات لتغيير المشهد السياسي في المرحلة القادمة.
ويؤكد عدد من المتابعين للشأن السياسي أن رجة 25 جويلية كشفت مدى عجز وهشاشة مكونات المشهد السياسي في تونس وذهبوا إلى أن فشل الأحزاب في أي تحرك وعدم قدرتها على استقطاب الرأيين العام والخاص في الفترة الأخيرة يعود إلى هشاشتها وعدم امتلاكها لمشروع أو برامج واضحة المعالم ومحددة الأهداف وهو ما كان سببا في فشل المنظومة ككل بأيسر وأسرع ما يكون، وكان عاملا أيضا لنجاح سعيد هز عرش المشهد السياسي وتقويضه وفي المضي في تنفيذ مشروعه وما يحمله من أفكار ورؤى سياسية واجتماعية واقتصادية، رغم معارضة عديد الجهات لذلك على اعتبار أن بعض هذه التصورات والرؤى لا تتماشى مع خصوصية الاقتصاد التونسي وإمكانيات بلادنا من ناحية ولا يتماشى أيضا مع متطلبات المرحلة ومستلزمات الإصلاح والتوجه العالمي من ناحية أخرى.
استفاقة أم تغيير
وبدأ الحديث في بعض الأوساط الحزبية والسياسية عن وجود بعض المبادرات بحثا عن التعديل ومحاولة لإعادة ترتيب الأوراق من جديد في مستوى بعض الأحزاب والتيارات والقوى السياسية على نحو يضمن بقاءها وفعاليتها في المشهد السياسي بعد أن تبين للجميع أن تأكيد سعيد على عدم العودة إلى مربع ما قبل 25 جويلية ليس مجرد تخمين وإنما حقيقة تؤيده في منحاها عديد الجهات والمنظمات لعل أبرزها الاتحاد العام التونسي للشغل وتصريح أمينه العام نورالدين الطبوبي في عديد المناسبات على أن المنظمة الشغيلة ترفض مبدأ العودة إلى الوراء شأنها شان عديد المنظمات والجمعيات والأحزاب والقوى السياسية والمدنية.
رغم أن أغلب الأحزاب والسياسيين هبوا مباشرة بعد قرارات رئاسة الجمهورية في الصائفة الماضية التي غيرت المشهد السياسي في البلاد، لتكوين تكتلات وجبهات وقوى إما مناهضة ورافضة لتمشي سعيد أو داعمة ومساندة لتلك القرارات بقطع النظر عن موقفها من خيارات وتوجه رئيس الجمهورية وما يكتنفه من غموض وضبابية وعدم انفتاح على مكونات المشهد السياسي والمدني والمنظمات الكبرى. ولم يقتصر الأمر في هذا المستوى على الأحزاب المكونة للمنظومة الحاكمة أو البرلمان المجمدة اختصاصاته وإنما شملت أيضا أحزاب وأسماء سياسية أخرى عادت وخرجت من "النسيان" والجمود إلى دائرة الضوء والتحرك بحثا عن موضع قدم أو "دور" ومكانة من أجل إعادة التموضع في المشهد العام من جديد، سواء تعلق الأمر بالأحزاب "الكلاسيكية" أو الفتية والسياسيين الكلاسيكيين أو غيرهم.
فعدم نجاح التحالفات والجبهات في قلب موازين القوى لفائدتها وتحقيق الهدف الذي انبت من أجله والمتمثل في إثناء سعيد عن قراراته ودفعه للتراجع عن "الاستثنائي" أو السعي للتقرب من قصر قرطاج ومن ثمة ضمان المشاركة مع سعيد في هندسة سياسة وتسيير دواليب الدولة خلال الأشهر الأربع الماضية، دفع بعض السياسيين إلى العودة إلى البحث عن أشكال تحالفات وجبهات أخرى من المنتظر أن يتم الإعلان عنها مع بداية العام الجديد خاصة أن الجميع في انتظار ما سيتم الإعلان عنه من مراسيم جديدة في عيد الثورة بعد أسبوعين. وأبرز مثال على ذلك ما أكده العياشي زمال القيادي في حزب "تحيا تونس" من استعدادات للإعلان عن جبهة سياسية جديدة أو ما أعلن عنه كل من حرك قرطاج الجديدة بقيادة نزار الشعري أو حركة جمهورية قرطاج في البيان المشترك الذي صدر مؤخرا ومفاده أن الطرفين بصدد تدارس الوضع والقيام باتصالات ومشاورات في مجالات سياسية واقتصادية واجتماعية بهدف المساهمة في بلورة توجه أو استراتيجيا جديدة كفيلة بالمساهمة في الإصلاحات اللازمة والخروج من الأزمات والغموض التي تكتنف المشهد العام في تونس في ظل ضبابية القرارات وموجة الرفض وأزمة الثقة التي تخيم على الوضع العام اليوم. ويذكر أن حزب الدستوري الحر هدد برفع قضايا ضد كل من مؤسستي سبر الآراء "سيقما كنساي" و"أمرود" بسبب تكرار استخدام حزب قيس سعيد في عمليات سبر الأراء على اعتبار أن في ذلك تمويه ومغالطة في حين يرى البعض أن القصد بهذا الحزب هو الحركة التي يترأسها نزار الشعري وخرجت مؤخرا للنشاط السياسي في العلن.
كما هو الشأن بالنسبة لحركة النهضة وما عرفته من تصدعات وانشقاقات واستقالات وخلافات، تبين عديد المعطيات أن التوجه إلى تشكيل "أجسام" حزبية جديدة على أنقاضها كنتيجة حتمية لانعدام التواصل وتوسع هوة الخلاف داخل الحركة، هو بصدد التحضير والتكون.
لذلك تلوح البوادر والمؤشرات إلى حدوث تغييرات مرتقبة في مستوى الأحزاب ومكونات المشهد السياسي خاصة بعد أن تبين عطالة وعجز "الماكينة" القديمة والمتعارف عليها داخل الأحزاب من ناحية وعدم القدرة على التغيير والقيام بالمراجعات البناءة والهادفة داخل بعض الأحزاب والتيارات.